ينتمي الدكتور فؤاد محيي الدين ١٩٢٦- ١٩٨٤ إلي عائلة محيي الدين التي كان منها أولاد عمه: زكريا محيي الدين ، و خالد محيي الدين، أعضاء مجلس قيادة حركة الضباط الأحرار في ١٩٥٢ الثورة، وقد عاش كل منهما ٩٦ عاما ، وقد شارك الدكتور فؤاد محيي الدين في الحياة السياسية بعد ١٩٥٢مستندا إلى ماضيه السياسي الحافل بالتحقق قبل أي انتماء عائلي .
ولد الدكتور فؤاد محيي الدين في القاهرة في شارع قصر العيني، على النحو الذي يرويه الدكتور مصطفي الديواني في مذكراته، ومرت في أثناء ولادته الموسيقي النحاسية للملك أحمد فؤاد، وأطلق اسم الملك علي الوليد الذي خرج إلي الدنيا في السادس عشر من فبراير (1926).
تلقي الدكتور فؤاد محيي الدين تعليما مدنيا وتخرج في كلية طب قصر العيني، وفي أثناء دراسة الطب انتمى للطيف الواسع من اليسار، و شارك في حركات الطلبة في تلك الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وسبقت ٢٣يوليو، و انتخب سكرتيرا للجنة الوطنية للعمال والطلبة، وثم أصبح وكيلا للاتحاد العام لجامعة القاهرة (1946). وكان فيما رواه عن نفسه على وشك الانضمام للوفد قبيل 23 يوليو 1952.
على الصعيد المهني عمل الدكتور فؤاد محيي الدين بعض الوقت مديرا لمكتب وزير الصحة، ونال درجة الدكتوراه في الأشعة (1961)، ورأس قسم الأشعة في وزارة الصحة.
على الصعيد الإداري تخرج الدكتور أحمد فؤاد محيي الدين في المعهد القومي للإدارة العليا، وكان واحدا من القلائل بين الوزراء المتأهلين بالعلم العالي والتدريب الميداني كسياسيين وإداريين.
وبالطبع فإنه كان من أفضل من تولوا هذه المسؤولية في ظل دولة شمولية
علي الصعيد النقابي انتخب الدكتور فؤاد محيي الدين سكرتيرا عاما لنقابة الأطباء وظل يشغل هذا المنصب ١٠ سنوات ١٩٥٧- ١٩٦٧ وبالطبع فإنه كان من أفضل من تولوا هذه المسؤولية في ظل دولة شمولية .
انتخب الدكتور فؤاد محيي الدين (1957) عضوا في مجلس الأمة، ثم اختير للمرة الثانية في البرلمان المعين (1960)، و في المرة الثالثة انتخب (1964) و رأس لجنة الشئون العربية بالمجلس الذي كان رئيسه الرئيس السادات، وقد ظل محتفظا بمقعده البرلماني حتى وفاته .
لعب الدكتور فؤاد محيي الدين دورا في التنظيم السياسي، وشارك في أنشطة الاتحاد الاشتراكي حتى أصبح أمينا للاتحاد الاشتراكي بالقليوبية (نوفمبر 1965)، وفي (1967) أيضا.اعلان
في مايو 1968 كان الدكتور فؤاد محيي الدين واحدا من اثني عشر محافظا جديدا انضموا إلي السلطة التنفيذية مع ما سمي ببيان 30 مارس، كان منهم ثلاثة آخرون صاروا مثله من الوزراء وهم : أحمد سلطان، ومحمد محب زكي، ومحمد فخري عبد النبي.
وقد اختير الدكتور فؤاد محيي الدين محافظا للشرقية، التي كانت تمثل خطا استراتيجيا مهما بعد هزيمة 1967، خاصة بعد التهجير الذي حدث لأهالي مدن القناة، وكانت الشرقية من مواقع الجذب المهمة فيه، وهناك اتصل بحكم موقعه بكثير من القادة العسكريين.
وعقب حركة 15 مايو 1971 اختير الدكتور فؤاد محيي الدين ليكون محافظا للإسكندرية، خلفا لممدوح سالم الذي أصبح وزيرا للداخلية.
ترك الدكتور فؤاد محيي الدين (سبتمبر 1972) حكم العاصمة الثانية ليكون محافظا للعاصمة (الأولي مكرر) الجيزة، خلفا للأستاذ محمد كامل صديق.
فيما بين مارس 1973 وأكتوبر 1978 اشترك الدكتور فؤاد محيي الدين في 8 وزارات متعاقبة، و تبدل موقعه فيها في ثلاث وزارات ، فعندما شكل الرئيس السادات وزارته الأولي (مارس 1973) التي كان نائبه فيها الدكتور عبد القادر حاتم، دخل الدكتور فؤاد محيي الدين الوزارة كوزير دولة لأمانة الحكم المحلي والتنظيمات الشعبية، أي كضابط اتصال يقوم بمهام محددة في أوقات سوف تكون بالفعل مهمة للغاية.
ظل الدكتور فؤاد محيي الدين يشغل هذا المنصب في وزارة الرئيس السادات الثانية، أي حتي سبتمبر 1974 حين شكل الدكتور عبد العزيز حجازي وزارته فأصبح الدكتور فؤاد محيي الدين وزيرا للصحة، خلفا لزميله الدكتور محمود محفوظ (وإن كانت كثير من المراجع والكتب تخطئ في هذه المعلومات) .
وظل الدكتور فؤاد محيي الدين يشغل هذا المنصب في وزارتي ممدوح سالم الأوليين (أبريل 1975 ـ نوفمبر 1976).
في الانتخابات البرلمانية (1976) التي خاضها مجلس الشعب، فاز الدكتور فؤاد محيي الدين في دائرة شبرا الخيمة، ولعب دورا مهما في حزب مصر العربي الاشتراكي الوليد، وأسهم بأنشطة بارزة، ومع استقبال أول دورة برلمانية حزبية في عهد الثورة أصبح علي الوزارة القائمة أن تختار لوزارة شئون مجلس الشعب أحد البرلمانيين البارزين القديرين، ووقع الاختيار علي الدكتور فؤاد محيي الدين لشغل هذا المنصب (نوفمبر 1976)، وطيلة وزارات ممدوح سالم الثلاث الأخيرة (نوفمبر 1976 ـ أكتوبر 1978) حيث لمع نجم فؤاد محيي الدين بدرجة ملحوظة في المناقشات البرلمانية، وفي إدارة دفة حزب الحكومة في هيئة البرلمان، وفي الحصول على تأييد البرلمان للقرارات التي أصدرتها حكومة حزبه.
تأسس الحزب الوطني الديمقراطي (أكتوبر 1978) واحتجب الدكتور فؤاد محيي الدين عن المناصب الوزارية بعض الوقت، وبعد فترة قصيرة أعلن انضمامه للحزب الجديد
عقب مظاهرات يناير 1977 اعتذر محمود أبو وافية عن الاستمرار في منصبه كسكرتير عام لحزب مصر العربي الاشتراكي، واختير الوزيران الدكتور فؤاد محيي الدين، ومحمد حامد محمود ليشغلا معا منصب سكرتير عام الحزب.
قبل هذا كان الدكتور فؤاد محيي الدين (مارس 1974) قد عهد إليه وهو وزير دولة بمهمة الوزير المقيم في ليبيا، بالإضافة إلى عمله، خلفا لزميله (الطبيب أيضا) الدكتور مراد غالب.
كذلك رأس الدكتور فؤاد محيي الدين المجلس الأعلى للشباب والرياضة (مايو 1974) إلي أن تولي حامد محمود شئون وزارة الدولة للشباب.
تأسس الحزب الوطني الديمقراطي (أكتوبر 1978) واحتجب الدكتور فؤاد محيي الدين عن المناصب الوزارية بعض الوقت، وبعد فترة قصيرة أعلن انضمامه للحزب الجديد.
وفي الدورة البرلمانية الجديدة أصبح رئيسا للجنة الشئون الخارجية، وبهذا لم يفقد كل اللمعان الذي كان له.
مع تشكيل وزارة الرئيس السادات الأخيرة (مايو 1980) اختير الدكتور فؤاد محيي الدين نائبا لرئيس الوزراء، وعهد إليه بمسئولية رئاسة الوزراء في غياب الرئيس وتقديم برنامج الحكومة، وبكثير من اختصاصات رئيس الوزراء، ويؤكد الكثيرون أن صاحب هذا الاختيار كان هو نائب الرئيس حسني مبارك، وأن الرئيس أنور السادات لم يكن موافقا عليه تماما، فقد كانت له تحفظات علي فؤاد محيي الدين، وكان يسميه الزعيم، ولم يكن السادات يحب من يتقمصون شخصية الزعماء.
وفي هذه الوزارة عهد إلى الدكتور فؤاد محيي الدين بالتنسيق بين نواب رئيس الوزراء وعهد إليه أيضا بشئون وزارة الدولة للحكم المحلي، ولم يكن غريبا عليها، كما عهد اليه بوزارة شئون الأزهر.
ولما استقال منصور حسن في سبتمبر 1981 أحيلت على الدكتور فؤاد محيي الدين مسئولية وزارة الاعلام.
من العجيب الذي لا يلتفت إليه أحد أن صعود الدكتور فؤاد محيي الدين قد تعطل بسبب العائلة ولم يتسرع على نحو ما يتصور القارئ، فقد كان نشاطه فيما قبل ٢٣ يوليو كفيلا له بأن يصل إلى أفضل بكثير مما وصل إليه ، إذ لم يصل إلى منصب المحافظ إلا في 1968 وإلى منصب الوزير إلا في 1973، ويستطيع القارئ للكتب الجوادية على الكمبيوتر أن يلاحظ أن الدكتور فؤاد محيي الدين لم يصل إلى منصب المحافظ إلا بعد خروج ابن عمه زكريا من منصب نائب رئيس الجمهورية.
مع هذا فإن مقارنة فؤاد محيي الدين بالأطباء الذين تعاون معهم نظام الرئيس عبد الناصر تعطيه أفضلية عليهم من باب السياسة بمعناها المصري فهو بلا جدال لا يقل كفاءة عن الدكتور محمد النبوي المهندس، وهو أكفأ وأقدر من الدكاترة نور الدين طراف وعبده سلام وأحمد السيد درويش ، كما أنه بلا أدنى ذرة من الشك أكفأ من الدكتورين محمد محمود نصار ومحمد عبد الوهاب شكري، لكنه من فرط حبه للسلطة وانشغاله بها واضطراره إليها قبل كثيراً من المناصب المستغرقة للجهد طيلة الفترة من 1952 وحتى 1968، وقد أكسبه هذا خبرات نمطية لكنه في الوقت ذاته استهلكه واستهلك قدراته العقلية العليا .
أما الطريف في أمر وصول الدكتور فؤاد محيي الدين إلى الصدارة فهو أنه حين وصل الي الوزارة لم يكن الطبيب الوحيد فيها ولا حتى الطبيب الثاني فقد أصبح عضوا في مجلس للوزراء يضم وزيرين سابقين عليه في تولي الوزارة ، وهما زميله الدكتور محمود محفوظ وزير الصحة، وزميل لهما من طب الإسكندرية هو الدكتور محمد مراد غالب وزير الخارجية السابق الذي كان قد أصبح وزيراً للإعلام ثم وزيراً مقيماً في ليبيا (وإن كان هذا غير مشهور عنه) وكانت هذه أول مرة يصبح فيها الطبيب السياسي هو ثالث الوزراء! وقد عين وزيراً لما سمي أمانة الحكم المحلي و للتنظيمات الشعبية والمحلية … فلما جاءته فرصته لتولي وزارة الصحة تولاها لكنه سرعان ما تركها مرة أخرى ليصبح وزيراً لوزارة ثالثة هي وزارة شئون مجلس الشعب والشورى .
وسرعان ما حصل الدكتور فؤاد محيي الدين على لقب النائب الأول في وزارة الرئيس حسني مبارك بعد توليه الرئاسة في أكتوبر 1981 ثم اصبح رئيسا للوزراء
كان ابتعاد الدكتور فؤاد محيي الدين عن الوزارة في أكتوبر 1978 حين شكلها الدكتور مصطفى خليل كفيلا بأن يجعله ييأس من استمرار صعوده السياسي وبخاصة أنه لم يفقد منصب الوزارة فحسب ، وإنما فقد أيضاً منصب سكرتير عام حزب مصر العربي الاشتراكي نتيجة لتأسيس الرئيس أنور السادات للحزب الوطني، لكنه شأنه شأن كل السياسيين المحترفين الذين عاشوا تجربة الحقبة الليبيرالية كان من الذكاء والفهم والصبر و الطموح بحيث واصل العمل والاتصال والنشاط، وقبل أن يكون رئيسا للجنة من لجان مجلس الشعب هي لجنة العلاقات الخارجية ، فلما انتهى عهد الدكتور مصطفى خليل وقد كان من الطبيعي أن ينتهي سريعا أصبح فؤاد محيي الدين من المرشحين للحلول محله، ومع ما يرويه موسى صبري عن تحفظ الرئيس أنور السادات نفسه على نمط شخصية الدكتور فؤاد محيي الدين بزعامته وخطابته فإنه قبل به واحداً من النواب الستة لرئيس الوزراء على أن يكون هو أولهم من دون لقب النائب الأول و على أن يتولى هو نفسه تقديم برنامج الحكومة للبرلمان.
وسرعان ما حصل الدكتور فؤاد محيي الدين على لقب النائب الأول في وزارة الرئيس حسني مبارك بعد توليه الرئاسة في أكتوبر 1981 ثم اصبح رئيسا للوزراء بعد 3 شهور من حصوله على لقب النائب الأول ، وبهذا اصبح الدكتور محمد عبد القادر حاتم هو الوحيد من نواب رؤساء الوزارة الذي قدم برنامج الحكومة للبرلمان ولم يصبح رئيسا للوزراء .
