كان المهندس عبد العظيم أبو العطا ألمع أبناء جيله من المهندسين، نال هذه الألمعية قبل زملائه اللامعين الناجحين المؤثرين؛ حسب الله الكفراوي، وماهر أباظة، ونعيم أبو طالب؛ لكنه انطفأ قبلهم بالموت؛ بسبب السياسة بدون أن يقصد أحد أن يقتله، كانت بمثابة الوفاة المفاجئة، التي نشأت عن حادث سياسي معقد، لا يمكن فهمه إلا بضوء طبيعة حكم ثورة يوليو/تموز 1952.
نجاحه الوزاري
كان المهندس أبو العطا من أنجح المهندسين، فلما أراد ممدوح سالم أن يختار لوزارة الري (الموارد المائية والأشغال الآن) وزيرا من أبناء الجيل الجديد، وقع الاختيار عليه؛ ليخلف بذلك الجيل الذي كان يكبره بـ20 عاما وأكثر، جيل أحمد عبده الشرباصي، وعبد الخالق الشناوي، وإبراهيم زكي قناوي، ومحمد عبد الرقيب.. إلخ.
وعلى مستوى علاقات النخبة، فكان واحدا من 3 وزراء فقط، لم يتولوا الوزارة إلا مع ممدوح سالم؛ لكنهم تولوها معه من أول يوم في وزاراته الخمس إلى آخر يوم، والآخران هما عيسى شاهين وزير الصناعة، وزكريا توفيق عبد الفتاح وزير التجارة، ولما أثبت أبو العطا نجاحه في الري استطاع أن يضم إليها مسؤولية وزارة الزراعة وما يتعلق بها، وهو ما لم يحدث طيلة عهد الثورة؛ بل لم يحدث منذ أوائل القرن الـ20، وإن كانت أوائل عهد النظام الوزاري شهدت ذات مرة ضم الوزارتين في وزارة واحدة سميت “وزارة النافعة”.
صعوده السياسي
حقق المهندس عبد العظيم أبو العطا كما نرى من تاريخه نجاحات مهنية ووزارية وسياسية متوالية، ولما كان قريبا من قادة 1952 بحكم علاقة نسبه مع كمال الدين حسين، نائب رئيس الجمهورية، ظن أن بإمكانه ممارسة السياسة من موقع أكثر تقدما مما هو متاح لأمثاله من الوزراء التكنوقراطيين، الذين ينظر إليهم العسكريون على أنهم مدنيون فقط.
قصة مأساته
وهكذا فإنه عندما أسس الرئيس السادات الحزب الوطني الديمقراطي، وهرول أعضاء حزب مصر العربي الاشتراكي إلى عضوية الحزب الجديد تاركين ما كان يسمى بحزب الأغلبية، وهو حزب مصر، ولما رأى ممدوح سالم رئيس ذلك الحزب أن دوره السياسي قد انتهى بخروجه من رئاسة الوزارة، قدم استقالته من رئاسة الحزب، وتقدم عبد العظيم أبو العطا ليرأس الحزب صاحب الوجود القانوني، ويتولى رعايته، ويبدو أنه ظن أن الدولة، أو السادات، أو كليهما سيرحبان بوجود مثل هذا الحزب في ظل معاناة السادات نفسه في خلق وتفصيل معارضة سياسية مرة من خلال خالد محيي الدين ومصطفى كامل مراد، ومرة ثانية من خلال إبراهيم شكري وحزب العمل، الذي تأسس بوجود محمود أبو وافية كرجل ثان في ذلك الحزب، وهكذا تحمس عبدالعظيم أبو العطا، وهو الذي ما زال في سن معقولة ولديه كفاءة ولياقة، وما يزال حديث عهد بالمنصب الوزاري، الذي لم يتركه إلا في أكتوبر/تشرين الأول 1978 مع تشكيل وزارة مصطفى خليل، ولديه علاقة بنجوم الحياة العامة بكل أطيافها، فتصور أن بإمكانه أن يؤدي دورا من خلال هذا الحزب.
وفي ضوء المثاليات، فإن المهندس عبد العظيم أبو العطا كان يستحق كأس الوزير المثالي على هذا التصرف؛ لكنه في ظل الطبيعة الشمولية لحكم ثورة يوليو/تموز 1952 كان يخطو بدون أن يدري نحو الإعدام بخطوات واثقة. وكان لهذا أسباب معروفة للخاصة وغير معروفة للعامة، فهو أولا لم يستأذن صاحب الحزب الحقيقي في أن يتولى الاستيلاء على أنقاضه، وصاحب الحزب الحقيقي هو ما يسمونه “الدولة” أو “أمن الدولة”؛ لأن حزب مصر العربي الاشتراكي نفسه كان الوريث الطبيعي للاتحاد الاشتراكي، الذي هو وريث الاتحاد القومي، وريث كيان هيئة التحرير، وهذا الكيان الهلامي الذي تعددت أسماؤه هو بالتعريف السياسي الدقيق “حزب الحاكم”، وليس الحزب الحاكم.
الحسابات البريئة
ولم يحسب أبو العطا حساب الصعود المرسوم، الذي كان يرسمه لنفسه وزير الداخلية الجديد، اللواء محمد النبوي إسماعيل، الذي يريد أن يهيل كل ما يمكن من التراب على تراث سلفه المباشر، اللواء ممدوح سالم، وهكذا لم يدرك أبو العطا أن حزبه واجتماعات حزبه وتحركاته هو نفسه ستكون بمثابة “مادة خام” للحديث الأمني عن “العمل ضد النظام”، مهما كان بريئا ومخلصا.
وهو لم يعرف أن المعارضة الشرسة للسادات ولنجاحاته وتوجهاته ستوظف اسمه بدون استئذان بالحق والباطل في الهجوم على السادات والدولة، بما سيحوله أتوماتيكيا إلى خانة أعداء النظام.
دراما الموت
وقد حدث هذا كله بأسرع مما يتصور أيُّ ممارس للسياسة؛ حتى أن أبو العطا أصبح بغير أي سعي منه من الذين شملتهم اعتقالات سبتمبر/أيلول 1981 بفضل ثرثرة المعارضين الشرسين المحترفين، الذين كانوا يصورونه متعاطفا معهم سواء أكان هذا صحيحا أم لم يكن، وسواء كان هذا يرضيه أم لا يرضيه.
اعتقل عبدالعظيم أبو العطا فجأة على غير توقع منه ولا من أصدقائه، وكانت صدمته كفيلة بأن تجتمع مع ما ترتب على اعتقاله من ألم نفسي وبدني لتُنهي حياته بالمعتقل، في ذلك اليوم الذي قرر الرئيس مبارك بنفسه وبمشورة الدكتور فؤاد محيي الدين أن يخرج المعتقلين السياسيين، تمهيدا لأن يريح باله من هذا الصداع “الحقوقي” والسياسي على الرغم من أنهما؛ أي الرئيس حسني مبارك ومعه فؤاد محيي الدين بالطبع، كانا من أكبر أنصار اعتقالات سبتمبر/أيلول 1981؛ لكن المعتقلين خرجوا جميعا أحياء باستثناء واحد فقط، كان شهيدا لحسن النية في السياسة، و هو عبد العظيم أبو العطا.
وفاته
توفي المهندس عبد العظيم أبو العطا في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1981.