تنبيه النحاس إلى أن المحكوم عليه في جناية يحرم من الشهادة
” وكذلك الحال بالنسبة لأقواله في التحقيقات فقد نصت المادة 25 من قانون العقوبات على أن كل حكم بعقوبة جناية يستلزم حتما حرمان المحكوم عليه من الشهادة أمام المحاكم مدة العقوبة إلا على سبيل الاستدلال فما بالك بالمحكوم عليه بالإعدام وقد نفذ فيه الحكم فعلا. هذا فضلا عن عدوله في 31 يوليو سنة ١٩٢٥ عن اتهام السعديين وتبرئتهم من تهمة مقتل السردار كما جاء في شهادة الصاغ سليم افندي زكي والملازم أول أحمد أفندي طلعت وانجرام بك حكمدار بوليس الإسكندرية.
” وفضلا عن اضطرابه في أقواله كما أثبته سعادة النائب العمومي في ملاحظته حيث جاء فيه: نذكر أن شفيق منصور كان يلح علينا في إعادة مناقشته في قضية السردار ولم يذكر لنا أسماء في كلامه الشفهي فأفهمناه بأن القضية حكم فيها وأن اضطراب أقواله لا يجعل محلا لإطالة المناقشة معه في هذا الموضوع بعد الحكم نهائيا وقد أفهمناه بذلك فاكتفى . فقد قضى بذلك سعادة النائب العمومي نفسه على قيمة أقوال شفيق منصور ، وحكمه هذا ينسحب بطبيعته على أقوال شفيق في الحوادث الأخرى لأنه لم يذكرها إلا للوصول لتخفيف الحكم عليه في قضية السردار”
الحكومة نفسها أعدمته قبل تقديم المتهمين إلى المحاكمة ولم تستبقه
” بل إن الحكومة نفسها لم تعتبر لأقواله قيمة ما بدليل أنها أعدمته قبل تقديم المتهمين إلى المحاكمة فلم تستبقه حتى تقدم أقواله ضدهم على سبيل الاستدلال . ولم يؤخذ بأقوال شفيق منصور لأشخاص آخرين فلماذا تجعل قيمة لأقواله ضد ماهر والنقراشي إلا إذا كان الغرض اتهامهما على أي حال؟
“كان ذلك فضلا أيضا عما سنبينه فيما بعد من طرق التأثير المختلفة التي وقعت عليه لحمله على اتهام الأبرياء ومن تناقضه المتكرر في أقواله ومن تكذيب جميع الأشخاص الذين ذكرهم له في كل ما أعاده ، ومتى انهدمت قيمة أقوال شفيق منصور فقد انهار الاتهام كله.
طعن النحاس باشا في شهادة نجيب الهلباوي
“شهادة محمد نجيب الهلباوي على علاتها لا تصلح أيضا دليلا ضد ماهر والنقراشي لأنه لم يكن سوى شاهد سماع عن شفيق منصور الذي حكم عليه بالإعدام وأعدم فعلا. ولأنها لا تخرج عن كونها أقوالا صادرة من شفيق منصور فلا تصلح لتعزيزها وإلا كانت النتيجة أن أقوال شفيق منصور ، تعززها أقوال شفيق منصور ولأن شهادته لا تعلق لها بأية حادثة بالذات من الحوادث موضوع الاتهام ، هذا فضلا عن كونه من ضمن المحكوم عليهم الذين أفرج عنهم في سنة 1924 ضمن المجرمين السياسيين ، وكان يشتغل لحساب البوليس السري وفضلا عما سيبينه حضرات زملائي تفنيدا لشهادته”.
النحاس يرى أن شهادة على حنفي إلغاء لوظيفة القضاء
“شهادة علي حنفي ناجي على علاتها أيضا لا تصلح دليلا ضد ماهر والنقراشي لأنه لم يكن سوى شاهد سماع عن المرحوم والده وشهادة السماع لا قيمة لها قانونا لأن الأخذ بها معناه إعطاء قيمة لأقوال يدعى بأنها صدرت في غير مجلس القضاء من غير حلف يمين وبدون مناقشة مبدئية فيما ينقل عنه منها وهذا مناف لطبيعة الشهادة وإلغاء لوظيفة القضاء إذ يكون الناقل عن غيره هو القاضي في صحة ما ينقله عنه.
