الشيخ محمد البشير الابراهيمي ١٨٨٩-١٩٦٥ هو ثاني اثنين (مع الشيخ عبد الحميد بن باديس) يمثلان الزعيمين الروحيين للجزائر المعاصرة فهو زميل بن باديس، وشريكه، ونائبه، ثم خليفته في رئاسة جمعية العلماء المسلمين، وهما صاحبا الأفكار الحقيقية التي كافحت لتخليص الشعب الجزائري من الاستعمار الفرنسي ومن الاستعمار الثقافي الذي فرضته فرنسا، وقد نظّما الحرب على الخرافات في الدين، وعلى التغريب في التعليم ونشرا المدارس والمساجد وروح الولاء والثورة والنهضة، كما طالبا باستقلال القضاء الإسلامي في الأحوال الشخصية، وبعدم تدخل الحكومة في تعيين الموظفين، وقد أصبح الشعب الجزائري، بفضل جمعية العلماء مؤهلا سياسا وفكريا للاستقلال والحرية.
نسبه
هو محمد البشير بن محمد السعدي بن عمر بن محمد السعدي بن عبد الله بن عمر الإبراهيمي”، ولد يوم 13 جوان عام 1889م في أولاد إبراهم (حاليا بلدية تابعة لدائرة رأس الوادي – ولاية برج بوعريريج، الجزائر).
مكانته التاريخية
أبدأ التعريف بقيمة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد البشير الابراهيمي بلقطات سريعة تدلنا على مكانته في تاريخ أمته العربية المسلمة، وفي تاريخ وطنه الجزائر. اللقطة الأولى أنه ولد مع الأستاذ عبد الحميد بن باديس في العام نفسه 1889 وهو العام الذي بنيّ فيه برج إيفل، وقد قيل إن هذا البرج شانه شأن كل المنشآت المعدنية والديكورات البارزة في الحضارة الفرنسية الحديثة قد استمد خامته من حديد الجزائر، ومن ناحية أخرى فإنه يمكن لنا القول بأن وعي الاستاذين محمد البشير الابراهيمي وعبد الحميد بن باديس قد استمد وجوده من ظلم الجزائر والجزائريين على يد الفرنسيين.
اللقطة الثانية هي أن الأستاذ محمد البشير الابراهيمي عاش ربع قرن بعد وفاة الأستاذ عبد الحميد بن باديس وان هذا الربع قرن هو الذي شهد تصاعد ذروة ثورة الجزائر حتى حققت هذه الثورة العظيمة جلاء الفرنسيين عن أرض الجزائر، وقد قدر لهذا العلامة الأستاذ محمد البشير الابراهيمي أن يشهد هذه الفرحة قبل أن يموت، وأمَّ المصلين في مسجد كتشاوة الذي كان قد حُوّل إلى كنيسة، لكنه توفي وهو يشعر بغصة حين رأى العسكريين من أبناء الثورة ينحرفون عن جذور الأصالة في المجتمع التي كانت سببا في تحقيق الانتصار، ومن الإنصاف لهذا الرجل ولتاريخنا أن نشير إلى ما لا يشار إليه من بيانه القاطع في هذا الشأن حين قال بوضوح في بيان له في 1964: “إن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية لا من مذاهب أجنبية”.
قدرته الفائقة على التآلف
شهدت هذه السنوات الخمسة والعشرون ١٩٤٠-١٩٦٥ قدرة العلامة محمد البشير الابراهيمي الفائقة على التعاون والتحالف مع كل الجبهات الوطنية من أجل تحقيق الهدف الكبير، ولهذا فإننا إذا أردنا مثالا بارزاً على النجاح في الائتلاف (لا في الاصطفاف فحسب) فإنه يتمثل في الشيخ محمد البشير الابراهيمي الذي كانت مصر العسكرية نفسها تنظر إليه على أنه رمز ولا تتربص به تربصها بالإسلاميين في بلاد الشام، ويعود السبب في هذا القبول إلى طبيعة الجزائريين أنفسهم برغم ما يفخرون به من حدتهم، وإلى رحابة فكر فقهاء المالكية بالرغم أن هذا غير معروف عنهم بما فيه الكفاية، وإلى محمد البشير الابراهيمي نفسه بتكوينه الذي جمع الأدب والفقه والتاريخ على نحو لم يكن يستعلي فيه بفقهه ولا بتدينه ولا بمنهجه على الواقع المعاش في مقاربة قضايا الحياة والمجتمع .
