الدكتور محمد محمد الفحام (1894 ـ 1980) عالم من كبار علماء النحو المعاصرين توجت حياته باختياره عميدا لكلية اللغة العربية وشيخا للازهر وعضوا في مجمع اللغة العربية ١٩٧٢-١٩٨٠، وهو التاسع والثلاثون من بين من شغلوا المشيخة (1969 ـ 1973) لكنه في الترتيب التاريخي لسلسلة مشايخ الأزهر يحتل الترتيب الخامس والأربعين، ذلك ان ستة من شيوخ الازهر تولوا المنصب مرتين وهم المشايخ المهدي العباسي والشمس الانبابي وحسونة النواوي وسليم البشري ومحمد مصطفى المراغي وعبد المجيد سليم . من الجدير بالذكر أن الدكتور الفحام عين شيخا للأزهر وهو في الخامسة والسبعين من عمره، كما أنه نال الدكتوراه من السربون وهو في الثانية والخمسين من عمره، ويقتضينا الأمر أيضا أن نشير إلى الخلط الذي بدأ يشيع بين الشيخ محمد محمد الفحام شيخ الأزهر، وبين الشيخ محمد عبد اللطيف الفحام (المتوفي ١٩٤٣) وكيل الأزهر في عهد الشيخين الظواهري والمراغي، ومع أن الدكتور محمد محمد الفحام وصل إلى أعلي المناصب في الأزهر، وعضوية مجمع اللغة العربية، فإن قيمة الشيخ محمد عبد اللطيف الفحام لاتزال سامقة، إذ كان ملء السمع والبصر في عهده.
نشأته ووظائفه
ولد الدكتور محمد الفحام في الإسكندرية (1894)، وتنتمي عائلته الى قرية بني مر في أسيوط وهي موطن عائلة الرئيس جمال عبد الناصر، ولقب عائلته هو الدك، وتلقي تعليماً دينياً تقليدياً في الكتاب ثم في الأزهر، فحفظ القرآن الكريم، والتحق بالمعهد الديني بالإسكندرية في عصره الذهبي فنال الشهادتين الابتدائية والثانوية، ثم نال شهادة العالمية النظامية الأزهرية (1922) أي في الثامنة والعشرين من عمره، وسرعان ما عمل في وظائف التدريس في الأزهر، حيث عين مدرساً للعلوم الرياضية بمعهد الإسكندرية بجانب قيامه بتدريس العلوم الدينية، فكأنه نال ما يعرف في النظام الجامعي بمنصب المعيد، وقد قضي في معهد الإسكندرية مدة طويلة لمع فيها اسمه، وعرف بالفضل والتفوق.
مع نشأة الكليات الأزهرية نقل الدكتور محمد الفحام إلى كلية الشريعة مدرساً للمنطق والبلاغة (1935). وفي السنة التالية ابتعث الشيخ الفحام إلى فرنسا (1936) للحصول على درجة الدكتوراه في بداية سلسلة البعثات التي شهدها العهد الثاني للشيخ المراغي في مشيخة الأزهر، وقد عاني الدكتور الفحام معاناة شديدة بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، لكنه واصل الدراسة باجتهاد شديد ومعايشة للبيئة الفرنسية حتى حصل على الدكتوراه (1946)، وكان موضوع رسالته «معجم عربي فرنسي لاصطلاحات النحويين والصرفيين العرب»، وقد عين بعد عودته مدرسا للأدب المقارن بكلية اللغة العربية، كما انتدب لتدريس النحو بكلية الآداب في جامعة الإسكندرية، وظل يرقي في مناصب هيئة التدريس إلى أن أصبح عميدا لكلية اللغة العربية خلفا للشيخ عبد الجليل عيسى، وحتي أحيل إلى المعاش.
اختياره شيخا للأزهر
عين الشيخ الفحام شيخا للأزهر (1969) على غير توقع، وقد قيل إن عم الرئيس عبد الناصر هو الذي رشحه للرئيس، وكان على معرفة به بحكم النشأة والإقليم، ومعيشتهما في الإسكندرية وقد تولي المنصب بعد أن أقيل الشيخ حسن مأمون بما يشبه الإيحاء، وكان عهده عهداً هادئاً في ظل ظروف سياسية لم تكن تسمح بأكثر من الهدوء، وفي 1973 استعفي من المشيخة بناء على طلبه دون أن يعلن عن ذلك في حينه، وخلفه الدكتور عبد الحليم محمود في مارس 1973، وكان الفحام آخر شيخ للأزهر يترك المنصب في حياته فقد توفي كل خلفائه وهم يشغلون المنصب، وإن كان هو حين استقال قد انضم إلى سلفيه الشيخين عبد الرحمن تاج ١٨٩٦- ١٩٧٥ وحسن مأمون ١٨٩٤- ١٩٧٣ اللذين كانا لا يزالان على قيد الحياة، وهكذا قدر للدكتور عبد الحليم محمود أن يكون شيخا للأزهر في حياة ثلاثة من أسلافه، ومن الطريف أن العمر امتد بالشيخ محمد الفحام إلى ما بعد وفاة الدكتور عبد الحليم محمود بينما توفي كل من الشيخين السابقين عليه في المشيخة في سن التاسعة والسبعين .
عضوية مجمع اللغة العربية
انتخب الدكتور محمد الفحام لعضوية مجمع اللغة العربية (1972) وهو يشغل منصب شيخ الأزهر، وتصادف انتخابه في الكرسي الذي خلا بوفاة الأستاذ محمد توفيق دياب، وقد شارك في أعمال مجلس المجمع ومؤتمره ولجانه وبخاصة لجنة المعجم الكبير، ولجنة الأدب.
رحلاته الخارجية
ظل الدكتور محمد الفحام طيلة حياته صاحب نشاط علمي واثق وهادئ، فقد شارك بحكم عمله في الأزهر وبحكم منصبه ومسئوليته كعميد لكلية اللغة العربية ثم كشيخ للأزهر، في مؤتمرات عدة في لبنان، ونيجيريا، وباكستان، وموريتانيا، وإندونيسيا، وأسبانيا، والسودان، والجزائر، والسعودية، وكانت له في كثير من هذه المؤتمرات بحوث وكلمات تشهد بعلمه الغزير، زار الدكتور محمد الفحام السعودية خمس مرات، مرتين للعمرة وثلاثا للحج، وزار لبنان حيث كان هو من مثل الأزهر في المؤتمر الثقافي العربي في سنة ١٩٤٧،وقام الدكتور محمد الفحام بزيارة باكستان ثلاث مرات اتصل فيها بكثير من علمائها، وزار كثيرا من مدارسها ومعاهدها ومكتباتها. وزار الدكتور محمد الفحام موريتانيا، وأسهم في إنشاء مكتبة إسلامية كبيرة بها وشارك في مناقشات إسلامية، منحوه بعدها وثيقة مواطن موريتاني. سافر الدكتور محمد الفحام إلى إندونيسيا ثلاث مرات ممثلا للأزهر، وسافر الدكتور محمد الفحام أيضا إلى أسبانيا والسودان والجزائر وإيران وليبيا
وصف الدكتور خفاجي لرحلته النيجيرية
ابعث الدكتور محمد الفحام إلى نيجيريا موفدا من الأزهر لدراسة أحوال المسلمين بها، واقتراح حلول لمشكلاتهم، وقضي هنالك خمسة أشهر، ولم يثنه عن السفر ما زعمه له بعض المبشرين المسيحيين الذين زاروا نيجيريا من قبل أنها مقبرة الرجل الأبيض، بل خرج من داره يتلو قول الله تعالي: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إلى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ على اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)». وكانت رحلته ذات آثار طيبة، إذ اختار بعض أبناء نيجيريا للدراسة في الأزهر، وتخير طائفة من علماء الأزهر ليدرسوا هنالك، ولم تلبث نيجيريا أن حفلت بعدة مدارس وبكثير من المعلمين العرب والقضاة العرب.اعلان
تحقيقه الشهير لمعنى اسم سيبويه
نقل الدكتور محمد الفحام ما ذكره القدماء وما ذكره المستشرق كرنكو، ولم يعتمد على ما ذكره المستشرق، وذكر أنه سأل علماء اللغة الفارسية، وانتهي إلى ترجيح أن كلمة سيبويه معناها تفاحة صغيرة لا رائحة التفاح، كما هو ذائع شائع. وهو الذي ذكر أن هناك مجموعة من العلماء اسم كل منهم سيبويه هم سيبويه الأصفهاني، وسيبويه المغربي، وسيبويه المصري. أما شيخهم سيبويه البصري فهو إمام علماء البصرة، وشيخ النحاة، وأول من لقب بهذا اللقب، وقد تحدث الدكتور محمد الفحام في كتابه بالتفصيل عن مولد سيبويه ومكانه وتلاميذه والمناظرة التي كانت بينه وبين الكسائي.
مؤلفاته وبحوثه
· «سيبويه» وهو كتابه الأشهر ومن طريف ما أردده أنه إذا كان سيبويه عرف بكتاب واحد هو الكتاب فإن شيخ الأزهر النحوي عرف هو الآخر بكتاب واحد هو سيبويه.
· «رسالة الموجهات» (في المنطق) يروى انه الفها وهو طالب بالسنة الثانية الثانوية، جمع فيها بين العلم وسهولة عرضه، فأعجب زملاؤه بما كتب، حتى إن طلاب شهادة العالمية كانوا يعتمدون عليه.
«المسلمون واسترداد بيت المقدس»
· مذكرات في الأدب المقارن لطلبة كلية اللغة العربية بالأزهر
مذكرات في النحو لطلبة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية.
· بحث عن الشيخ خالد الأزهري: في مجلة مجمع اللغة العربية
شهادات في حقه
الدكتور أحمد الحوفي
قال عنه في يوم تأبينه: «نحن اليوم نرثي رجلا عظيم القدر، أبي النفيس، خفيض الصوت، كثير الصمت، سريع العفو، قريب الرضا».
الدكتور أحمد عمار
وقال عنه الدكتور أحمد عمار يوم استقباله عضو بالمجتمع: «إن مجال القول فيه لفسيح ذو سعة، لكن المقام عنه يضيق، وبحسبي أن أوجز القول فيه بكلمات، وأجزي منه بإشارات، تغني عن عبارات، وخير الكلام ما أغني قليله عن كثيره».
تصوير الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي لشخصيته
كتب الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي معبرا عن اعتزاز الأزهريين بالشيخ: “سافر الدكتور محمد الفحام إلى فرنسا، ونال منها أرفع درجاتها العلمية، وعاش فيها عشر سنوات، كان من المظنون أن تغير من عاداته ومن صلاته ومن مظهره، وزيه، ولكنه عاد إلى مصر حريصا على أخلاقه الإسلامية الرفيعة، وكلفا بعاداته الطيبة التي ورثها من مصر المسلمة العريقة، ومشوقا إلى زيه العربي الذي يميز علماء الأزهر، فلم نره إلا معمما وفي جبة وقفطان، وقد يستعيض عن الجبة المعطف السابغ الذي يسمي كاكولة. ولم يكن يتعالم بمعرفته الفرنسية وبإجادته لها، فيتكلف الرطانة بها حيث لا مسوغ لرطانة، ويتصيد المفردات منها ليحشرها في حديثه حشرا حيث تسعفه الألفاظ العربية. وليس من عيب على العالم باللغات أن يستشهد بها، وأن يستعين إذا ما مست حاجته أو دعت مناسبة أو كانت ثمة مقارنة واستشهاد”.
تكريمه
نال الدكتور محمد الفحام كثيراً من التقدير والتكريم، ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الأولي (1973) عند انتهاء فترة مشيخته للأزهر، كما منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر.
وفاته
توفي الدكتور محمد الفحام في ٣١ أغسطس ١٩٨٠ وبوفاته لم يعد هناك شيخ سابق للأزهر على قيد الحياة.
تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر
لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا