الشيخ عبد اللطيف مشتهري (1915- 995) واحد من أبرز الدعاة المصريين في الربع الأخير من القرن العشرين. وهو رابع إمام من أئمة الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالسنّة النبوية الذين يطلق عليهم المنتسبون للجمعية لقب “إمام أهل السنة “. وهو أول رئيس لهذه الجمعية من غير ذرية مؤسسها الشيخ محمود خطاب السبكي (1858- 1933) إذ خلفه ابنه أمين (1884-1968) ثم الحفيد يوسف أمين خطاب السبكي.
تكوينه العلمي
ولد الشيخ عبد اللطيف مشتهري في كوم حلين بالقرب من منيا القمح في محافظة الشرقية سنة 1915، وتلقي تعليما دينيا تقليديا بدأ في الكتاب، ثم في الأزهر وتخرج في كلية أصول الدين بالأزهر الشريف، وكان أول دفعة 1944 في العصر الذي كان الملك فاروق يحتفي بالأوائل في قصر عابدين، ومن الطريف أن خلفه في رئاسة الجمعية الشرعية وهو الشيخ محمود عبد الوهاب فايد تخرج بعده بعامين في الكلية نفسها 1946.
وظائفه
بدأ الشيخ مشتهري عمله في سلك الدعوة في وزارة الأوقاف، وسرعان ما انتقل إلى الأزهر عام 1947 واحتفظ بوظيفته في الأزهر الشريف في سلك الوعاظ وهو سلك وظيفي خاص يتبع الأزهر الشريف ولا يتبع وزارة الأوقاف، ويضم بعض علماء الدين المتفرغين للوعظ والذين يعملون بالتوازي مع دعاة وزارة الأوقاف وأئمتها. ومع الزمن عين الشيخ مشتهري مديرا للوعاظ بمناطق عدة، كما ختم حياته الوظيفية مديرا عاما للوعظ بالأزهر الشريف.
نشاطه وإمامته
انتمى الشيخ مشتهري مبكرا إلي الجمعية الشرعية، وظل ملتزما بنهج هذه الجمعية، مع احتفاظه بوظيفته في الأزهر، وقد تم انتخابه رئيسًا عامًّا للجمعيات الشرعية عام 1976، بعد وفاة الإمام الثالث يوسف أمين خطاب السبكي الذي هو حفيد المؤسس، وكان له نشاط واسع ومكثف وشهرة واسعة في مجال الدعوة.
الجمعية الشرعية في عهده
نشطت الجمعية الشرعية في عهده (1976-1995) نشاطًا كبيرًا، وعرفتها الجماهير على نطاق أوسع من ذي قبل، واعترفت الوزارات المتتالية بمكانتها المرموقة وبخاصة في مجالها المجتمعي الذي تفوقت فيه على كل منظمات المجتمع المدني بلا استثناء، وازداد في عهده إنشاء المراكز الطبية، والمستشفيات، والمدارس، والمعاهد.
نشاطه الخيري والمجتمعي
أنشأ الشيخ مشتهري مؤسسة إسلامية في مسقط رأسه، تضم مسجدا، ومستشفى، ومصنعا للسجاد، ومعهدا دينيا.
عمله باللاذقية وسفره عربيا
رحل الشيخ مشتهري من أجل الدعوة إلي عدد من البلاد، وابتعث أيام الوحدة السورية المصرية داعية إلي مدينة اللاذقية، كما سافر في رحلات دعوية وعلمية إلى السعودية، والكويت، وعُمان، والسودان.
حضور دروس البنا
كان الشيخ مشتهري حريصا دوما على أن يشير إلى أنه كان يحضر للشهيد حسن البنا “إمام عصره في الدعوة إلى الله” وأنه كان يستفيد من دروسه وشروحه وتعليمه للناس، كما كان يفخر بصداقته للشيخ محمد الغزالي.
مقالاته بمجلة الاعتصام
عرف الشيخ مشتهري بكتاباته الشهرية في مجلة “الاعتصام” في العصر الذي تضاءلت فيه الكتابات الإسلامية، وكان واحدا من أركان المجلة شأنه شأن الأستاذين الشيخين مصطفى مجاهد عبد الرحمن ومحمود عبد الوهاب فايد.
وقاره في عصر لمعان الدعاة
يذكر للشيخ مشتهري أنه كان من أشد الناس حرصا على وقار العلماء في عصر الصحوة الإسلامية، وأنه لما بدأ المد الإسلامي ظل محتفظا بمكانته الدعوية المتقدمة من دون انخراط في تلبية متطلبات الحماسة في الحركات الإسلامية الشعبية والجامعية ونشاطاتها.
علاقة الإسلام بالمجتمع
لم يكن الشيخ مشتهري يوافق الذين يقولون إن الإسلام علاقة بين العبد وربه، وليس له صلة له بالحياة العامة، ولا بدنيا الناس وسياستهم. وكان يقول إن هؤلاء جُهال أو ضُلال، لأن من درس شريعة الإسلام يجدها شاملة كاملة لكل الحياة بجميع جوانبها، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان قائدًا سياسيًا، وخطيبًا في المسجد، ومفتيًا للعامة، ومحاربًا جسورًا. وكان يستطرد في هذا المعنى فيقول إن الإسلام لا ذنب له إن كانت هناك ملل أخرى قصرت عن استيعاب حياة الناس، وقصرت نفسها على بعض المواعظ والترانيم بعيدة عن دنيا الناس، فالإسلام لا ذنب له في هذا حتى يُتهم بأنه قاصر عن قيادة البشرية.
تصديه لمن يريدون ترك السّنة
كان الشيخ مشتهري يقول عن السنة: هي مع القرآن أشبه بالقوانين مع الدساتير. والأدلة المعتبرة إنما هي القرآن والسنة والإجماع والقياس. وكان يهاجم دعوى ترك السنَّة والأخذ بالقرآن فقط تحت دعوى أنه قد حوى كل شيء، مؤكدًا أن هذا انحراف عن الطريق الصحيح، وبعد عن الفهم السليم للقرآن الكريم الذي يوجب على المسلمين اتباع سنة نبيهم، عليه الصلاة والسلام.
هكذا هاجم الشيخ المُنكرين للسنة النبوية بوضوح، وأشار الى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد تنبأ بحالهم هذا، إذ يقول صلى الله عليه وسلم “يُوشِكُ رجُلٌ شبعانٌ على أريكتِهِ يقولُ عليكُم بِهذَا القُرآنِ فما وجدتُم فيهِ مِن حَلالٍ فأحلُّوه وما وَجدتُم فيهِ مِن حرامٍ فحرِّمُوه، ألا إنِّي أوتيتُ الكتابَ ومثلَهُ معهُ”. ومع هذا فإنه شأنه شأن العلماء الموضوعيين كان يجاهر بأنه يعتقد بوجود أحاديث ضعيفة وموضوعة ومدسوسة، وكان يقول إن المطلوب في الحديث أن يكون صحيحًا صريحًا، فإذا تم ذلك وجب قبوله. وكان يقول: ونحن نؤمن بأن هناك أحاديث مدسوسة، ولكن المحققين كشفوها، وميزوا الصحيح من الضعيف، ولله الحمد.
عنايته بالقدس والأقصى
عني الشيخ مشتهري عناية مبكرة ودؤوبة بمقدسات المسلمين المغتصبة في القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك. وكان يجاهر بأنه يعتبر الاحتلال استعمارًا غاشمًا على دولة فلسطين المسالمة، وإجرامًا ظاهرًا يؤذي المسلمين من أبناء فلسطين المسالمين، وأنه نوع من البلاء الذي يبتلي الله به عباده المسلمين، ليبلوهم أيهم أحسن عملًا، ولينظر كيف يعملون.
وجه عني الشيخ مشتهري رسالة لعامة المسلمين يدعوهم فيها ألا يغتروا ببريق كلمات الفئة الباغية من اليهود، فهم الذين لا يُستأمنون ولا يُصدقون، وتاريخهم يشهد عليهم بذلك على مر التاريخ، وهم الذين حاولوا قتل الرسول، صلى الله عليه وسلم، بإلقاء الحجر عليه من فوق سطح المنزل، وهم الذين حاولوا تسميم الرسول، وهم من أثاروا الفتنة بين الأوس والخزرج ، وكان يقول إن انتهاكات الفئة الباغية من اليهود ما زالت مستمرة عبر التاريخ وإلى الآن، حتى احتلوا أرض غيرهم وقتلوهم وأفسدوا مقدساتهم وحرَّقوها.
وكان الشيخ مشتهري يقول إن الواجب على المسلمين هو الاعتصام والاتحاد، والتنبه إلى عدوهم، وأن يعاملوه باللغة التي يفهمها وهي لغة القوة والردع لا سواها.
وكان الشيخ مشتهري يعبر عن أمله في أن يفطن المسيحيون في العالم لخطورة هذا الأمر، فقد دُنست معابدهم في القدس، وأُزيلت كنائسهم، ونبشت قبورهم، والأجدر بهم مساندة أهل فلسطين المسالمين في إزاحة هذا الاحتلال المفسد في البلاد والمغتصب للحقوق.
“إن عارًا ما بعده عار، أن شغلنا الشيطان الآن بالتوافه من الأمور، والخسيس من التصرف، دون ما علينا من واجب نحو هذه الكارثة المحيطة بنا. وإن فرضًا علينا أن نتناسى ما بيننا من خلافات على حطام الحياة الرخيصة، وأن نتوحد أمام هذا الأخطبوط الذي قذفنا به الاستعمار لإفساد ديننا ودنيانا”.
آثاره العلمية
- المسجد الأقصى ومعركة النصر.
- تحديد الملكية أمام الدين والعقل والقانون.
- الإيمان والمؤمنون.
- هذه دعوتنا.
- الدنيا مع الآخرة طريق الإسلام.
- من أنوار القرآن الكريم.
- التذكير بآيات الله في النفس.
- صرخة ونداء.
على شبكات التواصل
نشر تلاميذ الشيخ كثيرا من أعماله الدعوية على الشبكة العنكبوتية ومنها: سلسلة الدار الآخرة.
شهادة الدكتور عبد الحليم محمود
قال عنه شيخ الأزهر الراحل عبد الحليم محمود “هو من كبار علماء الأزهر، ومن هؤلاء الذين مكن لهم الله سبحانه وتعالى؛ مكن لهم بالقرآن، ومكن لهم بالسنة، ومكن لهم بالسيرة الصالحة، ومكن لهم بحسن اللغة وحسن الأسلوب، ومكن لهم بالقبول وحسن اللقاء الذي يتلقاه الناس منهم”.
تكريمه
لقي الشيخ مشتهري تكريمًا من الدولة في احتفال الدعاة عام 1989.
وفاته
توفي الشيخ مشتهري في 28 أغسطس/آب 1995.