هذا فضلا عن كون علي حنفي ناجي هذا يشتغل لحساب البوليس السري وفضلا عن كون شهادته لا تنسحب على أية حادثة بالذات من الحوادث موضوع الاتهام لذلك لا تكون لأقوال علي حنفي ناجي قيمة كما أنه لا قيمة لأقوال نجيب الهلباوي ولا يمكن لكلا القولين أن ينهض دليلا ضد المتهمين.
وهنا دارت المناقشة التالية :
- حضرة القاضي : تؤخذ على سبيل الاستدلال.
- النحاس باشا: هذا جميل وإني أحمد الله على أن حضرة القاضي متفق معي على هذه النتيجة وهي أن كل هذه الأقوال لا تؤخذ إلا على سبيل الاستدلال ، إني مسرور لذلك والواجب على قاضي الإحالة ألا يحيل متهما على محكمة الجنايات بمجرد أقوال تؤخذ على سبيل الاستدلال.
طعن النحاس باشا في شهادة توحيد طاهر و تحويلها لعكسها
أما شهادة توحيد طاهر فإنها تصلح لأن تكون شهادة نفي لماهر والنقراشي لأنها تنحصر أولا في أن النقراشي توسط لدى وكيل قسم الحشرات بناء على خطاب توصية حضر إليه به من حسن كامل الشيشيني أفندي. وثانيا في أن شفيق منصور كلم أحمد ماهر وزير المعارف وقتئذ بخصوص إدخال سيف الدين طاهر أخيه مجانا بالمدرسة الخديوية فقبل بها. وهذا وذاك قاطعان في أن ماهر والنقراشي لم تكن لهما علاقة بعائلة مصطفى حمدي ولم يساعدا أخويه إلا بناء على توسط آخرين لديهما.
إلى هنا انتهت الدلائل المشتركة المقدمة ضد ماهر والنقراشي وقد تبين أن لا قيمة لها على الإطلاق فلننظر في الدليل الخاص بماهر.
طعن النحاس باشا في شهادة يعقوب صبري
أما شهادة يعقوب صبري أفندي الخاصة بماهر دون النقراشي فإنها على علاتها لا تنهض أيضا دليلا ضد ماهر. لأنه من جهة كان متهما في بعض هذه الحوادث وهو ممن شملهم قرار سعادة النائب العمومي القاضي بصرف النظر عن اتهامهم فيها فكأنما صرف النظر عن اتهامه ليكون شاهدا ضد ماهر وكأنما أراد سعادة النائب العمومي بهذه الوسيلة أن يدخل في الإجراءات القضائية المصرية عملا بنظام شاهد الملك المقرر في النظم الإنجليزية وهذا ليس بمسموح في أنظمتنا القضائية فلا يمكن أن يكون له قيمة ما.
ومن جهة ثانية فإن اعترافه لم يجيء إلا بعد إنكار تام وبعد أن لبث في السجن الانفرادي خمسة عشر يوما وقع في أثنائها عليه من التأثير ما وقع لحمله على اتهام ماهر، وقد كان أنكر من قبل معرفته به ليكون هذا الاتهام ثمنا للإفراج عنه. وبعد أن أعطى إليه الضمان على ذلك كما هو مستفاد من تقريره الذي كتبه في السجن في أول أكتوبر سنة1925 وكما هو الواقع فعلا.
دلالة استدعاء الوزير يحيى إبراهيم باشا لعبد الحليم البيلي
وقد سمعتم حضرتكم بالأمس من عبد الحليم بك البيلي أنه عقب وصوله من الآستانة استدعاه يحي باشا إبراهيم بصفته رئيسا له كوزير للخارجية بالنيابة وبصفته رئيسا للحكومة المصرية بالنيابة وقال له إنه يريد منه أن يفضي إليه بأسرار الحوادث السياسية وهو يضمن له حريته التامة ومستقبله وفي حالة ما إذا لم يفض إليه بها فإنه لا ينتظر أية حماية لا منه ولا من أية جهة أخرى وأنه حضر بعد ذلك انجرام بك وكوين بويد فأعاد يحيي باشا عليه هذه العبارة على مسمع منهما قال عبد الحليم بك فأجبته في الدفعتين بأنه يخطى جدا إذا ظن أن لي علاقة بهذه المسائل ويؤلمني أن أسمع منه هذا الكلام ولو أنه مدفوع إليه بضغط الأشخاص الذين يريدون ذلك.