عنايته بأساسيات التحضر والاستقلال
اللقطة الثالثة أن الأستاذ محمد البشير الابراهيمي كان في حركته الإصلاحية منشئا لأساسيات التحضر والاستقلال، وكان على سبيل المثال معنيا اشد ما تكون العناية بإنشاء المدارس وبناء المساجد، لأنه كان يعلم أن أولوياته في بناء المجتمع المسلم تقتضي التركيز على هذه التأسيسات المجتمعية التي افتقدتها الجزائر في ظل سطوة الفرنسيين على الشعب الفرنسي ١٣٠ عاما من الظلم والقهر والاستلاب، وفي ظل حرصهم الشديد على فرنسته.وبهذا تمكن هذا الزعيم الهادئ أن يضيء بيئته من خلال المؤسسات الحقيقية المنتشرة في بلاد شاسعة الأرجاء، وأن يتنامى بهذا الجهد بعيداً عن الانحصار الفكري في العاصمة أو في مراكز محددة للتنوير، ولولا هذا الانتشار الواسع الذي حرص عليه الأستاذ محمد البشير الابراهيمي ونجح ما فيه ما تمكنت الجزائر من تحقيق ما حققته من خطوات جبارة في استعادة الذات بعد استقلالها وفي استحضار الوعي بعد المحاولة الدائبة لتغييبه .
ريادته الصحفية
اللقطة الرابعة أن الأستاذ محمد البشير الابراهيمي كان من الزعماء الإسلاميين الذين انتبهوا بذكاء بالغ إلى أهمية أن يكون لهم لسان صحفي يحقق لهم ولمن يحبونهم التواصل المنتظم، وقد جعله هذا الجهد رائدا من رواد الصحافة الوطنية المعلمة والملهمة في دأب وانتظام، وقد أبلى بلاء حسنا في جريدته وافتتاحياتها التي جمعت بعد ذلك في كتابه “عيون البصائر”.
إبداعه في تسجيل التاريخ الوطني
اللقطة الخامسة أن مجمل انتاجه الفكري لم يخل من عمل ابداعي بل من عملين مهمين ثانيهما قصة “كاهنة أوراس” وهي نوع من أنواع الروايات التاريخية اما أولهما فهي الملحمة الرجزية التي تبلغ 36 ألف بيت من الرجز وهي شبيهة في تناولها للتاريخ والحاضر بالعمل الضخم الذي أنجزه أمير الشعراء أحمد شوقي.
إحساسه المبكر بالمسئولية المجتمعية
اللقطة السادسة أن محمد البشير الابراهيمي كان يؤمن بأن نسبه الشريف يلقي عليه تبعات ومسئوليات لا يمكن له أن يتنصل منها فقد كان من حظه أن ينشأ في بيت عظيم، وكانت الزعامة العلمية منعقدة لأسرته حتى على الرغم من فقدها الرياسة السياسية، وكان عمه محمد المكي الابراهيمي عميد العلماء الجزائريين في زمنه، وقد تكفل هذا العم بتنشئة ابن أخيه محمد البشير الابراهيمي تنشئة جادة ومجدة حتى إنه اقتحم به المدارج الصعبة في مصادر العلم الديني ومنابعه فحفظ المتون الصعبة ودرس الكتب المرجعية، وقرأ الدواوين الكبرى وتعهد كتب الأدب بالدراسة والمراجعة، وكان هذا العم العظيم حريصا على أن يُزود ابن أخيه كل ما يمكنه مستخدما طريقة التلقين المكثف وهكذا أصبح الشيخ البشير الابراهيمي قادراً على حقوق الأستاذية عند وفاة عمه وهو لا يزال في الرابعة عشر من عمره..
