أبدأ بالقول بأنه إذا جاز لنا أن نُصنّف الساسة السوريين البارزين من حيث كفاءاتهم المهنية فإننا نجد في أسماء الاقتصاديين 3 أسماء بارزة: الرئيس خالد العظم بالتفوق في اقتصاد الصناعة والاقتصاد الحديث، والرئيس حسن الحكيم في الإدارة المالية والحكومية والمالية العامة ولطفي الحفار بالتفوق في اقتصاد التجارة والعلاقات الخارجية. وإلى هؤلاء تُضاف بالطبع أسماء قادرة في مجال الفكر الاقتصادي والإداري من وزن معروف الدواليبي ومحسن البرازي وطبقتهم، وأثني بالقول بأن صاحب الفضل في إطلاق هذا اللقب على الرئيس حسن الحكيم (1886 ـ 1982) رئيس الوزراء السوري العظيم هو المفكر الأستاذ علي الطنطاوي، ومن الإنصاف أن نقول إن أداء هذا الرجل كان مثاليا حتى إن بعض الساسة إذا أراد أن يفخر بدور من يُحبّ من السياسيين نسبه إلى وزارة الرئيس حسن الحكيم حتى لو لم يكن وزيرا فيها، وقد قُدّر لهذا الرجل أن يقود السياسة السورية في مرحلتين حرجتين فتوصل بهدوء إلى أفضل النتائج على نحو ما سنرى، كما قُدّر له أيضا أن يتولى أعلى المناصب في الدولة العثمانية وسوريا والأردن والعراق بكفاءة منقطعة النظير. وقد قُدر له أن يعيش 96 عاما وهو الرقم الأعلى بين رؤساء الحكومات ورؤساء الدولة السوريين.
نشأته
ولد الرئيس حسن عبد الرزاق الحكيم عام 1886 في دمشق وتلقى تعليمه في دمشق وإسطنبول، وأصبح موظفا عُثمانيا، وكان قد وصل إلى وظيفة مدير الشعبة الثانية للمكتب العثماني للوازم العسكرية (أي الإمداد والتموين) في أثناء الحرب العالمية الأولى، من الجدير بالذكر أن هناك سياسا وقاضيا مسيحيا معاصرا للرئيس حسن الحكيم وقد وصل أيضا للوزارة وكان رئيسا لمحكمة التمييز وهو الأستاذ المؤرخ يوسف الحكيم (المولود 1879). لما أعلن قيام المملكة السورية (1918 ـ1960) عُين الرئيس حسن الحكيم مفتشا للمالية، فمُديرا للبرق والبريد وكان هو بحكم هذا المنصب بمثابة الموظف المسؤول عن إيصال برقية قبول حكومة المملكة للإنذار الفرنسي الذي ألغى وجود المملكة نفسها، وهكذا بلغ الطُغيان أن حوكم الرئيس الحكيم بهذا السبب لكنه نال البراءة، فآثر أن ينتقل بحياته إلى مصر.
توليه الوزارة في الأردن
لم يطل المقام بالرئيس حسن الحكيم في مصر فقد اختاره الملك عبد الله ملك الأردن ليكون وزيرا للمالية في أول حكومة أردنية وهي الحكومة التي تشكّلت برئاسة رشيد طليع في 11 أبريل 1921، وكان لقب الوزير في هذه الحكومة: “المشاور”، لكن البريطانيين كانوا بدهائهم حريصين على ألا تكون في الإمارة الجديدة (شرق الأردن) بؤرة من الكفاءات العربية التي قد تمهد لمشروع الشام أو سوريا الكبرى وهكذا اضطر الرئيس حسن الحكيم وأنداده للعودة إلى دمشق ليُواجه بعد قليل اتهاما فرنسيا نتيجة اتصاله بلجنة مستر كراين التي انتدبها الرئيس الأمريكي ويلسون من أجل كتابة تقرير عن أحوال سوريا وغيرها. وكانت النتيجة أن حكم عليه بالسجن 10 سنوات مع زميله الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، وقضيا من هذه الفترة بالفعل عاما ونصف في بيت الدين (لبنان) وجزيرة إرواد (قرب طرطوس) فلما شكّل الشهبندر (1925) ورفاقه حزب الشعب (الأول) أصبح الرئيس حسن الحكيم أمينا عاما لهذا الحزب، ولما أشترك الحزب في الثورة السورية الكبرى (1925 ـ 1927) كان من الطبيعي أن يُشارك فيها الرئيس حسن الحكيم وأن ينال بالتالي حُكما بالإعدام يمثل محنته الثالثة من أجل وطنه.
عمله في فلسطين
وقد تيسّر له الفرار من الإعدام إلى شرق الأردن ثم مصر وفلسطين وعمل في تلك الفترة مديرا للمصرف العربي في يافا (1931 ـ 1934) ثم تولى تأسيس المصرف الزراعي الصناعي في بغداد (1936) وذلك بتكليف من صديقه ياسين الهاشمي رئيس الوزراء العراقي، قُدّر له أن يعود إلى سوريا بعد توقيع معاهدة 1936 التي كانت أولى إرهاصات قبول فرنسا بالاستقلال السوري، وقد صحبها إعلان العفو العام عن كل المتهمين السياسيين، وعند عودته عُيّن مديرا عاما للأوقاف الإسلامية (1937 ـ 1938) ثم وزيرا للمعارف 1939 ثم مديرا للمصرف الزراعي.
رئاسته للوزارة السورية
وجاءت رئاسته للوزارة عندما استقال الرئيس خالد العظم الذي كان يجمع رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة معا في سبتمبر 1941 فتقرّر أن يخلفه في رئاسة الدولة الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني وأن يخلفه في رئاسة الوزراء الرئيس حسن الحكيم . وفي عهد هذه الوزارة أصدرت فرنسا إعلانها الثاني عن استقلال سوريا في 27 سبتمبر 1941 تنفيذا لما كان وعد به الجنرال كاترو في 8 يونيو 1941، وكانت هذه ثاني مراحل إعلان الاستقلال السوري بعد معاهدة 1936. ومن الجدير بالذكر أن الرئيس حسن الحكيم استقال للضغط على فرنسا للحصول على مزيد من حقوق الاستقلال وخلفه الرئيس حسني البرازي. وقد سارعت مصر وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بالاستقلال السوري الذي تضمّنه هذا الإعلان.
في عهد الانقلابات
وفيما بعد سنوات خاض الرئيس حسن الحكيم انتخابات الجمعية التأسيسية في عهد العميد حسني الزعيم في نوفمبر 1949 ففاز عن مدينة دمشق، وصار عضوا بالمجلس النيابي بعد أن تحوّلت هذه الجمعية إلى برلمان، وعُيّن وزيرا للدولة في 1951 وفي 9 أغسطس 1951 أصبح رئيسا للوزراء على رأس وزارة ائتلافية كانت هي الوزارة التي خلفتها وزارة الرئيس زكي الخطيب بالنيابة لمدة أسبوع ثم وزارة الرئيس معروف الدواليبي التي دفعت العقيد أديب الشيشكلي للقيام بانقلابه، كانت هذه الوزارة التي شكلها الرئيس حسن الحكيم ائتلافية لكن الأغلبية فيها كانت لحزب الشعب (وليست للحزب الوطني الذي ورث الكتلة، ولا للنجم الصاعد حزب البعث)، وقد احتفظ الرئيس حسن الحكيم بوزارة المالية مع رئاسة الوزارة.
وكانت هذه الوزارة في عهد الرئيس هاشم الأتاسي مع وجود العقيد الشيشكلي في الصورة قبل أن يقود انقلابه الثاني وقد سبقتها في عهد انقلاب العقيد الشيشكلي الأول أي منذ ديسمبر 1949 عدة وزارات رأسها على التعاقب الرؤساء ناظم القدسي ثم خالد العظم ثم ناظم القدسي ثم خالد العظم وتلتها وزارة معروف الدواليبي على نحو ما ذكرنا. وعلى الرغم من قصر عهد هذه الوزارة فقد تمكّن الرئيس حسن الحكيم بخبرته المالية الطويلة من ضبط موازنة الدولة بضغط النفقات بطريقة ذكية. لكن أبرز خلافاتها مع العقيد الشيشكلي تمثّلت في رفضها طلب الجيش أن يُشرف على شرطة الأرياف بدلا من الداخلية.
مؤلفاته وتكريمه
ترك الرئيس حسن الحكيم من المؤلفات: “مذكراتي”، “الوثائق التاريخية المُتعلقة بالقضية السورية” “من هنا وهناك” كما كتب كتابا عن صديقه عبد الرحمن الشهبندر. نال الرئيس حسن الحكيم كثيرا من التكريم المبكر كان منه الوسام المجيدي من الحكومة العثمانية وميدالية الحرب من الحكومة العثمانية.