الشيخ عبدالمجيد اللبان (1871 ـ 1942) عالم جليل ذو مكانة سامقة كان بمثابة رجل الأزهر الأول في الحياة العامة طيلة ربع قرن منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى وفاته في 1942، وهو أحد كبار علماء الشافعية في عصره، بل هو عميدهم جميعا وهو الشيخ (العميد) المؤسس الأول لكلية أصول الدين، فقد كانت مشيخته لها بمثابة التأسيس الحقيقي لمعهد من المعاهد العالية في العلم والفهم.
وهو أول عالم أزهري من العاملين في الأزهر يفوز بالانتخاب في عضوية أول مجلس تشريعي (1942)، وهو كذلك أبرز علماء الجيل التالي لجيل الشيخ محمد عبده، والسابق على جيل الشيخين المراغي، والظواهري (الابن)، وقد وصل في مكانته السياسية والفكرية إلى درجات عليا من ثقة الصفوة والجماهير على حد سواء، فكان برلمانيا منتخبا، كما كان صاحب الرأي والمشورة النافذة.
وقد كان من جيله المشايخ محمد شاكر (1866 ـ 1939) ومحمد حسنين مخلوف (1861 ـ 1936) وأحمد هارون (1872 – 1930)، وطنطاوي جوهري (1870-1940) ومحمد رشيد رضا (1865 ـ 1935)، وعبدالرحمن قراعة (1862 ـ 1939)، ومع أنه أصغر هؤلاء جميعا فقد كان من أكثرهم لمعانا في الأستاذية والمشيخة والنشاط العام.
وعلى الرغم من أن الشيخ عبدالمجيد اللبان كان يمثل واحدا من أفضل اختيارين طبيعيين لمنصب شيخ الأزهر بعد وفاة الشيخ أبو الفضل الجيزاوي (بعد الشيخ محمد شاكر)، وكان الرجلان معروفين بعلمهما ووطنيتهما، ووفديتهما وخبراتهما، فإن النحاس باشا ببعد نظره كان حريصا على الإسراع بتمكين الجيل الجديد من مقاعد المسؤولية في كل مكان بما في ذلك الأزهر.
واستطاع النحاس باشا بما عرف عنه من الذكاء ووضوح الرؤية، أن يمتد بالتثوير والتجديد إلى آفاق المناصب التي تسمي بالمناصب الروحية أو المعنوية بما أعطى للدولة شبابها وحيويتها، ولهذا فقد رشح الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخا للأزهر، وهو ما يزال في السابعة والأربعين، وكذلك كان من رشحه لمنصب الإفتاء وهو الشيخ عبدالمجيد سليم في السادسة والأربعين من عمره، بل إن المرشح الآخر للمشيخة وهو الشيخ الظواهري كان أيضا دون الخمسين.
وقد انتهج النحاس باشا هذا المنهج على الرغم من وجود علماء أفاضل لا ترقى إلى الشك في مكانتهم أي ذرة، لكن النحاس باشا كان يعرف أنه يؤسس لعهد جديد، وكذلك كان جيله يدرك هذه الحقيقة، وفي حالة الشيخ اللبان فإن مكانه المتقدم ظل محفوظا ومعترفا به حتى إنه أصبح العميد المؤسس لكلية أصول الدين.
نسبه الشريف
ينتهي نسب الشيخ عبدالمجيد اللبان إلى الشيخ شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالمؤمن الأسعردي الدمشقي المصري الشافعي، الشهير بابن اللبان، المتوفى بالإسكندرية بالطاعون (749هـ/1349م)، وقد دفن جده الأكبر هذا في مقبرة أبي العباس، ومن المشهور أن نسب الجد ينتهي إلى الإمام الحسن السبط ابن الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).
نشأته
ولد الشيخ عبدالمجيد اللبان في يوليو/تموز عام 1871، في بلدة سنديون التابعة لمركز فوة في مديرية الغربية (محافظة كفر الشيخ حاليا)، ونشأ بها وحفظ القرآن الكريم، فلما أتم حفظ القرآن التحق بالأزهر في القاهرة وكان حين التحق بالأزهر قد بلغ من النضج الحد الأعلى للسن المسموح بها في قبول الطلاب، وهكذا ظل هذا سمته فيما بعد ناضجا غير متطلع.
وفي الأزهر تلقي الشيخ عبدالمجيد اللبان العلم على عدد من كبار علمائه كان منهم الشيخ سليم البشري، والأستاذ الإمام محمد عبده، وأحمد الرفاعي الفيومي، ومحمد البحيري الديروطي، ونال شهادة العالمية (1900). في سن كبيرة نسبيا بالمقارنة بمعدلات الحصول عليها في ذلك الوقت.
اشتراكه في تأسيس النسخة الجامعية المبكرة في معهد الإسكندرية
بعد أن نال الشيخ عبدالمجيد اللبان الشهادة العالمية عين مدرسا بالجامع الأزهر على عادة المبرزين من الدارسين والمتخرجين على المذهب الشافعي، وعندما تأسس معهد الإسكندرية بنسخته الجامعية التي تحدثنا عنها في مواضع كثيرة من كتاباتنا (1907) اختير مدرسا وعضوا في مجلس إدارته، ثم واصل ترقيه حتى عين مفتشا عاما للأزهر، ثم مدرسا بقسم التخصص عندما أسس هذا القسم.
أستاذيته
وعلى مدى حياته العلمية كان الشيخ عبدالمجيد اللبان أستاذا محبوبا متمتعا بالتقدير والإقبال من تلاميذه، وكان من أشهر الذين أخذوا عنه في معهد الإسكندرية من العلماء، الشيخ محمد عبداللطيف دراز، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد الفحام، والشيخ الحسيني سلطان، وأيضا الشيخ إبراهيم مجاهد، والشيخ أحمد شربت، والشيخ محمد الجهني، والشيخ عبدالآخر أبوزيد، وكذلك الشيخ أمين الشيخ، والشيخ عبدالعزيز خطاب، والشيخ إمام حسين، فضلا عن الشيخ محمد الأودن، والشيخ حامد محيسن، ويروى كذلك أنه أجاز السيد عبدالله الصديق الغماري بجميع مروياته.
ترأس لجنة امتحان الشيخ محمد الخضر حسين في العالمية
بعد أن استقر الشيخ محمد الخضر حسين في مصر سنة 1920 وأثبت كفاءته في ميادين متعددة، رأى أن يتقدَّم لامتحان شهادة العالمية بالأزهر، فعقدت له لجنة لامتحانه برئاسة العلامة عبدالمجيد اللبان مع جماعة من علماء الأزهر، وأعجبت به تلك اللجنة، وبلغ من إعجاب رئيسها بالطالب أن قال: “هذا بحرٌ لا ساحل له، فكيف نقف معه في حجاج”.
إسهامه البارز في الحركة الوطنية
اشترك الشيخ عبدالمجيد اللبان في الحركة الوطنية مع الزعيم سعد زغلول، وكان بلا جدال زعيم الحركة الوطنية في الإسكندرية، وقد اعتقلته السلطة العسكرية الإنجليزية (1919) في الإسكندرية، وآثرت أن تبعده عن الثغر منفيا إلى عزبته قبل مجيء لجنة ملنر (التي شكلتها الحكومة البريطانية، للوقوف على أسباب ثورة 1919).
فوزه بعضوية البرلمان
وفي الانتخابات التي أجريت عقب إعلان دستور 1923 انتخب الشيخ عبدالمجيد اللبان عضوا في مجلس النواب عن دائرة عزب أبي مندور بمديرية الغربية، وكان بهذا أول علماء الدين الذين دخلوا البرلمان المصري فيما بعد ثورة 1919.
ومن الجدير بالذكر أن زميله السابق عليه بسنوات قليلة الشيخ محمد شاكر كان عضوا معينا في الجمعية التشريعية التي سبقت ثورة 1919، وأن نقيب المحامين الشرعيين الأستاذ محمد عز العرب فاز عن دائرة السيدة زينب.
عمادته لكلية أصول الدين
عندما تم تطوير الأزهر والانتقال إلى عهد الكليات الأزهرية (1930) كان الشيخ عبدالمجيد اللبان أول العلماء الثلاثة الذين اختيروا لعمادة هذه الكليات، وقد اختير شيخا لكلية أصول الدين، على حين اختير الشيخ مأمون الشناوي (1878 – 1950) عميدا للشريعة والشيخ إبراهيم حمروش (1880 – 1960) عميدا للغة العربية، وكان هذا الاختيار علامة على الحرص على تقديم كلية أصول الدين. وعندما تأسس مجمع اللغة العربية 1932 كان الشيخ عبدالمجيد اللبان من المرشحين لعضويته، لكن الفوج الأول ضم عميد كلية اللغة العربية المعاصر له الشيخ إبراهيم حمروش، وهو اختيار منطقي لا يقلل من قيمة الشيخ اللبان.
ترأس لجنة من العلماء للتصدى لموجة القاديانية
حدث أن طالبين في الأزهر اعتنقا القاديانية فطالب الرأي العام بتطهير الأزهر من أتباع هذه المعتقدات الضالة، فأمر شيخ الأزهر بإجراء تحقيق إداري قام به شيخ القسم العام فاعترف الطالبان بانتسابهما إلى مذهب غلام أحمد القادياني الذي ادعى نزول الوحي عليه والرسالة والنبوة. ولما انتهى التحقيق الإداري شكل فضيلة شيخ الجامع لجنة علمية مؤلفة من 5 أعضاء هم حضرات أصحاب الفضيلة: الشيخ عبدالمجيد اللبان شيخ كلية أصول الدين، والشيخ إبراهيم الجبالي شيخ معهد طنطا، والشيخ محمد العناني رئيس مفتشي العلوم العربية بالأزهر، والشيخ محمود أبو دقيقة من جماعة كبار العلماء، والشيخ محمد العدوي مفتش الوعظ بالأزهر، وذلك لدراسة ذلك المذهب والتصدي له.
ذريته
من أبنائه الوزير سعد اللبان، وهو أول درعمي وصل إلى الوزارة، والدكتور إبراهيم عبدالمجيد اللبان عميد دار العلوم وعضو مجمع اللغة العربية، وقد تخرج الابنان في دفعة واحدة من دار العلوم هي دفعة 1918، والدكتور الشافعي اللبان السفير بوزارة الخارجية.
آثاره
ـ رسالة في الأخلاق الدينية الإسلامية.
ـ رسالة في السيرة النبوية.
وفاته
توفي الشيخ عبدالمجيد اللبان عام 1942 في أثناء مشيخة الشيخ المراغي الثانية للأزهر.