الرئيسية / المكتبة الصحفية / كمال دسوقي صاحب الذخيرة في علوم النفس

كمال دسوقي صاحب الذخيرة في علوم النفس

فقدت مصر بوفاة الدكتور كمال دسوقي رائدا من رواد علوم النفس، والصحة النفسية، والعلوم التربوية علي وجه العموم، وفقد زملاؤه وأبناؤه وتلاميذه إنسانا فاضلا بكل ما تعنيه الكلمة، عاش حياة علمية متميزة: كان الإخلاص طابعها المسيطر، وكان الجد جوهرها المثمر، وكان الحب ديدنها المفكر ، وتعددت إنجازاته العلمية حتي تكاملت له معرفة لم تكتمل لغيره، وحتي اكتملت له موسوعة لم ينجزها سواه، ومع هذا فقد عاش جم التواضع، عفيف اللفظ، خفيض الصوت، وقد جمع إلي هذا يقظة في الفؤاد، وحدة في الذهن، وحضورا للنكتة، وقدرة علي إسعاد التلامذة الأقربين، والمعارف، والمتعاملين جميعا.

عرفت هذا العلم الفذ طيلة ثلاثين عاما، وتكثفت معرفتي به في السنوات الخمس الأخيرة في مجمع اللغة العربية فكنت أجد فيه قدرة لم أعهدها في غيره من مجايليه على الاستشهاد باللفظ القرآني في لمح البصر، ويبدو لي أنه حفظ القرآن ثم لم يضيعه فحفظه الله عليه، كما حفظ عليه نعمة البصر والبصيرة، حتى إنه كان يقود سيارته في الطريق الصحيح بينما بصره لا يمكنه من أن يقود خطواته، وحفظ الله عليه نعمة الإيمان رغم تبحره الذي لم ينته في علوم الفلسفة والنفس جميعا.

خصاله الكريمة

كان الدكتور كمال دسوقي كريم النفس، وكان كريم اليد، وكان كريم العقل والفؤاد، وكنا نضرب بكرمه المثل حين كان المثل يعوزنا، بل وحين كان المثل يحضرنا أيضا.

كان الدكتور كمال دسوقي عالما بكل ما تعنيه الكلمة من معاني، يستحضر اللفظ، ويستقطر المعني، ويضرب المثل، ويصوغ النتيجة، وكان يؤدي هذا كله في سلاسة ويسر.

كان الدكتور كمال دسوقي محبا لتلاميذه، وأشهد أنه كان يسعد بأن يقطع إعارته ويأتي على نفقته كي يناقشهم في الموعد الذي يحبونه، لا في موعد إجازته السنوية، أو نصف السنوية.

كان الدكتور كمال دسوقي أبا رحيما، وأخا فاضلا، وابنا بارا، تستوي في هذا علاقة العلم والفهم، وعلاقة القربي والرحم، وما رأيت أحدا من أهل الفلسفة يقدر أساتذته على نحو ما كان يقدرهم، وكان عطوفا على زملائه، ولم يكن يبخل عليهم بعلم ولا بفضل.

نشأته وتكوينه العلمي

بدأ الدكتور كمال دسوقي حياته في الكتّاب، ثم انتظم في التعليم المدني مؤهلا بكل ثقافات جيله، وتخرج بتفوق في قسم الفلسفة بآداب القاهرة قبل أن تتفرع دراساته إلى فلسفة، واجتماع، وعلم نفس، ومارس البحث العلمي في علم النفس بجميع فروعه قبل أن تتفرع دراساته هي الأخرى، وقبل أن تنشأ عنها تخصصات الصحة النفسية، والعلوم التربوية.

وأحس الدكتور كمال دسوقي في نفسه ميلا إلى استكمال معارفه القانونية والحقوقية فانتسب إلى كلية الحقوق، ونال درجة الليسانس، ومكنه هذا من أن يكون أول مَنْ كتب في علم النفس العقلي كتابة جمعت بين روح القانون، وروح الفلسفة، وعلم النفس، كما كان من قبل أول مَنْ كتب في سيكولوجية إدارة الأعمال 1960، وسيكولوجية الإدارة العامة 1961.

أسس مدارس بحثية رفيعة في السودان

كان الدكتور كمال دسوقي مثقفا موسوعي الثقافة، وكانت له قدرة فائقة علي التصدي بالعلم والفلسفة معا لقضايا الحياة المعاصرة، وقد ظل يمارس هذا الدور حتي أخريات سنوات حياته، وكان قد وجد في نفسه الشجاعة والقدرة علي القيام بهذا الدور منذ كان طالبا في الجامعة، ومنذ كان خريجا حديثا، وقد نشرت له مجلة الأديب اللبنانية 1945 رده علي بعض نظريات قال بها الأب اليسوعي فيمير فيما يتعلق بقصيدة النفس الشهيرة التي ألفها الشيخ الرئيس ابن سينا، ووجدت ردوده وآراؤه هذه صدي طيبا فكتب بعد سنوات قليلة 1949 خمس مقالات متتالية في مجلة الرسالة الشهيرة عن النفس عند ابن سينا.

وحين امتد الدكتور كمال دسوقي بعلمه إلى أرض السودان فإنه أسس مدارس بحثية على مستوى رفيع ونشر دراسات متقدمة ومتتالية عن المجتمع السوداني، وعن الشخصية السودانية. كما نشر دراسات عن الاتجاه النفسي الاجتماعي للاستقرار لدى إحدى قبائل البقارة العرب السودانية، وعن مجتمع الرعاة في رفاعة شرق.

كذلك فعل في السعودية حتى اختير رئيسا لقسم العلوم الاجتماعية بالمركز الأمني في الرياض.

وبالإضافة إلى هذا فقد كان الدكتور كمال الدسوقي رائدا في الدراسات التي استهدفت دعم الصناعة بعلم النفس، كما درست الأنماط النفسية الحديثة التي نشأت عن تطبيق نظم اجتماعية واقتصادية مستمدة من قبيل فكرة المؤسسة العامة أو نظم اختيار القوي العاملة.

موسوعته الكبرى

أما موسوعته الكبري ذخيرة علوم النفس فعمل غير مسبوق، ولاتزال أيضا بمثابة عمل غير ملحوق، وهو عمل متفرد كفيل بأن يطلع الناس على كل ما يحبون ويتمنون من علم النفس، وفروعه، ومجالاته، ومدارسه.

 وأما كتب الدكتور كمال دسوقي الجميلة فقد جمعت إشراق الأسلوب إلى عمق الفكرة، وجمال العرض.

فقدت مصر بوفاة الدكتور كمال دسوقي رائدا من رواد علوم النفس، والصحة النفسية، والعلوم التربوية علي وجه العموم، وفقد زملاؤه وأبناؤه وتلاميذه إنسانا فاضلا بكل ما تعنيه الكلمة، عاش حياة علمية متميزة: كان الإخلاص طابعها المسيطر، وكان الجد جوهرها المثمر، وكان الحب ديدنها المفكر ، وتعددت إنجازاته العلمية حتي تكاملت له معرفة لم تكتمل لغيره، وحتي اكتملت له موسوعة لم ينجزها سواه، ومع هذا فقد عاش جم التواضع، عفيف اللفظ، خفيض الصوت، وقد جمع إلي هذا يقظة في الفؤاد، وحدة في الذهن، وحضورا للنكتة، وقدرة علي إسعاد التلامذة الأقربين، والمعارف، والمتعاملين جميعا.

عرفت هذا العلم الفذ طيلة ثلاثين عاما، وتكثفت معرفتي به في السنوات الخمس الأخيرة في مجمع اللغة العربية فكنت أجد فيه قدرة لم أعهدها في غيره من مجايليه على الاستشهاد باللفظ القرآني في لمح البصر، ويبدو لي أنه حفظ القرآن ثم لم يضيعه فحفظه الله عليه، كما حفظ عليه نعمة البصر والبصيرة، حتى إنه كان يقود سيارته في الطريق الصحيح بينما بصره لا يمكنه من أن يقود خطواته، وحفظ الله عليه نعمة الإيمان رغم تبحره الذي لم ينته في علوم الفلسفة والنفس جميعا.

خصاله الكريمة

كان الدكتور كمال دسوقي كريم النفس، وكان كريم اليد، وكان كريم العقل والفؤاد، وكنا نضرب بكرمه المثل حين كان المثل يعوزنا، بل وحين كان المثل يحضرنا أيضا.

كان الدكتور كمال دسوقي عالما بكل ما تعنيه الكلمة من معاني، يستحضر اللفظ، ويستقطر المعني، ويضرب المثل، ويصوغ النتيجة، وكان يؤدي هذا كله في سلاسة ويسر.

