لميعة عباس عمارة (1927 ـ2021) شاعرة عربية متميزة من زمن الخنساء وأترابها بلا مبالغة، وهي من أعمدة الشعر العراقي بلا جدال، نالت اعترافا متواليا بشاعريتها وموهبتها وتميزها، وكرمتها دولة لبنان حين عز تقدير العراق ومصر، واضطرتها الظروف السياسية للهجرة واستقرت في الولايات المتحدة الأمريكية حتى توفيت عن عمر لم يصل إليه إلا شاعر العراق الأكبر محمد مهدي الجواهري (1899-1997)، قدر الله لها أن تعيش لتري زهو العراق وانقلاباته ومغامراته وحروبه واحتلاله وألا ترحل إلا بعد التسعين من عمرها بعيدا عن وطنها وأحلامها وهواها و شبابها وآمالها.
نشأتها وتعليمها
ولدت الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة في بغداد سنة 1927، وتلقت تعليما مدنيا متميزا، وكان والدها كثير التنقل، كما كان صديقا للشاعر إيليا أبي ماضي، وكانت من أوليات اللائي تخرجن في دار المعلمين العليا ببغداد (1950)، وكانت هذه الدار بمثابة كلية للآداب، وجامعة صغيرة في الوقت نفسه، وفي هذه الدار عرفت الشاعر العراقي الرائد بدر شاكر السياب (1926- 1964)، وتوثقت بينهما العلاقة كما عرفت نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي أما الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد (1930- 2015) فهو زميلها وابن خالتها وقد كتب عنها كثيرا في مذكراته أنها كانت ذات شخصية قوية ونفس أبية.
شهرتها كشاعرة
عرفت الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة بالشعر وهي لا تزال طالبة، ويروى أنها كانت تكتب الشعر منذ الثانية عشرة وقد حظيت بتشجيع الشاعر إيليا ابي ماضي الذي كان صديقا لوالدها. ونشرت لها مجلة السمير أول قصيدة وهي في الرابعة عشر من عمرها وقدمها إيليا أبو ماضي في الصفحة الأولى من المجلة وقال: «إن في العراق مثل هؤلاء الأطفال فعلى أية نهضة شعرية مقبل العراق».
وقد نشرت ديوانها الأول «الزاوية الخالية» عام 1958، كما نشرت أشعارها في كبريات الصحف، وفي دور النشر في بغداد وبيروت في عصر نهضة بيروت.
عملها في باريس
فيما بين 1973 و1976 في عهد الرئيس أحمد حسن البكر انتدبت مساعدة لمندوب العراق الدائم في اليونسكو، ونائبة للملحق الثقافي العراقي في باريس. وفي فترة أخرى عملت مدير الثقافة والفنون في الجامعة التكنولوجية في بغداد.
الطابع المسيطر على شعرها
أغلب شعرها غنائي، ولها أشعار متميزة في الغزل الرقيق، والعواطف الصادقة، والحديث عن الحب والتجارب الوجدانية، والسخرية من مراهقة الرجال، والتعبير عن الأماني الوطنية، والمشاعر القومية، وتصوير الانطباعات المتأثرة بالأحداث السياسية، فضلا عن حب الوطن، والأمل في نهضته، والألم من نكسة العرب. وهي القائلة على سبيل المثال عن وسام الأرز الذي نالته ولم تتوج به: «على أي صدر أحط الوسام ولبنان جرح بقلبي ينام».
شاعرة الرجال
وصفها الشاعر السوري شوقي بغدادي وصفا عبقريا بأنها شاعرة الرجال، وقال إذا كان نزار قباني شاعر النساء فإن لميعة شاعرة الرجال!
من قصيدتها بغداد
بلادي ويملؤني الزهو أني
لها انتمي وبها أتباهى
لأن العراقة معنى العراق
ويعني التبغدد عزا وجاها
أغني لبغداد تصغي القلوب
وألفي دموع الحنين صداها
وإن قلت بغداد أعني العراق
الحبيب بلادي بأقصى قراها
من قصيدتها عراقية
تمنيت شعري كتنوركم
تستدير الحروف به أرغفة
تغذي المساكين
كل الجياع على الأرصفة
ولكنَّ شعري و آسفاه
يظل حروفاً
ترف على الشفة المترفة
أنا التي تراني
كتبت هذه القصيدة عندما حاول أحد الشعراء مغازلتها في مهرجان المربد الشعري في العراق حيث قال لها: «أتدخنين.. لا… أتشربين… لا…أترقصين…. لا.. ما أنتِ جمع من الـ لا فقالت أنا عراقية».
” تدخنين؟ لا
أتشربين؟ لا
أ ترقصين ؟ لا
ما أنت ِ ؟
جمعُ لا ؟
أنا التي تراني، كل خمول الشرق في أرداني
فما الذي يشدُ رجليك إلى مكاني ؟
يا سيدي الخبيرَ بالنسوان
أنّ عطاء اليوم شيء ثانِ
حلّقْ ! فلو طأطأتَ …لا تراني “.
قصيدتها عاد الربيع
عاد الربيع..
وأنت لم تعد
يا حرقة تقتات من كبدي
عاد الربيع فألف وا أسفي
ألا تحس به.. إلى الأبد
أنساك! كيف؟ والف تذكرة
في بيتنا تترى على خلد
هذا مكانك في حديقتنا
متشوقا لطرائف جدد
كم قد سهرنا والحديث ند
وعلى ذراعك كم غفا ولدي
وتهيب أمي شبه غاضبة
«برد الهواء، فأكملوا بغد»
تخشى عليك وكلها وله
أن تستمر وأن تقول زد
وهنا مكانك حين يجمعنا
وقت الطعام بداك قرب يدي
وهنا كتابك في هوامشه
رأي وتعليل لمنتقد
ورسائل وردت وأعوزها
رد عليها بعد لم يرد
ياوجهة الريان من أمل
كيف احتملت تجهم اللحد.
من قصيدتها في مداعبة محمود درويش
أزح يا حبيبي نظارتيك قليلاً لأُمعن فيك النظر
فما لونُ عينيك؟ هل للغروب تميلان أم لاخضرار الشجر
أُحبهما، تتعرى النجومُ بغير سحابٍ أريد القمر
فو اللهِ من أجل عينيك محمودُ أصبحت أعشقً قصر البصر
حديثها عن الولع
مازلت مولعة ، تدري تولعها
مشدودة لك من شعري ومن هدبي
من دونك العيش لا عيش، وكثرته
درب طويل. فما الجدوى من النصب
عد لي طفلا أدللـه
عد لي صديقا ، أخا ، طفلا أدللـه
عد لي الحبيب الذي كم جد في طلبي
عد سيدي، تلك دون الشمس منزلة
أحلى المناداة عندي سيدي وأبي
من قصيدتها رهينة الدارين
يعلم الله أنني أتعذب
رهبة من مشاعري أترهب
لا تقل لي ( أحب )
هذا بعينيك اشتهاء
ونزوة سوف تذهب.
لست أيوب،
لن تطيق وصالي
هو شيء من الخرافة أقرب
أن تراني وحشية التوق للحب
وتبقى معي الرفيق المهذب
أبعد الشعلتين ، كفيك، عني
لا تلامس هذا الكيان المتعب
أنا رهن الديرين
أنساني الحرمان جسمي
ولذتي أن أصلب
على شواطئ الأطلسي
وحيدةً على شواطئ الأطلسي
ليس سوى ذكرك كان مؤنسي
فليست غرفتي بل محبسي
أرقب من شباكها الأحياء
ملء الشاطئ المشمسِ
عيد لكل اثنين في مثل جموحِ الفرسِ
مجردين غير خيطين بقايا ملبسِ
قصة حب سعد درويش التي انفردنا بتوثيقها
كان لنا الحظ أن سجلنا قصة حب رائعة كانت هذه الشاعرة موضوعا لها ، وقد أعدنا نشر هذه القصة في كتابنا ” علي هوامش الأدب» الذي صدر منذ عشرين عاما ، ذلك أن الشاعر سعد درويش وقع في هواها عندما زارت القاهرة في منتصف الثمانينيات، وعبر عن ذلك في قصيدة نشرتها جريدة «الأهرام» في فبراير 1985 دون إشارة صريحة، وفيها يقول
«لميعة» يا هــــوي كل القلـــــــوب
نشــــــدتك بالــهـــوي ألا تغـيبي
فأنت تركت لي طيــفا حمـــيما
يطالـــعني عـــلي كل الــــدروب
أحــن إليـــك في وطني وأهـــلي
كما حن الغريب إلى الغــــريـب
بمثلك كــنت أحـــلم في شبـــابي
فهذي أنت جـئت مــع المشــــيب
وهــــذي أنـــت ترتحلــــــين عـــني
فهــل هـــذا من الدنيـــا نصيبي ؟
فديتك.. لا تزيدي من جراحي
ويكفي ما رأيـــت من النــدوب
تــري مـــــاذا يريــد الحــــب مني
وهذا العمــــر آذن بالغـــــروب؟
وفـــيك نعــــــومة وبي اشتيـــــاق
وأخشي إن ضممتك أن تذوبي
«لميعة» كنت لي قـــــدرا ووعــــدا
فهل أقبلت من خلف الغيـوب؟
بأعينك الكحيـلات اللـواتي
رمين القلب بالسهم المصيب
بصـوتك هامسا يسري حنــــونا
كمسري نسمة الفجر الرطيب..
بذاك الشعر منهمــرا خصــــــيبا
كشــــــلال تدفـــــق باللهـــــيب
بذاك الكبر في الصدر الغضوب
بذاك الدل في الخصر اللعوب..
بتلك الخطوة النشـوي .. كظبي
تحفـــــــز في مراح للـــوثـــوب..
تعـــالي وانـسي العشــــاق قبـــلي
فلن تجدي ـ وإن كثروا ـ ضـــريبي
ولن تجــــدي بســاح الحــب مثــلي
ولن تجدي الذي يغشي حــــروبي
تعـــــالي وامنــحي دنيــاي معــني
فمــا معـني الحيـــاة بــلا حــــبيب؟
ألست خلقت لي عشقا ووجدا
فملك إن دعــــــوتك لم تجيبي ؟
ألسـت خلقـت لي سكنا وأمــنا
فمالك ما حنـــوت علي خطوبي ؟
سلي عينيك هل لي من صديق
سوي عينيك في اليوم العصيب؟
تعالي كالندي في الفجر يحيي
زهور الشوق في روض الجديب
تعــــالى نمــــــلأ الدنيــــــا غنــاء
وأفراحا مــع الطــير الطــــــروب
تعــــالى نبتــــكر للطـــــير لحنـــــا
يــودعنـــــا به عنـــد المغــــــــــــيب!
آثارها
ـ الزاوية الخالية، 1958.
ـ عودة الربيع، بغداد، 1962.
ـ أغاني عشتار، بيروت، 1969.
ـ عراقية، بيروت، 1971.
ـ يسمونه الحب، بيروت، 1972.
ـ لو أنبأني العراف، 1980.
ـ البعد الأخير، بيروت، 1987،
وفيما يبدو لنا فإن اسم الديوان صيغ بالاستيحاء من اسم قصيدة الشاعر سعد درويش التي أوردنا نصها.