الاستاذ الشيخ البهي الخولي (1901ـ1977) واحد من أبرز الدعاة والكتّاب الإسلاميين الذين عملوا في ظلال الإخوان المسلمين، ثم في ظلال “عهد 23 يوليو” أيضا، وهو سابق في هذا بحكم السن على العالمَين الجليلين الأكثر منه شهرة (الآن) الشيخ سيد سابق والشيخ محمد الغزالي، وقد كان ثلاثتهم أبرز رجال فريق الدعوة الإسلامية الناصع والناجح طيلة عهد الشيخ أحمد حسن الباقوري في وزارة الأوقاف ما بين 1952 و1959.
التفريق بينه وبين الدكتور محمد البهي
يحدث بعض اللبس بين اسمه ومؤلفاته والكتابة عنه، وبين الدكتور محمد البهي وزير الأوقاف ومدير جامعة الأزهر (1905ـ1983)، ومن الطريف أن الوزير على الرغم من منصبه ومناصبه كان أقل منه شهرة فضلا عن أنه ولد وتوفي بعده، وقد حدث أن أحد الكتب نَسب رسالة علمية كتبت عن أحدهما على أنها وضعت عن الآخر وعن جهوده، وليس هذا بالمستبعد في ظل مناهج البحث العلمي القائمة في مجتمعنا المعاصر، نسأل الله العافية والمعافاة.
التفريق بينه وبين الشيخ أمين الخولي
كذلك يحدث الخلط -ولكن بدرجة أقل- بينه وبين الشيخ أمين الخولي (1895-1966) الذي لا يزال ذكره يتجدد في موضوعات خلافية، على حين يمضي ذكر الشيخ البهي الخولي في هدوء.
أسرته
هو عم الكاتب الصحفي اليساري الأستاذ أحمد لطفي الخولي.
نشأته
ولد الشيخ البهي الخولي -واسمه الكامل البهي بن نجا بن إبراهيم الخولي- في قرية القرشية بمحافظة الغربية سنة 1901، وهي قرية الشاعر أحمد الكاشف (1878-1948)، وتخرج في دار العلوم 1927.
زملاؤه
تخرج الأستاذ الشيخ البهي الخولي بمدرسة دار العلوم العليا (كلية دار العلوم فيما بعد)، في دفعة ضمت عددا من المشاهير والناجحين والمؤثرين؛ سنذكر منهم 4، فأول هذه الدفعة هو الإمام الشهيد حسن البنا (1906ـ1949) الذي لم يكن من الدارسين في الأزهر، لكنه تمكن من الالتحاق بدار العلوم بعد تخرجه في مدرسة المعلمين المتوسطة في تقليد اُستحدث بفترة من فترات زهو الحقبة الليبرالية التي أعقبت ثورة 1919، والتي تأثرت بفكر سعد زغلول المشجع للخصوية والتفوق والمسارات المتوازية والبعد عن الجمود في المدارس التقليدية، وثاني هذه الدفعة هو الدكتور إبراهيم بيومي مدكور (1902ـ1996) الذي آلت إليه عمادة علوم الفلسفة والعلوم الاجتماعية في عصره، والذي أصبح رئيسا لمجمع اللغة العربية. وفي هذه الدفعة تخرج أستاذ الشريعة الأشهر بكلية الحقوق الشيخ محمد أبو زهرة (1898ـ1974)، ورابع هؤلاء هو الشيخ علي حسب الله الذي استأثرت به كليته دار العلوم لتدريس الشريعة الإسلامية حتى أصبح رئيسا لقسم الشريعة ووكيلا للكلية.
وظائفه
عُين الأستاذ الشيخ البهي الخولي مدرسا، وانتظم في الوقت ذاته في سلك الدعوة الإسلامية وحركة الاخوان المسلمين، وفي عهد تولي الشيخ الباقوري لوزارة الأوقاف اختير مديرا عاما للمساجد بوزارة الأوقاف، ومراقبا عاما للشؤون الدينية فيها.
حديث الشيخ القرضاوي عن دوره في شبابه
يقول الشيخ القرضاوي “تعرفت إلى الأستاذ البهي في المعهد الديني الابتدائي بطنطا، حيث كان مدرسا للمحفوظات التي كان المدرسون يحولونها إلى حصة للراحة والقراءة الحرة، ولكن الشيخ حوّل حصتها إلى ثقافة ودعوة، وكان ـأيضاـ مدرسا لمادة الجغرافيا التي كان يتقن رسم خرائطها، وأنا لا أتقنه. وتوثقت صلتي به وأنا في المرحلة الثانوية، فاتصلت به عن قرب، واستفدت من حلقاته ومجالسه، والتقطت من لآلئه وجواهره.
“ولقد فكر الأستاذ البهي أن يصطفي نخبة من خيرة شباب الإخوان، يدنيهم منه، ويربيهم في مدرسته، ويلقنهم فكره وذوقه، ويأخذهم بعزائم السلوك، وقد اختار الشيخ لهذه المجموعة اسم “كتيبة الذبيح”. اختار الأستاذ البهي أكثر هذه النخبة من طلاب المعهد الديني، وأقلهم من طلاب المدرسة الثانوية، وأذكر من هذه النخبة الإخوة أحمد العسال، ومحمد الصفطاوي، ومحمد الدمرداش مراد، وعبد العظيم الديب، وعبد الوهاب البتانوني، ومحمد وعبد الفتاح الحشاش، من أبناء الأزهر، وعبد المنعم عثمان، وسعيد شتا، وكمال العريان من الثانوية، وآخرين لا أذكرهم الآن. كان موعد اللقاء قبيل فجر الاثنين ـعلى ما أذكرـ من كل أسبوع، وفي بيت الأستاذ، نصلي معه الفجر.
