الرئيسية / المكتبة الصحفية / أحمد ماهر وزير الخارجية الذي حالف الحظ ثم خالفه

أحمد ماهر وزير الخارجية الذي حالف الحظ ثم خالفه

كان أحمد ماهر سابع ( وآخر) وزير للخارجية أتيح لي أن أعرفه عن قرب . وقد كان في رأيي المتواضع واحداً من أفضل الدبلوماسيين المصريين ، كما كان واحداً من أفضل وزراء الخارجية كذلك ، بدأ حياته في السلك الدبلوماسي وانتقل من السلك الدبلوماسي إلي موقع متميز ومتفرد في مؤسسة الرياسة ومستشارية الأمن القومي في ظرف متميز ومتفرد في فترة حرب اكتوبر 73 ، ثم عاد إلي السلك الدبلوماسي مرة أخري وقد تزودت ثقافته بابعاد الأمن القومي في مستوياتها العليا.

عمل  أحمد ماهر سفيراً في موسكو كما عمل سفيراً في واشنطن وفي الموقعين كان هو هو ومع أن علاقاته هنا وهناك نمت إلي مواقع متقدمة انسانيا ودبلوماسيا فإنه ظل علي نحو ما عاش حياته كلها متفانياً في أداء رسالته، إذ كان يؤمن أن الدبوماسية رسالة في المقام الأول والأخير.

 

كان أحمد ماهر  ذكيا ، أبيا ، حكيما ، مجاملا ، صبوراً ، لماحا ، وعاش حياته كلها  كريما علي نفسه ، وكان عارفاً بقيمة الانسان الحقيقية في الحياة وبعد الممات ولهذا كان حريصا علي واجبه وعلي أخلاقه كما كان حريصا بالقدر ذاته علي صورته وعلي آثاره.

كان أحمد ماهر  أكثر من عرفت من ابناء جيله عناية بالقراءة ، كان يحب القراءة لذات القراءة ، ولم يكن يؤجل شراء كتاب يحب أن يطالعه ولهذا كان دائما ما يحمل الكتب من هنا وهناك وهنالك ، وكان يدرك أن القراءة رافد جوهري من روافد المعرفة والشخصية وأنها لاتتطلب من القارئ أن يظهر تأثره بها علي التو ..

ومن العجيب أن واحداً ممن صوروا أنفسهم من أهل الفكر تعجب لي من ألا يظهر بالقدر الكافي أثر ما يقرؤه  أحمد ماهر علي ما يقوله ..

 وكان ردي بعد دقائق من التفكير : إنه وصل إلي المرحلة التي تؤثر فيها مطالعاته في سلوكه باكثر مما تؤثر في لسانه.

 قال محدثي : لا أفهم .

 فلما حان الأجل وتوفي  أحمد ماهر ورثاه الناعون ، هاتفني الرجل وقال : لقد فهمت الآن ما كنت تقول ، لكني لم أر في زماننا الذي نعيشه من كان يسلك سلوك  أحمد ماهر في نبله وخلقه دون أي ادعاء .

قلت لمحدثي : لقد كان هكذا دوما حتي في خصوماته ، وما رأيت وزيراً ترحم عليه من اختلفوا معه .

قصة مقال

 أتاح لي الحظ أن أعرف  أحمد ماهر عن قرب في اكثر من موقف ، وجاءت وفاته المفاجئة في وقت كنت فيه بسبب المرض  عاجزاً عن الكتابة والرثاء ، ومرت الايام وأنا مؤمن أن الفرصة سوف تأتيني للتعبير عما أشعر به تجاهه من تقدير .

 ومن العجيب أن الفرصة جاءت علي غير توقع ، فقد كتبت مقالاً عن الوزيرة فايزة ابو النجا وتصديها لوزير فاسد من وزراء الاقتصاد وعن دورها في اختيار وزراء الخارجية المعاصرين ، واشرت في مطلع المقال إلي عملها وزيرة للدولة الخارجية في الفترة التي كان  أحمد ماهر فيها وزيراً للخارجية ، وكانت المعاني وظلال المعاني في مقالي واضحة وضوح الشمس ، لكن بعض القريبين من  أحمد ماهر ظنوا أني أتحدث عنه بالعبارات التي تحدثت بها عن الوزير الاقتصادي الفاسد مع أني لا أتصور أحداً يدور بخاطره أني لا أعرف قدر  أحمد ماهر ونزاهته وكفايته.

أما وقد حدث أن أحداً ظن هذا الظن ولو للحظه عابرة فإني أحب أن أعبر بكل وضوح عن تقديري لأحمد ماهر ولسيرة  أحمد ماهر ولذكري  أحمد ماهر.

 لقد أنصفت ذكري  أحمد ماهر باشا الجد في أكثر من مقال ودراسة ، وأنصفت ذكري شقيقه علي ماهر باشا بكتاب لازلت أفخر به كما يفخر به كل عربي ،

وهأنذا أنصف  أحمد ماهر الحفيد الذي كنت أحبه ولازلت أحبه ، كما أني لازلت أعتقد فيه ما كان يعتقده العرب القدامي حين كان يصفون الانسان المتفرد فيقولون عنه : إنه ليس له أخ ولا نظير.

[ موضوع المدونة بالتفصيل في كتاب الدكتور محمد الجوادي :  وشائج الفكر و السلطة  ، مكتبة الشروق الدولية ، القاهرة ، ٢٠١٤]

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com