الشاعر يحيى حسن توفيق، شاعر سعودي من المعاصرين، له شعر رقيق في المدائح النبوية ينظم فيه على نهج السابقين من الذين أضناهم الشوق إلى التوبة وإلى شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو في هذه القصيدة يصف مشاعره حين وقف في الروضة الشريفة بباب الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاءته هذه القصيدة الجميلة في بساطتها، وفي تعبيرها عن حال النفس المؤمّلة في غفران الله سبحانه وتعالى، وفي تعبيرها أيضا عن الصدق في وصف محاولة صاحبها الجادة في مديح سيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام.
خوفه من أن يكون غير مقبول
يبدأ الشاعر يحيى حسن توفيق قصيدته بأن يعبر بصدق بالغ عن خوفه من أن يكون غير مقبول عند الله سبحانه وتعالى، وذلك لأنه يعلم ويقر بأن ذنوبه كثيرة، وأن أبواب مدحه للنبي عليه الصلاة والسلام قد أغلقت في وجهه، فلم يرتدها من قبل، متصورا أن حروفه قد أصيبت بالعقم فلم ترقَ إلى مدح النبي عليه الصلاة والسلام.
عَـزَّ الـورودُ وطـال فيـك أوامُ
وأرقـتُ وحـدي والأنـام نيـامُ
ورَدَ الجميع ومن سناك تـزودوا
وطردتُ عن نبع السنـا وأقامـوا
ومنعتُ حتى أن أحوم ولـم أكـد
وتقطعت نفسـي عليـك وحامـوا
قصدوك وامتدحوا ودوني أغلقـت
أبواب مدحـك فالحـروف عقـامُ
يخجل من ذنوبه
ثم يصف الشاعر يحيى حسن توفيق حاله حين يدنو؛ لكنه يخجل من ذنوبه، التي تجعله يشعر بأنه ليس من حقه، وهو في الحضيض أن يلمس الذرى، وأن يصل إلى مقام النبي عليه صلوات الله وسلامه، بعدما حفلت لياليه بشوك الآثام والأوزار، وهو يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام متشفعا بزيارته، ويعود ليسأل نفسه كيف يرتاد هذا المنبع الصافي مع حيرة نفسه، وجسامة ذنوبه، وتردد خطواته، وما حل به من البلاء نتيجة لما اقترفه في حياته.
أدنو فأذكر مـا جنيـت فأنثنـي
خجـلا تضيـق بحملـي الأقـلام
أمن الحضيض أريد لمسا للـذرى
جـل المقـام فـلا يطـال مقـام
وِزْرِي يكبلني ويخرسني الأسـى
فيموت في طرف اللسـان كـلام
يممت نحوك يـا حبيـب الله فـي
شوقٍ تقـض مضاجعـي الآثـام
أرجو الوصول فليل عمري غا
بـة أشـواكـهـا الأوزار والآلام
يا من ولدت فأشرقـت بربوعنـا
نفحات نـورك وانجلـى الإظـلام
أعود ظمـآن وغيـري يرتـوي
أيرد عن حـوض النبـي هيـام
كيف الدخول إلى رحاب المصطفى
والنفس حيرى والذنـوب جسـام
أو كلمـا حاولـت إلمامـا بــه
أزف البـلاء فيصعـب الإلـمـام
مجال القول صعب عليه
و يعترف الشاعر بأن مجال القول صعب عليه، فإن السابقين مدحوا النبي صلى الله عليه وسلم فما بلغوا الحقيقة، بينما هو مذهول حيران ملجم أسير، ومع هذا فقد جاءه القبس فأضاء سريرته، فقد ملأ النبي الكون بنوره، بينما هو يعيش في واقعه المعاصر حيث الليل شجن، والصباح سقيم، والعيون لا تبصر، واليأس مسيطر، والأرق يستولي على الليالي.
ماذا أقول وألـف ألـف قصيـدة
عصماء قبلي سطـرت أقـلام
مدحوك ما بلغوا برغـم ولائهـم
أسرار مجـدك فالدنـوُّ لمـامُ
حتى وقفـتُ أمـام قبـرك باكيـا
فتدفـقَ الإحـسـاس والإلـهـامُ
ودنوت مذهـولا أسيـرا لا أرى
حيـران يلجـم شعـري الإلجـام
وتوالت الصور المضيئة كالـرؤى
وطوى الفـؤاد سكينـة وسـلام
يا ملء روحي وهج حبك في دمي
قبس يضـيء سريرتـي وزمـامُ
أنت الحبيب وأنت من أروى لنـا
حتـى أضـاء قلوبنـا الإســلام
حوربت لم تخضع ولم تخش العدى
من يحمه الرحمـن كيـف يضـام
وملأت هذا الكون نورا فاختفـت
صور الظـلام وقوضـت أصنـام
الحزن يملأ يا حبيـب جوارحـي
فالمسلمون عن الطريـق تعامـوا
والـذل خيَّـم فالنفـوس كئيبـة
وعلـى الكبـار تطـاول الأقـزام
الحزن أصبـح خبزنـا فمساؤنـا
شجـن وطعـم صباحنـا أسقـام
واليـأس ألقـى ظلـه بنفوسنـا
فكـأن وجـه النيريـن ظــلام
أنى اتجهت ففي العيون غشـاوة
وعلى القلوب من الظـلام ركـام
الكـرب أرقنـا وسهـد ليلـنـا
من مَهدهُ الأشـواك كيـف ينـام
المسلمون يبحثون عمن يجيرهم فلا يجدونه
ثم يخاطب الشاعر يحيى حسن توفيق المدينة المنورة، حيث مقام النبي عليه الصلاة والسلام مقررا أن المسلمين يبحثون عمن يجيرهم فلا يجدونه، وبينما هم يتسامحون مع الغريب فإنهم أشداء على القريب، وقد أصبحوا كالأغنام بين خلق الله، فالذل فوق جفونهم النائمة والإقدام غائب عنهم.
يا طيبة الخيرات ذل المسلمـون
ولا مجيـر وضُيّـعـت أحــلام
يغضون إن سلب الغريب ديارهـم
وعلى القريب شذى التراب حرام
باتـوا أسـارى حيـرة وتمـزق
فكأنهـم بيـن الـورى أغـنـام
ناموا فنام الـذل فـوق جفونهـم
لا غرو ضاع الحـزم والإقـدام
أمله في شفاعة النبي
ويعود الشاعر يحيى حسن توفيق ليصف حال نفسه مقررا ما يشعر به من ذهوله وحيرته وتمزقه وتأخره؛ إلا أن تشمله شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام.
ودنوت مذهـولا أسيـرا لا أرى
حيران يلجـم شعـري الإحجـام
وتمزقـت نفسـي كطفـل حائـر
قـد عاقـه عمـن يحـب زحـام
يا هادي الثقلين هل مـن دعـوة
تُدْعَـى بهـا يستيقـظ الـنـوامُ