من الدلائل الثابتة على أن عهد السادات كان عهد الاستيعاب للقوى السياسية المختلفة ومنهم القطب الوفدي الدكتور أحمد أبوإسماعيل (1915 ـ 2013) الذي اختير ليكون وزيرا للمالية بعد نصر أكتوبر/تشرين الأول، فضلا عن أنه كان ممن مارسوا العمل البرلماني والسياسي والحزبي والنقابي. ولا يستقيم لنا فهم هذا الدور السياسي إلا في إطار قراءة سريعة لتاريخنا المعاصر منذ ما بعد هزيمة 1967. ففيما بعد هذه الهزيمة الساحقة كان الرئيس جمال عبد الناصر مضطرا إلى الالتزام بسياسة مالية صارمة وواضحة المعالم، وبعيدة عن شعارات الرئيس نفسه وتوفيقاته ووعوده، وهكذا أتيحت الفرصة الذهبية لعميد كلية تجارة عين شمس الشاب الدكتور عبد العزيز حجازي أن يكون هو هذا الرجل وأن يتولى في مارس/آذار 1968 أمور المالية، وكانت لاتزال تسمى بالخزانة (تقليلا من شأن وسلطة من يشغلها كما هي عادة الأنظمة الشمولية في قصقصة أجنحة الوزراء المسؤولين عن الوزارات المهمة) وقد ظل مسؤولا عن هذا القطاع حتي صعد هو نفسه إلى رئاسة الوزارة عام 1974.
كان رئيس الوزراء الذي خلف الدكتور حجازي في أبريل/نيسان 1975 هو ممدوح سالم، ويبدو بوضوح أنه كان مدركا ولكن بصورة غير كاملة للتحدي الاقتصادي والمالي الذي سيواجهه، وهو ما واجهه بالفعل في مظاهرات يناير/كانون الثاني 1977، ولهذا فإنه على عادة المصريين البسطاء الذين يترجمون الاهتمام بأن يذهبوا لاستشارة أكثر من أستاذ من أكبر الأطباء حرص على أن يستعين في وزارته بعميدين بارزين من عمداء كلية الاقتصاد، كانا هما عميدها المؤسس (الحقوقي الدراسة) الدكتور محمد زكي شافعي وعميدها (التجاري الدراسة) الدكتور أحمد أبوإسماعيل، فضلا عمن استعان بهم من أعلام الوطن في بقية الوزارات الاقتصادية، وفي مقدمتهم الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن لوزارة التخطيط، والدكتور أحمد فؤاد شريف لوزارة التنمية الإدارية. ومع هذا فإن الثلاثة الأوائل استقالوا وتركوا ممدوح سالم في منتصف عهده، أما الرابع فقد تركه أيضا لسبب آخر رحمة الله.
أصبح الدكتور أحمد أبوإسماعيل رابع وزراء المالية في عهد الرئيس السادات، في أبريل/نيسان 1975 بعد الدكتور حجازي والوزيرين اللذين توليا المالية في وزارة الدكتور حجازي وهما محمد عبد الفتاح إبراهيم والدكتور محمد حمدي النشار. وهكذا فيما ظهر (وإن لم يكن حقيقيا بسبب قصر اليد) تعددت توجهات الوزراء وسياساتهم، وخبراتهم، أو كفاءاتهم.
اضطر ممدوح سالم في سعيه إلى النجاح (من خلال محاولاته البراغماتية للتوفيق) إلى اللجوء إلى الاقتصادي التقليدي في عهد 23 يوليو/تموز وهو الدكتور عبد المنعم القيسوني وإعادته نائبا لرئيس الوزراء (وكان قد ترك الوزارة في مارس/آذار 1968) وأن يستقدم معه مجموعة من الوزراء يختارهم هو (أي القيسوني) بنفسه. وهكذا فإنه في وزارات ممدوح سالم الخمس ما بين أبريل/نيسان 1975 وأكتوبر/تشرين الأول 1978 كان هناك وزيران للمالية، واحد فيهما قبل عودة القيسوني هو الدكتور أحمد أبو إسماعيل، والثاني جاء مع القيسوني، وبقي بعده وهو الدكتور محمود صلاح الدين حامد.
