الرئيسية / المكتبة الصحفية / الدكتور حسين فوزي المفكر المصري الكبير

الدكتور حسين فوزي المفكر المصري الكبير

في الحادي عشر من الشهر الماضي  ١١ أغسطس ١٩٨١ أضاء المفكر المصري الكبير  الدكتور حسين فوزي الشمعة الأولى بعد الثمانين من عمره المضي.

ولا يزال مفكرنا الكبير يعطي في كل مكان ومجال. .وقد كان آخر انشطته هو تمثيله لمصر في المؤتمر الدولي للمسرح مع صديقه الكبير توفيق الحكيم، هذا بالإضافة إلى أنه لا يزال أكثر الكتاب الكبار مداومة على اقناع القارئ بنظراته وتأملاته العميقة.

مفكر واسع الأفق

وأصدق ما يقال في وصف الدكتور حسين فوزي هو أنه المفكر واسع الأفق، وفي هذا الصدد فانه يحتل مكانة قلما أتيحت لكبار المفكرين في الحضارات العظمى، فقد درس الطب في قصر العيني، ومارسه،  وتخصص في طب وجراحة العيون ، ثم أغرته البعثة العلمية  بأن يتخصص في علوم البحار  فيدرس في فرنسا  ويعيش فيها .

و هو الأستاذ الذي  طور لوطنه معهد علوم البحار ومدرستها ومتاحفها المصرية الأولى، وأسس كلية العلوم المصرية الثانية ورعاها عميدا عشر سنوات، وتولى مقاليد الجامعة الثانية في الثغر في أحلك الاوقات، ثم شارك بالجهد الأوفر في تأسيس كل كيانات وزارات الثقافة والارشاد القومي والاعلام والمؤسسات الثقافية، ومعاهد الفنون واكاديميتها وفرقها .

وهو إلى ذلك كله فيلسوف عميق، وأديب من الرواد المجددين وكاتب من الفحول وصحفي من الدرجة الأولى. وعلى صعيد المواهب الشخصية فانه من أمهر عازفي الكمان في الشرق، هذا مع كثرة هواياته، ودقة مهاراته.

هذه الرحلة الطويلة العريضة تحتاج إلى التناول بشيء من التفصيل، لتكون نبراسا للشباب في جميع مراحله حين تنتابهم الحيرة في تحديد مستقبلهم، و حين يأتيهم القدر بالآفاق الواسعة فيأبون إلا ان يبقوا على ما عرفوه وظنوا أنهم اجادوه.

نشأته

ولد الدكتور حسين فوزي سنة 1900، في حى الحسين، وسمى باسم الامام الحسين، وكان والده مهندسا وتلقى تعليمه في مدارس القاهرة، وحصل على الباكالوريا من المدرسة السعيدية، وجاء ترتيبه الرابع على القطر، وكان الأول سنتها هو صديقه الكبير الدكتور محمد كامل حسين، والتحقا بكلية الطب، وبرز فيها، وتخرج بعدما شارك في ثورة 1919، وهو طالب، وقضى عامين طبيبا، واختار التخصص في الرمد، وعمل في مستشفى الرمد بالجيزة بعض الوقت.

بعثته العلمية

ثم تقدم الدكتور حسين فوزي لبعثة لدراسة علوم الاحياء المائية “الهيدروبيولوجيا” في فرنسا، ووقع عليه الاختيار، وسافر إلى تولوز، وأتيحت له زيارات عدة لمتاحف العالم في علوم البحار، وتاريخ الحضارة، ودرس بيئات المياه العذبة والمياه المالحة، واعد بحوثا ودراسات أصيلة و موسعة في هذا التخصص.

 معهد علوم البحار بالإسكندرية

وعاد الدكتور حسين فوزي من بعثته بعدة ديبلومات عالية في النبات والحيوان وعلوم البحار ومصايد الاسماك ليتولى أمر معهد علوم البحار بالإسكندرية ، كأول مصري ، وظل يتولى هذه المهمة لأكثر من اثنى عشر عاما نهض فيها بالمسئولية على اتم وجه، وأنشأ مدرسة علمية رفيعة المستوى في علوم البحار في ثغرنا الكبير.

تأسيس كلية العلوم في جامعة الإسكندرية

و تنشـأ جامعة الاسكندرية ويختار الدكتور حسين فوزي عميدا لكلية العلوم الجديدة، فيكون ثاني عميد للعلوم بعد الدكتور مشرفة باشا في القاهرة، واستاذا لعلم الحيوان. ويتولى الدكتور فوزي عمادة علوم الاسكندرية قرابة عشر سنوات ،ثم يتولى أمر الجامعة عاما كاملا من أقسى الأعوام في تاريخ الجامعة يثبت فيه قدرة العلماء على العطاء في كل الميادين.

وكيل وزارة الارشاد القومي

ويعود الدكتور حسين فوزي إلى القاهرة ليشغل  منصب الوكيل الدائم لوزارة الارشاد القومي عند نشأتها، التي كانت نواة وزارتي الثقافة و الإعلام فيما بعد ،  ولم تكن هناك وزارة لهذه الأغراض محددة المعالم، ولكن الدكتور فوزي يعمل بجهده الدؤوب على وضع أسسها وبرامجها وتنظيم ادارتها.

ريادته الثقافية

وايادي الدكتور حسين فوزى على الثقافة المصرية الحديثة لا ينكرها أحد، وستبقى آثار الدكتور فوزي في هذا المجال ما بقيت الثقافة المصرية، فقد اتاح فكر الدكتور فوزى الذى اعان عددا من أشهر وانشط وزراء الثقافة المصريين على استحداث القوالب الجديدة للثقافة الاعلامية والفنية من خلال مصلحتي الآداب والفنون ، ومن خلال انشاء الاذاعات المتخصصة، كالبرنامج الثاني والموسيقى، ووضع أسس اوركسترا القاهرة السيمفوني ، ومسرح العرائس وفرق الفنون الشعبية.

أكاديمية الفنون

بقى الدكتور حسين فوزي في منصبه هذا طلب إحالته إلى التقاعد ، وواصل جهوده في بناء أسس الثقافة والفنون في مصر على أساس علمي يتيح البقاء والازدهار، وتنشأ بفضله اكاديمية الفنون، ويكون اول من يتولى أمر الاشراف عليها، وتنشأ معاهد الأكاديمية و دراساتها العليا ، وبذل الدكتور فوزي الجهد في تدعيم اتصالها بالعالم الخارجي من خلال البعثات العلمية، لتعرفها مصر لأول مرة على نطاق واسع، والتبادل الثقافي، واستقطاب الاساتذة الدوليين .

وتكرم الدولة جهود الدكتور حسين فوزي فتمنحه جائزتها التقديرية للفنون  والدكتوراه الفخرية في الفنون 1979.

قصته مع جائزتي الدولة التقديريتين

ويوم منح الدكتور فوزي جائزة الدولة التقديرية في الفنون كان اسمه مرشحا أيضا لنيلها في الآداب، ولكنه اعتذر عن ترشيحه لجائزة الآداب بعدما أعلن عن فوزه بجائزة الفنون، وفاز يومها بجائزة الآداب شاعر الشباب أحمد رامي.  ترى هل كان من الممكن أن يحدث العكس لو بدأ أعضاء المجلس الاعلى للفنون والآداب يومها بالتصويت على جائزة الآداب قبل جائزة الفنون! احتمال كبير!

قيمته بين الأدباء

يحتل عالمنا الجليل مكانته كواحد من اعظم الأدباء العرب في العصر الحديث بما يتميز به :  عمق فكرة وسلاسة بيان، وسلامة أسلوب، وقوة منطق.. والأدباء جميعا من هواة ومتفرغين يعترفون له بهذا الفضل، على جميع المستويات حتى على المستوى  النقابي المتمثل في اتحاد الكتاب بفوز الدكتور فوزي بأغلبية الاصوات عددا بعد صديقه الكبير توفيق الحكيم عميد الكتاب ورئيس الاتحاد

و الدكتور حسين فوزي بلا شك هو الرائد الأول والاستاذ الكبير لأدب الرحلات في مصر، ورحلاته ليست في المكان فحسب، ولكنها في الزمان كذلك، ورحلاته في الزمان ليست تأريخا بقدر ما هي طراز فريد من أدب الارتحال الذي يعنى بوضع الصورة الكاملة، وابراز الملامح الخاصة على النحو الكاريكاتيري.

وسلسلة كتب الدكتور فوزي  السندباديات  تمثل تراثا فكريا ضخما يحمل إلى جانبه العلمي والوصفي الدقيق لمحات ذكية دقيقة من النقد والنظرة الفاحصة والرؤية المتعمقة.

القصة القصيرة

وقبل هذا كله فان الدكتور فوزي واحد من رواد القصة القصيرة في مصر، وإن حالت دراسته في باريس بينه وبين متابعة انتاجه في هذا المجال، بالقدر المطلوب من الرواد الاوائل، ولكنه بلا شك واحد من ابرز الرواد الذين وضعوا البذور أو الأسس الحقيقية للقصة المصرية في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

جهده في المجمع العلمي المصري

بقيت نقطتان لا أظن الحديث عن الدكتور فوزي ينتهي دون الاشارة إليها ولو في سطرين، أولهما أن الرجل لايزال الى اليوم يحتل ـ وبصفة مستمرة ـ منصب نائب رئيس المجمع العلمي المصري، يتبدل الرؤساء على المجمع، ويبقى هو نائبا بعدما رأس هذا المجمع منذ حوالى ثلاثة عشر عاما.

هذا الفصل

نشر هذا الفصل  من كتاب ” سلطة النبوغ الخصيب ” : دار الروضة ، 2019 و نشر قبل هذا كمقال  في مجلة الشباب وعلوم المستقبل في ١٩٨١  بمناسبة بلوغ الدكتور حسين فوزي  الحادية والثمانين  .

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com