ترتبط بإسم العقيد فيصل الأتاسي (1917 ــ 1998) ثلاثة إنجازات وطنية مهمة لم تقدر في زمنها حق قدرها، وإنجاز تكتيكي مهم ، أول هذه الإنجازات الوطنية أنه واحد من أصحاب الأدوار الكبرى في أفضل الانقلابات السورية وهو الانقلاب الخامس الذي خلص سوريا من حكم أديب الشيشكلي.
وأعاد الديموقراطية لسوريا فيما يعرف بربيع الديموقراطية ١٩٥٤ وقد شاركه في قيادة هذا الإنقلاب الذي لم يتول قادته السلطة وإنما أعادوها للشعب : أمين أبو عساف وكاظم الزيتوني.
وقد ضمت قيادة هذا الانقلاب الضابط مصطفى حمدون و ضابطين آخرين من العائلة الأتاسية (وهو ما يجعل بعض الكتابات تطلق على هذا الإنقلاب اسم إنقلاب الضباط الأتاسيين) ، وهما العقيد زياد الآتاسي المولود 1919 والمتخرج في الكلية الحربية في 1938؛ والذي أصبح عميدا للعائلة الآتاسية منذ 2000 والفريق لؤي الآتاسي ١٩٢٦- ٢٠٠٣ الذي أصبح رئيسا للجمهورية في ١٩٦٣
وكان العقيد فيصل الأتاسي أيضا صاحب الفضل الخلقي والسياسي العظيم الذي لا يتحدث الآن عنه أحد بالطبع ، وهو فضل احترام الشعب و الإرادة الشعبية ذلك أنه استقال من الجيش ورشح نفسه ليكون نائبا عن حمص؛ فلما أخفق في الانتخابات إبتعد عن السياسة.
بنجاح إنقلاب فبراير ١٩٥٤ هرب العقيد أديب الشيشكلي تاركا ما وصف بأنه استقالته لرئيس المجلس النيابي ، و بناء عليه قرر الدكتور مأمون الكزبري، رئيس المجلس النيابي، أن يتولى السلطة ريثما يتم انتخاب رئيس جديد.
وقد كان الدستور يمنح رئيس المجلس النيابي سلطات رئيس الجمهورية في حالة خلو المنصب ، فأعلن الدكتور مأمون الكزبري ذلك أمام النواب، وغادر إلى القصر الرئاسي ليمارس الرئاسة، وما أن علم العقيد فيصل الأتاسي بذلك حتى أمر الطائرات التي كانت تحت قيادته بإلقاء منشورات من سماء دمشق محذرا و متوعدا الكزبري و شوكت شقير وغيرهما ممن أرادوا الاستيلاء على السلطة في خضم الأحداث.
أعلن العقيد فيصل الأتاسي من إذاعة حلب أنه تقرر عدم الاعتراف بعهد الشيشكلي وكل مؤسساته الحكومية، ومن ثم فانه هاجم المستغلين للوضع هجوما عنيفا فاضطر من نسميهم قادة الثورة المضادة للإذعان.
يتمثل الإنجاز التكتيكي لهذا الانقلاب في ان العقيد فيصل الأتاسي وزملاءه قاموا بهذا الانقلاب واتموه من حلب ودير الزور من دون ان يستولوا على العاصمة ولا على القيادة المركزية بل انهم لم يستخدموا اذاعة دمشق وانما استخدموا إذاعة حلب .
أعلن العقيد فيصل الأتاسي من إذاعة حلب أنه تقرر عدم الاعتراف بعهد الشيشكلي وكل مؤسساته الحكومية، ومن ثم فانه هاجم المستغلين للوضع هجوما عنيفا فاضطر من نسميهم قادة الثورة المضادة للإذعان.
كان العقيد فيصل الأتاسي أحد القادة العسكريين السوريين البارزين في جيله ؛ ولد في حمص عام 1917، ودرس في الكلية الحربية وتخرج منها عام 1938، وهو العام الذي تخرج فيه الرئيسان السادات وعبد الناصر في مصر في دفعتين متتالتين ، وتدرج في المراكز العسكرية على نحو طبيعي.