سفره لطلب العلم في المشرق
لما أحس محمد البشير الابراهيمي أنه يملك ما يقوم به من العلم، وجد أنه لا بد له أن يرى ويخبر من الآفاق ما يمكنه من أن يمتاز به على نحو ما يتميز علماء الأمصار الأخرى، ولهذا فإنه في ١٩١١ شدّ رحاله إلى القاهرة ومنها على المدينة المنورة ثم إلى دمشق (اضطرارا) حيث استطاع أن يقيم ويكيف محصوله من العلم وأن يضيف إليه ما لم يكن بد من إضافته.
عبوره بالقاهرة
كان محمد البشير الإبراهيمي قد قضى في القاهرة ١٩١١ (فيما قبل توطنه في المدينة المنورة ودمشق) ثلاثة شهور لم يترك فيها أحداً من أعلام مصر وعلمائها إلا زاره والتقاه وسجل في ذهنه أو على الورق انطباعاته عنه وفي القاهرة حرص على سبيل المثال على لقاء الشاعرين الكبيرين شوقي وحافظ .
أستاذاه البارزان: الوزير التونسي والفيض أبادي الهندي
وقد كان من حسن حظ العلامة محمد البشير الابراهيمي أن والده كان مقيما في المدينة المنورة، وهكذا فإنه حين ذهب للمدينة المنورة التحق مباشرة بحلقات الدرس في الحرم النبوي وأخذ عن علمائه فتلقى الموطأ والفقه المالكي وشرح التوضيح لابن هشام على الشيخ عبد العزيز الوزير التونسي كما أخذ شرح صحيح مسلم عن الشيخ حسين أحمد الفيضي أبادي الهندي. وقد وصف هو نفسه علاقته بالشيخين فقال: «وأشهد أني لم أر لهذين الشيخين نظيراً من علماء الإسلام للآن، وقد علا سِنّيِ، واستحكمت التجربة، وتكاملت الملكة في بعض العلوم، ولقيت من المشايخ ما شاء الله أن ألقى، ولكنّي لم أرَ مثل هذين الشيخين من فصاحة التعبير، ودقّة الملاحظة والغوص على المعاني، واستنارة الفكر». «ولقد كوّنت لكثرة مطالعاتي لكتب التراجم والطبقات صورة للعالم المبرز في العلوم الإسلامية منتزعة مما يقوله كُتاب التراجم، وكنت أعتقد أن تلك الصورة الذهنية لم تتحقّق في الوجود الخارجي منذ أزمان، ولكنّي وجدتها محققة في هذين العالِمَين الجليلين».
البيئة العلمية في المدينة المنورة
وفي المدينة المنورة عاش محمد البشير الإبراهيمي الجو العلمي مكتملا حيث كانت المدينة المنورة في العهد قبل السعودي ساحة من ساحات العلم الذي لا تقيده السياسة ولا المذهبية، على نحو ما أصابها بعد ذلك مما هو معروف، وقد وجد الشيخ في دار الهجرة مكتبات مليئة بكنوز العلم فأخذ ينهل ما استطاع، وقد زار مكتبة شيخ الإسلام «عارف حكمت» ومكتبة «السلطان محمود»، ومكتبة «آل المدني» ومكتبة «آل الصافي»، ومكتبة رباط «سيدنا عثمان»، ومكتبة «عبد الجليل برادة» ووجد في مخطوطاتها الكثيرة ما لم يكن يسمع به من قبل من روائع الآثار. وقد سبقه إلى ارتياد المنازل العلمية جماعة من إخوانه الشناقطة، كانوا له خير أدلاّء، فجاذبوه الحديث تقريظاً لبعض المخطوطات، وحثّاً على قراءتها، ونقداً لبعضها الآخر، ودعوة إلى مجافاتها، وكانت عناية الشناقطة بكتب الأدب واللغة لا تقف عند حدّ، فقرأ مع شيوخهم «الكامل للمبرّد» و«البيان والتبيين للجاحظ» كما حفظ كثيراً من دواوين الشعراء، فضمّ إلى تضلّعه الفقهي تضلُّعاً أدبيا أمدّه بالطلاقة والفصاحة، حيث تصدر حلقات التدريس في جيله بالجزائر.