لا نستطيع أن نقول إن فؤاد محيي الدين هو الذي تولى تشكيل وزارة السادات الثالثة في مايو 1980 فقد قام بهذه المهمة نائب الرئيس حسني مبارك الذي كان قد تردد أنه هو الذي سيرأس الوزارة، بل إن ما عرف على أنه اختيارات الدكتور فؤاد محيي الدين في وزارتيه الأولى (يناير 1982) والثانية (أغسطس 1982) كانت تحمل بصمات الرئيس مبارك نفسه وإن لم يكن هذا مشهوراً، فقد كان الرئيس حسني مبارك من الذين لا يحبون أن يظهروا في الصورة على حين كان الدكتور فؤاد محيي الدين من الذين يحبون الظهور في الصورة والاستحواذ عليها وهكذا تكامل الرجلان.
ينسب للدكتور فؤاد محيي الدين تبنيه لحلول نوعية من الحلول الكلاسيكية الموجودة في الكتب النظرية من قبيل إقفال المحلات في ساعة مبكرة من الليل مع أن هذا لا يصلح في مصر بسبب المناخ وبسبب التعود لكنه كان من أنصار هذه النوعية من الحلول.
مما لا شك فيه أن الدكتور فؤاد محيي الدين ترك في التاريخ المصري الحديث بصماته في انجازين كبيرين أولهما هو إنجازه في طريق استقلال القضاء ، وذلك ما تمثل في صدور القانون رقم 25 لسنة 1984 الذي استعاد بعض المفهوم الذي أرساه النحاس باشا و محمد صبري باشا أبو علم مع عدة تعديلات تجعل استقلال القضاء مقبولاً من الدولة الشمولية ذات القبضة القوية، ولم يصل أحد من رؤساء عهد 23 يوليو كلهم إلى هذا الذي وصل إليه فؤاد محيي الدين، ولهذا السبب فإن المستشار محمد وجدي عبد الصمد قاضي القضاة ورئيس نادي القضاة رثاه بكلمة رثاء رائعة ضمنها أبياتا أكثر روعة. ومن حق فؤاد محيي الدين أن نثبت كلمة المستشار محمد وجدي عبد الصمد على نحو ما كتبها، وأن نعتمد عليها في إثبات طبيعة الإنجاز الذي أنجزه الدكتور فؤاد محيي الدين للقضاء والقضاة.
ومن العجيب أننا كنا في ذلك الوقت لا نزال متحمسين فكنا نردد بصوت عال: ليت الدكتور فؤاد محيي الدين يُنجز للأطباء والطب مثل ما أنجز للقضاء والقضاة لكن أجله لم يسعفه.
أما الإنجاز الثاني المهم الذي أنجزه من قبل أن يكون رئيسا للوزراء ودعمه وأنفذه و هو رئيس للوزراء فهو تقنين نظام التمثيل الشعبي المحلي في المجالس التي استحدثها قانون الحكم المحلي، وعلى الرغم من أننا انتقدنا ولا نزال ننتقد منهجية هذا النظام ، فإن الاعتراف بالحق واجب فهو نظام قائم وعملي وقادر على استيعاب بعض الوظائف المطلوبة ، وإن كان الفساد الذي يضرب المنظومة الحكومية و ما يحيط بها يحول بينه وبين تحقيق إنجاز أكبر مما هو متاح على أرض الواقع.
ولعل هذا لا ينسينا أن نشير إلى عناية الدكتور فؤاد محيي الدين بحركة المحافظين عناية أكثر من عنايته بالوزراء ، فقد كان هو نفسه محافظاً سابقا، وقد دفع بالوجوه الشابة على قدر ما تصور المساحة متاحة فهو الذي اختار فاروق التلاوي الذي كان من أصغر المحافظين سنا وبقيّ في منصبه حتى أصبح أقدم المحافظين احتفاظاً بالمنصب، كما أنه هو الذي أشار على الدكتور عبد الحميد حسن أن يقبل العمل محافظاً للإسكندرية أو الجيزة بدلا من أن يظل في انتظار تقلبات وضعية المجلس الأعلى للشباب والرياضة وانتظار ما يتم من الغائه وضمه وتغيير اسمه.. الخ هذه المسلسلات المصرية المعروفة. وقد روى الدكتور عبد الحميد حسن أنه هو نفسه الذي اختار الجيزة ليكون قريبا من القاهرة لأنه لم يجرب الغربة !!!
وقبل هذا، فقد كان هو الذي اختار الدكتور عبد الأحد جمال الدين ليكون رئيسا للمجلس الأعلى (القومي) للشباب والرياضة بعد أن كان قد عاد إلى باريس مستشاراً ثقافيا بعد أن أقاله الرئيس السادات من منصب رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون .
وعلى هذا النحو كان الدكتور فؤاد محيي الدين قادراً على الحركة في نطاق واسع بحكم علاقاته السابقة ومعرفته بالمجتمع واعتزازه بفترة عمله كمحافظ في ثلاث محافظات مهمة : الشرقية والإسكندرية والجيزة وتوليه لثلاث وزارات، وعمله السابق في مجال الدواء وإدارة المستشفيات فضلاً عن نشاطه السياسي فيما قبل ثورة 1952.
وفي المستوى البرلماني فإن الدكتور فؤاد محيي الدين هو الذي أدخل نظام القوائم الانتخابية في الانتخابات البرلمانية في مصر وقد كان حريصا كل الحرص على الأخذ بتطبيقه على مدى السنوات، وقد أجريت انتخابات 1984 طبقا لنظام القائمة بعد أن أكمل برلمان 1979 مدته القانونية، لكن فؤاد محيي الدين نفسه توفي قبل أن يشهد الحكم بعدم دستورية القانون ومن ثم حل مجلس الشعب 1984 في 1987 وحل مجلس 19٨٧ في 1990 والعودة بدءاً من 1990 للنظام الفردي.
فقال أستاذنا الأكبر: إن فؤاد محيي الدين ليس رئيس وزراء ولكنه رئيس جمهورية، كان الرد صاعقاً
أذكر قصة واقعية ذات دلالات متعددة لا أظنني قادراً على شكر الله سبحانه وتعالى أن أتاحها لي في ذلك الزمان الباكر. كنا في شتاء 1984 والرئيس مبارك لا يزال رئيسا جديدا ومعه رئيس وزراء يحمل كل المسؤولية هو الدكتور فؤاد محيي الدين ويقوم الرجلان (ومن حولهما من الوزراء) بتلك الجولات المبكرة التي تعرّف فيها الشعب على الرئيس من خلال التلفزيون حين كان التلفزيون قناتين فقط، ومن تم فقد كانت متابعة الرئيس شبه إجبارية بحكم أن الناس تجلس أمام التلفزيون وتنتظر ما يُعرض عليها، وكان ذلك العصر هو العصر الذي شهد ذروة البث المباشر من مواقع الحدث، فلم يكن الزمان قد أسعف الرئيسين السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات بهذه المساحات الواسعة من البث الحي المباشر.
كنا في مستشفى قصر العيني، ودخلنا حجرة من حجرات الرعاية المركزة نعود استاذاً كبيراً من أساتذة الطب الذين لم نكن في حاجة إلى إدراك أنه قد درّس للدكتور فؤاد محيي الدين، رئيس الوزراء اللامع في ذلك الوقت، وكان أستاذنا يخضع للحجز التام في الرعاية المركزة ومن ثم فلم يكن أمامه إلا أن يتابع التلفزيون.
