الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات الجزيرة / الجزيرة مباشر / رئيس الوزراء الذي سمى مذكراته: جيل الهزيمة!

رئيس الوزراء الذي سمى مذكراته: جيل الهزيمة!

يمثل الدكتور بشير العظمة (1911 ـ 1992) نموذجا فذاً للسياسيين المهنيين (أو التكنوقراط)  القادرين على إبداء الرأي الصائب واتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب.

وقد كان بممارسته العاقلة والحاسمة عاملاً مهما من عوامل استقرار سوريا بعد أزمة الانفصال عن مصر، فقد تميز بوضوح الفكرة مع نبل الهدف. 

وقد كان له موقف فكري متميز لا يخضع للقوالب الجاهزة و ذلك  على الرغم من أنه ينتمي إلى جيل أساتذة السياسة السوريين المنظرين الثلاثة : ميشيل عفلق (1910 ـ 1989) وأكرم الحوراني (1911 ـ 1996) وصلاح البيطار (1912 ـ 1980).

كان بشير العظمة سياسيا ناضجا معتزاً بنفسه ولكنه لم يكن مكابراً، وهكذا فإنه قبل نقد خالد العظم للوضع غير الدستوري الذي تولى فيه المسؤولية ورئاسة الوزارة ولم يلجأ إلى أن يفرض نفسه بعون من الدبابة؛  وإرادتها بل إنه قدم استقالة حكومته بناء على هذا الموقف الشعبي في يوليو/تموز 1962 .

وأكثر من هذا  فإنه قبل أن يكون نائبا لرئيس الوزراء في وزارة خالد العظم، وقبل أن يرأس الوفد السوري إلى الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 1962 بعد أن عاد لسوريا مقعدها في المنظمة الدولية، وهو المقعد الذي كانت تنازلت عنه طوعاً مع إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة في 1958.

الوحدة بين مصر وسوريا

سعيه لإعادة الوحدة

يذكر التاريخ للدكتور بشير العظمة أنه  سعى وهو رئيس للوزراء  إلى استعادة الوحدة  مع مصر بجدية، وبذل في ذلك جهوداً ذكية على نحو ما هو معروف في التاريخ السوري والمصري على حد سواء، لكن الناصرية لم تكن تستطيع أن تعود ، كما أن السوريين كانوا أذكى من أن يتركوا الامر للثقة المطلقة مرة أخرى.

وهكذا واجه بشير العظمة مواقف ناصرية قاسية استدعت منه ؛ وهو الذي كان يسعى صادقا لإعادة الوحدة، إلى أن يتقدم بشكوى رسمية ضد مصر في الجامعة العربية.

و في اثناء محاولاته تلك  دعا رئيس الوزراء السوري الأشهر خالد العظم أعضاء المجلس النيابي القديم إلى اجتماع في داره وطالب بعودة الحكم الدستوري للبلاد وإلى تفعيل السلطة التشريعية المعطلة بعد إنقلاب مارس/آذار 1962 فاستجاب العظمة لهذه المبادرة .

نشأته و تكوينه

ولَد الدكتور بشير العظمة في حيّ القيمرية بدمشق  وتلقى تعليما مدنيا متميزا بدأه  في مدرسة الملك الظاهر في باب البريد ثم في ثانوية مكتب عنبر التي كانت أفضل المدارس في وقتها ، ثم بكلية الطب في جامعة دمشق وتخرج فيها 1934. ثم ابتعث إلى باريس وتخصص في الأمراض الصدرية وعاد فعَمل مدرساً في جامعة دمشق حتى قيام الوحدة مع مصر عام 1958.

في عهد الوحدة بين مصر وسوريا عُيّن العظمة وزيراً مركزياً للصحة في الجمهورية العربية المتحدة، ولكنه استقال من منصبه في أغسطس  1960.

توليه الوزارة

في عهد الوحدة مع مصر عُيّن العظمة وزيراً مركزياً للصحة في الجمهورية العربية المتحدة، ولكنه استقال من منصبه في أغسطس/آب  1960.

