الرئيسية / المكتبة الصحفية / الإمام الأكبر مأمون الشناوي.. أول عمداء كلية الشريعة

الإمام الأكبر مأمون الشناوي.. أول عمداء كلية الشريعة

الشيخ محمد مأمون الشناوي (1878-1950) علم من أعلام الأزهر السبعة المتعاصرين الأجلاء الذين وجدوا على رأس الجامع الأزهر والحياة العلمية المتصلة به في عصر الليبرالية ما بين 1928 و1945، وهو ثالثهم في تولي المشيخة، وكان من بينهم بمثابة الأستاذ المحبوب ذي الظل الوارف، أما الستة الآخرون (تبعا لترتيب وفياتهم) فهم الشيخ محمد الأحمدي الظواهري (1878-1944) وهو الإمام الداعية القائم بالإصلاح والتطوير، والشيخ محمد مصطفى المراغي (1881-1945) وهو الإمام رجل الدولة المؤثر والمصلح والمشرّع، والشيخ مصطفى عبد الرازق (1885-1947) وهو الأستاذ النبيل الممثل للقيم الإنسانية الجميلة المتسامية، ثم لحق بالشيخ مأمون في الوفاة رابعهم وفاة وهو الشيخ عبد المجيد سليم (1882-1954) وهو المفتي الفذ المجاهر بكلمة الحق على الدوام دون خوف أو وجل، ولحق آخرهم في تولي المشيخة وهو العالم الجليل الذي يفوقهم موهبة وأفقا، وهو الأستاذ محمد الخضر حسين (1872-1958) الذي تخرّج في الزيتونة ثم في الجامع الأزهر، وكان آخرهم وفاة سادسهم في تولي المشيخة وخامسهم في المولد وهو الأستاذ الأكبر إبراهيم حمروش (1880-1960) العالم الهادئ الحجة الثبت.

مولده ونشأته

يعود أصل الشيخ مأمون الشناوي إلى السنبلاوين في الدقهلية لكنه ولد في العاشر من أغسطس/آب 1878 في قرية الزرقا (وكانت في ذلك الوقت تابعة لمركز فارسكور في محافظة الدقهلية، وقد تحولت الآن بعد 3 خطوات إدارية في تنقيل تبعيتها ومكانتها إلى مدينة، وعاصمة مركز في محافظة دمياط) وفيها أتم حفظ القرآن الكريم، ومن الطريف أن هذه القرية/ المدينة هي مسقط رأس إبراهيم عبد الهادي باشا الذي كان رئيسا للديوان الملكي ثم رئيسا للوزراء في الوقت الذي كان فيه الشيخ مأمون الشناوي شيخا للأزهر. وكان بين الرجلين من الود ما يمكن معه القول إن الإمام الأكبر كان الرائد الروحي للوزير الأكبر.

مكانة والده وشقيقه في جيليهما

كان والده الشيخ السيد أحمد الشناوي عالِما جليلا، مشهورًا بالتقوى والصَّلاح، مُتَفَقِّهًا في الدين، وكان أحد الأعلام المشهورين في مدينة السنبلاوين في مديرية (محافظة) الدقهلية، أما أخوه الأكبر الشيخ سيد الشناوي الذي سبقه إلى الدراسة في الأزهر بسنوات، فقد أصبح بعد ذلك من كبار القُضاة الشرعيين، وقد ترقَّى في سلك القضاء الشرعي حتى أصبح رئيسًا للمحكمة العليا الشرعية.

انتقاله للقاهرة لاستكمال دراسته

لما أتم الشيخ مأمون الشناوي حفظ القرآن الكريم انتقل إلى القاهرة حيث يقيم أشقاؤه من العلماء والقضاة الشرعيون، حيث جاور في الأزهر ونال إعجاب أساتذته، وكان أثناء طلبه العلم من المقربين إلى الإمام محمد عبده، كما كان من أبرز تلاميذ الشيخ الإمام أبي الفضل الجيزاوي، وقد نال الشهادة العالمية (1906) في سنة تالية للشيخين المراغي والظواهري وسابقة على الشيخ مصطفى عبد الرازق.

ابن أخيه سمي باسمه

ومن الطريف أن الشاعر الغنائي الكبير محمد مأمون الشناوي (1914-1994) هو ابن شقيق الشيخ وقد سمي باسمه، لكنه مع تألق شهرته كان لا يجد حرجا في أن يقول إن من واجب عمه أن يغير اسمه حتى لا تنسب إليه الأغاني العاطفية مع ما فيها من تجاوز. وبينما امتد العمر بالشاعر إلى الثمانين، توفي الشيخ في الثانية والسبعين.

وبحكم الاشتراك في الاسم مع العم، فقد ذكرنا الشاعر مأمون قبل أخيه الشاعر كامل الشناوي (1908-1965) الذي كان رئيسا لامعا للتحرير في وقت لمعان عمه الإمام الأكبر.

نجله

هو أستاذ التاريخ الإسلامي الأشهر في الجامعة الأزهرية الدكتور عبد العزيز الشناوي.

عمله بالأستاذية في معهد الإسكندرية

عقب تخرجه اختير الشيخ مأمون الشناوي للتدريس في معهد الإسكندرية تقديرا لتفوقه في العالمية، وكان معهد الإسكندرية في ذلك الوقت بمثابة جامعة أزهرية إقليمية موازية للأزهر في القاهرة، وقد كانت هيئة التدريس فيه من ألمع أعلام العلماء والمجتهدين، ومن نابهي الذكر في العلوم الشرعية والدينية. وكان الشيخ مأمون الشناوي واحدا من هؤلاء، وقد أفاد بعلمه واستفاد من زمالته للعلماء الأفذاذ، ومن البيئة العلمية الراقية التي عاش فيها في تلك الفترة

في الحركة الوطنية وثورة 1919

عند قيام ثورة 1919 سارع الشيخ مأمون الشناوي إلى المشاركة الفاعلة فيها، وكان من خطبائها وكتابها وقادة الشباب فيها.

اختياره قاضيا شرعيا

بعد فترة من عمله في التدريس، اختير الشيخ مأمون الشناوي قاضيا شرعيا (1927)، فأدى هذه الوظيفة بتميز وتفوق، وكان أداؤه فيها من أبرز مسوغات اختياره ليكون العميد المؤسس لكلية الشريعة في الأزهر حين بدأ الأزهر الأخذ بنظام الكليات الجامعية.

إمام السراي الملكية

كان صيت الشيخ مأمون الشناوي العلمي مقوما له لأن يختار لشغل وظيفة إمام السراي الملكية في عهد الملك فؤاد، وهي الوظيفة التي سبقه إليها الشيخ محمد عبد اللطيف الفحام الذي سبقه أيضا إلى منصب وكيل الأزهر.

وبهذا أتيح له منذ شبابه أن يمارس الوظائف الثلاث التي تناط بالأزهريين، وأن تكون ممارسته لكل وظيفة من لهذه الوظائف في مواقع متميزة.

أول عمداء كلية الشريعة

لما صدر قانون تنظيم الأزهر وأنشئت الكليات الأزهرية وقع عليه الاختيار ليكون أول عمداء (شيوخ) كلية الشريعة، وقد نال بعد ذلك عضوية جماعة كبار العلماء (1934).

وكالة الأزهر ورئاسة لجنة الفتوى

اختير الشيخ مأمون الشناوي وكيلا للأزهر (وكان ثاني منصب في الأزهر)، وجمع إلى هذا المنصب رياسة لجنة الفتوى، وبهذا اجتمعت له قبل غيره سلطتان موازيتان لسلطة كل من شيخ الأزهر والمفتي.