بدأنا ننظر إلى المونيتور المعلق بجوار التلفزيون، وأراد زميلي الأكبر مني أن يُضفي جواً من التبسط على زيارتنا للأستاذ وكان هذا معتادا و مستحبا حتى لا تصبح كل الزيارات طبية ثقيلة بمتابعة الضغط والنبض والرسم وغازات الدم والتحليلات.. الخ، نظر زميلي الأكبر المحب لي الذي يتابع التليفزيون إلى الأستاذ وسأله: هل يُمكن لمحمد أن يكون كالدكتور فؤاد محيي الدين؟ وفي هدوء شديد وحكمة لم نكن نعلم مداها كان رد الأستاذ على زميلي: مثله في أي شيء، فأجابه زميلي ببساطة: رئيس وزراء، فقال أستاذنا الأكبر: إن فؤاد محيي الدين ليس رئيس وزراء ولكنه رئيس جمهورية، كان الرد صاعقاً ، فقد تعودنا من أساتذتنا الكبار من طبقة هذا الأستاذ أن يقلّلوا من شأن السلطة بالحق أو حتى بالباطل، وتعودنا أيضا أن يقللوا من شأن من يشغلها أيضا.. فما السبب يا ترى في هذا الحكم الذي أصدره أستاذنا الأكبر لتوه؟
كان من الواضح أن أستاذنا مدرك لما يدور بعقلنا، وأنه قال ما قال من دون أن يقصد أن يستثيرنا لحديث أو تعليق.. فوجدنا أنفسنا عاجزين عن الإمساك بدقة الحديث ، وإذا بأستاذنا يكرر علينا قوله : نعم هو رئيس الجمهورية، وهو الكل في الكل ولم يصل رئيس وزراء منذ 1952 إلى هذا النفوذ، لكن كل هذا سينتهي في لحظة واحدة، لا يعرف أحد متى تأتي بالضبط.. لكنها لن تتأخر.. أصبحنا على مدى دقيقتين مشدودين لنسمع أستاذنا وبدا في وجوهنا أننا مشدوهين وإذا بالأستاذ الذي تعود على مدى خمسين عاما أن يسيطر على طلابه مهما كان مستواهم ينظر إلى زميلي الكبير ، ويقول : هل نسيت أنك سألتني سؤالاً محدداً هل يمكن أن يكون محمد مثل هذا الرجل المهم وأنا أجيبك الآن بكل ثقة بما لا يعرفه محمد نفسه، وهو أنه الآن أحسن من فؤاد محيي الدين ، ولهذا فلن يكون مثله!
وعلى غير ما تقضي به بروتوكولات التعامل قال زميلي : اسمح لي يا سعادة البك أن أجلس لتشرح لي حتى لو لم يكن محمد يريد أن يسمع أو حتى لا نثبط معنوياته وطموحه.. فهم الأستاذ الكبير الرسالة بوضوح شديد وبدأ يتحدث بنقاط فاصلة ملخصها أن الإنسان إذا جرب التحقق عن جدارة فإنه يرزق في الوقت ذاته بالحماية من مصائب الطموح القاتل.
قال لنا بكل وضوح إن هذا الرئيس المحب لرئيس وزارته والمتيّم به والمانح له لكل هذه السلطات، سوف يقتل رئيس الوزراء هذا بكلمة واحدة
وبدأ يقص علينا ما يعرفه عن الدكتور فؤاد محيي الدين منذ كان طالبا ينظم المظاهرات أو يشترك في تنظيمها ، وكان في حديثه عن التاريخ يلفت نظرنا بوضوح إلى علاقة الإنسان السّوي بالسلطة وبالعمل من أجلها وبالعمل لأجلها.. وهو حديث طويل لا محل له هنا لكن ما يخص موضوعنا اليوم هو انه قال لنا بكل وضوح إن هذا الرئيس المحب لرئيس وزارته والمتيّم به والمانح له لكل هذه السلطات، سوف يقتل رئيس الوزراء هذا بكلمة واحدة في لحظة من اللحظات، وربما يندم على أنه قتله، لكنه سيقتله لأنه لن يحتمل نجاحه.
كان حديث أستاذنا مفاجئا وقاسيا ومثيرا في الوقت نفسه.
قال زميلي لأستاذنا: لكن هذا كادر وهذا كادر، وسرعان ما وجه سؤالاً يبدو غاية في الذكاء لأستاذنا حيث سأله: هل يُمكن لأكبر أساتذة الجراحة أن يصاب بالغيرة من مجد أكبر أساتذة التخدير.. هذا كادر وهذا كادر.
لم ينكر أستاذنا إعجابه بالسؤال الذكي لكنه أجابه إجابة صاعقة لم تخطر على بالنا حيث قال له ببساطة شديدة: نعم إذا وقعا في إغواء راقصة واحدة!!
كان من الواضح أن أستاذنا يرمز بالراقصة للسلطة أو للدنيا. أو إلى أي معنى من المعاني خارج نطاق المهنة الذي أراد زميلنا أن يحصره فيها.
لم يستسلم زميلي وإنما قال بكل ثقة: طبعا هذا لن يحدث إلا إذا كان الاستاذان يمارسان الاستاذية في نطاق هوليود أو في شارع الهرم، كان زميلنا يريد أن يقول إن هذا لا يحدث إلا في حالات “الندرة” ولكن حين يكون الأمر طبيعيا فلن يكون هناك تنافس ولن تكون هناك غيرة.
ومرة أخرى كان أستاذنا من الذكاء بحيث ابتعد برشاقة عما يمكن بحكم الثقافة الشرقية أن يكون من مناطق “الإسفاف” في المناقشة فإذا به يقول لزميلي بكل حسم: هل تتحدث عن الغيرة أم عن العرض والطلب؟ هناك فرق، فالأولى تتبع قسم علم النفس في كلية الآداب، والثانية تتبع قسم إدارة الأعمال في كلية التجارة.
طأطأ زميلي رأسه وقال بمنتهى الأدب أنا فهمت الآن، ثم هرب بأن نظر إليّ نظرة تجمع بين التكبر والعطف والتهديد، وقال: سأفضحك، وسأقول: إنك تعتبر نفسك أهم من رئيس الوزراء لمجرد أنك أصبحت متحققا وصاحب اسم.. نظر أستاذنا الأكبر إلى زميلي وقال له: تبدو خائفا أن تنسب هذا القول إليَّ، فقال له زميلي بكل خشوع: من سيصدق يا سعادة البيه أننا ناقشنا سعادتك في مثل هده الأمور..
قبل أن تمضي شهور مات فؤاد محيي الدين بالصورة التي صوّرها أستاذنا بالضبط، وقصّ زميلي الأكبر القصة على نطاق واسع حتى إنني في ذلك الأسبوع سمعتها من ثلاثة مصادر مختلفة واضحة المعالم على نحو ما شرحها لنا أستاذنا.
نختم حديثنا عن صعود الدكتور فؤاد محيي الدين بأن ننقل نص رسالة نشرها أحد المواقع المسيحية مؤخرا على الشبكة العنكبوتية
بعد سنوات كان صحفي كبير جدا مقرب من الرئيس مبارك يُجري حديثا مع الرئيس، وأتيح له وقت للفضفضة فسأله عن أحسن رؤساء الوزارة الذين عملوا معه فأجاب من فوره: د. فؤاد محيي الدين.. عاد الصحفي الكبير جدا من لقاء الرئيس فقصَّ القصة على صديق مشترك رواها لي في لقاء صادف نفس الليلة فأجبته بالقول الذي تعلمته من أستاذنا: لكنه قتله!!