ومع هذا فإنه استطاع أن يتعامل مع مهامه السياسية على أنها تكليف وواجب كالطب والعلاج، وقد نجح في أن يعبر عن هذه المعاني في مذكراته التي آثر لها عنوان “جيل الهزيمة”، معترفاً في شجاعته بما واجهه وواجه جيله، وبما صنعه هو وجيله في هذا السبيل.

اختياره لرئاسة الوزارة

عقب فشل إنقلاب النحلاوي العسكري الثاني في مارس 1962 اجتمع ضباط الجيش في مدينة حمص بمقر الكلية الحربية  وقرروا تكليف  العظمة برئاسة وزارة انتقالية مؤقتة، خلفاً للدكتور معروف الدواليبي مع قرارهم بإعادة الحياة النيابية.

قبل العظمة التكليف بعد إلحاح رئيس الجمهورية وشكل وزارته في  16 من أبريل/نيسان 1962، لتكون جاهزة لحضور الاستعراض العسكري الذي أقيم في شارع الرئيس شكري القوتلي يوم 17 من أبريل/نيسان، احتفالاً بالعيد السادس عشر لجلاء القوات الفرنسية عن سورية.

كان من وزرائة رشاد برمدا من حزب الشعب، نائباً لرئيس الحكومة ووزيراً للمعارف، وعبد الله عبد الدائم من حزب البعث، الذي أصبح وزيراً للإعلام.

ثقافته واستيعابه

كان  العظمة طبيبا مثقفا ذكيا، وإلى إصراره يعود الفضل في اشتراك حزب البعث في الوزارة التي رأسها عقب الانفصال فقد كان من الذكاء بحيث أدرك ضرورة وجود البعث في السلطة؛ على الرغم من أن معظم وزرائه كانوا من المستقلين.

وعلى المستوى الفكري فإنه هو رئيس الوزراء الذي أصبح أستاذنا الطبيب الأديب الدكتور عبد السلام العجيلي (1918 ـ 2006) وزيراً للثقافة والإرشاد القومي في عهده متوجاً بهذا قدرة سوريا على تكريم رائد القصة والرواية السورية وهو ما لم نفلح فيه في مصر.

وعلى المستوى المهني فقد كانت للدكتور العظمة إسهامات طبية عديدة، وقد شارك في تأسيس جمعية مكافحة السل السورية في 1954، كما انتخب نقيبا للأطباء في 1961.

عندما فشلت مساعي العظمة مع القاهرة، قدم شكوى ضد مصر في جامعة الدول العربية، متهماً الرئيس عبد الناصر بالتدخل في شؤون سورية الداخلية.

فشله في إعادة الوحدة

أعلن العظمة عن تقريب وجهات النظر مع مصر وجاء في بيان حكومته نص واضح على السعي نحو استعادة الوحدة ولكن ضمن شروط جديدة يتم الإتفاق عليها بين دمشق والقاهرة.

و بدأ بأن سمح للصحف والمجلات المصرية بإن تدخل إلى سورية وأرسل ثلاثة ضباط إلى بيروت للإجتماع مع السفير المصري عبد الحميد غالب؛ ثم أوفد وزير خارجيته عدنان الأزهري إلى القاهرة للتفاوض مع الرئيس عبد الناصر.

وعندما فشلت مساعيه مع القاهرة، قدم الشكوى ضد مصر في جامعة الدول العربية، متهماً الرئيس عبد الناصر بالتدخل في شؤون سورية الداخلية.

وقد استقال وزير الخارجية عدنان الأزهري من منصبه بعد فشل المفاوضات مع مصر؛ من المهم أن نذكر أن سبب الانقباض الناصري من العظمة أنه بعد حدوث الانفصال بأيام شارك في بيان إدانة عبد الناصر.

ولم يكن ناصر ليقبل أبداً بالتعاون مع من نقدوه ذات يوم، فهو لا يضمن أن يعودوا مرة أخرى إلى نقده، وهكذا كان الفتور في استقبال مصر لفكرة عودة الوحدة التي تبناها بشير العظمة وعمل من أجلها بإخلاص.

مذكراته

في العام 1991 نشرت مذكرات الدكتور بشير العظمة “جيل الهزيمة” عن دار رياض نجيب الريّس في لندن؛ وتوفي العظمة في 5 من أبريل/نيسان 1992.

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com