كان الدكتور أنور عبد الملك (1924 ـ 2012) واحدا من العلماء الذين يصادفون الحظ مقترنا بعنوان كتاب واحد فقط من كتبهم حيث يرزقون في هذا العنوان التوفيق ثم القبول ثم الذيوع والشيوع حتي إن لم يكن من حظ الكتاب أن يعاد طبعه.
وإنما يكتفي المجتمع الثقافي بالعنوان الملهم، فيضفي على صاحب الكتاب ما يستحقه من تكريم وتقدير ، وهذا هو جوهر ما حدث للدكتور أنور عبد الملك الذي وصف المجتمع المصري في عهد ثورة يوليو ١٩٥٢؛ بهذا العنوان الدال والمؤثر والحاسم .
ومع هذا فمن الواجب أن نقول أن الدكتور أنور عبد الملك ؛ كان من أبرز علماء الإجتماع المصريين الذين امتدوا بفهمهم لعلم الاجتماع إلي الآفاق السياسية والإستراتيجية.
وعبروا عن فهم عميق لطبيعة النظم السياسية والاجتماعية، والمجتمع العربي والشرقي، وعلى سبيل القطع فقد كان من أوائل من انتبهوا إلي مستقبل تركيا الواعد .
وعلى الرغم من أنه قضي معظم حياته في خارج مصر، فإنه ظل على صلة وثيقة بالقارئ العربي من خلال الصحافة ومقالاته في «الأهرام» على وجه الخصوص، كما كان حريصا على قضاء إجازاته الطويلة في مصر.
تكوينه العلمي المتأخر والناضج
ولد الدكتور أنور عبد الملك ، في ٢٣ اكتوبر تشرين أول عام 1924، وتلقي تعليما مدنيا تقليديا ، لكنه لم ينل الليسانس إلا عام 1954 من جامعة عين شمس، التي جمعت عند نشأتها (1950) أشتاتا من الطلاب الذين كانوا قد انقطعوا عن مواصلة دراستهم لأسباب مختلفة منهم ما هو سياسي بالطبع .
انتمي الدكتور أنور عبد الملك لليسار المصري، وكان واحدا من كتاب جريدة «المساء» التي خصصها النظام الناصري لليسار، و سرعان واجه محنة فقدان الحرية وهرب بطريقة ما إلي فرنسا، وفيها بدأ حياته العلمية (1960) في المركز القومي للبحث العلمي في باريس، وبعد عشر سنوات (1970) أصبح مديرا للبحوث الاجتماعية والاستراتيجية.
وأستاذا لعلم الاجتماع والسياسة في جامعة كيوتو باليابان، وتوثقت علاقاته الأكاديمية بالمجتمع الدولي في مجال تخصصه حتي أصبح نائبا لرئيس الإتحاد الدولي لعلم الاجتماع، وعضوا في الأكاديمية الأوروبية للعلوم والآداب.
كتابه «مصر مجتمع يحكمه العسكريون»
وكما قلنا فإن أشهر مؤلفات الدكتور أنور عبد الملك عند القارئ العربي هو كتابه «مصر مجتمع يحكمه العسكريون»، لما فيه من انتقاد حاد لغياب الديمقراطية بعد ثورة 1952، وقد نشرت منه طبعة بالعربية ، بعد أن كتبه باللغة الفرنسية ضمن متطلبات أطروحاته العلمية.
أشهر مؤلفات الدكتور أنور عبد الملك عند القارئ العربي هو كتابه «مصر مجتمع يحكمه العسكريون»، لما فيه من انتقاد حاد لغياب الديمقراطية بعد ثورة 1952
ومن الإنصاف أن نقول إن الدكتور أنور عبد الملك المنفتح على الشرق والغرب معا طور أفكاره من انتقاد غياب الديمقراطية إلي الحديث عن التجارب التنموية في العالم الشرقي (غير السوفيتي)، وهكذا فإن عناوين كثير من مقالاته توحي بمسارات غير معهودة في جيله من قبيل الاتجاه شرقا، مشيرا إلي التجارب الاقتصادية والاجتماعية الناجحة في اليابان والصين والهند.
كان الدكتور أنور عبد الملك يري في هذا الشرق الجديد أي اليابان والصين والهند مركز القوة الصاعد في المجتمع الدولي، وهكذا فإنه أسس لفرع جديد من الاهتمامات الدراسية في المحيط العربي، حتى وإن لم يكن هذا الفرع قد حظي بالاهتمام المتوقع في الظروف الحاضرة.
طور عبد الملك أفكاره من انتقاد غياب الديمقراطية إلي الحديث عن التجارب التنموية في العالم الشرقي (غير السوفيتي)، وهكذا فإن عناوين كثير من مقالاته توحي بمسارات غير معهودة في جيله من قبيل الاتجاه شرقا
وترتبط برؤية أنور عبد الملك لهذا المجال رؤيته حول تفكك العالم الشيوعي وإنهيار الاتحاد السوفيتي، وهي رؤية تضع الصين موضع البديل الأكثر قدرة علي النجاح.
وقد حاول أنور عبد الملك بطريقته، ومن خلال منهج اجتماعي استشراقي، أن يستكشف أسرار النجاح في التجربة الصينية التي بدأت من الجوع والفقر إلى أن وصلت إلي أن تكون ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وحاول عبد الملك أن يستلهم رؤيته للصين في دراسة نجاح التجربة التركية الحديثة التي وصلت بها إلي أن تكون ثاني أقوي قوة عسكرية في حلف شمال الأطلنطي، وكان يرجع النجاح التركي إلي الرؤية الواضحة والديمقراطية الحقيقية، وهو ما يتمناه لمصر التي كان يراها غارقة في عشوائية التفكير.
رؤيته المبكرة لطبيعة الاستشراق
أما المجال الذي ارتاده أنور عبد الملك بنجاح ، فهو رؤيته المبكرة لطبيعة الاستشراق، وقد سبق في كثير من أفكاره رؤية إدوار سعيد المشابهة للدور الاستراتيجي والاستعماري للاستشراق العربي، بيد أن المصريين لا يحبون المصريين ، كما انه كان مقيدا في علاقاته الفكرية بماضيه .
دوره في تعريب أدبيات الماركسية
ولا يقل عن هذين الدورين دور أنور عبد الملك في العمل على تعريب أدبيات الماركسية، إذ كان يري أن تعريب هذه الأدبيات ضرورة أساسية للماركسية كفكر سياسي، كما أنها ضرورة أساسية لعلم الاجتماع العربي علي حد سواء.
أبرز مؤلفاته
«تغيير العالم» (1985)، وقد نشره قبل أن يسقط الاتحاد السوفيتي ويذوب في عالم الرأسمالية، و«الفكر العربي في معركة النهضة»، و«نهضة مصر»، و«ريح الشرق»، و«الشارع المصري والفكر»، و«الإبداع والمشروع الحضاري»، و«المواطنة هي الحل».
تكريمه
نال أنور عبد الملك كثيرا من التقدير في وطنه، وقد منح جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية (1996) ومن المدهش أن نذكر أنه نال الجائزة معه في ذلك العام نفسه الأساتذة لويس كامل مليكة و محمد طه بدوي و سيد يسين في ظاهرة لم تحدث لهذه الجائزة على الاطلاق .