استقالته من منصبه احتجاجا على الحكومة

ولما وقعت أزمة العلماء الأزهريين مع الحكومة عند عزم النقراشي اختيار الشيخ مصطفى عبد الرازق ليكون شيخا للأزهر، على الرغم من أنه لم يكن عضوا في جماعة كبار العلماء في ذلك الوقت، ومضت الحكومة في تغيير القانون من أجل تحقيق هذا الغرض، كان الشيخ مأمون الشناوي أكبر القيادات الأزهرية، وقد آثر الاستقالة من منصبه كوكيل للأزهر ورئيس للجنة الفتوى احتجاجا على هذا التدخل الحكومي السافر، وشاركه في الاستقالة مفتي الديار المصرية الشيخ عبد المجيد سليم وعميد كليتي اللغة العربية والشريعة الشيخ إبراهيم حمروش، وبهذا استقال أكبر ثلاثة أزهريين رسميين.

تعيينه شيخا للأزهر

ومن غرائب الأقدار أن الثلاثة تولوا مشيخة الأزهر (تباعا) خلفا للشيخ مصطفى عبد الرازق الذي توفي بعد عام واحد من شغله منصبه (1947)، وقد كان الشيخ مأمون الشناوي أول من صدر قرار تعيينه شيخا للأزهر (1948) خلفا للشيخ مصطفى عبد الرازق ثم الشيخ عبد المجيد سليم ثم الشيخ إبراهيم حمروش.

وقد صدر القرار بتولية الشيخ الإمام محمد مأمون الشناوي مشيخة الأزهر الشريف يوم 13 يناير/كانون الثاني 1948 في عهد رئاسة النقراشي باشا للوزارة، على الرغم من الموقف العنيف الذي وقفه الشيخ الشناوي في وجه النقراشي باشا نفسه.

إنجازاته أثناء توليه المشيخة

عمل الشيخ مأمون الشناوي علي زيادة البعثات الأزهرية للعالم الإسلامي، وكان معنيا أشد العناية بالبعوث الإسلامية وبدورها في نشر علوم الدين في القارتين الأفريقية والآسيوية والبلاد التي أوشكت على نيل استقلالها.

كذلك فقد زاد من فرص المنح التي تتيح للطلاب المسلمين من الدول الإسلامية وغيرها الفرصة للدراسة في الأزهر، وعمل على تيسير الإقامة والدراسة لهم، وعلى خدمة الأروقة المخصصة لهؤلاء والعناية بها.

بعثات تعلم اللغة الإنجليزية

كان الشيخ مأمون الشناوي حريصا على زيادة بعثات الأزهريين العلمية إلى إنجلترا لتعلم اللغة الإنجليزية والعلوم الأكاديمية، وإيفادهم بعد عودتهم كمبعوثين إلى البلاد الإسلامية الناطقة بالإنجليزية.

افتتح 5 معاهد أزهرية جديدة

عمل الشيخ مأمون الشناوي على زيادة المعاهد الدينية في أقاليم مصر، ونجح في زيادة عدد المعاهد الدينية، وافتتح في عهده وحده 5 معاهد أزهرية جديدة، وهو عدد كبير جدا بمقاييس ذلك الزمن، وهي: معاهد المنصورة، والمنيا، ومنوف، وسمنود، وجرجا. ومن الإنصاف أن نشير إلى أن هذه المعاهد افتتحت في هيئة تامة الاكتمال، كما هو طابع ذلك العصر، فقد أسست وجهزت وزودت بهيئات التدريس ومتطلبات العملية التعليمية على نحو يواكب الجودة التي كانت الدولة والمجتمع تأخذان بها في ذلك الوقت.

تصدره الموقعين على بيان علماء الأزهر تجاه قضية فلسطين

يذكر للشيخ مأمون الشناوي وقيادات وعلماء الأزهر في عهده موقفهم السياسي الحازم والمسؤول من قضية فلسطين، ولا أزال أذكر أن جدي لوالدي رحمهما الله كان قد وضع النسخة المطبوعة من هذا البيان في موضع بارز من البيت، وظلت في موضعها طيلة السنوات التي عاشها ذلك البيت:

“يا معشر المسلمين.. قضي الأمر، وتآلبت عوامل البغي والطغيان على فلسطين وفيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومنتهى إسراء خاتم النبيئين صلوات الله وسلامه عليه.

قضي الأمر وتبيّن لكم أن الباطل ما زال في غلوائه. وأن الهوى ما فتئ على العقول مُسيطر، وأن الميثاق الذي زعموه سبيلاً للعدل والإنصاف ما هو إلا تنظيم للظلم والإجحاف، ولم يبق بعد اليوم صبرٌ على تلكم المضيمة التي يُريدون أن يرهقونا بها في بلادنا وأن يجثموا بها على صدورنا وأن يُمزقوا بها أوصال شعوبٍ وحّد الله بينها في الدين واللغة والشعور.

إن قرار هيئة الأمم المتحدة قرار من هيئة لا تملكه، وهو قرار باطل جائر ليس له نصيب من الحق ولا العدالة، ففلسطين مِلكُ العرب والمسلمين بذلوا فيها النفيس والغالي والدماء الزكية، وستبقى إن شاء الله مُلْكَ العرب والمسلمين رغم تحالف المُبطلين وليس لأحد كائنا من كان أن يُنازعهم فيها أو يُمزّقها.

وإذا كان البُغاة العُتاة قصدوا بالسوء من قبل هذه الأماكن المقدّسة فوجدوا من أبناء العروبة والإسلام قساورة ضراغم زادوا عن الحمى، وردوا البغي على أعقابه، مُقلم الأظافر، مُحطم الأسنة، فإن في السويداء اليوم رجالا وفي الشرى أسادا، وإن التاريخ لعاند بهم سيرته الأولى، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”.

الموقعون على البيان

  • الشيخ محمد مأمون الشناوي شيخ الجامع الأزهر
  • الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية
  • الشيخ عبد الرحمن حسن وكيل شيخ الجامع الأزهر
  • الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية السابق
  • الشيخ محمد عبد اللطيف دراز مدير الجامع الأزهر والمعاهد الدينية
  • الشيخ محمود أبو العيون السكرتير العام للجامع الأزهر والمعاهد الدينية
  • الشيخ عبد الجليل عيسى شيخ كلية اللغة العربية بالجامع الأزهر
  • الشيخ الحسيني سلطان شيخ كلية أصول الدين
  • الشيخ عيسى منون شيخ الشريعة
  • الشيخ محمد الجهني شيخ معهد القاهرة
  • الشيخ عبد الرحمن تاج شيخ القسم العام
  • الشيخ محمود الغمراوي المفتش بالأزهر
  • فضلا عن أعضاء جماعة كبار العلماء وفي مقدمتهم الشيخان إبراهيم حمروش ومحمود شلتوت.

قيام الأزهر بتدريس الدين

إلى الشيخ الشناوي يرجع الفضل في الاتفاق مع وزارة المعارف على أن يتولى خريجو الأزهر دون غيرهم تدريس الدين الإسلامي كمادة أساسية.

وفي كل مناصبه التي تولاها كان مأمون الشناوي إداريا حازما قادرا على الرؤية واتخاذ القرار، واستشراف المستقبل.

الكتاب الوحيد المتاح من تراثه

جمع تلميذه الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي بضع عشرة مقالة من مقالته في كتابه “الإسلام ومبادئه الخالدة”.

تكريمه

لقي الشيخ محمد مأمون الشناوي كثيرا من التكريم في حياته، ومنح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في مناسبة الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر.

وفاته

توفي الشيخ محمد مأمون الشناوي في الثالث من سبتمبر/أيلول 1950 في عهد وزارة الوفد.

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com