لقاؤه بالشيخ الأستاذ عبد الحميد بن باديس
ننتقل الآن إلى التحول الأكبر في حياة محمد البشير الإبراهيمي وهو التحول الذي حدث مع لقائه مع زميله الأعظم الأستاذ عبد الحميد بن باديس، ومن الطريف أن هذا اللقاء بدأ بداية مباركة في المدينة المنورة: وقد وصف الشيخ البشير الإبراهيمي أيامه بالمدينة المنورة عقب زيارة ابن باديس: «كنّا نؤدي فريضة العشاء الأخيرة كل ليلة في المسجد النبوي، ونخرج إلى منزلي، فأسمر مع الشيخ: ابن باديس منفردين إلى آخر الليل، حين يفتح المسجد، فندخل مع أول داخل لصلاة الصبح، ثم نفترق إلى الليلة الثانية إلى نهاية ثلاثة اشهر التي أقامها الشيخ بالمدينة المنورة، وكانت هذه الاسمار المتواصلة كلها تدبيراً للوسائل التي تنهض بها الجزائر، ووضع البرامج المفصّلة لتلك [النهضات] الشاملة التي كانت كلها صوراً ذهنية تتراءى في مخيّلتنا، وصحبها من حسن النية وتوفيق الله ما حقّقها في الخارج بعد بضع عشرة سنة، وأشهد الله على أن تلك الليالي من سنة 1913 هي التي وُضِعَت فيها الأسس الأولى لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الني لم تبرز للوجود إلا في سنة 1931.
في المسجد الأموي بدمشق
انتقل الأستاذ محمد البشير الإبراهيمي بعد ذلك ١٩١٦ بسبب ظروف المعارك العربية/ العربية إلى دمشق فحقق ذاته فيها وتخرج في بيئتها العلمية على نحو ما تخرج من قبل في المدينة المنورة، ويروى أنه ذهب إلى دمشق مدرسا يمارس التدريس والتعلم في الوقت نفسه، وقد درس بالمسجد الأموي وزامل في هذا التدريس الشيخ محمد الخضر حسين (1876 ـ 1958) في مرحلته الدمشقية، والشيخين جمال الدين القاسمي ١٨٦٦- ١٩١٤ وبدر الدين الحسني ١٨٥٠- ١٩٣٥، حيث اشتغل بالتدريس، وشارك مع الأستاذ محمد كرد على في تأسيس المجمع العلمي الذي كان من غاياته تعريب الإدارات الحكومية، والتقى علماء دمشق وأدباءها الذين ظل يذكرهم بالإجلال بعد ثلاثين سنة من عودته إلى الجزائر.
وصفه لحياته العلمية في دمشق
: “ولقد أقمت بين أولئك الصحب الكرام أربع سنين إلا قليلاً، فأشهد صادقاً أنها هي الواحة الخضراء في حياتي المجدبة، وأنها هي الجزء العامر في عمري الغامر، ولا أكذب الله، فأنا قرير العين بأعمالي العلمية بهذا الوطن (الجزائر) ولكن… مَن لي فيه بصدر رحب، وصحب كأولئك الصحب؛ ويا رعى الله عهد دمشق الفيحاء، وجادَتْها الهوامعُ وسقت، وأفرغت فيها ما وسقت، فكم كانت لنا فيها من مجالس نتناقل فيها الأدب، ونتجاذب أطراف الأحاديث العلمية…”.
عودته للجزائر
في 1920 غادر الإبراهيمي دمشق عائدا إلى الجزائر، وبدأ بدعوته إلى الإصلاح ونشر التعليم الديني في مدينة سطيف، حيث بدأ بإقامة مسجد حر غير تابع للإدارة الحكوميةوفي عام 1924 زاره ابن باديس، وعرض عليه فكرة إقامة جمعية العلماء، وبعد تأسيس الجمعية اُختِير الإبراهيمي نائباً لرئيسها، وانتدب من قِبل الجمعية لمهمة قيل إنها صعبة آنذاك، وهي نشر الإصلاح في غرب الجزائر، وفي مدينة وهران، وذلك أنها كانت تعتبر معقلاً حصيناً للصوفية الطرقيين، فبادر إلى ذلك، وبدأ ببناء المدارس الحرة، وكان يحاضر في كل مكان يصل إليه، تساعده خطابته وبراعته الأدبية، وقد امتد نشاطه إلى تلمسان التي يعتبرها الكثيرون واحة الثقافة العربية في غرب الجزائر. وتصدى بالطبع لمن حاربوه من الفئات المعادية من السياسيين والصوفيين الذين قدموا العرائض للوالي الفرنسي يلتمسون فيها إبعاد الشيخ الإبراهيمي، ولكن الشيخ استمر في نشاطه، حتى برزت المدارس العربية في وهران.
الاهتداء بتجربة ابن باديس في الدعوة
كان ابن باديس قد بدأ دعوته المباركة مبكراً وساعده عليها نفوذ والده ومكانته كما ساعده نجاحه المبكر في بدء نشاطه من خلال المسجد الجامع في قسطنطينية، ومعاونة أهل الخير له، وقد كرر البشير الابراهيمي تجربة ابن باديس في وهران .
تعاون الشيخين
شهد عقد العشرينات (1920 ــ 1930) ذرة التعاون والتنسيق بين هذين الرجلين الأستاذ عبد الحميد بن باديس، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وهو ما أدى بطريقة تلقائية إلى ظهور الكيان العظيم المعروف باسم جمعية العلماء المسلمين التي بدت وكأنها امتداد طبيعي للطرق الصوفية المنتشرة في الجزائر وغيرها والتي كان الاستعمار في العادة يرحب بانتشارها ولا يمانع في نشاطها.. لكن العنصر الجوهري الحاسم الذي لفت النظر إلى جوهر الفكر المتقدم الذي تحمله جمعية العلماء كان هو احتفالها الإسلامي في نفس عام إنشائها بمرور مائة عام على الاستعمار الفرنسي للجزائر على طريقة مناقضة لما كانت فرنسا قد خططته.. فقد احتفلت جمعية العلماء بهذه الذكرى بأنسب وأسهل احتفال وهو المقاطعة التامة لمظاهر الاحتفال حتى بدا الاحتفال الفرنسي وكأنه صراخ في البرية!
البرنامج المعلن لجمعية علماء المسلمين في الجزائر
1. تنظيم حملة جارفة على البِدع والخرافات والضلال في الدين بوساطة الخطب والمحاضرات ودروس الوعظ والإرشاد في المساجد والأندية والأماكن العامة والخاصة، حتى في الاواق والمقالات في الجرائد الخاصة التي تخدم الفكرة الإصلاحية.
2. الشروع العاجل في التعليم العربي للصغار فيما تصل إليه الأيدي من الأماكن، ربحا للوقت قبل بناء المدارس.
3. تجنيد المئات من التلاميذ المتخرجين في الحقبة الماضية للجهاد، مع دعوة الشبان المتخرجين من جامع الزيتونة للعمل في تعليم أبناء الشعب.
4. العمل على تعميم التعليم العربي للشبان على النمط الذي بدأ به ابن باديس.
5. مطالبة الحكومة برفع يدها عن مساجد المسلمين ومعاهدهم التي استولت عليها، لتكون أماكن للدراسة والوجيه.
