يعرف كثير من القراء أنى كررت أكثر من مرة رأيى القائل بأن من حسن حظنا أن التاريخ حفظ لنا ما صرح به المشير الجمسى فى مذكراته عن حقيقة مشاعره المحبة والودودة تجاه المشير أحمد إسماعيل على بحكم تزاملهما المتكرر فى مواقع مختلفة قبل أن يلتقيا فى النهاية على قمة المؤسسة العسكرية المصرية ليكونا بمثابة الرجلين الأول والثانى ثم يخلف ثانيهما أولهما فى منصب وزير الحربية، ومن هذه المواضع ما يتعلق بدورهما العسكرى قبيل وأثناء حرب 1967 وفى الأعقاب المباشرة لها حين عملا معاً فى قيادة الجبهة.
أما أهم فقرة فى تصوير هذه العلاقة القائمة على التقدير المتبادل بين الرجلين فهى تلك الفقرة المهمة التى توحى لنا بحرص الجمسى على أن يعبر لنا دون أن يضطره أحد إلى ذلك أنه – أى الجمسى – كان يستبصر خبرته السابقة بالقادة المتاحين فى الصف الأول فيتمنى فى عقله الباطن لو كان المشير أحمد إسماعيل هو قائد القوات المسلحة المصرية بدلاً من أسلافه وهذا هو نص الفقرة المهمة التى يعبر فيها الجمسى عن هذا المعنى فيقول:
«… فى النصف الأول من عام 1972 تقابلت مصادفة مع اللواء أحمد إسماعيل – مدير المخابرات العامة حينئذ – فى مطار القاهرة الدولى، وكان كل منا يودع أحد الرسميين الأجانب، وأثناء خروجنا معاً من المطار، وكنا نسير وحدنا، بادرنى اللواء أحمد إسماعيل بسؤال مباشر وبصوت منخفض هامس قائلاً: «متى ستحاربون يا جمسى؟» كان ردى: سنحارب عندما تتعين أنت وزيراً للحربية وقائداً عاماً للقوات المسلحة، وستعلم حينئذ لماذا لم نحارب حتى الآن.
على هذا النحو يلقى الجمسى بهذه العبارة التقريرية الحاسمة ثم يردفها بذكر انطباع المشير أحمد إسماعيل فيقول: «حاول معرفة المبررات التى بنيت عليها رأيى فلم أضف كلمة واحدة، وتركت له تفسير ردى بالطريقة التى يراها لأنى كنت أثق بأن اللواء أحمد إسماعيل يعلم – بحكم منصبه – الموقف السياسى داخلياً وخارجياً، ويتابع موقف القوات المسلحة ويعلم أننا لم نستكمل استعدادنا للحرب».
وعلى هذا النحو ألزم الجمسى نفسه فى مذكراته دون أى ضغط من أى أحد بتبنى صلاحية أحمد إسماعيل دون غيره – أو قبل غيره على الأقل – لقيادة قواتنا المسلحة من أجل الحرب! ولست أستطيع أن أجد فى كل أدبيات السياسة المصرية المتاحة نصاً واضحاً يفوق هذا النص فى تقدير أحمد إسماعيل وإعطائه حقه ومكانته اللائقة، ولو لم يكن فى الأدبيات العسكرية المتاحة عن أحمد إسماعيل وعظمته غير هذا النص لكفاه.
ومن ناحية أخرى، فإننا نستطيع أن نشيد دون مبالغة بقدرة الجمسى على استبصار الحقائق والمعطيات على هذا النحو! فهو يستشرف المستقبل فى أكثر من خطوة، ويأتى استشرافه لحسن الحظ صواباً، هو يرى احتمال عودة أحمد إسماعيل إلى القوات المسلحة قائمة، ويراها ممكنة على المستوى الذى عاد به قائداً عاماً ووزيراً، كما يرى أن هذه العودة ستمهد لقيادة قواتنا المسلحة من أجل النصر، ولابد أن للجمسى أسباباً ومبررات قوية للوصول إلى مثل هذا الحكم القاطع على هذا النحو.
وحين روى الجمسى ذكرياته عن اليوم الذى تم فيه تعيين المشير أحمد إسماعيل على وزيراً للحربية كانت السعادة تقفز من بين سطوره:
«وفى إطار عملى كرئيس لهيئة العمليات تعينت لمرافقة الفريق أول صادق لزيارة دمشق لأعمال التنسيق العسكرى بين مصر وسوريا خلال الأيام القليلة التالية مباشرة لمؤتمر الجيزة الذى عُقد يوم 24 أكتوبر 1972، وفى الليلة السابقة لسفرنا، اتصل بى الفريق أول صادق تليفونياً بالمنزل، وأخطرنى بأنه لن يسافر صباح اليوم التالى، كما كان مقرراً، لأنه مطلوب لمقابلة الرئيس السادات، وأنه سيلحق بى فى دمشق بعد انتهاء المقابلة، سافرت وحدى إلى دمشق يوم 26 أكتوبر 1972، وعلمت صباح اليوم التالى من السفارة المصرية والصحف السورية نبأ تعيين اللواء أحمد إسماعيل وزيراً للحربية وترقيته لرتبة فريق أول، فقررت العودة فوراً إلى القاهرة فى نفس اليوم ووصلتها مساء، توجهت من المطار مباشرة إلى مكتبى بملابسى المدنية، حيث علمت أن الفريق عبدالقادر حسن قد انتهت خدمته، وأن اللواء بحرى فؤاد أبوذكرى تعين قائداً للقوات البحرية بدلاً من اللواء بحرى محمود فهمى
نشر في جريدة الدستور | الجمعة 28/سبتمبر/2012