تخرجت فيما بين هذين الوزيرين الاثنين 12 دفعة من كلية التجارة، إذ تخرج الدكتور أحمد أبو إسماعيل عام 1937 في حين تخرج صلاح حامد سنة 1949.
نشأته وتكوينه
ينتمي الدكتور أبوإسماعيل لعائلة وفدية عريقة، حيث كان والده أحمد أبو إسماعيل سكرتيرًا عامًا للجنة الوفد بسمنود في عهد مصطفي باشا النحاس، وأما جده الشيخ محمد أبو إسماعيل فقد كان من كبار القضاة.
ولد الدكتور أحمد أبو إسماعيل في الرابع عشر من مارس/آذار 1915 في سمنود، وقد حصل علي بكالوريوس التجارة (عام 1937) فالدكتوراه في اقتصاديات النقل من برمنجهام (عام 1942) وعمل بجامعة لندن بعض الوقت وعاد إلى مصر عام 1948 وتدرج في وظائف الجامعة مدرسا فأستاذا مساعدا بتجارة القاهرة، ثم رأس قسم الاقتصاد بجامعة الكويت من 1968 حتي 1971 ثم اختير الدكتور أحمد أبو إسماعيل وكيلا لكلية الاقتصاد فعميدا لها.
كان الدكتور أحمد أبو إسماعيل أستاذا كلاسيكيا أو تقليديا، مع ما قد كان يبدو في تصريحاته من آرائه الشابة، وأناقته في ملبسه، ورشاقة حركته التي كانت ملحوظة، وحرصه على إبداء معارضته للآراء أو التوجهات السابقة، ومن حيث السن فهو أكبر من كل وزراء المالية في عهد الرئيس السادات، حتى من محمد عبد الفتاح إبراهيم الذي كان يبدو للوهلة الأولي ودائما كبير السن!! وأذكر أنني على طريقتي في اقتناص الحقائق من أصحابها سألت الدكتور عبد العزيز حجازي: ألم يدرّس لك؟ فجاءت إجابته بأسرع وبأعجب مما أتصور حيث قال: كانت مادة يتيمة في سنة من السنوات لكنه متمسك بهذا، وهكذا جاءت هذه الإجابة التلقائية لتختصر صفحات من الحديث عن العلاقات المتبادلة بين النخبة الأكاديمية في عصر ثورة 1952. ومن الطريف أن الرجلين تنافسا بعد سنوات على منصب نقيب التجاريين في أول انتخابات جرت على هذا المنصب.
خلفيته البرلمانية والسياسية
نظلم الدكتور أبو إسماعيل إذا قلنا إنه جاء للوزارة من منصب، لأن الدكتور أحمد أبو إسماعيل جاء أيضا من رئاسة لجنة التخطيط والموازنة بمجلس الشعب وهو المنصب الذي جمع الدكتور أحمد أبو إسماعيل بينه وبين العمادة، إلى أن ثارت أصوات طالبت بالفصل بين المناصب الحكومية (بما فيها الجامعية) وبين المناصب البرلمانية، وقد أتيح لهذا المبدأ أن يسري على أيام الدكتور أبو إسماعيل، فاضطر الرجل أن يستقيل من العمادة، ولكن هذا لا يمنع من القول إن أحمد أبو إسماعيل جاء إلى الوزارة من عمادة كلية الاقتصاد في مقارنة أخرى بينه وبين سلفه الدكتور حجازي الذي جاء من عمادة كلية تجارة عين شمس.
كان الدكتور أحمد أبو إسماعيل قد فاز في الانتخابات البرلمانية عام 1971 و1976. لكنه في انتخابات مجلس الشعب عام 1979، خسر الانتخابات أمام الدكتور مصطفي الحفناوي وزير الإسكان في ذلك الوقت. في سمنود، قام الدكتور أبو إسماعيل بتأسيس مصنع وبريات سمنود كمؤسسة كثيفة العمالة تعمل في صناعة النسيج.
كان الدكتور أحمد أبو إسماعيل قد فاز في الانتخابات البرلمانية عام 1971 و1976 في دائرة سمنود. وقد كانت شعبية أحمد أبو إسماعيل في دائرة زعيم الأمة مصطفي النحاس باشا خير عون له في ذلك، ولم يكن هو وحده في ذلك الوقت الذي جاء إلى الوزارة من كرسي الجامعة، ولكن هذا لا يمنع أنه في ذلك الطريق مر برئاسة لجنة برلمانية شأنه في ذلك شأن عدد من التكنوقراطيين في برلماني 1971و1976.
ومع أن الدكتور أبو إسماعيل اضطر إلى التضحية بأحد المنصبين فإنه يجدر بنا أن نشير إلى ما حدث بعد ذلك مباشرة من التغاضي عن الجمع بين رئاسة لجان مجلس الشعب وبين الوظائف الجامعية… فقد اختير الدكتور صوفي أبو طالب رئيسا للجنة التعليم والبحث العلمي عقب فوزه بعضوية مجلس الشعب في دورة 1976، وثارت التكهنات، ولكنه قال إنه متمسك بالجامعة إلى آخر لحظات حياته، وحريص عليها.. فكان من حرصه على الجامعة أن وهب رئاسة مجلس الشعب كله (1978) لا رئاسة لجنة من اللجان السبع عشرة فحسب. ثم مرت الأيام وأصبحت معظم اللجان في مجلس الشعب بيد كفاءات غير متفرغة، وإذا مضت الأمور على النحو الذي هي ماضية عليه فلن يكون هناك نائب متفرغ!!
رحلته مع الوزارة
أثناء عمل الدكتور أحمد أبو إسماعيل وزيرا للمالية في حكومتي ممدوح سالم الأوليين (أبريل/نيسان 1975ـ نوفمبر/تشرين الثاني 1976) خاض المعركة البرلمانية (1976) في سمنود، وقالت الصحف إنه فاز بأعلى نسبة من أصوات الناخبين على مستوى الجمهورية في هذه الوزارة.. ولكنه لم يدخل الوزارة التي شكلت في أعقاب الانتخابات.. من ناحية لأن الدكتور القيسوني جاء هو ومجموعته، ومن ناحية ثانية لأنه (كما عبرت مجلات مؤسسة روز اليوسف) أكثر من التصريحات التي تضمنت مهاجمة الحكومات العربية التي بخلت على مصر بالمساعدة الاقتصادية المنطقية والمستحقة والواجبة بعد نصر أكتوبر.
النقابة
أجريت انتخابات منصب نقيب التجاريين لأول مرة بعد إنشاء النقابة، فخاض الدكتور أحمد أبو إسماعيل المعركة منافسا الدكتور عبد العزيز حجازي وتوفيق أبو علم الذي كان يرأس رابطة التجاريين لسنوات طوال قبل إنشاء النقابة، ولكن الدكتور عبد العزيز حجازي فاز بأغلبية كبيرة.
البنك
في سبتمبر/أيلول 1977 رأس الدكتور أحمد أبو إسماعيل مجلس إدارة بنك القاهرة الشرق الأقصى، وهو واحد من البنوك الجديدة.
عودة الوفد
بعد خروجه من الوزارة أسهم الدكتور أحمد أبو إسماعيل مع فؤاد سراج الدين باشا في كل خطوات عودة الوفد منذ مؤتمر نقابة المحامين عام 1977 الذي أعلن فيه سراج الدين عن عودة الوفد. وعام 1984 ساهم الدكتور أحمد أبو إسماعيل في عودة حزب الوفد للحياة السياسية، كما كان عضوًا في هيئته العليا لعدة دورات.