كان الدكتور كمال دسوقي محبا لتلاميذه، وأشهد أنه كان يسعد بأن يقطع إعارته ويأتي على نفقته كي يناقشهم في الموعد الذي يحبونه، لا في موعد إجازته السنوية، أو نصف السنوية.

كان الدكتور كمال دسوقي أبا رحيما، وأخا فاضلا، وابنا بارا، تستوي في هذا علاقة العلم والفهم، وعلاقة القربي والرحم، وما رأيت أحدا من أهل الفلسفة يقدر أساتذته على نحو ما كان يقدرهم، وكان عطوفا على زملائه، ولم يكن يبخل عليهم بعلم ولا بفضل.

نشأته وتكوينه العلمي

بدأ الدكتور كمال دسوقي حياته في الكتّاب، ثم انتظم في التعليم المدني مؤهلا بكل ثقافات جيله، وتخرج بتفوق في قسم الفلسفة بآداب القاهرة قبل أن تتفرع دراساته إلى فلسفة، واجتماع، وعلم نفس، ومارس البحث العلمي في علم النفس بجميع فروعه قبل أن تتفرع دراساته هي الأخرى، وقبل أن تنشأ عنها تخصصات الصحة النفسية، والعلوم التربوية.

وأحس الدكتور كمال دسوقي في نفسه ميلا إلى استكمال معارفه القانونية والحقوقية فانتسب إلى كلية الحقوق، ونال درجة الليسانس، ومكنه هذا من أن يكون أول مَنْ كتب في علم النفس العقلي كتابة جمعت بين روح القانون، وروح الفلسفة، وعلم النفس، كما كان من قبل أول مَنْ كتب في سيكولوجية إدارة الأعمال 1960، وسيكولوجية الإدارة العامة 1961.

أسس مدارس بحثية رفيعة في السودان

كان الدكتور كمال دسوقي مثقفا موسوعي الثقافة، وكانت له قدرة فائقة علي التصدي بالعلم والفلسفة معا لقضايا الحياة المعاصرة، وقد ظل يمارس هذا الدور حتي أخريات سنوات حياته، وكان قد وجد في نفسه الشجاعة والقدرة علي القيام بهذا الدور منذ كان طالبا في الجامعة، ومنذ كان خريجا حديثا، وقد نشرت له مجلة الأديب اللبنانية 1945 رده علي بعض نظريات قال بها الأب اليسوعي فيمير فيما يتعلق بقصيدة النفس الشهيرة التي ألفها الشيخ الرئيس ابن سينا، ووجدت ردوده وآراؤه هذه صدي طيبا فكتب بعد سنوات قليلة 1949 خمس مقالات متتالية في مجلة الرسالة الشهيرة عن النفس عند ابن سينا.

وحين امتد الدكتور كمال دسوقي بعلمه إلى أرض السودان فإنه أسس مدارس بحثية على مستوى رفيع ونشر دراسات متقدمة ومتتالية عن المجتمع السوداني، وعن الشخصية السودانية. كما نشر دراسات عن الاتجاه النفسي الاجتماعي للاستقرار لدى إحدى قبائل البقارة العرب السودانية، وعن مجتمع الرعاة في رفاعة شرق.

كذلك فعل في السعودية حتى اختير رئيسا لقسم العلوم الاجتماعية بالمركز الأمني في الرياض.

وبالإضافة إلى هذا فقد كان الدكتور كمال الدسوقي رائدا في الدراسات التي استهدفت دعم الصناعة بعلم النفس، كما درست الأنماط النفسية الحديثة التي نشأت عن تطبيق نظم اجتماعية واقتصادية مستمدة من قبيل فكرة المؤسسة العامة أو نظم اختيار القوي العاملة.

موسوعته الكبرى

أما موسوعته الكبري ذخيرة علوم النفس فعمل غير مسبوق، ولاتزال أيضا بمثابة عمل غير ملحوق، وهو عمل متفرد كفيل بأن يطلع الناس على كل ما يحبون ويتمنون من علم النفس، وفروعه، ومجالاته، ومدارسه.

 وأما كتب الدكتور كمال دسوقي الجميلة فقد جمعت إشراق الأسلوب إلى عمق الفكرة، وجمال العرض.

[ موضوع المدونة بالتفصيل في كتاب الدكتور محمد الجوادي : تسعة عشر أستاذا وصديقا ، مكتبة الشروق الدولية ، القاهرة ، ٢٠١٤]

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com