الرئيسية / المكتبة الصحفية / على الحديدي سفير اللغة العربية في استراليا

على الحديدي سفير اللغة العربية في استراليا

كانت حياة الدكتور علي الحديدي العلمية صورة من حياته الشبابية التي حفلت بالثورة المبكرة، ولم يكن من الغريب أن تكون رسالته   للدكتوراه عن الثائر عبد الله النديم من واقـع النصوص الليـبرالية التي كتبهـا هذا الأديـب العظـيم الذي حمـل لواء القلم في الثورة العرابية وفيما بعدها، وكانت في شخصية الدكتور علي الحديدي صورة من هذا الأديب الذي راد أهله وقومه إلي المطالبة بحقـوقهم المشـروعة في حيـاة سـياسية تتمتع بالحرية والديمقراطية أملاً في تقدم منشود كان قد تحقق لشعوب وأوطان مجاورة لمصر في عصر النهضة الأوروبية التي استلهمت التراث القريب ونجحت في أن تصوغ منه عوامل بناء لحياة عقلية وفكرية تقود الشعوب إلي التحرر الاجتماعي والسياسي، والبناء الاقتصـادي والحضـاري.

كانت وراء نجاحه أم مؤمنة بقدراته

بدأ الدكتور الحديدي حياته العلمية في الأزهر، ومع أنه لم ينل التوفيق الكامل في أولى مراحـل هذه الحيـاة إلا أن إيمـان والدته بقدراته ساعده علي أن يتخطى عقبات الفشل المبكر، وأن يصبح بعد ذلك علي الدوام متفوقا في دراسته على الرغم من مشاركاته البارزة في الحياة السياسية، وقد كان من حظه أن ينتمي لجموع الأزهريين المؤْثرين للتلاحم مع الحركة الوطنية بزعامة الوفد، ولقي الدكتور الحديدي كثيرًا من العنت بسبب تألقه في النشاط السياسي والطلابي، بل إنه واجه الحكم بالفصل من المعاهد الأزهرية جميعا وضياع مستقبله العلمي لولا وجود رجال مستنيرين من أساتذته، ولولا أن الإمام الأكبر الشـيخ مصطـفي المراغي نفسه كان واعيا لقيمـة أصحـاب الرأي حتي لو كانوا من مخالفيه.

وفي دار العلوم تكررت القصة مع الدكتور الحديدي لولا عناية العميد الأستاذ إبراهيم مصطفي به وحدبه عليه وتقديره لتفوقه ونبوغه.

بؤرة إشعاع للثقافة العربية والإسلامية في استراليا

وفيما بعد تأهله بالدكتوراه كان علي الحديدي رائدًا في توظيف علمه من أجل وطنه ولغته، وقد قبل بشجاعة الثوار أن يكون مبعوثا لبلاده في أستراليا لينشئ في هذه الأراضي البعيدة مركزًا لتعليم اللغة العربية للأجانب أصبح بمثابة بؤرة إشعاع للثقافة العربية والإسلامية في ذلك الركن البعيد من الكرة الأرضية، كما أصبحت أنشطة هذا القسم مدعاة للفخر في مصر وللتقدير لدي السلطات الأسترالية.

ترحيب رئيس الوزراء الأسترالي به

وليس أدل على هذا من أن رئيس الوزراء الأسترالي الشهير منزيس حضر أحد الاحتفالات بنفسه وأعلن عن سعادته بأن يكون لمصر سفيران لا سفير واحد، وأن يكون السفير الثاني متمثلاً في الدكتور علي الحديدي والقسم الذي تولاه برعايته وأبوته حتى أنه اصطحب في سفره إلى أستراليا مجموعة كبيرة من الكتب لتكون نواة لنشاط حي يقدم صورة عن الحضارة العربية، وعن مصر في عصرها الحديث.

ومن ناحية أخرى فقد كان هذا النشاط غير التقليدي لأستاذ من أساتذة الأدب العربي بمثابة تجربة خصبة كونت خبرة صاحبها المتقدمة في صياغة بحوث وكتابات رفيعة المستوى عن مشكلة تعليم اللغة العربية للأجانب.

امتداد نشاطه إلى البلاد العربية

وامتد نشاط الدكتور علي الحديدي إلى عدد من البلاد العربية كان فيها واحدًا من حملة المشاعل الأكاديمية والجامعية الذين لم يبخلوا بعلم أو جهد، وكان عطاؤهم مقدورًا ومشكورًا ومتراكما إلى حد فاق في أثره وتأثيره المضاعفات الجانبية التي نشأت عن الصراعات السياسية التي صاحبت تبني مصر لكثير من الدعوات الراديكالية في الستينيات وفي السبعينيات على حد سواء.

إسهامه في الصحافة اليومية

وقد أسهم الدكتور علي الحديدي بجهد وافر في الصحافة اليومية، وكان من أبرز محرري الأهرام في النصف الأول من الخمسينيات، وقد تولاه رئيس التحـرير الأستاذ  أحمد الصاوي محمد برعايته وتوجيهه، وساعده على أن يُخرج أول صفحة متخصصة في شئون الشباب والتعليم والجامعات، ولكن الحديدي كان بطبعه أميَل إلى العمل الأكاديمي، وكان حريصا على أن يحقق لنفسه الحلم في البعثة والدراسة في الخارج والعودة مؤهلا بسلاح البحث العلمي وبنافذة على حضارة أخرى، ولم يـزل الحديدي يخطـط لأمله حتى استطاع أن يحصـل على إجـازة دراسـية، وأن يحصل على وظيفـة في مكتب البعثات، وفي لندن نجح الحديدي في أن ينتهي سريعًا من أطروحته   للدكتوراه بفضل الإمكانات الهائلة التي تحظى بها مكتبات الجامعـات والهيئات العلمية في لندن.

مذكراته

وقد كان من حسن حظ الثقافة العربية أن نشر الدكتور علي الحديدي الجزء الأول من مذكراته الحافلة في كتابه رحلة مع الأيام. وقد عرض الحديدي في مذكراته بشجاعة فائقة مواقفه السياسية المبكرة وآراءه النقدية وانطباعاته عن الشخصيات التربوية العديدة التي قدر له أن يتعامل معها من خلال نشاطيه الصحفي والوظيفي، كما تناول بأدب رفيع تجاربه العاطفية وعلاقته بالمرأة في مصر وبريطانيا، ولخص تجربته الرائدة في اقتراح تشكيل مجالس الآباء والمعلمين وهو التقليد الذي لاتزال مصر تأخذ به كنظام دائم ومستمر، مع أن صاحب الفكرة اقترحها كتجربة نموذجية فحسب.

انضمامه إلى موكب الخالدين وسدنة الفصحى

بقي أن نشير إلى أن الدكتور علي الحديدي ظل بمثابة أحد الأركان العلمية لكلية البنات في جامعة عين شمس وقد فاز بأكثر الأصوات في انتخابات العمادة لهذه الكلية؛ لكن رئيس الجامعة في ذلك الوقت آثر أن يكون العميد من الجنس الآخر محتفظا للدكتور الحديدي بالتقدير والحب الذي ظل يحظى به كما ظل يحظى بالإجماع على شخصه، وقد توجت حياته العلمية بانتخابه عضوًا في مجمع اللغة العربية منضما إلى موكب الخالدين من سدنة الفصحى.

[ موضوع المدونة بالتفصيل في كتاب الدكتور محمد الجوادي : تسعة عشر أستاذا وصديقا ، مكتبة الشروق الدولية ، القاهرة ، ٢٠١٤]

 

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com