تتمثل في الشيخ عبد الرحمن حسن ١٨٨٣- ١٩٦٦ عدة معان تدل على رحابة الفكر الأزهري الذي هو في البداية والنهاية فكر إسلامي حقيقي مستنير و موسوعي يؤمن بالقيمة، ويُعنى بالعلم ، ويحتكم إلى الموضوعية.
فقد كان هذا الشيخ الجليل خريج أول دفعة في مدرسة القضاء الشرعي؛ وهي الدفعة التي قبلت عند تأسيس المدرسة في 1907 وتخرجت في 1911.
ومن هذه الدفعة صديقه وزميله الأستاذ أحمد أمين عميد كلية الآداب (1886 ـ 1954)، ومن المرويات المتواترة أن اللجنة التي عقدت امتحان القبول في مدرسة القضاء الشرعي امتحنت المتقدمين في 17 علما من العلوم، وأن المتقدمين كانوا خمسة وثلاثين، فاز منهم أربعة كان عبد الرحمن حسن أحدهم، وضمت إليهم اللجنة عشرة ممن شارفوا النجاح وهكذا تكونت أول دفعة من 15 طالبا.
كان من المفهوم أن العصبيات الجامعية تجعل الأزهريين لا يقبلون بالاعتراف بخريجي القضاء الشرعي على أية صورة من الصور.
لكن الأمر لم يتعد الفترة الأولى من نشأة المدرسة حين وصلت بعض الهجمات الحماسية إلى اتهام سعد زغلول باشا وأستاذه الشيخ محمد عبده الذي كان قد توفي قبل سنتين بالكفر (ولا نزال نرى أصداء هذه الهجمات التي تنسب نفسها للسلفية و يتبرأ منها سلفيون على حين يعضدها من يرون أنفسهم وحدهم على الصواب).
لكن الأمر سرعان ما سار في تياره الطبيعي و تعامل الأزهريون مع خريجي القضاء الشرعي بموضوعية شديدة تعلى من قيمة العلم وحده، حتى إنهم بدأوا يدعون أساتذة مدرسة القضاء الشرعي فيُشركونهم كأساتذة ممتحنين في شهادة العالمية الأزهرية وهو الدور الذي قام به الشيخ عبد الرحمن حسن مبكرا منذ (1928) ثم تطور و تكرر للقيام بدور مثله في قسم التخصص في الأزهر الشريف .
بل إن الشيخ عبد الرحمن حسن بفضل علمه وموضوعيته الأزهريين أصبح عضواً في اللجنة التي وضعت القانون الخاص بدراسة التخصص، وعضواً أيضا في اللجنة التي وضعت مناهج كليتي أصول الدين والشريعة.
وأكثر من هذا فإنه حين دعي الأزهر للاشتراك مع جامعة القاهرة في المؤتمر الدولي للقانون المقارن، الذي عقد في لاهاي بهولندا. فقد وقع اختيار الأزهر على الشيخ عبد الرحمن حسن؛ ليكون رئيسا للوفد الذي ضم معه الشيخ محمود شلتوت كما ضم الدكتور عبد المنعم رياض بك الأستاذ بكلية الحقوق والدكتور حسن أحمد بغدادي المدرس بكلية الحقوق ووزير التجارة في الخمسينيات .
وقد ألقى الشيخ والدكتور عبد الرحمن حسن بحثا فذا في هذا المؤتمر أثبت فيه استقلال الشريعة الإسلامية، وذلك في مواجهة ما كان يقول به المستشرقون ومنهم المستشرق التونسي سانتلانا الذي كان يروج بشدة للقول بتأثر الشريعة الإسلامية بالقانون الروماني. ومن حسن الحظ أن وصل اقتناع المؤتمرين بفكرة الشيخ عبد الرحمن حسن إلى أن ضمنوا قرارات المؤتمر ما يؤكد على استقلال الشريعة الإسلامية وصلاحيتها للتطور مع الزمان والمكان.
وعلى نحو ما صادف الشيخ عبد الرحمن حسن التقدير الموضوعي من الأزهريين فإنه صادف أيضا التقدير الدولي الذي جعل هيئة المؤتمر تدعوه إلى الجلوس على منصة الشرف الرئيسية في المؤتمر.
ولد الشيخ عبد الرحمن حسن عام 1883 في مدينة أخميم بمديرية سوهاج. وتلقى التعليم الديني التقليدي في الكتاب ثم في الأزهر ثم في مدرسة القضاء الشرعي .
بدأ الشيخ عبد الرحمن حسن وظائفه مدرسا في مدرسة القضاء الشرعي عقب تخرجه فيها 1911 ثم انتقل ليؤدي وظيفة القاضي الشرعي في عدد من المحاكم وتدرج على النحو المعمول به في القضاء الشرعي.
تم اختياره وكيلا للأزهر في 1946، إذ مع تعيين الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخا للأزهر واستقالة العلماء الثلاثة الكبار في الأزهر احتجاجا على تعيينه في هذا المنصب مع عدم عضويته في جماعة كبار العلماء خلا منصب المفتي باستقالة الشيخ عبد المجيد سليم فشغله الشيخ حسنين مخلوف المتخرج في مدرسة القضاء الشرعي 1913 وخلا منصب وكيل الأزهر باستقالة الشيخ مأمون الشناوي فاختير الشيخ عبد الرحمن حسن ليكون وكيلا للأزهر، وكان هذا الاختيار فتحا في الدلالة على قيمة العلم الأزهري والعلماء المشتغلين به من خريجي مدرسة القضاء الشرعي .
بدأ الشيخ عبد الرحمن حسن وظائفه مدرسا في مدرسة القضاء الشرعي عقب تخرجه فيها 1911 ثم انتقل ليؤدي وظيفة القاضي الشرعي في عدد من المحاكم وتدرج على النحو المعمول به في القضاء الشرعي.
لم يكن هذا المنصب الرفيع هو أول المناصب الأزهرية التي شغلها الشيخ عبد الرحمن حسن فقد سبق ذلك تعيينه في عهد الشيخ المراغي مديراً عاماً للأزهر والمعاهد الدينية وهو منصب مهم (1944) يقوم بالإدارة الأزهرية من ألفها إلى يائها على سبيل التحديد والفعل لا التقريب، وقد اتبع الشيخ المراغي هذا التكليف بتكليف آخر للشيخ بعضوية المجلس الأعلى للأزهر في 1944.
أما عضوية الشيخ عبد الرحمن حسن في جماعة كبار العلماء فقد نالها في 20 نوفمبر 1949
بقي الشيخ عبد الرحمن حسن في منصبه حتى خلفه وكيلان للأزهر ، وفيما بعد هذا أصبح عضوا في مجمع البحوث الإسلامية عند نشأته، وقد بذل فيه قدرا كبيرا من الجهد الصادق ليقيم من شأنه ويدعم وجوده ودوره، وكانت مكانة الشيخ في نفوس الأزهريين كبيرة على نحو ما لمستها في حديثهم .
وفاته
توفي الشيخ عبد الرحمن حسن في 27 نوفمبر 1966، وأهديت مكتبته الكبيرة إلى المكتبة الأزهرية.