6. مطالبة الحكومة بتسليم أوقاف الإسلام التي احتجبتها ووزّعتها كما تشاء، لتصرف في أبوابها الإسلامية وهي من الكثرة بحيث تساوي ميزانية كاملة لدولة متوسطة.
7. مطالبة الحكومة باستقلال القضاء الإسلامي في الأحوال الشخصية مبدئيا، وبعدم تدخّلها في تعيين الموظفين الدينيين.
من هو ثالث العلمين الجليلين
من المهم في هذا المقام أن نشير إلى أن المكانة الثالثة في جمعية العلماء تتراوح بين الشيخ الفضيل الورتلاني ١٩٠٠- ١٩٥٧ الذي لمع اسمه في المشرق العربي، والشيخ الطيب العقبي ١٨٨٩- ١٩٦٠ الذي تولى الإشراف على مقاطعة الجزائر في الوقت الذي كان فيه ابن باديس في قسطنطينية، والبشير الإبراهيمي في وهران.
حجم إنجاز جمعية علماء المسلمين
نجح الشيخ محمد البشير الابراهيمي في أن ينتقل بهمة ونشاط بين ربوع الجزائر الشاسعة مثل زميله الحميد بن باديس، ونجحوا في أن يبنوا 400 مدرسة إسلامية و200 مسجد للصلوات والمحاضرات، وفيما بعد فإن البشير الابراهيمي نفسه كان هو من أنشا المعهد الثانوي الكبير في قسطنطينية وأسماه معهد ابن باديس وكان تلاميذ الفرقة الأولى أكثر من ألف.
نفيه إلى الصحراء
كانت النتيجة الطبيعية هي اعتقال العلامة البشير الابراهيمي نفسه ونفيه في الصحراء وذلك أنه في عام 1939 كتب مقالاً في جريدة “الإصلاح”، استدعى أن تنفيه فرنسا بروحها الامبريالية إلى بلدة آفلو الصحراوية.
رئاسة الجمعية
فلما توفي ابن باديس فجأة اجتمعت الجمعية واختارت الشيخ محمد البشير الابراهيمي رئيسا لها بينما هو في منفاه. ولم يُفرج عنه إلا عام 1943، ثم اعتقل مرة ثانية عام 1945، وأفرج عنه بعد سنة.
عودة البصائر للصدور
وفي عام 1947 عادت مجلة البصائر للصدور، وكانت مقالات الإبراهيمي فيها على قدر من البلاغة ومن الصراحة والنقد القاسي لفرنسا ومن يسميهم عملاء فرنسا.
متابعته للدعوة في فرنسا
تابع الإبراهيمي مراكز الجمعية وفروعها بفرنسا، وكانت أول مراكز إسلامية في أوروبا، والتي تعطلت بسبب الحرب العالمية، فأوفدت الجمعية سنة 1947 مراقبها العام الشيخ سعيد صالحي إلى فرنسا “ليدرس الأحوال ويمهد الأمور”، وسرعان ما عاد النشاط وتوسع، ولم يقتصر على العمال الجزائريين، بل شمل حتى طلبة الكليات بفرنسا من أبناء الجزائر.
قضية فلسطين
اهتمت “البصائر” بالدفاع عن قضية فلسطين؛ فكتب عنها الإبراهيمي عديد المقالات.
عضويته في مجمع اللغة العربية بالقاهرة
وقد اختير الأستاذ البشير لعضوية المجمع سنة 1961، ضمن الأحد عشر عضوًا الذين عينوا من الأقطار العربية عند تعديل قانون المجمع. وقد شغل بهذا الكرسي الثامن عشر من كراسي المجمعيين العرب ومن الجدير بالذكر أن من خلفه في هذا الكرسي كان هو احمد توفيق المدني ١٨٩٩- ١٩٨٣ عضو جمعية العلماء المسلمين ثم آل هذا الكرسي في ١٩٨٦ الى ابنه الدكتور أحمد طالب الابراهيمي منذ ١٩٨٦ وقد كان هو من ناب عن زملائه الأحد عشر في الكلمة التي ألقاها في جلسة افتتاح مؤتمر الدورة الثامنة والعشرين، فبعد أن استقبلهم الدكتور إبراهيم مدكور قال البشير الإبراهيمي من خطبة بليغة متحدثًا عن اللغة العربية: “هي الرحم الواصلة بيننا، وهى اللُّحمة الجامعة لخصائصنا وآدابنا.. وإن ما كنتم فيه مذ اليوم، من هذا الاستقبال المتهلل، واللقاء المرحب المؤهل بإخوانكم أعضاء المجمع الجدد، هو فن جميل من البر بالعربية في أبنائها، يرضي الله الذي اصطفاها ترجمانًا لوحيه؛ ويرضي محمدًا الذي أدى بها أمانة الله، وبلّغ بها رسالته إلى خلقه؛ ويرضي يَعْرُبَ ونِزارًا اللذين سكبا بها التغاريد العذبة الجميلة في آذان الأجيال، وتركاها كلمة باقية في الأعقاب؛ ويُرضي أسلافكم الذين ساسوا بها العقول، وصقلوا بها الأذهان والقرائح؛ وراضوا على بيانها الألسنة، ودوَّنوا بها العلم والحكمة، وخطّوا بها التاريخ، وشادوا بها الحضارة الشماء التي لا تطاول.”
آثاره
– أسرار الضمائر في العربية
– الاطراد والشذوذ في العربية: وهي رسالة في الفرق بين لفظ المطرد والكثير عند ابن مالك.
– التسمية بالمصدر.
– الصفات التي جاءت على وزن فعَل
– الملحمية الرجزية في التاريخ.
– النقايات والنفايات وهو أثر لغوي يجمع كل ما جاء على وزن فعاله من مأثور الشيء أو مرذوله.
– بقايا فصيح العربية في اللهجة العامية بالجزائر
– حكمة مشروعية الزكاة في الإسلام
– رسالة في الفرق بين لفظ المطرد والكثير عند ابن مالك.
– رسالة في ترجيح أن الأصل في بناء الكلمات العربية ثلاثة أحرف لا اثنان
– رسالة في مخارج الحروف وصفاتها بين العربية الفصيحة والعامية
– شعب الإيمان: جمع فيه الأخلاق والفضائل الإسلامية.
– عيون البصائر: وهي مجموعة من مقالاته التي كتبها في السلسلة الثانية من مجلة البصائر.
– فتاوى متناثرة.
– ما أخلّت به كتب الأمثال من الأمثال السائرة.
– مخارج الحروف.
– نظام العربية في موازين كلماتها
ملحمته
– نظمها أيام أن كان مبعدًا في الصحراء الوهرانية تبلغ 36 ألف بيت من الرجز، وقد تضمنت فنونًا من المواضيع كتاريخ الإسلام، والمذاهب الاجتماعية والسياسية، والفكرية الجديدة، والبدع في الدين، والاستعمار، ومكايده ودسائسه.
عمله الروائي
– كاهنة أوراس. رواية (قصة)
مذكراته
نشر للشيخ ما يشبه مذكرات شخصية في الجزء الحادي والعشرين من مجلة مجمع اللغة العربية.
نماذج من شعره
سكتُّ فقالوا: هدنة من مسالم وقلتُ، فقالوا ثورة من محاربِ
وبين اختلاف النطق والسكت للنهى مجال ظنون واشتباه مساربِ
وما أنا إلاّ البحر يلقاك ساكنًا ويلقاك جيّاشًا مهول الغواربِ
وما في سكون البحر منجاة راسبٍ ولا في ارتجاج البحر عصمة ساربِ
ولي قلمٌ آليتُ أن لا أمدّه بفتل مُوار، أو بختل موارب
جرى سابقا في الحقِّ ظمآنَ عائفاً لأموَاه دنياه الشرارالزَّغارب
يسدِّدُهُ عقلٌ رسا فوق رَبْوة من العمر،روَّاها مَعينُ التجارب
إذا ما اليراعُ الحرُّ صرَّ صريرُه نجا الباطل الهارِي بمهجة هارب
ومن سيئات الدهر أحلافُ فتنة وجودهمُ إحدى الرزايا الكوارب
ومن قَلمي انهلَّت سحائبُ نقمة عليهم بوَدْقٍ من سمام العقارب
فيا نفس لا يقعدْ بك العجز، وانهضي بنصرة إخوان وغوْثِ أقارب
حرامٌ قعودُ الحُرّ عن ذَوْد مُعْتد رمى كلَّ ذَوْد في البلاد بخارب
وبَسْلٌ سكوتُ الحر عن عسف ظالم رمى كلَّ جنب للعباد بضارب
يُسَمِّنُ ذئبَ السُّوء قومي سفاهةً بما جبّ منهم من سَنامٍ وغارب
وما كان جندُ الله أضعف ناصراً ولا سيفُه الماضي كليلَ المضارب
ومن جنده ما حطّ أسوارَ مارد وما صنع الفارُ المَهين بمارِب
ومن جُنده الأخلاقُ تسمو بأمَّة إلى أفْق سَعد للسِّماك مقارب
وتنحطُّ في قوم فيهوُون مثلَ ما ترى العين مهوى للنجوم الغوارب
ينال العُلا شعبٌ يقاد إلى العلى بنشوانَ من نهر المجرّة شارب
رعى الله من عُرب المشارق إخوةً تنادوا فدوّى صوتهم في المغارب
توافوا على داعٍ من الحقّ مُسْمعٍ و وَفّوا بنذر في ذِمام الأعارب
هُموا رأسُ مالي، لا نضارٌ وفضّة وهمْ ربحُ أعمالي ونُجْحُ مآربي
وهمْ موردي الأصفى المُروِّي لغُلّتي إذا كدّرَتْ أمُّ الخيار مشاربي
ومن أقواله شعرا في اللغة العربية البيتان التاليان:
نغار عن أحسابنا أن تمتـهَـنْ والحر عن مجد الجدود مؤتمَـنْ
و لـغة العُرْب لسانُ ممتحَـنْ إن لم يَذُدْ أبــناؤه عنه، فمـنْ؟
الشيخ على الطنطاوي يتحدث عن قوة ذاكرته
ذكر الشيخ على الطنطاوي أنه ركب معه السيارة من دمشق متوجهين إلى القدس لحضور مؤتمر حول فلسطين، ويقول الطنطاوي أني ما ذكرت له بيتا إلا ذكر لي القصيدة وقائلها، حتى إنه بدأ يسمعه مقالات الشيخ طنطاوي نفسه التي كان يكتبها في مجلة الرسالة، وعندما تعجب الشيخ الطنطاوي من حفظه للنثر أيضا، أجابه أنه لم يحفظها متعمدا، وإنما هو يحفظ كل ما يقع تحت بصره
تأبين الدكتور إبراهيم مدكور
وقال الدكتور إبراهيم مدكور في تأبينه: “نجتمع اليوم لنؤبن شيخًا من شيوخ الإسلام، وعلمًا من أعلام النهضة الجزائرية، فقدنا فيه أديبًا بليغًا، ومربيًّا كبيرًا، ومصلحًا عظيمًا، ومجاهدًا مؤمنًا، قضى في وطنه ثلاثين عامًا أو يزيد في خدمة الدين واللغة، فأحيا معالم القومية، وأعدّ جيلاً من المكافحين والمناضلين، مَهَّدوا السبيل لاستعادة الاستقلال والحرية.”
وفاته
توفي وهو رهن الإقامة الجبرية في منزله، يوم الخميس 20 مايو 1965، وقد قام نجله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي بجمع وتقديم جميع آثاره في خمسة أجزاء تحت عنوان: “آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي.