كان الشيخ حسن منصور (1870 ـ 1932) شخصية علمية مؤثرة في السياسة والتربية والتعليم، وكان علما من أبرز رجال التعليم. كما كان واحدا من أهم كتاب مجلة “الأزهر” في بداية عهدها، وأحد مؤلفي الكتب المدرسية لوزارة المعارف.
نشأته وتكوينه العلمي
ولد الشيخ حسن منصور بالإسكندرية سنة 1870، وحفظ القرآن الكريم بها، وتلقي مبادئ علوم العربية والدينية في مسجد القائد إبراهيم باشا بها، ثم انتقل إلي الأزهر الشريف ومكث به مدة طويلة، التحق بعدها بدار العلوم وتخرج فيها (1897) بالدفعة التي ضمت علمين من أعلام دار العلوم؛ هما الأستاذ الشيخ عبد العزيز جاويش والشيخ أحمد إبراهيم عميد أساتذة الشريعة وعضو مجمع اللغة العربية.
أنداده الأزهريون والدرعميون
ينتمي الشيخ حسن منصور إلى جيل من علماء الأزهر الشهيرين، وهو جيل نسميه جيل الوسط، ويقع ميلادهم بين جيل الشيخ محمد عبده وجيل الشيخ المراغي، وهم مجموعة من العلماء المبرزين والمترابطين الذين لم يصل أحد منهم للمشيخة مع أن أحدهم أو ألمعهم وهو الشيخ محمد شاكر تولاها بالنيابة أكثر من مرة، لكنهم بالطبع وصلوا إلى مناصب علمية عليا، ويجمعهم أنهم ولدوا ما بين عامي 1859 و1872 (أي في مدى 13 عاما)، وتوفوا ما بين 1924 و1946 (أي في مدى 22 عاما)، وأكثرهم صار وكيلا للأزهر (محمد شاكر ومحمد حسنين مخلوف وأحمد هارون )، ومنهم 3 من أساتذة التاريخ (عبد الوهاب النجار ومحمد المهدي ومحمد الخضري)، فضلا عن 3 من وجوه الحياة اللامعين (يوسف الدجوي ومحمد رشيد رضا، وطنطاوي جوهري)، كما أن منهم المفتي الخامس الشيخ عبد الرحمن قراعة والعميد المؤسس لكلية أصول الدين (الشيخ عبد المجيد اللبان). وقد كان أطولهم عمرا هو الشيخ عبد الوهاب النجار (79 عاما) والشيخ أحمد أبو الفتح (79 عاما) والشيخ أحمد رافع الطهطاوي (77 عاما)، وكان أقصرهم عمرا هو الشيخ محمد الخضري (55 عاما).
وظائفه التربوية البارزة
بعد تخرجه عُيّن الشيخ حسن منصور مدرسا بالمدرسة السنية للبنات، فكان واحدا من أول من عُينوا للتدريس في أول مدرسة للبنات، وشاركه هذه الريادة من أصبح بعد هذا نقيب المحامين الشرعيين الأشهر، وهو الشيخ محمد عز العرب، وخاضا فيها معركة مهمة مع الناظرة الإنجليزية بسبب عنايتهما بالأخلاق الإسلامية للطالبات، ومنها انتقل إلى مدرسة خليل أغا، ثم أصبح رئيسا لقلم النسخ بمحكمة الاستئناف.
دوره القوي في تأييد الشيخ محمد عبده
كان الشيخ حسن منصور أول عالم من العلماء الذين تولوا كتابة عريضة بليغة ومبالغة في مديح الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده يدعمون فيها موقفه في إحدى المعارك التي واجهها ممن كانوا يتربصون به وبإصلاحاته، وقد جاء في هذه العريضة: “…ليس العجيب من شجاع يكتب الكتائب، ويجند الجنود، ويجوب بهم كل صحراء جرداء، ويصبح الأعداء بغارة شعواء، لا يهد عن نيرانها حتى يختلس النفوس، وينتهب الأعمار، وإنما الذي يستهوي الحازم ضربا، ويكاد يطير له قلب اللبيب شعاعا، أن ينتفي فرد واحد من عزيمته صارما ما أغفلته الصيافل، ويسير من قواطع الحجج وسواطع البراهين والآيات البينات، وسحر الإعجاز في خمس عرمرم، همته أن يمحو ظلمة التمويه الحالكة التي كانت تسجل العار على ثلاثمائة أو يزيدون، فهتك أستارا كثيفة على العقول، وفتح أعلاق القلوب، وأودع فيها من أنوار اليقين ما شاء العليم الحكيم.
إنا نعترف -والله يشهد والملائكة يشهدون- أنّا لو تقفينا العالم فردا فردا، نتوسم قريع هذه الصفات، لكان هو سيدنا وأستاذنا حجة الإسلام وأسوة المسلمين، وكيف وقد رأينا في قلمه سيف عمر، وفي مقاله فصل علي رضي الله عنهما.
على أننا نستعين في أداء شكره الجزيل بلسان العلم الذي أخذ يشب في مهد فضله، وقد كان فريسة اسمها الجهالة، بل بلسان كتاب الله تعالى الذي كشف عن وجوه إعجازه، ودفع عنه السوء، وأفرغه في العقول نورا، وفي القلوب يقينا، بل بلسان الإسلام الذي نسجت عليه التقاليد حجبا من الباطل كثيفة.
ولولا فضل الله علينا وعلى الناس بنور هداية سيدنا وأستاذنا لما رفعت تلك الغشاوات، وعما قليل يمحوها بمعونة الله، ويظهر الحق أبلج ناصعا، وإن يوما يتحلى فيه جيد الإسلام بأشبال له يحمون ذماره، ويذودون عن حوضه ويرفعون علمه ليوم ميمون الطالع، لا يلمس الإسلام فيه الجوزاء إلا قاعدا.
لما تبين أن غرسك قد دنا
لجني وزرعك قد أتى لحصاد
ولتعلم أن لهديك أنصارا يرتلون لك من الشكر بمقدار ما منحوا من قوة، وحسب المشكور عجز الشكور، فتقبل غير مأمور هذه الرقعة يدفعها الولاء، ويصدها الحياء، وتجاوز حد التقصير من فئة تراك نور البصائر”.
ولو أطاقوا انتقاصا من حياتهم
لم يتحفوك بشيء غير إعمار
وكان ممن وقعوا بعده على هذه العريضة كل من الشيخ محمد عز العرب، وزميله الشيخ أحمد إبراهيم.
أستاذيته البارزة في مدرسة القضاء الشرعي
عندما أنشئت مدرسة القضاء الشرعي عام 1907 -في عهد تولي سعد زغلول لوزارة المعارف- وقع الاختيار على الشيخ حسن منصور ليكون من بين أساتذتها، ووصل إلى منصب وكيل المدرسة في 1 فبراير/شباط 1925.
أستاذيته في دار العلوم
عندما شرعت الدولة في إلغاء مدرسة القضاء الشرعي نقل الشيخ حسن منصور ليكون ناظرا لتجهيزية دار العلوم، فوكيلا لمدرسة دار العلوم العليا من 1 سبتمبر/أيلول 1929، وذلك قبل أن يحال إلى المعاش في 1 يونيو/حزيران سنة 1930.
تكريمه
نال الشيخ حسن منصور كثيرا من التكريم، وحصل على نيشان النيل من الدرجة الخامسة.
مذكراته الجامعية
وضع الشيخ حسن منصور مذكرات قيّمة في التفسير والأدب أملاها على طلبته في مدرسة القضاء الشرعي، لكنه لم يطبعها.
ريادته في تقديم الثقافة الإسلامية
كان من أبرز الأعمال التي أنجزها الشيخ حسن منصور في حياته العلمية قيامه بتحرير الجزء الخاص بالتفسير والحديث في مجلة “الأزهر” من أول إنشائها، وحين كان اسمها لا يزال “نور الإسلام” قبل أن يغيره الشيخ المراغي إلى “الأزهر”.
وبالإضافة إلى هذا، أسهم الشيخ حسن منصور في تأليف كتاب مدرسي للدين قُرر على طلبة المدارس الثانوية، مشتركا مع زميليه الشيخين مصطفى العناني، وعبد الوهاب النجار.
وفاته
توفي الشيخ حسن منصور عام 1932.