أحمد عبد الغفار باشا واحد من أقطاب عهد الليبرالية وحزب الأحرار الدستوريين، كان نائب تلا، وصاحب عصبية في إقليم المنوفية، وعميد عائلة عبد الغفار المشهورة، وقد تمثلت في شخصيته القدرة على الجمع بين الخبرة الميدانية وآفاق العلم في مجال الزراعة التقليدية، فضلا عن إسهامه في المجتمع المدني وعنايته بقضايا المجتمع المحلي في الصحة والتعليم على حد سواء، ومن خلال جهده في جمعية كجمعية المساعي المشكورة، قدم نموذجا لزعيم سياسي محلي وحزبي قادر على مقاربة ذكية لقضايا التنمية والبيئة في زمن مبكر.
كان أحمد عبد الغفار باشا رمزا لزعامات الأقلية في بعض مناطق الدلتا، وربطته علاقات اجتماعية وثيقة بعائلات مصر والمنوفية، وعلى سبيل المثال، فقد ربطت عائلته علاقات نسب بالرئيس السادات كما ربطته قبل هذا بعبد الخالق ثروت باشا رئيس الوزراء الأشهر، ولم يكن هو الباشا الوحيد في عائلته التي شغل عدد من أفرادها وما يزالون مناصب مرموقة.
نشأته وتعليمه
ولد أحمد باشا عبد الغفار في شهر أكتوبر/تشرين الأول 1891 في مركز تلا محافظة المنوفية، ومن الطريف أن والده وجده يحملان الاسم نفسه، أما والدته التي سميت كثير من بنات العائلة باسمها، فهي السيدة عائشة شنيشن.
وقد توفي والده وهو في سن صغير، فتولى رعايته عماه حسنين بك عبد الغفار ومحمود بك عبد الغفار الذي تعلق به وتزوج من ابنته.
بدأ أحمد باشا عبد الغفار تعليمه في كتاب مدرسة المساعي المشكورة بمركز تلا، ثم واصل تعليمه في مدرسة رأس التين بالإسكندرية، وظل بها حتى حصل على الشهادة الثانوية، ورأت والدته أن ترسله هو وشقيقه عبد السلام بك لاستكمال دراستهما بجامعة أكسفورد بإنجلترا يناير/كانون الثاني عام 1910، وفيها درس أحمد باشا عبد الغفار السياسة والاقتصاد، وتخرج فيها في فبراير/شباط عام 1913 حيث حصل على درجتها المسماة بكالوريوس الآداب بمرتبة الشرف الأولى.
نشاطه بعد عودته إلى مصر
مارس أحمد باشا عمله بالزراعة، وخاصة أن عمه محمود بك عبد الغفار كان قد اشترى له 100 فدان أثناء فترة غيابه في إنجلترا.
شخصيته
كان أحمد عبد الغفار باشا يتمتع بالمهابة والقدرة والعلاقات الاجتماعية المتميزة، وقد مارس حياته ومشاركته في الحركة الوطنية باعتزاز، وفاز بعضوية مجلس النواب، وفي فترة الائتلاف بين الوفد والأحرار الدستوريين في النصف الثاني من العشرينيات كان من نجوم البرلمان والائتلاف.
كان من أسباب استقالة عدلي باشا من وزارته الثانية
فيما يرويه الدكتور محمد حسين هيكل باشا في مذكراته، فقد كان حماس أحمد عبد الغفار باشا (في نقده لميزانية السراي) من الأسباب التي دفعت عدلي باشا إلى الاستقالة من وزارته الثانية
“فقد ألقى نائب تلا أحمد بك عبد الغفار خطابا في البرلمان بمناسبة نظر الميزانية، نقد فيه ميزانية السراي الملكية نقدا لا يخلو من القسوة. ولم يكن لعدلي باشا ولا لوزير في وزارته يد في ذلك؛ لكنه أمر لا يدعو إلى رضا الملك عن سير الأحوال في برلمان الائتلاف”.
ودعت هذه الأمور كلها عدلي باشا، وهو مَنْ هو دقة حس وشدة أنفة،
أن يشعر بدقة موقفه في رياسة الوزارة.