ضغوط رسل باشا
وقال ثم أخذني انجرام بك إلى رسل باشا حكمدار البوليس فأعاد عليّ هذه العبارة بشكل أفهم منه أنهم صادرة من دار المندوب السامي. وقبيل خروج نشأت من السراي استدعاني رسل باشا مرة أخرى وقال لي أتعرف أن نشأت باشا شلناه فقلت لا فقال أنه خرج وسيكون في وظيفة سفير ولكنه لا يخرج إلى الخارج ، وقال لي أن الناس يعتقدون أن لنشأت باشا تأثيرا في التحقيقات وقد أخرجناه ولابد من أن يكون لديك على الأقل معلومات بالجرائم والمجرمين فقلت له: ليس لي علاقة بالإجرام.
النحاس باشا يثبت ضغوط السلطات من أجل صناعة الاتهام
وهذا يثبت اتحاد السلطات على التأثير بطرق الوعد والوعيد على الأشخاص ليوجهوا تهما إلى الآخرين ويعدوهم بضمان حرياتهم ومستقبلهم إذا هم أجابوهم إلى طلبهم وإلا فلا حماية لهم عندهم ولا عند غيرهم وإلا فالقبض والسجن وما يتبع ذلك.
هذا مثل لما وقع بالضبط ليعقوب صبري ويزيد عليه أن التأثير بالوعد والوعيد قد حصل فقد تم القبض عليه فعلا وبعد انكاره وإيداعه السجن فأنتج الثمرة المطلوبة.
ومن جهة ثالثة فإنه ليس بمعقول ولا قابل للتصور أنه مع كونه لم تسبق له معرفة بعبد الرحمن الرافعي ولا بالدكتور ماهر يقص ماهر أمامه بمجرد التعارف بين ثلاثتهم بمنزل الصوفاني بك حكاية وفاة الضابط مصطفى حمدي بواسطة شظايا قنبلة عندما كان يتمرن على إلقاء قنابل جديدة بالجبل بحلوان هذا فضلا عن تناقضه مع شفيق منصور في أقواله عمن حضر سماع هذه القضية من ماهر فكلاهما يقرر أن الآخر لم يكن موجودا. وفضلا عن كون شهادته لا تتعلق بأية حادثة بالذات من الحوادث موضوع الاتهام.
(9) هذه النظرية العامة وحدها كافية لإظهار قيمة الدلائل المقدمة من النيابة العمومية وأنها لا تسوغ الإحالة على محكمة الجنايات فإذا لم تكن النيابة استطاعت أن تحفظ الدعوى لسبب ما فإن قاضي الإحالة له الحق بل عليه الواجب الذي يقضي به الذمة والقانون والعدالة أن يقرر بأن لا وجه لإقامة الدعوى ضد ماهر والنقراشي فإنه إنما وجد نظام محاكم الجنايات ليكون ضمانا للمتهمين عوضا عن الدرجة الابتدائية في النظام القديم لا آلة للاتهام والقضاء مستقل في عمله لا سلطان لأحد عليه فلا يجوز له أن يحيل متهما إلى محكمة الجنايات إلا إذا كانت الدلائل المقدمة كافية كما هو نص المادة 12 من قانون تشكيل محاكم الجنايات.
مناقشة النحاس باشا لتقارير شفيق منصور
(10) أنتقل بعد هذه النظرة العامة إلى مناقشة تقارير شفيق منصور وأقواله في التحقيقات وأترك لحضرات زملائي الكلام عن بطلان الإجراءات التي حصلت في القضية من أولها إلى آخرها والتي بسببها لبث المتهمان كبيرا المقام في السجن الانفرادي يذوقان مرارته ويقاسيان آلامه هذا الزمن الطويل.
(11) كلام صدر من شفيق منصور ضد ماهر والنقراشي ورد في تقريره الذي كتبه في السجن بتاريخ 13 أبريل سنة 1925 فهل هذا الاتهام الذي صدر منه ضدهما في هذا التاريخ كان طبيعيا أو أنه لم يصدر منه إلا تحت تأثيرات خاصة؟
(12) هذا الاتهام منه لم يكن طبيعيا لأنه لم يذكر عنهما شيئا في أقواله التي أبداها أمام سعادة النائب العمومي بعد القبض عليه في المرة الثانية لا في 28 مارس سنة 1925 عندما أعترف على نفسه في حادثة السردار وفي الحوادث السابقة ولا بعد ذلك في 29 مارس سنة 1925 وفي 30 منه مع أنه ذكر في هذين المحضرين أسماء المشتركين معه في الحوادث السابقة ولا في 2 أبريل كذلك ولا في 7 أبريل كذلك لم يذكر شيئا عنهما في التقرير الذي قدمه لسعادة النائب العمومي بتاريخ 2 أبريل سنة 1952 ولا في التقرير غير المؤرخ.
فلو كان يعلم شيئا ضد ماهر والنقراشي لكان قاله عنهما عند ذكر أسماء المشتركين في الحوادث المذكورة ويكون اتهامهما في التقرير الذي كتبه في السجن في 13 أبريل إنما يكون قد صدر منه تحت تأثيرات خاصة فما هي هذه التأثيرات؟
(13) ثبت من محضر جلسة المعارضة في أمر حبسه المنعقدة في 11 أبريل سنة 1925 أنه أخبر المحامي الذي حضر معه في الجلسة حضرة الأستاذ أمين عز العرب حين اختلى به أنه تحت تأثيرات شديدة متوالية وأنه اُقترح عليه في سجنه مرارا اتهام أشخاص لا علاقة لهم بهذه القضية إلا الآن. فقرر ذلك حضرة المحامي أمام القاضي وأثبته في محضر الجلسة ثم أخبر بتفصيله سعادة النائب العمومي عقب انتهاء الجلسة. فلما سئل شفيق منصور اعترف أمام القاضي بحصول التأثير عليه بغرض اتهام أشخاص آخرين ولكنه تحاشى تعيين الأشخاص خشية ازدياد عوامل التأثير عليه طبعا قياسا على ما تحمله في ذلك من قبل ، ونبين هنا ما ظهر من التأثيرات والله يعلم أن ما خفي كان أعظم.
اضطراب أعصاب شفيق منصور
(14) قرر شفيق منصور أمام حضرة القاضي أثناء نظر المعارضة في أمر حبسه في يوم السبت 14 مارس سنة 1925 أنه لا ينام الليل وأنه يرى في السجن حركات غير اعتيادية وأنه علم في يوم الخميس بأنه سيحصل جلد داخل السجن بدون إعلانه وأنه في يوم الجمعة طلب مدير السجن وتكلم معه بخصوص هذا الجلد فأجابه بأن هذا شيء بسيط ولا صحة له ، وأن هذا وهم فأخبره بأنه رأى أشياء كثيرة وسمع بعض المساجين يتكلمون بخصوص ذلك فأجابه بأن هذا غير صحيح وأنه في هذا اليوم السبت أيقظوه مبكرا وأحضروا له حكيما وأخرجوه من الزنزانة الساعة 5 صباحا وحلقوا ذقنه وقالوا إنه يوجد اليوم مجلس عسكري وسمع من الجاويشية أن مدير السجن حضر مع وكيل النيابة وسمع الشهود وأنه صدر الحكم ضده بالجلد والأشغال الشاقة خمس سنين . حصلت هذه التأثيرات عليه فاضطربت أعصابه حتى ظن من نفي مدير السجن لهذه الأعمال أمامه أنه أصيب بنوع من التخريف.
(15) وثبت من الكشف الطبي المتوقع عليه بالسجن في 16 مارس سنة 1925 أنه لم ينم ثلاثة أيام كما قالوا في السجن ولكنه يدعي أنه نام قليلا أو لم ينم أبدا مدة أسبوع وأنه وجد في جسمه من علامات العنف خدشان على الرسغ الأيسر. وهذا يدل على أنه عدا التخويف والتهديد كان يستعمل معه العنف أيضا.
(16) وفي 28 مارس سنة 1925قرر شفيق منصور أمام النائب العمومي أنه سيعدم الليلة بواسطة ضربة على رأسه وقرر أمام حضرة القاضي الذي نظر في المعارضة في أمر حبسه في هذ اليوم بأنه يسمع في السجن بأنه سيعدم بطريقة الربط على عمود وإلقاء الأحجار عليه وأنه سمع ذلك من جاويش السجن والكونستبلات وأنهم دائما يتكلمون في هذه المسألة وأنه عند سماعه هذه الأقوال يحصل تأثير على أعصابه.
(17) وقرر أمام سعادة النائب العمومي في 7 أبريل سنة 1925 أن كل ما قرره فيما يختص بهذه القضية أخيرا غير صحيح لأنه كان تحت تأثير الخوف والفزع والتهديد بالموت من الكونستبلات والجاويشية الموجودين بالسجن.
(18) وقرر في 11 أبريل أمام حضرة القاضي الذي نظر في المعارضة في أمر حبسه أن كل ما صدر منه لم يحصل بمحض إرادته وإنما كان من تأثير رجال البوليس الذين كانوا يلازمونه في الساعة 8 صباحا للساعة 9 فكان في حالة عصبية شديدة وكان ما يقال له بأنه موصل للنجاة وليس موصلا للجناة.
نجاح التأثير على شفيق منصور
(19) هذا ما ظهر من التأثيرات المختلفة التي توقعت عليه في السجن قبل يوم 13 أبريل سنة 1925 الذي كتب فيه تقريره عن الحوادث السابقة ضد ماهر والنقراشي ولم يكن قد مضى يومان على ما أخبر به محاميه في هذه التأثيرات بجلسة المعارضة في 11 أبريل سنة 1925 مما يدل على أن هذه التأثيرات قد أنتجت فعلا أثرها المطلوب.
(20) ويدل على ذلك أيضا أنه بمجرد أن حضر أمام سعادة النائب العمومي في اليوم التالي وهو يوم 14 أبريل كتب أمام سعادته تقريرا هذا نصه: أقرر بأن كل ما ورد فيما قدمته لسعادة النائب تحت عنوان تقرير مقدم مني لا صحة له بالمرة وأنني كتبته فقط للدفاع عن نفسي أو كوسيلة توصلني إلى الخلاص من موقف صعب زججت بنفسي فيه، وأنني أقرر صراحة بأن هؤلاء الأشخاص بالأخص الآخرين لم أخبرهم عن شيء من هذه الحوادث ولا ذكرت شيئا عنها لا بعدها ولا قبلها وإنني أنا شخصيا المسئول عن ذلك وأنا الذي كنت أعمله فقط لا غيري وأما الإشارة الواردة في الدوسيه عن قول بعضهم أستشير غيري فليس هناك غيري مطلقا وإنما كنت أستشير نفسي. وإني أشهد الله على ذلك وهذا إقرار واعتراف مني بذلك وأشر عليه سعادة النائب العمومي بالإشارة الآتية: تقدم من شفيق منصور اليوم حيث كتبه أمامنا. وهذا يدل على أنه انتهز فرصة وجوده أمام النائب العمومي في هذا اليوم بعيدا عن المؤثرات التي تحيطه في السجن فكتب أمامه ها التقرير إظهارا للحقيقة.
(21) وقد اقتنع بذلك سعادة النائب العمومي حيث إنه لم يعر تقرير 13 أبريل أي التفات ولم يعمل عنه تحقيقا ما وحرر في 21 أبريل سنة 1925 تقرير الاتهام في قضية السردار وقدم المتهمين فيها إلى قاضي الإحالة.
(22) على أن هذه النتيجة لم تكن لتروق الذين كانوا يعملون على إيقاع ماهر والنقراشي فعمدوا إلى التأثير على شفيق منصور من طريق آخر بعد أن أحيلت القضية إلى محكمة الجنايات وفعلا أنتج التأثير الجديد مفعوله فأدى إلى الأقوال التي أبداها شفيق منصور أمام سعادة النائب العمومي في تحقيق 10 مايو سنة 1925 وقبض بسببها على ماهر والنقراشي فما هذه المؤثرات؟
النحاس يفصل القول في دور وزير الداخلية صدقي باشا
(23) لقد آن لنا أن نذكر عمل الحكومة على التخصيص في هذا الشأن كان النقراشي مقبوضا عليه في حادثة السردار كما سبق ايضاحه وكان لابد من إيجاد أدلة ضده والأدلة معدومة وكان محمد نجيب الهلباوي يشتغل لحساب البوليس السري مع سليم أفندي زكي رئيس المكتب السياسي ابتداء من 3 أكتوبر سنة 1924 لمعرفة مرتكبي الجرائم السياسية كما هو مبين في شهادة سليم أفندي زكي.
فلما وقعت حادث السردار أخبره بها سليم أفندي زكي في يوم وقوعها فأخذ يشتغل في اكتشاف مرتكبيها بالاتصال مع البوليس إلى أن قبض على الفاعلين الحقيقين فقدم تقريرا بذلك في 4 فبراير سنة 1925 لم يرد فيه ذكر لماهر والنقراشي وكان بناء على اكتشافه يأمل نيل المكافأة البالغ قدرها عشرة آلاف جنيه لمن يدل الحكومة على مرتكبي حادثة السردار.
ولكن في اليوم التالي وهو اليوم 5 فبراير سنة 1925 أفهمه معالي إسماعيل باشا صدقي وزير الداخلية إذ ذاك أنه يعلن العفو التام عنه مع منحه هذه المكافأة على أن يوضح جميع ما يعمله بخصوص الجرائم السياسية التي ارتكبت في القطر المصري وبالأخص حادثة السردار بخطاب هذا نصه:
رئاسة مجلس الوزراء- ختم مكتب وزير الداخلية-
حضرة محمد أفندي نجيب الهلباوي
أمرني صاحب الجلالة الملك بأن أمنحك عفوا تاما وذلك بأن:
- أولا: لا تقام عليك الدعوى في جريمتك الخاصة بإلقائك قنبلة على حضرة صاحب العظمة المرحوم السلطان حسين في سنة 1915.
- ثانيا: تمنح عفوا من حضرة صاحب الجلالة الملك عن الجريمة والحكم السابق وذلك إذا أوضحت جليا جميع ما تعلمه بخصوص الجرائم السياسية التي ارتكبت في القطر المصري وبالأخص اغتيال السردار وتأكدت الحكومة من إخلاصكم في المعلومات التي أعطيتموها وعلاوة على هذا العفو فإنك تمنح العشرة آلاف جنيه المكافأة بالشروط الواردة بالإعلان.
وزير الداخلية الإمضاء
ونلاحظ هنا أن الدعوى الخاصة بإلقاء القنبلة في سنة 19١5 كانت أقيمت عليه وحكم عليه فيها ونفذ عليه الحكم في وقتها إلى أن عفى عنه في 11 فبراير سنة 1924 ضمن المجرمين السياسيين فلا يمكن أن تقام عليه من أجل هذه الحادثة الدعوى من جديد إنما كان المقصود تجسيم الأمر أمامه من جهة ومنع العشرة آلاف جنيه عنه من جهة أخرى حتى يخضع لما يريده منه البوليس من اتهام من يريد إيجاد الأدلة ضدهم.
ولذلك قدم تقريرا آخر في 5 فبراير سنة 1925 قال فيه: إنه علم من شفيق منصور بأن جميع الحوادث كانت من تدبيره وقد صرف عليها كل إيراده وعلم منه أن النقراشي كان شريكا له في كل أعماله تقريبا وكذا أحمد أفندي ماهر والشيشيني إلخ وهذا هو بيت القصيد إن كان علم ذلك من شفيق منصور حقيقة فكيف لم يذكره في تقريره الذي قدمه عن الحادثة في اليوم السابق.
وكيف لم يتوجه بنظره إليه ولم يوجه إليه نظر سليم أفندي زكي الذي كان يشتغل معه في 3 أكتوبر سنة 1924 لمعرفة مرتكبي الجرائم السياسية ، حقق النائب العمومي في هذين التقريرين ابتداء من 15 فبراير سنة 1925 إلى 21 منه وكانت النتيجة أن أفرج عن النقراشي في 23 فبراير سنة 1925.
من كتاب “المقامر والمغامر والمكابر” الطبعة الأولى – دار الروضة للطباعة والنشر والتوزيع – 1441 ھ – 2020 م