الرئيسية / المكتبة الصحفية / مصطفى عبد الرازق الانسان الفاضل و الفيلسوف المتسامي

مصطفى عبد الرازق الانسان الفاضل و الفيلسوف المتسامي

لا أكاد أجد في تاريخنا الحديث والمعاصر كله إجماعا علي نبل شخصية من الشخصيات وعظمتها قدر ما أجده من إجماع في حق هذا الرجل الجليل، يختلف الناس علي المصلحين وعلي الزعماء وعلي القادة وعلي الأفذاذ والأبطال، لكنهم يجتمعون علي مصطفي عبد الرازق كما لم يجتمعوا علي فضل أحد غيره.

ويبدو لي أن هذا الرجل قد أخذ نفسه بمنهج متميز وقاس في تربية النفس حتي صار إلي ما صار إليه، كما أنه رزق قدرًا كبيرًا من المزايا الخلقية التي ينشأ عليها الإنسان ويظل حريصًا علي التمسك بها.

وقد نال هذا الرجل درجات رفيعة من الوظائف والمكانة، لكنه كان في كل ما وصل إليه أكبر مما وصل إليه بالفعل، ولك أن تقارنه بنظرائه في هذه المجالات لتدرك حجم تفوقه علي معاصريه وخلفائه وأسلافه.

وهو مع كل هذا واحد من أخوة متميزين جدًا بعضهم يكبره وبعضهم يصغره، وهم جميعا أهل فضل، لكن فضله عليهم واضح لكل ذي بصر، ولكل ذي رأي.

هو أول عمامة تصل إلي كرسي الوزارة، وهو أول وزير يصل إلي منصب مشيخة الأزهر، وهو الباشا الذي تنازل عن كل ألقابه حين أصبح شيخا للأزهر مكتفيا بلقب صاحب الفضيلة، وهو أستاذ الفلسفة في الجامعة المصرية، وهو أكبر من أن يكون رئيسا للقسم أو عميدًا للكلية، كان يدفع بالتالين له إلي هذه المناصب لأن مكانته في نفسه وفي قلوب عارفيه كانت أكبر من أن تحيط بها وظيفة، أو تحجمها وظيفة.. وقد توفي مبكرا لم يعش إلا ريثما تجاوز الستين بعامين فقط، كأنه السلف الصالح الذين كانت أعمارهم تدور حول هذه السن.

إليه يرجع الفضل في الامتداد بعلوم الفلسفة الإسلامية لتشمل علم الكلام، وأصول الفقه، ساندته في هذا نشأته وعلمه، وإن لم يسعفه تلاميذه بملاحقته على ذلك الدرب.

كان الشيخ مصطفي عبد الرازق للفلسفة الإسلامية بمثابة علي باشا إبراهيم للجراحة، ومن اللافت للنظر أنهما ماتا في أسبوع واحد ودخلا مجمع اللغة العربية في يوم واحد، ووليا الوزارة في حقبة واحدة، مات أحدهما وهو مدير للجامعة المصرية، ومات الآخر وهو شيخ للأزهر.

**

ولد الأستاذ مصطفي عبدالرازق عام 1885 في «أبو جرج» حيث موطن أسرته الفاضلة الكريمة الكبيرة، ودرس في كتاب القرية، والتحق بالأزهر الشريف في نهاية القرن التاسع عشر (1896) حيث كان الشيخ محمد عبده هو نجم الأزهر، وقد انجذب فتَانا إليه وإلي دروسه وواظب عليها، وعلي هذا  الامام  العظيم درس التفسير ، كما درس البلاغة من خلال كتاب «دلائل الإعجاز» لعبد القاهر الجرجاني.

ونال الشيخ مصطفي عبد الرازق شهادة العالمية (القديمة) من الأزهر الشريف وهو في الثالثة والعشرين من عمره (1908)، فاختير للتدريس في مدرسة القضاء الشرعي، لكنه لم يلبث إلا قليلا وسافر إلي باريس حيث درس في السوربون وفي ليون. وفي فرنسا راوح مصطفي عبدالرازق بين التلمذة والأستذة، فدرس الاجتماع وتاريخ الآداب، كما درّس الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق، والأدب العربي في كلية الآداب، واضطر للعودة إلي مصر بسبب ظروف الحرب العالمية الأولي، وحصل علي وظيفة في الأزهر سكرتيرًا لمجلس الأزهر الأعلي (1915). و هكذا قدر له أن يتصل مرة أخري بأساتذة كبار عن قرب وحميمية.

**

وبعد سنوات (1920) اختير للعمل بالمحاكم الشرعية كمفتش، ولبث في هذا العمل بضع سنوات اختير بعدها (1927) ليشغل وظيفة الأستاذ المساعد للفلسفة في كلية الآداب الناشئة حينذاك، وبعد ثماني سنوات نال درجة أستاذ الكرسي (1935)، وقبل أن تنقضي ثلاث سنوات اختير وزيرا للأوقاف في وزارة محمد محمود باشا الثالثة (إبريل 1938)، واحتفظ بهذا المنصب في وزارة محمد محمود الرابعة (يونيو 1938)، لكنه لم يشارك في وزارة علي ماهر الثانية (أغسطس 1939)، وشارك في وزارة حسن صبري الأولي (يونيو 1940)، وفي وزارتي حسين سري الأولي والثانية (نوفمير 1940 ويوليو 1941)، وهكذا ظل وزيرا للأوقاف معظم الفترة  منذ إبريل 1938 وحتي عاد الوفد إلي الحكم في فبراير 1942. ولم يكن استمراره هذا كالعهد بتبادل المواقع الوزارية، لكن ظروف اشتراك الأحرار الدستوريين في الوزارات التالية لوزارات محمد محمود الكبري سمحت بهذا الوضع.

وبعد خروج الوفد من الحكم في أكتوبر 1944 عاد الشيخ مصطفي عبدالرازق للعمل وزيرًا للأوقاف  في وزارتي أحمد ماهر الأولي والثانية (أكتوبر 1944 ويناير 1945)، ثم النقراشي الأولي (فبراير 1945)، وقبل نهاية عهد الوزارة صمم النقراشي علي اختيار مصطفي عبدالرازق ليكون شيخا للأزهر عقب وفاة الإمام محمد مصطفي المراغي، وكان قد أصبح أقدم وزراء الأحرار الدستوريين المشتركين باتصال في الائتلاف، وذلك بعد خروج زميله الدكتور محمد حسين هيكل باشا من الوزارة ليتولي منصب رئيس مجلس الشيوخ.

لم يلبث الشيخ مصطفي عبد الرازق في منصبه كشيخ للأزهر إلا إلي يناير 1947 حيث توفي فجأة بعد عام واحد من توليه مشيخة الأزهر.

**

أساتذتي الأجلاء

نعلم أن آثار مصطفي عبدالرازق قليلة لكنها ذات قيمة علمية كبيرة، ويبدو أن محاضراته الشفوية كانت في حاجة إلي التسجيل والتوثيق، وإذا كنا نحكم علي أهل العلم بمن اختاروهم من أسلافهم للترجمة لهم، فإن بوسعنا أن ندرك طابع مصطفي عبدالرازق ممن ترجم لهم، فقد ترجم للكندي والفارابي في كتاب أسماه «فيلسوف العرب والمعلم الثاني»، ونشر أيضا كتابا عن الإمام الشافعي واضع أصول الفقه ، كما ترجم للإمام محمد عبده، كما أبَي «التكوين الشاعري» في شخصيته إلا أن يعبر عن نفسه من خلال ترجمته للبهاء زهير.

وبالإضافة إلي هذه التراجم فإن للشيخ مصطفي عبدالرازق كتابا سماه «تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية»، كما أن له كتابين مخطوطين في المنطق والتصوف، وكتابا ثالثا بعنوان «فصول في الأدب».

علي أن ما يدلنا علي قيمة علم هذا الأستاذ وإمكاناته الكامنة التي لم يقدر لها التبلور علي أرض الواقع، هو أن نعرف جهده في ترجمة «رسالة التوحيد» للشيخ محمد عبده إلي اللغة الفرنسية مشتركا في هذا مع العالم الفرنسي برنار ميشيل، وقد وضعا أيضا بالاشتراك معًا كتابا آخر عن الشيخ محمد عبده .

لعل هذا بعض ما يصور سير حياة هذا الشيخ المصلح الذي حرمت بلاده مبكرًا من استمرار جذوة عقليته، وإن لم تحرم من آثاره في تلاميذه  والمتشيعين له، ويكفي أن نذكر أن أثر هذا الأستاذ قد امتد حتي الأيام التي نعيش فيها الآن، فقد كان هو بمثابة الأستاذ الروحي المفضل عند الشيوخ  الذين فازوا في السنوات الأخيرة بأرفع جوائز الدولة، وهي جائزة مبارك ومَنْ رشحوا لها؛ فهو علي سبيل المثال الأستاذ الذي لا أستاذ بعده عند عبدالرحمن بدوي، وهو الأستاذ الأثير عند نجيب محفوظ الذي عمل له سكرتيرا بعد أن كان له تلميذا، وهو الأستاذ الفاضل العظيم الذي يحتل القمة عند أنيس منصور، وعند عبد القادر القط، وعند شوقي ضيف.

**

ولعلي أخرج من هذا إلي أن أنقل بعض الآراء التي تضمنتها مذكرات وكتابات  بعض هؤلاء عن هذا الرجل الفاضل، وقد كُتبت معظم هذه الفقرات علي مدي خمسين عاما من رحيله.. وكأنما لم تنل السنوات المتتالية من قيمة هذا الرجل في نفوس وعقول وقلوب تلاميذه وعارفي فضله.

وابدأ بأن أنقل بعض فقرات من كلمة الأستاذ أحمد أمين في تأبينه:

«ترك في نفس كل مَنْ عرفه فراغًا لا يملأ، ولوعة يعز عليها الصبر. كان ـ رحمه الله ـ متميزًا في خلقه، متميزا في أدبه، متميزا في علمه. نفس كريمة سمحة، وقلب عطوف رحيم، وصدر واسع رحب، لا يحمل حقدًا، ولا ينطوي علي ضغينة، وحلم رائع لا يستفزه نزق، ولا يستخفه غضب».

…………………………….

«أخذ من الأرستقراطية أجمل ما فيها، ومن الديمقراطية أجمل ما فيها. أناقة في الملبس من غير بهرجة، ورشاقة في الحركة من غير تصنع، وأدب في الحديث من غير ترفع، ودِعَة ٌ’في النفس من غير تكلف. فامتلأت منه نفسي، وأحببته وصادقته في جلسة، وتأكدت الصداقة بيننا علي مر الأيام، وأشهد أني لم أر منه ما يخدش الصداقة أو يعكر صفو الود، وهكذا كان شأنه ـ رحمه الله ـ مع كل صديق».

…………………………….

«سمح كريم النفس، يبذل العطاء للبائس والمحتاج، فكم بكَتْه أسر كان يعولها في الخفاء، وكم له من يد علي اليتامي والفقراء، وكم أنفق في تعليم محتاج، وكم سعي في توظيف عاطل، أو دفع الظلم عن مظلوم، أو إيصال الخير لمستحق. وأسعفه علي ذلك ماله الخاص، فأنفق منه الكثير، ومركزه في الجمعية الخيرية الإسلامية ووزارة الأوقاف فتعاون ماله الخاص والمال العام علي رفاعة المعروف علي البائسين والمحتاجين والمنكوبين، فكان نفاح اليدين، وغيث المعروف. وكان من طيب نفسه لا يحقد علي مجرم أو مسيء أو مذنب، علي حين يتهلل للمحسن والخَّير والنبيل، فكان خلاصة فلسفته في ذلك: الجبر في الإساءة، والاختيار في الإحسان. فهو لا يكره خصومه، ولا يبغض من أساءه، ولكنه يحب من أحسن ويحب كل الحب أصدقاءه».

**

أساتذتي الأجلاء:

لا يخلو عمل استرجاعي من أعمال نجيب محفوظ من الثناء على أستاذه مصطفي عبد الرازق وهو يقول في مذكراته التي سجلها الأستاذ رجاء النقاش:

.. «الشيخ مصطفي عبد الرازق هو مثال للحكيم كما تتصوره كتب الفلسفة، رجل واسع العلم والثقافة، ذو عقلية علمية مستنيرة، هادئ الطباع، خفيض الصوت، لا ينفعل ولم أره مرة يتملكه الغضب. كان الشيخ مصطفي عبد الرازق من أنصار حزب الأحرار الدستوريين، ويعرف أنني وفديٌّ صميم، ومع ذلك لم تتأثر علاقتنا أبدا».

**

وهو أبرز الذين يحظون بثناء الدكتور عبد الرحمن بدوي من أساتذته، ومذكرات بدوي لا تمل من الثناء على هذا الرجل العظيم الذي لم يجد الزمان حقيقة بمثله على حد ما تصفه هذه المذكرات. ونحن نقرأ في هذه المذكرات ما يشير به عبد الرحمن بدوي إلي أن علاقته بالشيخ مصطفي عبد الرازق ربما تزيد في عمقها على علاقته بطه حسين:

«ويوازي هذه العلاقة [يتحدث عن علاقته بطه حسين] وربما يزيد عليها عمقا، علاقتي بالشيخ مصطفي عبد الرازق».

بل إن عبد الرحمن بدوي يشير إلي سرعة الألفة بينه وبين هذا الأستاذ العظيم:

«سرعان ما نشأت بينه وبيني علاقة وثيقة بعد مرور شهر واحد من بدء الدراسة».

**

ولا تمل مذكرات عبد الرحمن بدوي من الثناء علي الشيخ مصطفي عبد الرازق في مواضع عديدة ننقل منها قوله واصفا شيخه:

«لقد كان النُبل كله، والمروءة كلها. كان دائما هادئ الطبع، باسم الوجه، لا يكاد يغضب، وإن غضب لم يعبر عن غضبه إلا بالحمرة في وجهه وصمت كظيم: لقد كان آية في الحلم والوقار، لكنه وقار عفو الطبع، لا تكلف فيه ولا تصنع، وفي حالات الأنس بمحدثيه من الأصدقاء أو التلاميذ كان ودودا محبا للسخرية الخفيفة، وإذا أراد التقريع لجأ إلي التهكم اللاذع».

«وكان آية في الإحسان إلى الآخرين، ما لجأ إليه مظلوم إلا حاول إسعافه، أو صاحب حاجة إلا بذل له ما استطاع حتي لو كان من ماله. وكم له من أياد بيضاء على بعض طلابه الذين سألوه المساعدة، رغم أنهم لا يستحقونها، كما تجلي في سلوكهم فيما بعد!».