المقارنة بينه وبين زميله إبراهيم الدسوقي أباظة
كان هذان الرجلان فارسي رهان في المجتمع، ويمكن تلخيص الفارق بينهما في النهج الذي اخترناه للحديث عنهما، فعلى حين كان أباظة من شخصيات كتابنا سلطة الحضارة بما عرف عنه من اهتماماته الثقافية والمجتمعية، فإن أحمد عبد الغفار كان أميل إلى سلطة الإنجاز.
ومن الوقائع التاريخية الدالة أن بدايته مع تولي الوزارة كانت على عهد حسن صبري وزيرا للزراعة، وقد كان صديقه إبراهيم الدسوقي أباظة مرشحا من قبله لدخول وزارة محمد محمود باشا وزيرا للزراعة بديلا لرشوان محفوظ باشا عندما استقال؛ لكن حسن صبري باشا نفسه كان هو الذي اعترض على دخول أباظة الوزارة، وصعد اعتراضه إلى حد التهديد بالاستقالة من وزارة محمد محمود علي نحو ما يرويه الدكتور هيكل في مذكراته، والأستاذ ثروت أباظة باشا ثم ها هو حسن صبري يشكل وزارته، وتكون الزراعة من نصيب الأحرار الدستوريين، فيتولاها أحمد عبد الغفار ليصبح وزيرها التقليدي بعد ذلك، على حين لم يدخل إبراهيم الدسوقي أباظة الوزارة؛ إلا بعد وفاة حسن صبري باشا وفي الشهر الأخير من وزارة سري باشا الأولي.
نواله رتبة الباشوية
على أن أسبقية أحمد عبد الغفار إلى تولي الوزارة هيأت له أن ينال الباشوية في عيد ميلاد الملك فاروق في 11 فبراير/شباط 1941 على حين سنحت الفرصة لإبراهيم الدسوقي أباظة لنيلها في 6 مايو/أيار 1946.
إسهاماته الوزارية
تولى أحمد عبد الغفار باشا الوزارة عدة مرات متقطعة ما بين 1940 و1949، وكان من أبرز وزراء الأحرار الدستوريين؛ بل كان مع زميله إبراهيم الدسوقي أباظة ممثلين دائمين للأحرار الدستوريين في الوزارات التي شاركوا فيها في عقد الأربعينيات، بعد أن تفرغ الدكتور هيكل باشا لرئاسة مجلس الشيوخ، كما أنه، وهذا هو ما نود التركيز عليه، كان من أبرز وزراء الزراعة في الحقبة الليبرالية.
وعلى الرغم من أنه اشترك في 9 وزارات، فإنه لم يتول إلا 3 وزارات فقط هي الزراعة، والأشغال العمومية، والدولة، وقد كاد يكون بمثابة وزير الزراعة التقليدي في الأربعينيات، حيث تولاها 7 مرات، في حين أنه تولى وزارة الأشغال مرة واحدة، ووزارة الدولة مرة واحدة أيضا.
بدأ أحمد عبد الغفار باشا مناصبه الوزارية وزيرا للزراعة في وزارة حسن صبري الأولى يونيو/حزيران 1940، واحتفظ بمنصبه في وزارة حسين سري الأولى؛ لكنه لم يشترك في وزارة حسين سري الثانية، إذ خرج مع مجموعة من الوزراء المستقلين والدستوريين، وذلك لإفساح المجال لعودة السعديين إلى الاشتراك في الائتلاف الوزاري.
وبعد خروج الوفد من الحكم (أكتوبر/تشرين الأول 1944) عاد أحمد عبد الغفار إلى الاشتراك في الوزارة، وتولى وزارة الزراعة في الوزارات الثلاث المتتالية، التي رأسها أحمد ماهر والنقراشي (أكتوبر/تشرين الأول 1944ـ فبراير/شباط 1946).
وهكذا فإنه بحلول فبراير/شباط 1946 كان أحمد عبد الغفار باشا قد تولى الزراعة 5 مرات في 5 وزارات مع 4 رؤساء وزارة؛ لكنه لم يشترك في وزارة صدقي باشا الثالثة عند تشكيلها، في حين اشترك فيها زميله إبراهيم الدسوقي أباظة؛ لكنه انضم إلى وزارة صدقي باشا الثالثة في شهرها الأخير وزير دولة.