في عام 1945 كان العقيد فيصل الاتاسي من أبطال معركة تلكلخ (تل كلخ ) التي حاصر فيها الدنادشة ( ومعهم قوات من المتبرعين من غير الدنادشة) برئاسة علي عبد الكريم الدندشي ثكنة للقوات الفرنسية.
واستطاعت هذه المفزرة السورية إجلاء الفرنسيين عن الموقع بعد عدة أيام ورفعوا العلم العربي عليها، فكانت فاتحة الانتصارات للثورة الوطنية.
كان العقيد فيصل الآتاسي كذلك من قادة الجيش السوري في حرب فلسطين ، وفي أغسطس 1949 أصبح فيصل الأتاسي رئيس شؤون الجيش، وعام 1950 ترقى آمرا لحامية اللاذقية ، وفي عهد أديب الشيشكلي أصبح العقيد فيصل الآتاسي آمرا لحامية حلب، ثانية المدن السورية.
بعد مؤتمر حمص في 4يوليو 1953 الذي تعاهد فيه الوطنيون السوريون على الميثاق الوطني بادر العقيد فيصل الآتاسي إلي التنسيق مع زميله أمين أبو عساف لتنظيم انقلاب يخلص البلاد من طغيان الحكم الإنفرادي الذي يمارسه الشيشكلي.
وبدأ فيصل الأتاسي وأبو عساف بالتخطيط للانقلاب فضما الضابط كاظم الزيتوني وهكذا أمّن الثلاثة سيطرتهم على حاميات ثلاث مناطق: منطقة دير الزور، وآمرها أبو عساف، ومنطقة حلب، الواقعة تحت سيطرة العقيد فيصل الأتاسي، ومنطقة اللاذقية، وفيها الضابط كاظم الزيتوني مستعد لاعتقال رئيسه عبد الجواد رسلان والأخذ بزمام الأمور، بينما بقيت أغلب قوات دمشق على إخلاصها للشيشكلي وتحت سيطرته.
في 25 فبراير1954 تم قطع جميع الاتصالات بين المناطق العسكرية وتأمين خلو الجو من المعارضين والموالين للشيشكلي، واذاع الضباط المنقلبون بياناً أعلنوا فيه تمردهم وقد كان التوقيع على البيان باسم القادة الثلاثة: قادة المنطقة الشرقية (أبو عساف) والشمالية (الأتاسي) والغربية (الزيتوني). تم اعتقال القائد عمر تمر خان، ومحافظ حلب كمال نورالله، والموالين لحكم الشيشكلي، وتأمين مباني الوزارة والبريد والإذاعة.
بعد نجاح الانقلاب استقال العقيد فيصل الأتاسي من مناصبه في الجيش ورشح نفسه نائباً عن حمص، ذلك لأن الدستور كان يفرض على المرشحين النيابيين أن يكونوا مدنيين لا عسكريين، وأخفق الأتاسي في الانتخابات فإعتزل السياسة في هدوء .
قرر قادة الانقلاب اسناد السلطة الشرعية إلى صاحبها المنتخب وهو الرئيس هاشم الاتاسي ، فعاد الرئيس هاشم الأتاسي إلى الحكم، ورُدَّ إليه سكنه في القصر الجمهوري. و تم الإفراج عن المعتقلين السياسيين.
وهكذا فإن الدور الناجح للعقيد فيصل الأتاسي ورفاقه في ربيع الديموقراطية في سوريا ١٩٥٤ لم يتكرر في مصر، بل على العكس أدى إلى أثرين الأول هو تخدير القوى المدنية والثاني هو استفزاز وحرص القيادة المصرية العسكرية الجديدة على نزع كل قدرة فاعلة من أي قوة مدنية ومن أي جماعة من الضباط ذوي توجهات وطنية أو معرفية في سوريا ، وهكذا تحول الربيع السوري ليؤدي للنظام الناصري وظيفة كاللقاح او الطعم، محذرا ومحصنا ذلك النظام من ترك زمام الأمور للحرية .
بعد نجاح الانقلاب استقال العقيد فيصل الأتاسي من مناصبه في الجيش ورشح نفسه نائباً عن حمص، ذلك ان الدستور كان يفرض على المرشحين النيابيين أن يكونوا مدنيين لا عسكريين، وأخفق الأتاسي في الانتخابات فاعتزل السياسة في هدوء .
توفي العقيد فيصل الأتاسي في ١٥ مارس 1998.