لا يكاد الناس فى بلادى يصدقون أن وزير الحربية يتقبل من رئيس الجمهورية نبأ إقالته!! لكن أقوى وزير حربية عرفته مصر فى وجدانها الشعبى وهو المشير الجمسي تقبل هذا الأمر بكل هدوء، وقد صرح فى مذكراته بقصة إعفائه من مسئولياته الحربية
وخروجه من الوزارة فى عبارات رتيبة هادئة عبر فيها عن استيائه من توقيت خروجه بأكثر من أسفه لفقدانه المنصب الرفيع فى حد ذاته: «حدد الرئيس الراحل السادات الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الثلاثاء 3 أكتوبر 1978 لمقابلتى فى استراحة القناطر، ولما كان الاستدعاء بناء على رغبته دون تحديد موضوع المقابلة، فقد أخذت معى حقيبة أوراقى التى تحتوى على بعض الموضوعات المهمة عن القوات المسلحة والموقف العسكرى بيننا وبين إسرائيل على افتراض أنها ستكون موضوع المناقشة والبحث بعد اتفاقية كامب ديفيد قابلنى الرئيس الراحل فى الحديقة الفسيحة داخل الاستراحة».
«بدأ حديثه معي بالسؤال عن صحة زوجتي التى كانت تعاني مرض الفشل الكلوي منذ حوالى سنتين، وقدم لها مستشفى المعادي للقوات المسلحة الرعاية الطبية، ثم أوصى الأطباء المعالجين بضرورة سفرها للخارج للعلاج فى مستشفى «ليون» فرنسا فقد يكون هناك أمل فى إيقاف تدهور حالتها الصحية وانتقل السادات من الحديث الاجتماعي القصير إلى السياسة الداخلية ووصفها بأنها «مرحلة جديدة» تمر بها مصر وقال: ولذلك قررت إجراء تغيير شامل فى مؤسسات الدولة وأجهزتها، فوزارة السيد ممدوح سالم سيتم تغييرها، ورئيس مجلس الشعب المهندس سيد مرعى سيتم استبداله وسيتم تعيين قيادة عسكرية جديدة».
واستطرد قائلاً: «إنه كلف الدكتور مصطفى خليل بتشكيل الوزارة الجديدة وأنها ستحلف اليمين يوم الخميس 5 أكتوبر 1978 وأنه قرر تعيينى مستشاراً عسكرياً له ويتولى الوزارة زميلى الفريق كمال حسن على وتغيير اسم الوزارة من «وزارة الحربية» لتكون «وزارة الدفاع»كما أنه قرر أيضاً تعيين الفريق محمد على فهمى مستشاراً عسكرياً له وتعيين اللواء أحمد بدوى رئيساً للأركان بدلاً منه لم أعلق بأى كلمة على القرارات الى اتخذها وانصرفت عائداً إلى مكتبى».
«وأخذت أفكر أثناء العودة فى الأسلوب الصحيح لتسليم قيادة القوات المسلحة إلى زميلي كمال حسن علي ونقل مسئوليات رئيس الأركان إلى اللواء أحمد بدوي حتى لا يحدث أي فراغ من المسئوليات بين القيادة الحالية والقيادة الجديدة فى أى وقت مهما كان قصيراً، عندما وصلت إلى مكتبى بوزارة الحربية وجدت الفريق محمد علي فهمي عائداً من منطقة قناة السويس مرتدياً بدلة الشغل «الأفرول» بعد أن حضر التجربة النهائية للعرض العسكري الذى كان مقرراً إجراؤه يوم الجمعة 6 أكتوبر 1978 فى منطقة القناة».
«أبلغت الفريق محمد علي فهمي فى نفس اليوم 30 أكتوبر بالتغييرات الجديدة فى القيادة العسكرية قابلها بكل هدوء وقال ما معناه: الحمد لله الذى وفقنا فى إنجاز مهامنا فى حرب أكتوبر وما بعدها حتى اليوم وهو تتويج لخدمتنا العسكرية واستعداد لنقل المسئولية إلى القادة الجدد، أصدرت الأوامر إلى اللواء أحمد بدوي بنقل مسئوليات وصلاحيات رئيس الأركان له اعتباراً من ذلك اليوم، وإني سأظل مسئولاً عن قيادة القوات المسلحة حتى يؤدى الفريق كمال حسن على اليمين الدستورية».
«وعندما أدت وزارة الدكتور مصطفى خليل اليمين صباح يوم الخميس 5 أكتوبر كان ذلك هو نهاية خدمتي بالقوات المسلحة والعمل العام بالدولة حمدت الله وشكرته لأنه وفقني لخدمة مصر وقواتها المسلحة بقدر ما استطعت وتمنيت للقوات المسلحة دوام التقدم والتوفيق فهي أسرتي الكبيرة الى أمضيت فيها كل حياتي
- نشر في جريدة الدستور | الثلاثاء 25/سبتمبر/2012