فلما ترك صدقي باشا الحكم وخلفه النقراشي لم يخرج أحمد عبد الغفار من الوزارة، وإنما استمر فيها طيلة عهدها الطويل وزيرا للزراعة، هكذا فإنه طيلة وزارتي النقراشي ومن قبل في وزارتي أحمد ماهر كان وزير الزراعة واحدا فقط هو أحمد عبد الغفار، الذي كان وزيرا للزراعة أيضا مع حسن صبري، ومع حسين سري باشا في وزارته الأولى، وهي حالة مبكرة من احتفاظ الوزراء السياسيين بالوزارة نفسها على مدى عدد من الوزارات المتتالية.
توليه الأشغال العمومية
ولما شكل إبراهيم عبد الهادي وزارته عقب مصرع النقراشي تولى وزارة الأشغال العمومية لأول مرة، واستمر فيها طوال عهد هذه الوزارة. ولما ترك إبراهيم عبد الهادي باشا الحكم وخلفه حسين سري باشا استمر أحمد عبد الغفار باشا في الوزارة الائتلافية؛ لكنه لم يستمر وزيرا للأشغال العامة، وإنما عاد ليتولى وزارة الزراعة للمرة السابعة والأخيرة. وقد وصلت أقدمية أحمد عبد الغفار في وزارة إبراهيم عبد الهادي باشا إلى أنه أصبح التالي مباشرة لرئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي باشا. ولولا أنه لم يشترك في الأشهر الأولى من وزارة صدقي باشا لكان شأن زميله إبراهيم الدسوقي أباظة قد استمر في الحكم باتصال منذ أكتوبر/تشرين الأول 1944 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 1949؛ لكنه قطع هذه الفترة بعدم اشتراكه في الجزء الأكبر من وزارة صدقي باشا الثالثة في الفترة ما بين فبراير/شباط ونوفمبر/تشرين الثاني 1946.
ارتباطه بوزارة الزراعة
وفيما بين 1941 و1944 حين ترك أحمد عبد الغفار وزارة الزراعة تعاقب عليها 4 وزراء أولهم هو محمد راغب عطية في وزارة سري باشا الثانية، والثلاثة الآخرون وفديون في وزارتي النحاس باشا الخامسة والسادسة، وهم عبد السلام فهمي جمعة باشا، الذي تركها ليتولى رئاسة مجلس النواب، وفؤاد سراج الدين باشا الذي تركها ليتولى وزارة الداخلية، ومصطفى نصرت باشا.
وفي الفترة الثانية خلفه في هذه الوزارة حسين عنان في وزارة صدقي باشا، وعباس أبو حسين في وزارة إبراهيم عبد الهادي، التي كان هو وزيرا للأشغال فيها.
اضطهاده بعد 23 يوليو/تموز
قدر لأحمد عبد الغفار باشا أن يعيش طويلا في عهد 23 يوليو/تموز، وكانت تربطه علاقة ود بالرئيس السادات، وكان أشد السياسيين القدامى استبشارا بشخصية السادات وتوجهاته، ولهذا يروى عنه كثير مما تنبأ بتحقيقه على يديه في الحرب والسلام. كذلك فقد بقي على علاقة صداقة وثيقة نمت مع الأيام بالزعيم الثالث للسعديين إبراهيم عبد الهادي باشا، وقد قدر لهما أن يعيشا طويلا ضمن أصدقاء آخرين كانوا يجتمعون فيتذكرون الماضي، وهم يتأملون الحاضر الذي عاشوه.
محاكمته ونيله البراءة وفرض الحراسة عليه
قدم أحمد عبد الغفار للمحاكمة عقب 23 يوليو/تموز، ونال البراءة؛ لكنه مع هذا تعرض لفرض الحراسة عليه في 1961.
كتاب حفيدته عنه
في 2015 نشرت حفيدته الأستاذة عائشة عبد الغفار نائبة رئيس تحرير الأهرام كتابا قيما عنه وعن دوره في السياسة المصرية.