صداقته للندوي
كانت بين الأستاذ الشيخ البهي الخولي وبين أبي الحسن الندوي مودة عميقة، وقد وصفه الندوي بقوله “والقلب يمتلئ قوة وحرارة بتأثير الأستاذ البهي وروحه القوية وقلبه الفياض بالحب والإيمان حتى شعرت بنشاط جديد”.
نشاطه في الإخوان المسلمين
كان الأستاذ الشيخ البهي الخولي رئيسا للمكتب الإداري للإخوان في مديرية (محافظة) الغربية، وضم إلى ذلك المسؤولية عن العمل في (النظام الخاص)، وكان هو المسؤول عن هذا النظام في الغربية. وقد أشار الدكتور القرضاوي في رثائه إلى أنه على الرغم من ذلك لم يدعهم إلى الانضمام للنظام الخاص.
في معتقـل الطور
اختاره الإخوان في معتقـل الطور عام 1948 أميرا لهم في المعتقل، ولكن لم يطُل المقام بإمارته، حيث استدعي إلى القاهرة للتحقيق معه في قضية تتعلق بالنظام الخاص، كما استُدعي الأستاذ عمر التلمساني المحامي الشهير إلى القاهرة أيضا، فاختار الإخوان الشيخ محمد الغزالي خلفا له.
رأيه في الصلح مع عبد الناصر
حين اشتد خلاف عبد الناصر مع الإخوان كان الأستاذ البهي الخولي على رأس فريق من مؤسسي الإخوان، ويرى ضرورة الصلح مع عبد الناصر تفاديا لسحب الجماعة إلى معركة غير متكافئة تُجر فيها للمهلكة بغير مبرر، بينما كان فريق آخر يمثل قيادة الإخوان، ويمثل الأكثرية منهم أيضا لا يثقون بعبد الناصر ولا بتعهداته، ويعتقدون أنه لا يضمر خيرا للجماعة، بل يتربص بها، ويريد أن يتخلص منها؛ ولهذا يريد ضرب بعضها ببعض، فيكون بأسهم بينهم. ومن هنا يجب الوقوف ضد هذه الفتنة، ومساندة القيادة الشرعية فيما تؤمن به وتحرص عليه. وهو ما حدث بالفعل، وأثبت أن رؤية الأستاذ الهضيبي كانت أصدق.
تصنيفه خارج الإخوان منذ ذلك الحين
بناء على ذلك الموقف صنف الاخوان المسلمون الأستاذ البهي الخولي منذ ذلك الحين على انه وقف مع من آذاهم. حتى إن مجلة (الدعوة)، لسان حال الإخوان في مصر، حين توفي الأستاذ البهي الخولي إلى رحمة الله في 1977 لم تشر الى وفاته، ولم تتحدث عنه بوصفه أحد رجال الدعوة الذين عاشوا عمرهم لها، وتركوا آثارًا فيها.
دوره في منبر الإسلام وانتدابه للتدريس الجامعي
في عهد الوزير أحمد طعيمة -الذي خلف الشيخ الباقوري- تولى الأستاذ الشيخ البهي الخولي إدارة التحرير في مجلة “منبر الإسلام” التي تأسست على يد الدكتور محمد يوسف موسى. وبعد تلك الفترة انتدب للتدريس بدار العلوم، وبالأزهر.
نشاطه في المجتمع المدني
عمل الأستاذ الشيخ البهي الخولي مستشارا بالمجلس الأعلى لجمعية “الشبان المسلمين”.
آثاره الفكرية
كتابه الأشهر “تذكرة الدعاة”
كان هو كتابه الأول الذي لم يسبق أحد إلى مثله في تناول الدعوة كفن ومهنة ذات أصول علمية وفكرية، وقد كتب له الإمام الشهيد حسن البنا مقدمة موجزة مركزة، ووصف البهي فيها بأنه “الأخ الداعية المجاهد.. صافي الذهن، دقيق الفهم، مشرق النفس، قوي الإيمان، عميق اليقين”. وكان هذا الكتاب ثاني كتاب -بعد رسائل الإمام الشهيد- يصنف على غلافه بأنه من رسائل الإخوان المسلمين.
كتابه “المرأة بين البيت والمجتمع”
كلفه به المرشد الثاني الأستاذ حسن الهضيبي، فقد كان موضع ثقته من الناحية العلمية، ثم طوره بعد ذلـك إلى كتاب “الإسلام وقضايا المرأة المعاصـرة”.
مقالاته في مجلة “المسلمون”
كان الأستاذ الشيخ البهي الخولي يحرر في مجلة “المسلمون” -التي أصدرها تلميذه الدكتور سعيد رمضان- بابا بعنوان “مع العارفين”، كتب فيه عن “الإمام الممتحن أحمد بن حنبل” كتابة متميزة، وكتب عن بعض الشخصيات الأخرى من السلف، وقد نُشر بعض ما كتبه ولم يُنسب إليه.
كتبه الأخرى في الفكر الإسلامي
- منهج القرآن في المعرفة.
وفي القضايا الاقتصادية
- الثروة في ظل الإسلام.
- الإسلام لا شيوعية ولا رأسمالية: العمل والعمال.
- الاشتراكية في المجتمع الإسلامي بين النظرية والتطبيق.
وفي التاريخ الإسلامي
- من أسرار الفتح.
- يوم الفرقان: غزة بدر.
- بنو إسرائيل في ميزان القرآن.
ومن كتب التراجم:
- الإمام الممتحن أحمد بن حنبل.
- الإمام محمد عبده.
- شيخ الإسلام ابن تيمية.
وفي القضايا الاجتماعية:
- المرأة في البيت والمجتمع.
- الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة.
وفاته
توفي الشيخ البهي الخولي يوم 27 ديسمبر/كانون الأول عام 1977.