وفي اللقاء التالي مع هذا الصديق المشترك جليل القدر قال لي يبدو أنك كنت على حق ، فقصصت عليه قصة حوارنا مع أستاذنا عن أستاذ الجراحة وأستاذ التخدير، فكان يضحك من شقاوة الزميل، وقصصت عليه قصة كليتي الأدب والتجارة فأُعجب بذكاء أستاذنا في الرد وقال لي قولة لا أنساها: ما دمت عشت هذه الأجواء فلا أمل في استخدامك كبيرا للمستخدمين وكان هذا هو المصطلح الذي يستخدمه محدثي الجليل للتعبير عن المناصب السياسية المرموقة ، وأردف بأن استشهد بتعبير من التعبيرات المنسوبة إلى المراهقين الذين يحجمون عن الزواج فيقولون : إن الذي يعيش بين الأزهار لا يشتري زهرة أبداً.
نختم حديثنا عن صعود الدكتور فؤاد محيي الدين بأن ننقل نص رسالة نشرها أحد المواقع المسيحية مؤخرا على الشبكة العنكبوتية، وهي رسالة كان الدكتور فؤاد محي الدين بعث بها إلى أحد زملائه الذي كان وقتها مقيما أو دارسا في ألمانيا، وقد كتب الدكتور فؤاد محي الدين رسالته هذه وهو شاب في مقتبل حياته أنهي عمله كنائب بمستشفى قصر العيني متخصصا في الأشعة وعين مساعد مدرس، وانتدب للعمل في المكتب الفني لوزير الصحة.
أرسل الدكتور فؤاد محي الدين هذه الرسالة إلى صديقه الذي خاطبه باسم التدليل «أبو السباع». وكان أبو السباع هذا مقيما في برلين بألمانيا. الخطاب مؤرخ في ٢٥/١٠/١٩٥٢، وهذا هو نص الرسالة كما كتبها فؤاد محيي الدين نفسه:
“العزيز أبو السباع
“وصلني خطابك متأخرا جدا، وكنت مريضا، ولا أعلم ما هي أسباب مرضي المتكررة في هذه الأيام ما بين دوسنتاريا وأنفلونزا. نهايته، الحياة تسير في رويتنها العادي الرتيب، وما تنبأت به عن الحالة السياسية صحيح، فنحن نسير بلا أدني شك إلي حكم عسكري سافر، وهذا ما كنا نخشاه من أول أيام الانقلاب، رغم طنطنة الرأي العام، وتهويش الصحافة.
” أما عن اللجنة الوطنية التي ألفناها فبعد أن عقدنا اجتماعاً آخر في شبرا غير ذلك الذي في الجزيرة حلت اللجنة ومنعت من عقد أي اجتماع.
” وستدهش إذا علمت أن في القيادة العامة التي تحدد سياسة مصر في هذه الأيام وعددهم ١٣ ضابطا.. ثلاثة عشر ضابطا فقط اثنان من عائلة محيي الدين الكرام هما: زكريا محيي الدين، بكباشي وخالد محيي الدين، صاغ.
” هذه اللجنة تقود مصر في هذه الأيام، أما عن الأحزاب السياسية فما زال من الأسف عندها أمل كبير في السماح لها بمعاودة النشاط، والخطأ الذي وقع فيه الوفد والنحاس هو قبول قانون الأحزاب والخضوع له من أول يوم، وهنا بداية المأساة.
” أما عن علاقتي بالوفد، فكانت مشروعا أجل في هذه الأيام إلي أن ينجلي الموقف بطبيعة الحال.
“أما عني فقد انتدبني الدكتور، مدير المكتب الفني بوزارة الصحة، ولم أستلم العمل بعد ولا أدري ماذا سيكون فيه، أرجو ملاحظة أن هذا العمل فني واداري فقط.
” اشتريت عربة جديدة ماركة vany hall فاخرة !!! بمبلغ ٤٥٠ جم وبعت العربة القديمة بمبلغ ٩٥ جم فقط !!
” أنهيت مدتي كنائب في قصر العيني وعينت مساعد مدرس بصفة مؤقتة حتي تخلو وظيفة مدرس ومن هذه الوظيفة انتدبت للعمل بمكتب وزير الصحة كما ذكرت ذلك.
“وأنا أسكن الآن في ٧١ شارع قصر العيني.
” ما أخبار نسوان المانيا وكيف حالهن، كيف يحيا هؤلاء الناس جميعا؟!
” سعد الدين محمود سعيد في زواجه جدا ألم تتزوج أنت بعد بنت هتلر مثلا !! ”
” بعد أن خفض النظام الجديد الإيجارات [باظت] حالتي المالية جدا، وضاعت أمامي فرص سياسية واضحة لا أدري كيف أعوضها بالإضافة إلي مشاكل أخري لا داعي لسردها هنا. و من هذا يتجلى أمامك أنني في بؤس بائس”.
أبا السباع أرجو أن يكون ردك سريعا
فؤاد محيي الدين ٢٥/١٠/١٩٥٢
وظلت قصة الكباب متداولة ودالة على مدى العبث الذي يمارسه الساسة المصريون الذين كانوا قبل عامين فقط يناقشون الرئيس السادات في الاستراتيجية و يزعمون أنهم يفهمون أكثر منه.
لعب الدكتور فؤاد محيي الدين في مقعد رئاسة الوزارة في بداية عهد الرئيس حسني مبارك دوراً محوريا في خلق حركيات سياسية من التي يُسمح بها في الدول الشمولية وتضمن شغل الشعب أو إلهاء الجماهير، وإسعاد الصحفيين لكنها في الوقت نفسه تضمن وتؤمن وتوجه صراع القوى السياسية حول كرسي الحكم أو حول كراسي الحكم بعيداً عن كرسي الرئاسة الذي تم تأمينه بصورة نهائية للرئيس حسني مبارك.
لم يكن الدكتور فؤاد محيي الدين يرتاح أصلا ولا فصلا إلى وجود الدكتور عبد الرزاق عبد المجيد نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية الذي كان قد رأى (عند تشكيل الوزارة في مايو١٩٨٠ ) لأسباب قد تكون منطقية أن يجمع في يده مناصب الوزير في وزارات الاقتصاد والمالية والتخطيط معاً فلما اضطرته الحملات الصحفية المتوالية في نهاية عهد الرئيس أنور السادات إلى أن يتراجع عن هذا الوضع اختار وزيري دولة للمالية والاقتصاد كانا هما فؤاد كمال حسين (للدولة للمالية) والدكتور سليمان نور الدين (للدولة للاقتصاد) وبالطبع فإن فؤاد محيي الدين وهو نائب لرئيس الوزراء لم يكن يريد بقاء عبد الرزاق لأنه منافس محتمل على رئاسة الوزارة التي ينتظرها هو، كما أنه لن يكون متعاونا معه إذا أصبح رئيسا للوزراء ، ومما هو متواتر إلى حد الثبات واليقين أن الدكتور فؤاد محيي الدين استعان على الدكتور عبد الرزاق بالدكتور مصطفى السعيد الذي كان متطلعاً بالطبع إلى أن يكون وزيراً، وكان عضواً في مجلس الشعب، وقد لجأ الدكتور مصطفى السعيد إلى حيلة معروفة وهي توجيه النقد إلى أمر من الأمور ذات الوجهين فهو صحيح وصريح علميا لكنه يستدعي النقد عند الصحفيين والعامة بل ويستوجب السخرية، فأمسك بالموازنة التي قدمها الدكتور عبد الرازق عبد المجيد وسخر من فكرة حساب القروض ضمن الإيرادات ، وقال قولا غير علمي ، وكرره الصحفيون من بعده: كيف يمكن أن تكون القروض من الإيرادات؟ هل هي ضرائب ؟هل هي جمارك؟ هل هي رسوم؟ بينما هي في المحاسبة و الموازنة كذلك.
وهكذا خسر الدكتور عبد الرازق عبد المجيد معركة في البرلمان وفي الشارع وكانت هذه الخسارة بالطبع لصالح الدكتور أحمد فؤاد محيي الدين.
وشبيه بهذا ما تم تسريبه لصحيفة معارضة من أن الدكتور صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب قد دعا عدداً من أعضاء البرلمان إلى وجبة طعام من كبابجي شهير، وأن الفاتورة الخاصة بهذه الدعوة (أو العزومة) قد وصلت صورتها (وكان التصوير الزيروكس قد بدأ في الانتشار) إلى الرئيس محمد حسني مبارك الذي كان في ذلك الوقت يبدو( ويروج له) على أنه حنبلي جدا فيما يتعلق بالمال العام، وبالطبع فقد كان موظف مجلس الشعب الذي صوّر الفاتورة على صلة مثل غيره من الموظفين بالجبهات الموالية للدكتور أحمد فؤاد محيي الدين، وظلت قصة الكباب متداولة ودالة على مدى العبث الذي يمارسه الساسة المصريون الذين كانوا قبل عامين فقط يناقشون الرئيس السادات في الاستراتيجية و يزعمون أنهم يفهمون أكثر منه.
أما اللواء النبوي إسماعيل وزير الداخلية فقد كان حادث المنصة وتداعياته قد تكفل بخروجه على مراحل ، فقد كان من المفهوم بالمنطق أنه لم يعد قابلا للصعود، وأما فكري مكرم عبيد فكان أداؤه الباهت والأقرب إلى الغياب كفيلا بغيابه جسديا و بالتدريج أيضا عن الصورة بعدما كان قد فقد منصب الأمين العام للحزب الوطني لصالح الرئيس حسني مبارك نفسه وهو نائب للرئيس .
هكذا أصبح الدكتور أحمد فؤاد محيي الدين قبل أن تمضي سنة من عصر الرئيس حسني مبارك مستريح البال من المنافسين ، فقد تخلص من منافسة (ولا نقول من وجود) ثلاثة نواب لرئيس الوزراء هم فكري مكرم عبيد ومحمد النبوي إسماعيل وعبد الرازق عبد المجيد بينما بقي معه من النواب الستة الذي ضمتهم الوزارة عند تشكيلها في مايو 1980 اثنان هما الفريق أول كمال حسن علي وزير الخارجية والمهندس أحمد عز الدين هلال وزير البترول الذي لم يكن فيما يبدو يبذل أي جهد في اللعب ضده على رئاسة الوزارة.
وفي اثناء وجود الدكتور فؤاد محيي الدين في رئاسة الوزارة بدءاً من يناير 1982 وحتى وفاته في يوليو 1984 فإنه استطاع أيضا أن يكبح جماح أي صعود محتمل للواء حسن أبو باشا، وبلغ خلافهما في إدارة انتخابات البرلمان في 1984 حدوداً معلنة على نطاق واسع ، ونجح الدكتور فؤاد محيي الدين حتى إنه استقطب فيها الرئيس مبارك معه ضد أبو باشا ، وعلى حين استطاع جهاز الأمن بقيادة حسن أبو باشا أن يستعين بصحفيين كبار ممن تولوا رئاسة تحرير الصحف الكبرى فإن الدكتور أحمد فؤاد محيي الدين خاض هذه المعركة بكل طريقة حتى بصفته الشخصية حين كان زميلاً مثلا لواحد ممن ظنهم من هؤلاء الصحفيين المؤثرين حين كانوا زملاء في المدرسة ،وهكذا استطاع تحييد كثير من أسلحة الأمن وبدا بوضوح أنه قادر على الانتصار تماماً على حسن أبو باشا بكل خبرته وماضيه ونفوذه ويقظته، حتى جاءت معركة الإفراج عن البابا شنودة فكسبها الدكتور أحمد فؤاد محيي الدين في مواجهة حسن أبو باشا ..
لما وصل الدكتور فؤاد محيي الدين إلى نهاية السباق مع نهاية الانتخابات البرلمانية في 1984 لم يكن قد عاد متاحاً على الساحة للحلول محله إلا أن يلجأ النظام (أو فلنقل بصراحة: الرئيس حسني مبارك) إلى شخصية قديمة مستبعدة ومتشوقة ومحترقة بالشوق من قبيل الدكتور رفعت المحجوب ليوحي بأنه يتجه إلى اليسار بينما هو يتجه إلى اليمين، وكان الرئيس حسني مبارك قد تعلم هذا من الرئيس أنور السادات بمهارة شديدة.
في الفولكلور المصري أن الرئيس مبارك دعا الدكتور فؤاد إلى الإفطار في بيته وأنهى اليه أنه يريد ان يرأس مجلس الشعب في مرحلته القادمة، بما كان يعني أنه سيترك رئاسة الوزارة و لم تمض ساعات إلا ومات الدكتور فؤاد في مكتبه ظهرا في نهار رمضان.
لما توفي الدكتور أحمد فؤاد محيي الدين وأصبح هناك مكانان شاغران في رئاسة مجلس الشعب ورئاسة الوزراء فإن الرئيس حسني مبارك اضطر للاستعانة بالأقدم في الكشف المصنوع بقرارته هو ، في ترتيب الأقدميات ، وهو الفريق أول كمال حسن علي، ولم يكن عنده من الأفق ما يجعله يستعين بالأقدم الحقيقي الذي كان متاحاً أمامه وهو المهندس أحمد عز الدين هلال ووجد أحمد عز الدين هلال من حق نفسه عليه أن يعتذر من الاستمرار ، على أن ما يهمنا في حديثنا عن الدكتور أحمد فؤاد محيي الدين أن سياسته في ترتيب المقاعد انتهت مع وفاته حتى إن اختياراته المباشرة من قبيل مصطفى السعيد ووجيه شندي سرعان ما غابت أيضاً عن الساحة.
كان الدكتور فؤاد محيي الدين في أدائه للمناصب الرئاسية العليا من الذين ينتمون إلى الفكر التعديلي أو التحويري أو الترميمي الذي يسمونه بالفكر الإصلاحي من باب التجاوز في الترجمة، والمقصود الحقيقي بجذر اللفظ الذي يترجمون عنه وهو reform هو إعادة التشكيل وليس الإصلاح، وإن كانت إعادة التشكيل قد تعود بالإصلاح ، أما الإصلاح في اللغة العربية فمعنى مختلف تماما لا يرتبط بالصلاحية وحدها و إنما يرتبط أيضا بالصلاح في الخلق والرؤية والسلوك والعقيدة ..
لكن الطابع المسيطر على أسلوب الدكتور فؤاد محيي الدين في الأداء لم يكن فرنسيا ولا بريطانيا ولا حتى أمريكيا وإنما كان للأسف الشديد سوفييتيا، بحكم معاصرته المكثفة لذروة الصعود الروسي في تجربة الاتحاد السوفييتي التي كانت لا تزال مزدهرة ، ويظهر هذا بوضوح شديد على سبيل المثال في بنائه لهياكل المجالس الشعبية المحلية التي تولى إعداد قانونها وهو وزير ثم أصبح أبرز منفذي هذا القانون وهو نائب لرئيس الوزراء ووزير، وبوضوح شديد فإن المواطن البسيط يذهب فينتخب مرشحين لقريته في مجلسها المحلي القروي، ومجموعة مرشحين آخرين للمجلس الشعبي المحلي في المركز، ومجموعة ثالثة للمجاس الشعبي المحلي في المحافظة ،وهكذا تسير هذه المستويات دون أي رابط عنقودي ينتخب المستوى الأعلى من التالي له والتالي له من الابتدائي. وهذه الموازاة المعقدة والمتعمدة تتطلب مستويات من الترتيب تجعل القائمين على الترشيح والتنسيق لهذه المجالس بمثابة ” بارونات انتخابات” لكن هذا لم يكن يجد مانعاً عند الدكتور فؤاد محيي الدين الذي مرّ هو نفسه شبيهة بتجربة التفرغ السياسي من خلال الاتحاد الاشتراكي.
بالإضافة إلى هذه الإنجازات التي حققها بنفسه فإن الدكتور فؤاد محيي الدين أخذ من تجربة كثيرين من أسلافه كثيراً من عناصر النجاح، فكان على سبيل المثال حريصا على أن ينتهي من المشروعات المؤجلة على نحو ما فعل الدكتور عزيز صدقي، وكان حريصا على تنفيذ كثير من التطوير في اللوائح التنفيذية القائمة على نحو ما فعل الدكتور عبد العزيز حجازي، وزكريا محيي الدين ، وكان حريصا على المتابعة اليومية الدءوبة على نحو ما كان ممدوح سالم،. ومع هذا كله فإنه نجا من أسلوب تأجيلات علي صبري للمشكلات والتعلل بالدراسة والعناية بالأرقام المعدة خصيصا للحديث عن إنجازات إعلامية لا حقيقية، كما نجا من تأجيلات الدكتور مصطفى خليل التي كانت تتفاقم بسبب انشغاله .
كذلك كان الدكتور فؤاد محيي الدين موفقا في اختيار الدكتور محمد صبري زكي وزيراً للصحة وهو التوفيق الذي ظهر عند خروج هذا الوزير من منصبه حيث أقيمت له من حفلات التكريم ما لم يُقَم لأيّ وزير على مدى التاريخ المصري الحديث.
كان الدكتور فؤاد محيي الدين من الذكاء بحيث اختار لمنصب وزير شئون مجلس الوزراء المستشار الأشهر عادل عبد الباقي الذي كان يقوم بالفعل بهذه المهمة من خلال منصبه كأمين عام لمجلس الوزراء، وبهذا أسعفه وجود رجل قانون مخضرم وذكي ونزيه إلى جواره ومعه سلطات وصلاحيات وزير .
لكن الدكتور فؤاد محيي الدين مع هذا لم يكن قادراً على دعم الوزراء الذين اختارهم على نحو ما كان عاطف صدقي من بعده، ولهذا فإن محمد عبد الفتاح إبراهيم نائبه للشئون المالية والاقتصادية استقال من منصبه حين أُلقى اللوم على وزير الاقتصاد الدكتور فؤاد هاشم في القرار الخاص بخفض الفائدة، وذلك حين ظهر أن الرئيس حسني مبارك ربما كان ممتعضاً من هذا القرار، وقد فصلنا القول في هذه القصة في موضع آخر.
كذلك فإن الدكتور فؤاد محيي الدين كان قد رشّح أسماء قوية لكن الرئيس مبارك في اللحظات الأخيرة قدّم مرشحيه هو، ولم يفكر فؤاد محيي الدين في أن يستبقي من زكاهم في مواقع أخرى بدلا من أن يفقد وجودهم في التشكيلة الوزارية تماماً ، بعبارة أخرى فإنه لم يكن قد أعد نفسه بالخطة (ب) للذين رشّحهم بحيث يرشحهم لمناصب وزارية أخرى إذا اعترض عليهم الرئيس مبارك في المواقع التي اختارها لهم أو كان عنده من المرشحين من هو مقتنع به، وهكذا فقد كان في وسع الدكتور فؤاد محيي الدين أن يجعل العالم أو الشيخ الذي رشحه لوزارة الأوقاف (أيا من كان) وزيرا لشئون الأزهر ما دام الرئيس مبارك قد اختار الشيخ جاد الحق للأوقاف، وكان بوسعه أن يسند وزارة مقاربة إلى مرشحه الذي اعلن عنه وزيرا للإعلام لكن الرئيس مبارك في اللحظة الأخيرة فضل اختيار صفوت الشريف، ولهذا آثر ذلك المرشح الاستقالة من منصبه على الفور ، و قد كان مرشح فؤاد محيي الدين صالحا لأن يكون وزيراً للسياحة أو للهجرة أو للثقافة أو للبيئة أو للمتابعة والرقابة بما يحقق الافادة من علاقات ذلك المرشح وقدراته المتميزة.
الوزراء الذين تولوا المنصب في عهده
في يناير 1982
من الطريف أن أول الوزراء العشرة وهو المغفور له الشيخ جاد الحق سرعان ما ترك الوزارة بعد شهرين ونصف شهر ليتولى مشيخة الأزهر. وأن رابعهم وهو صفوت الشريف ظل في السلطة حتى نهاية عهد الرئيس مبارك وأن اثنين (الخامس و العاشر ) ظلا معا في السلطة حتى ١٩٩٩، وهما رئيس الوزراء كمال الجنزوري ونائب رئيس الوزراء يوسف والي .
أما ترتيب القائمة الصادرة بتشكيل الوزارة لهؤلاء الوزراء العشرة فكان على النحو التالي :
§ الشيخ جاد الحق علي جاد الحق
§ الدكتور محمد صبري زكي
§ المستشار عادل عبدالباقي
§ ومحمد صفوت الشريف
§ الدكتور كمال الجنزوري
§ المهندس فؤاد أبو زغلة
§ عادل طاهر
§ اللواء حسن أبو باشا
§ الدكتور فؤاد هاشم
§ الدكتور يوسف والي.
في 17 مارس 1982
عين الشيخ إبراهيم الدسوقي، وزيراً للأوقاف خلفاً للشيخ جاد الحق الذي عُين شيخاً للأزهر.
في أغسطس 1982
دخل أربعة وزراء الوزارة الثانية للدكتور فؤاد محيي الدين وهم
§ الفريق يوسف صبري أبو طالب
§ الدكتور وجيه شندي
§ الدكتور مصطفي السعيد
§ توفيق عبده إسماعيل.
في مارس 1983
عين ثلاثة وزراء في تعديل وزاري محدود (عقب صدور الأحكام في قضية عصمت السادات) وهؤلاء هم:
§ الفريق سعد مأمون وذلك في مقابل تعيين الفريق يوسف صبري أبو طالب محافظا للقاهرة من أجل الإسراع بتنفيذ مترو الأنفاق بعد أن تعرض تنفيذه للانتكاسات المصرية القوية الكفيلة بتعطيل كل خطوة بمبررات فنية مترددة و متخوفة
§ الدكتور محمد ناجي شتلة
§ المهندس محمد السيد الغروري.
أروع ما يمكن عند الحديث عن حظ الدكتور فؤاد محيي الدين في الحياة والممات و أبلغ ما قيل في رثائه كان مقالا لرئيس نادي القضاة الاشهر المستشار محمد وجدي عبد الصمد الذي تولي أيضا منصب رئيس محكمة النقض ( بالأقدمية المطلقة) و الذي كان من المعدودين دوما ضمن أكبر معارضي الحكومة ، وفي هذا الرثاء كثير من حقائق التاريخ المصري السياسي والقضائي علي حد سواء فضلا عما فيه من حب غامر لفؤاد محيي الدين :
قال المستشار محمد وجدي عبد الصمد إن معرفته بفؤاد محيي الدين لم تكن قديمة :
” لم أحظ بمقابلة المرحوم فؤاد محيي الدين قبل الحادي عشر من أكتوبر ١٩٨٠، وكان وقتذاك النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ، وكنت قد دعوته بصفتي رئيساً لمجلس إدارة نادي القضاة، مع آخرين من كبار رجال الدولة، ليشهدوا احتفال القضاة في ناديهم بعيد القضاء ، واقتصرت تلك المقابلة علي الترحيب به ولقاء لم يدم دقائق معدودات، بحضور المغفور له الرئيس أنور السادات، قبل بدء الاحتفال ”
” ثم قابلته في مكتبه عام 1982 وهو رئيس لمجلس الوزراء، فقد أصبح احد القلائل من المدنيين الذين رأسوا الوزارة بعد ثورة يوليو ، وأول سياسي يرأسها بعد أن درجت الثورة علي اختيار رؤساء الوزارات من العسكريين ، أو الأكاديميين والتكنوقراطيين .
يشهد المستشار محمد وجدي عبد الصمد لفؤاد محيي الدين بمجموعة من الصفات النبيلة والذكية فيقول :
” تكررت بعد ذلك المقابلات في مكتبه برياسة مجلس الوزراء، لأعرض عليه ما يطرأ من مطالب القضاة ، وأشهد أنه لم يرفض لهم مطلباً واحداً، وهو ما شجعني علي أن أفاتحه في عودة مجلس القضاء الأعلى الذي ألغي عام1969 ، وكان القضاة يلحون علي عودته دون جدوي، وقد أدرك من فوره ، بحكم دربته السياسية، أن إجابة ذلك المطلب، هو رصيد ضخم له ولحكومته ، فاستجاب من فوره ”
” قال عنه الرئيس حسني مبارك انه كان يعمل ثماني عشرة ساعة في اليوم ، ولما استغرق لقائي به ذات مرة في مكتبه أكثر من ساعة ونصف ساعة، وتركته بعد الثالثة مساء ليقابل أخرين، قلت في نفسي ، ولزملائي من أعضاء مجلس الادارة فيما بعد، هذا رجل يصلح للقضاء لأنه يحسن الاستماع، ويحتشد بكل جوارحه لاستيعاب ما يسمع ، بذهن متوقد الذكاء، وعبقرية و موهبة ، وحسم للأمور “
ذكر المستشار محمد وجدي عبد الصمد أنه أشار إلي فضل الدكتور فؤاد محيي الدين فيما كتبه عن عودة مجلس القضاء الأعلى وتحصين رجال النيابة العامة :
“وجدتني كتبت بعد وفاته، في مجلة القضاة، وبعد صدور القانون الذي أعاد مجلس القضاء الأعلى، وأسبغ الحصانة علي رجال النيابة العامة “
” ثم كلمة حق ينبغي أن تقال، هي أن الفضل في صدور القانون رقم 25 لسنة 1984، انما يرجع إلي المرحوم فؤاد محي الدين رئيس مجلس الوزراء، الذي حسم الأمر لصالح القضاء والقضاة ”
وفي مساء الخامس والعشرين من مارس 1984، وكان مجلس الشعب قد وافق علي مشروع القانون بجلسته المعقودة في الثامن عشر من مارس ، وهي جلسة تاريخية كما وصفها أعضاؤه ، ذهبت إليه في مكتبه مع زملائي أعضاء مجلس ادارة النادي نشكره ، وأسرّ إلي بأنه سيطلب موعدا لأقابل الرئيس محمد حسني مبارك، وما أن عدت إلي نادي القضاة حتي اتصل بي ليخبرني بأن الموعد تحدد ظهر اليوم التالي، وحين التقيت وزملائي أعضاء مجلس الإدارة بالرئيس حسني مبارك ، حضر هو اللقاء ، وأحسست أنه يشعر بسعادة غامرة ، وقد ظهرت صورته وهو يبتسم”
” ولعلها كانت من المرات القلائل التي ابتسم فيها، ولعلها كانت المرة الأخيرة أيضاً ، في غمرة الأحداث والمهام الجسام التي كانت تلح علي ثمين وقته “
يبلور المستشار وجدي عبد الصمد ما أنجزه الدكتور فؤاد محيي الدين للقضاء:
” إن التاريخ سيذكر للدكتور فؤاد محي الدين، ولحكومته ، أنه أعاد للقضاء استقلاله، وأسبغ علي القضاء حصانة حقيقية حين وافق علي مد الحصانة إلي رجال النيابة العامة حتي طالت النائب العام نفسه، وهو مالا مثيل له في مختلف الأنظمة القضائية في العالم طرا «
يصور المستشار محمد وجدي عبد الصمد بأسي شديد آخر لقاء له بالدكتور فؤاد محيي الدين :
” أخبرني رحمة الله ، بعد إبلاله من مرضه الأخير ، وفي آخر لقاء معه ، وكان قد نحل جسمه فوق نحوله ، واتسعت عليه ملابسه ، أنه بسبيل كتابته مذكراته ، وأن قانون السلطة القضائية سيحتل جانباً كبيراً منها ، ونظرت له بإشفاق ، ولم أعقب ولما نعاه الناعي ذات صباح ، نعيته باسم قضاة مصر في صحيفة الأهرام، ولما سرت في جنازته، خلف جثمان ، وجدتني أجهش بهذه الأبيات:
دع مقلتي تبكي عليك بأربع إن البكاء شفاء قلب الموجع
ودع الدموع تكف جفني في النوي من غاب عنه فؤاده لم يهجع
ولقد بكيت عليك حتي رق لي من كان فيك يلومني ، وبكي معي