«وكان عزوفا عن المناصب الإدارية، ويتنازل عنها لمن هو حريص عليها. أذكر أنه في شهر مايو سنة 1936 أجريت انتخابات لمنصب العمادة في كلية الآداب بعد أن شغر بنقل منصور فهمي إلي دار الكتب، فنال الشيخ مصطفي أكبر عدد من الأصوات، وتلاه الدكتور طه حسين، وحينئذ أعلن الشيخ مصطفي أنه لا يريد تولي منصب العميد، فكان أن عين طه حسين عميدا، كذلك كان الشيخ مصطفي رئيسا لقسم الفلسفة، فلما جاءنا الأستاذ أندريه لالاند في أكتوبر سنة 1937 تخلي له الشيخ مصطفي عن رئاسة القسم تقديرا لمكانة لالاند».

**

«كان متحرر الفكر اجتماعيا، يدعو إلي تحرير المرأة، ومن هنا كان يكتب في مجلة «السفور» مقالات ذات نزعة تحريرية للحياة الاجتماعية، وقد أعيد طبع هذه المقالات في الجزء الأول (والوحيد الذي ظهر) من كتاب «آثار مصطفي عبدالرازق» الذي أشرف علي جمعه وإخراجه أخوه الأستاذ علي عبد الرازق، وهذا التحرر الاجتماعي هو الذي كان هدف هجمات الأزهريين عليه، خصوصا حين صار شيخا للأزهر في ديسمبر سنة 1945».

**

أما حديث الدكتور شوقي ضيف عن الشيخ مصطفي عبد الرازق فيحفل ـ علي عادة كل حديث في شأن هذا الشيخ العظيم ـ بكل ما هو ممكن من الثناء علي هذه الشخصية الفذة النبيلة المعطاءة بغير حدود، ومع أن علاقة شوقي ضيف بأستاذه الشيخ مصطفي عبد الرازق لا تصل إلي حدود علاقة طلاب قسم الفلسفة من أمثال نجيب محفوظ وعبد الرحمن بدوي، فإن حب شوقي ضيف لهذا الرجل الفذ لا يقل عن حبهما، كما أن تعبيره عن هذا الحب لا يقل  عن تعبيرهما، وهو يقول:

«… وعُين الشيخ مصطفي بكلية الآداب أستاذا مساعدا للفلسفة الإسلامية، وظل يحتفظ بزيه الأزهري في صورة أنيقة دون بهرجة، وكان يحف به وقار ومهابة وجلال، كما كان يحف به حب طلابه لسماحة نفسه وكريم شمائله، إذ كان يفتح قلبه لهم، وكان غاية في التواضع وأدب الحديث دون أي ترفع، وكأنه أب رءوف أو صديق عطوف».

«وكان يذهب في محاضراته مذهبا لم يُسبق إليه، هو أنه ينبغي ألا يعوّل في دراسة الفكر الإسلامي علي كتب الفلسفة الإسلامية وبيان جذورها وفروعها فيه، بل يعوّل علي كتب أصول الفقه والتشريع الإسلامي حيث يتضح اتضاحا تاما استقلال هذا الفكر وأنه لا يستمد من مصادر أجنبية، بل يعتمد علي ذاته إذ نشأت مقوماته وتطورت داخل العقل العربي الإسلامي الخالص، وكان يتتبع حياة هذا الفكر وأصوله تتبعا علميا خصبا».

…………………………….

«وكان الفتي ورفاقه يشغفون شغفا شديدا بمحاضرات الشيخ مصطفي عبد الرازق وما يثير فيها من آراء وأفكار، وكان قد تعمق الثقافتين: الأزهرية القديمة والفرنسية الحديثة، فكان محافظا، وفي الوقت نفسه كان مجددا، أو بعبارة أخري كان يجمع بين المحافظة وخير ما فيها والتجديد وخير ما فيه، فهو من الرعيل الذي استظهر إلي أقصي حد شخصية أمته الإسلامية العربية المصرية مع التزود بالفكر الغربي الحديث تزودا من شأنه أن يجلو هذه الشخصية ويبرز خصائصها العقلية علي نحو ما كان يبرز الشيخ مصطفي عبد الرازق الفكر الإسلامي بخصائصه ومقوماته وطوابعه».

«وكان لا يزال يعرض علي الفتي ورفاقه في محاضراته آراء الفلاسفة والمفكرين الغربيين والعرب من أمثال رينان، وكارادي فو، وجولد تيسهر والشهرستاني، وابن القيم، وابن خلدون، ويناقشهم جميعا محاولا  بكل قوته أن يرفع صرح الفكر العربي الإسلامي في مجال أصول الفقه، لبنة من فوقها لبنة، وفكرة تعلوها فكرة، وكان حين يتناول آراء القدماء والمحدثين من العرب والغربيين يحصيها ويستقصيها مع الإنصاف الشديد في عرضها دون أي تحيف أو تعصب لفكرة أو لشخص، وكأنما كانت في يديه موازين عادلة، فهي تزن بالقسطاس دون أن تميل يمنة أو يسرة، وكان لهذا الإنصاف والعدالة في الأحكام والآراء أثرهما البعيد في نفس الفتي، إذ تعمقا ضميره ووجدانه».

**

ويتحدث الدكتور شوقي ضيف عن نمو علاقته بأستاذه مصطفي عبد الرازق فيقول:

«ورأي الشاب أن يزور أستاذ الشيخ مصطفي عبد الرازق، وقد لقيه في منزله لقاء كريما، ولم يكن منزلا أو قصرا للأسرة فحسب، بل كان أيضا منتدي كبيرا يجمع الأزهري العصري والمثقف ثقافة قديمة، والمثقف ثقافة حديثة، والوزير وغير الوزير من رجال الفكر والقلم، وكان أستاذه كوكب هذا النادي بما يجمع من الثقافة الحديثة والفكر الجديد  مع التمسك الشديد بالشريعة الإسلامية وروح الإسلام».

«وكل مَنْ عاش هذه الحقبة في تاريخ مصر يعرف ما كان لهذا المنتدي من التأثير الواسع في الفكر المصري حينئذ، فلما ألم به الشاب راعه وقار المجلس ومَنْ فيه، ولاحظ ذلك عليه أستاذه، فأخذ يتلطف إليه وبلغ من تلطفه أن كان حين يعرِّف جلساءه به واحدا بعد واحد، يذكر لهم منصبا جامعيا رفيعا آملا أن يشغله الشاب بعد حين، وأخذ يقترب منه في الحديث مع أدب بالغ حتي يدنيه منه، وحتي يرفع عنه ثقل ما أحسه فيه من كلفة، حتي إذا رأي الشاب الانصراف ضرب له موعدا آخر يلتقي به».

«ولم يكن هذا اللقاء الكريم للشاب شيئا آثره به الشيخ مصطفي عبد الرازق، فقد كان يلقي تلاميذه جميعا هذا اللقاء الباش البار، وإن الشاب ليذكر ذلـك كأنـه بالأمـس».

**

أما الدكتور محمد علي العريان أستاذ التربية فيقول في مذكراته :

«..وفي كلية الآداب تلألأ فؤادي بكثير من الدرر التي خرجت من بين شفتي طه حسين ومصطفي عبد الرازق الذي كان اسمه كالزهرة يجذب إليه كل راغب في الرحيق. أما طه حسين فكان اسمه كهتاف النجدة. أريد أن أعيد قراءة كثير مما درسنا علي يد هؤلاء الأساتذة الذين علمونا استقلال الفكر والتفكير والتمحيص».

و في مواضع كثيرة يذكر الدكتور العريان  بعض أقوال هذين الرجلين بالذات:

«وطه حسين هو الذي قال لنا: اقرأوا القرآن عبادة وتدبرا وتفكرا».

«ومصطفي عبد الرازق الأنيق الرشيق هو الذي قال لنا: ما لم تفكروا وما لم تكوَّنوا لأنفسكم فلسفة في الحياة نتيجة للتفكير، فلسوف تظلون في ضحالة وهزال؛ وأتعسُ الناس مَْن تزيد معرفته ويقل تفكره».

**

ويأتي حديثُ كثير من المفكرين والأدباء عن الشيخ مصطفي عبد الرازق مقترنا بحديثهم عن أسرته وجهودها في الحياة العامة والثقافية، وتحظي هذه الأسرة بثناء متصل من المؤرخ الكبير الأستاذ محمد عبدالله عنان، وهذه فقرة من حديثه عن هذه الأسرة:

«… وكان من آثار وجودي في تحرير «جريدة السياسة»، أن اتصلت فيمن اتصلت بهم، بآل عبدالرازق: مصطفي عبد الرازق، وعلي عبد الرازق، ومحمود عبد الرازق، وكان مصطفي وعلي يكتبان في السياسة من آن لآخر، وكان أخوهما محمود باشا من قادة حزب الأحرار الدستوريين، بل قائده الأول، وكنت أتردد من آن لآخر مع الدكتور هيكل علي منزل آل عبد الرازق الواقع خلف سراي عابدين».

**

وسرعان ما أدركت ما كانت عليه هذه الأسرة من العراقة والنبل، وما كان عليه أولئك الأخوة الثلاثة من رفيع الخلال، بل أستطيع أن قول إني لم أشهد بين الأسر المصرية العريقة أسرة تضارع آل عبد الرازق في رقة الخلال، وفي الكرم، والأدب، والتواضع، ورحابة الصدر. أذكر أني كنت مع الدكتور هيكل ذات يوم في حديقة منزل آل عبد الرازق، وجاء السفرجي يقول: «تفضلوا .. الأكل جاهز»، فقمت أستأذن الدكتور هيكل في الانصراف، فقال لي: «إلي أين؟»، فقلت: «إني لم أُدْعَ إلي الغداء»، فقال: «وأنا كذلك لم أدع، ولكن تقليد آل عبد الرازق أن يشترك دائما في السفرة مَنْ وجد من الأصدقاء والزوار، سواء كانوا من المدعوين أم لا».

«ولقد توثقت علاقتي علي مر الأيام بالأستاذين الكبيرين مصطفي عبدالرازق وعلي عبد الرازق، وكان الأسـتاذ علي في أواسـط العشـرينيات يشرف علي إصـدار مجلـة شـهرية، تسـمي مجلة «الرابطـة الشـرقية» تعني بشئون الأمم الإسـلامية الشـرقية، فدعـاني إلي المسـاهـمة في تحـريرها، فاسـتجبت مغتبطا».

ويذهب الأستاذ خليل السكاكيني الذي خلف الشيخ مصطفي عبد الرازق في كرسيه في مجمع اللغة العربية إلي تصوير الشيخ في صورة العالم الموسوعي المتفوق الذي أحاط بالعلوم إحاطة متمكنة كانت تؤهله لريادتها:

«لو لم يسبقه الخليل بن أحمد، لكان هو أول من وضع علم العروض ، ولو لم يسبقه سيبويه لكان هو إمام النحاة غير منازع ، ولو لم يسبقه عبد الرحمن بن عيسي الهمذاني صاحب كتاب «الألفاظ الكتابية» لكان هو أول من جمع شذور العربية الجزلة في أوراق يسيرة، ولو لم يسبقه ابن خلدون لكان هو أول من وضع علم الاجتماع ، ولو لم يسبقه أرسطو لكان هو أول من وضع علم المنطق..، ولو فسح له في الأجل لكشف القناع عن حقائق كثيرة مجهولة» .

**

وكتب الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد يصف الشيخ مصطفي عبد الرازق في كتابه «صور ضاحكة» فقال ضمن ما قال :

«… ما رأيت في حياتي وجهًا أصبح من وجهه ولا أنضر، يبتسم فيتلألأ محياه ببشر صاف كاللؤلؤ، ويمشي فتري في مشيته الوقار الأنيق، أجل كان أنيقًا في كل شيء، في خلقه، وفي نبله، وفي أريحيته، وفي عراقة أصله، وفي عمله، وفي أسلوبه، بل في ضحكته! تعرفه فيبهرك منه أنس يفيض وود يشيع، وعطف حانِ يغمرك به فلا تملك إلا الإعجاب بهذه السجايا الجليلة كلها التي تستل من قلبك ما قد يعلق به من شوائب، وتشعر حيال هذا الرجال بالطمأنينة تملأ شعاب نفسك، فتهدأ بعد ثورة، وتصفو بعد كدر، وتسكن بعد غل»

«وللرجل في أعناقنا دَيْنٌ كبير لا نستطيع أن نوفيه حقه مهما فعلنا، فهو صاحب الفضل الأول في نجاحنا في ترجمة دائرة المعارف الإسلامية، وذلك أننا ما إن بدأنا هذا المشروع الكبير حتي رجعت إلينا حملة مسعورة مسمومة اشترك فيها للأسف بعض أساتذتنا الأجلاء، وتعرضنا لهجوم قاس مرير، فكنا بفضل تشجيعه نواصل الليل بالنهار في العمل الدائب والجهاد المرير، ويكاد يغلبنا اليأس فنلقاه بوجهه السمح وبشاشته الآسرة وعطفه الأبوي الكريم فيتبدد هذا اليأس، ونخرج من داره العامرة بزاد روحي جديد ونفحة عقلية من نفحاته تحثنا علي مواصلة العمل وألا نضع جميع العقبات أمامنا، بل نحاول أن نتغلب علي كل عقبة حين تنشأ، كما وجه إلينا هذه الحكمة البليغة وهي أن الاستمرار كفيل بقطع ألسنة النقد المغرض والحسد المقيت».

…………………………….

«وأصبح بيته ندوة علم وأدب يجتمع فيها العلماء وشيوخ الأزهر والأدباء، وفيهم المسلم والمسيحي، والعربي والأجنبي، كما تضم الرجال والنساء».

«وقد أمدت هذه الندوة النهضة بلون طريف من العلم والأدب، وأظهرت بين المصريين طائفة ذات طابع خاص في الثقافة يمتزج فيه القديم بالحديث، وتتآلف عنده الفلسفة والدين، وتتفتح في رحابه آفاق البحث، وتنطلق تحت ظلاله مذاهب الفكر، ولاشك أن مصطفي كان ـ من حيث يريد أو لا يريد، ومن حيث يدري أو لا يدري ـ هو مدار هذه الحركة وقطبها».

«وقد كنا نؤم هذه الندوة ونتعلم منها الكثير، وكان الحاضرون يُدْعَون جميعا إلي الغداء إذا حلَّ وقت الغداء، ويقام لهم جميعًا العشاء إذا أقبل وقت العشاء، بل إن معظم الأساتذة في جامعة القاهرة إذ عادوا بعد إتمام دراستهم في أوربا كانوا يعدون دروسهم في بيت الشيخ مصطفي علي اختلاف تخصصاتهم في الأدب أو في اللغة أو في الفلسفة».

«ولست أنسي أيضا محاضرة له ألقاها بالفرنسية في الجمعية الجغرافية يوم كانت جديرة بهذا الاسم، وهو في زيه الأزهري الأنيق، ووجهه الطلق السمح، وأناقته الوقور البادية، وقال في ختامها قولته المشهورة: «الدين واحد والشرائع تختلف» فصفق له الأجانب رجالاً ونساءً، والتفوا به بعد المحاضرة، فكان يلتفت إلي هذا ويحيي هذه في بشاشة محببة وأناقة ساحرة، حتي راحت فضليات النساء الأجانب يصِحْن: «ما أجمل هذا الشيخ وأظرفه، ويا لعلمه وأُفقه البعيد، وسماحته المشهودة»!.

**

ولست أجد في وصف سجايا الأستاذ مصطفي عبد الرازق أبلغ من كلام زميله وعارف فضله الدكتور طه حسين حيث يقول:

«وإذا كان حب العلم وطلابه المخلصين هي الخصلة الأولي من الخصال التي لزمته حياته كلها، فخصلة الوفاء هي الخصلة الثانية من خصاله؛ فقد عرفته محبًّا للعلم وطلابه كأشد ما يكون الحب وأصدقه وأعمقه، يسعي إليهم ويقربهم منه، ويؤثرهم بالخير وينزلهم من نفسه مكانة الصديق. وعرفته وفيًّا لكل من أحب من الناس، لا يفرق بينهم في ذلك، مهما تكن  الظروف، ومهما يبعد بينهم الزمان، ومهما تلم الأحداث وتدلهم الخطوب»

«وكان وفيًّا للذين عرفهم، وحسنت الصلة بينه وبينهم من الأساتذة الفرنسيين حين أقام في فرنسا طالبًا للعلم الحديث بعد أن أخذ بحظه من العلم القديم في مصر».

«والبر بطلاب العلم خاصة وبكل من يحتاج إلي البر عامة، كان الخصلة الثالثة من خصال مصطفي عبد الرازق، فلم أعرف قلبًا أبرَّ بفقير، ولا نفسًا أرق لذي حاجة، ولا يداً أسرع إلي العطاء من قلب مصطفي عبد الرازق ونفسه ويده».

«كان أستاذاً في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وكنت عميداً لها في بعض الأوقات، وكان فقراء الطلبة أكثر مما تحتمل قواعد المجانية في الكلية إذ ذاك، فكان يسعي إلي في بعضهم، فأجتهد له في ذلك، حتي لا أجد سبيلاً إلي الاجتهاد، فأشهُد ما تخلَّفَ قط عن أداء نفقات التعليم عن أولئك الذين كانت تضيق بهم القواعد، وكلَّمْتُه في ذلك ذات يوم وقلت له: توشك ألا تجد شيئًا من مرتبك آخر الشهر، فضحك ضحكة حلوة وقدم إلي سيجارة من نوع جديد، كما كان يقول، ثم ألقي بهذه الكلمة التي لم أنسها قط، والتي ينبغي أن يذكرها كل قادر علي العون: «وماذا تريد أن نصنع بهؤلاء الطلاب؟ أتريد أن نتركهم يصدون عن العلم ونحن نري»؟.

« كان وفيًا وكان أبيًا، وكان برا، وكان سمح الطبع والنفس والقلب.. ولم أره قط يخرج عن هذه الخصال، كلها تأثير في حديثه إذا تكلم، وفي فنه إذا كتب».

«هذا هو مصطفي عبد الرازق: إمام في خُلقُه، إمام في دينه، إمام في علمه، إمامٌ في أسلوبه، إمام في أدبه، رحمه الله رحمة واسعة»

**

وقد ظل مصطفي عبدالرازق يمثل صورة ذلك التلاقي النموذجي بين حضارة الغرب الوافدة وحضارة الأزهر الأصيلة، فضلاً عما امتاز به من جمع بين المحافظة والتجديد علي نحو ما أشار الدكتور شوقي ضيف في فقراته التي نقلناها عنه، ولعله كان بمنزلة النموذج الأول للعالم الأزهري الذي عاد من الغرب ليرتدي زيه الأصلي وليعمل في مجال عمله الأصلي بروح تجمع بين هذا وذاك، وليس من العجيب أن نقرأ هذا التصوير [المنسوب  إليه] لحاله حين عاد إلي لبس العمامة وهو في حجرته من الباخرة قبل أن ينزل إلي شاطئ الإسكندرية، وهو ما يصوره المستشار طارق البشري في حديثه في مجلة الهلال  عن تكوينه هو نفسه حيث يقول:

«… أما العمامة فكانت لجدي لأبي الذي كان شيخا للأزهر، ولسبعة من الأعمام تخرجوا جميعا في الأزهر وعملوا به ، ولجدي لأمي الذي تخرج في الأزهر ثم عاد إلي قريته. أما الطربوش فكان لأبي أصغر أخوته، وأول من انتقل إلي المدارس الحديثة فتخرج في كلية الحقوق واشتغل بالقضاء الأهلي، ثم لأولاد الأعمام جميعا الذين سلكوا بلا استثناء إلي المدارس الحديثة في العلوم والمهن المختلفة، ثم لكل من اتصلت بهم علي مسيرة الحياة من مدرسي المدارس إلي غالب أساتذة الجامعة إلي الزملاء والأقرباء وآباء الأصدقاء وغيرهم، هي ذات الشرعية الاجتماعية تنتقل من نوع تعليم إلي نوع آخر، ومن عادات عيش إلي عادات أخري. وقد شاهدت هذا الانتقال بدرجاته وصوره في الملابس والمساكن ونوع السلوك، وهذه الدرجات والتنويعات والظلال التي تشغل طريق الانتقال من حال إلي حال، وعرفت كيف يكون نظر الإنسان مشبوبا إلي مستقبل يحقق صور الحياة التي تملأ الرءوس المطربشة من حيث التقدم بالصور التي راجت بين جيل أبناء المدارس الحديثة من شباب 1919، وكيف يعود إلي العمامة، ولسان حاله يردد مع الشيخ مصطفي عبدالرازق، عندما عاد من أوروبا بالباخرة، وفي ليلة الدخول إلي الإسكندرية رجع إلي ملبسه الأزهري وشعر إزاء زملاء الحجرة أنه انتقل من جيلهم إلي جيل آخر، لكنه أشاح عن الأسي وقال: «أيتها العمامة: عزيزة أنت رغم كل شيء».

هكذا يتحدث المستشار طارق البشري وهو يواصل حديثه كأنما يستلهم روح الشيخ مصطفي عبد الرازق فيقول :

«عرفت هذا وذاك وعرفت أن جل ما كان في جيل المطربشين من شباب 1919 أنهم رغم شعورهم بالتفوق علي ذوي العمائم في حاضرهم ومستقبلهم، ورغم ما اندس إليهم من وجوه الانبهار بحاضر أوروبا، وأقصد بالانبهار هذا الشعور بالإعجاب الذي يبلغ حدا يميل بالمبهور إلي التقليد ويضعف لديه المقدرة علي التوازن في الاختيار، رغم كل ذلك فقد كان [أي الجيل، وربما لا يختلف الأمر لو جعلنا الضمير يعود علي الشيخ مصطفي عبد الرازق الذي نظن أن طارق البشري قد استحضر صورته وهو يتحدث في هذه الفقرة] موصول العروق بالرءوس المعممة، مقرا ومعتزا ببنوته لهؤلاء، وظل جيلا مشمولا في غالبه بفكرة «القداسة» وأن العمل لا يقابل الأجر فقط، وإنما يقوم أداء للرسالة، لذلك لم يكن غريبا أن يتردد علي ألسنتهم وصف «القاعة المقدسة»، سواء علي دار البرلمان و دار القضاء أو دار التعليم، لأنه وصف استصحبوه من المهام التقليدية للمسجد، تشريعا وقضاء وتعليما، ورغم أن الموصوف بالقداسة لديهم كان من المؤسسات الوضعية الحديثة ذات النظم الوافدة، فقد كانوا يجتهدون في إخضاعها للهضم الفلسفي الحضاري الموروث».

**

وقبل كل هؤلاء جميعًا يقول له أستاذه الشيخ محمد عبده في إحدي الرسائل:

«ما سررت بشئ سروري أنك شعرت في حداثتك بما لم يشعر به الكبار من قومك ، فلله أنت ولله أبوك ، ولو أذن لوالد أن يقابل وجه ولده بالمدح لسقت إليك من الثناء ما يملأ عليك الفضاء، ولكنني أكتفي بالإخلاص في الدعاء أن يمتعني الله في نهايتك بما تفرّسته في بدايتك».

واختتم هذا الحديث عن النبل في شخصية مصطفي عبد الرازق بما كتبه الشيخ مصطفي عبدالرازق نفسه في 18 يناير 1947 أي قبل وفاته بأيام:

«صرفتني الأقدار عن حياة المنطق إلي حياة ليست بمنطقية».

كأنما كان هذا العالم الجليل يتحسر علي الزمن الذي ضاع منه في المناصب الكبيرة بينما كان أولي به أن يخلو فيه إلي نفسه.

من كتاب “كيف أصبحوا عظماء”، مؤلفات الدكتور محمد الجوادي، الطبعة ٢ الهئة المصرية العامة للكتاب 2008
 
 

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com