الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات الجزيرة / الجزيرة مباشر / السياسي اللبناني الذي عاش 95 عاما من الشباب

السياسي اللبناني الذي عاش 95 عاما من الشباب

كان صائب سلام ١٩٠٥- ٢٠٠٠ زعيماً لبنانيا متميزاً قادراً على التعبير عن آرائه وأفكاره بصراحة ووضوح، و على طبيعة المراقبين الغربيين في تقييم زعماء أهل السنة اللبنانيين؛  كان لا بد له أن يحسب على السعودية أو مصر أو سوريا لكنه بحكم اهتماماته الرأسمالية كان محسوبا أكثر على السعودية.

وكان يدعم هذا الرأي  ما عرف عن صراحته و صرامة تعبيراته؛ و ميله إلى التنظير وهي سمات وقسمات لم يكن النظام الناصري يتقبلها بسهولة ،  فإذا ما قورن صائب سلام برشيد كرامي- الذي تعلم في مصر ظهر الفارق جليا ومحفورا ومنحوتا ؛ فحُسب هذا على السعودية وهذا على مصر .

وكان هو من مواليد 1905 أي أنه كان أكبر من رشيد كرامي بـ 16 عاماً؛  وكان الملك فيصل من مواليد ١٩٠٦ و سلفه الملك سعود من مواليد ١٩٠٢ ولهذا فإنه كان ينظر إليه محكوماً بهذا الفارق في السن.

أما رشيد كرامي المولود ١٩٢١ فكان قريبا من الرئيس عبد الناصر و السادات المولودين في  ١٩١٨  غير أن نشاط رشيد كرامي وتفرغه التام للسياسة وطول الفترات التي تولى فيها رئاسة الوزارة، فضلاً عن علاقته بمصر وعبد الناصر والصحافة المصرية كل أولئك رفع أسهم رشيد كرامي حتى ليكاد العربي المتابع لتاريخ لبنان يظن أن رشيد كرامي أكبر في السن بكثير من صائب سلام .

السياسيان صائب سلام ورشيد كرامي

ومن الطريف أن صائب سلام كان في مرحلة مبكرة من التاريخ اللبناني، هي مرحلة التأسيس بمثابة العنصر الرابع في القيادات السنية؛ مع رياض الصلح ١٨٩٤- ١٩٥١ وعبد الحميد كرامي الاب ١٨٨٧- ١٩٥٠ (الذي هو والد رشيد كرامي) وعبد الله اليافي  ١٩٠١- ١٩٨٦  وهكذا قدر له أن يعيش نصف قرن من الزمان بعد اثنين من رفاقه الأوائل توفيا في سن مبكر ة.
وكان صائب سلام بحكم مكانته في العاصمة بيروت يعتقد أنه لا يقل أهمية عن الرئيس المؤسس رياض الصلح نفسه، حتى إنه كان يظن أن الزعامة لا تتحقق إلا بالفوز بمقعد العاصمة وليس الجنوب،  على نحو ما كان رياض الصلح يفوز في صيدا؛  ولهذا فإنه ظل يتصور لنفسه مكانة لا تقل عن رياض الصلح بل تزيد.
كان صائب سلام في علاقته بزعماء الطوائف المختلفة من المسيحيين، وذا مواقف مختلفة عن الشائع ، فقد كان من الذين يؤمنون بدور ما لكميل شمعون من دون أن يحبه، بل إنه كان يقنع جمال عبد الناصر بشمعون بالرغم مما هو معروف من العداء الأبدي بين شمعون وعبد الناصر.

وقد روى هو نفسه لطلال سليمان في الحديث الصادم الذي نقله عنه الأستاذ طلال سليمان في 1972؛  أنه زار الرئيس المصري جمال عبد الناصر يوم 8 يونيو 1967 ؛ فلما سأله عما يريده من بيروت وكلفه الرئيس عبد الناصر بإبلاغ تحياته أضاف هو أو إقترح أن يبلغ تحيات عبد الناصر لشمعون؛ بعدما  طلب الرئيس عبد الناصر أن يبلغ تحياته لفرنجيه وريموند اده وبيار الجميل.

كان  الرئيس عبد الناصر غير قابل للتحذير فقد كان مخدراً تماماً وهو يرى المجد كله وقد أصبح أقرب إلى يديه من أي وقت مضى!

فلم يجد الرئيس جمال عبد الناصر بداً من أن يوافقه، على اعتبار أن أهل لبنان أدرى به … وهو ما كان صائب سلام يزعم أنه حاول أن يقنع به الرئيس عبد الناصر وغيره طول عمره بلا جدوى.

و في ذلك الحديث أيضا روى صائب سلام أنه كان قد اتفق مع شمعون على أن يذهبا للقاهرة لتحذير عبد الناصر؛  مما هو قادم عليه في 1967 لكن تطورات الأحداث كانت أسرع منهما.

فقد رأى شمعون أن يمر أولا بعاصمة أوربية قبل أن يذهب للقاهرة ، وأن يقابل الملك فيصل ويقنعه بالذهاب هو الآخر لعبد الناصر وهكذا ضاع الوقت.

وأغلب الظن أن الرئيس عبد الناصر كان غير قابل للتحذير فقد كان مخدراً تماماً وهو يرى المجد كله وقد أصبح أقرب إلى يديه من أي وقت مضى!
لم يكن صائب سلام من المعجبين بفؤاد شهاب ولا المقدرين لدوره،  وكان يراه مستسلما بأكثر مما ينبغي لعبد الناصر ، ومقللا لهوية لبنان ، وأغلب الظن أنه كان يصدر في هذا الحكم عن افتقاده لجو العمل السياسي الكفيل بظهور موهبته وقدرته .

وهو جو لم يكن من المتاح في ظل حكم يقوده رجل عسكري لا يخرج عن أن يكون ذا اتجاه واحد ثابت.
ومن عجائب التاريخ أن الرئيس أنور السادات في ظل تركيزه على تحرير الأرض وعملية السلام من بعدها لم يكن على أدنى درجات الاستعداد للانجذاب إلى هذا الجو اللبناني المثير والجاذب لشهية السياسيين العرب.

 توفي صائب سلام في جنيف في 21 يناير 2000 عن 95 عاماً.


كان سلام يكثر من انتقاد من كانوا حول عبد الناصر؛  وقد دخل في مواجهات إعلامية الطابع معهم ، ولهذا السبب فإنه كان من أنصار سليمان فرنجية، وكان يفضله على سلفيه شارل حلو وفؤاد شهاب.
رأس  سلام الوزارة ست مرات: في آخر عهد بشارة الخوري (سبتمبر 1952) ثم رأسها في عهد كميل شمعون مرة واحدة ما بين إبريل 1953 وأغسطس 1953؛  ثم رأسها في عهد فؤاد شهاب مرتين متصلتين: أولاهما من أغسطس 1960 وحتى مايو 1961  والثانية من مايو 1961 وحتى أكتوبر 1961. ثم رأسها في عهد سليمان فرنجية مرتين متصلتين أيضا من أكتوبر 1970 وحتى مايو 1972 ثم من مايو 1972 وحتى ابريل 1973.


وبهذا فإنه لم يصل إلى عدد المرات التي حققها رشيد كرامي (8مرات) ولا على المُدد التي وصل إليه رشيد كرامي ؛و قبل هذا بدأ سلام مناصبه الوزارية وزيراً للداخلية في مايو 1946 في حكومة سعدي الملا وذلك قبل أن يبدأ مرحلة رئاسة الوزراء في 14 سبتمبر 1952 في عهد بشارة الخوري .
عرف صائب سلام بتأسيسه لشركة الطيران اللبنانية المسماة طيران الشرق الأوسط؛  فاز سلام بعضوية البرلمان عن بيروت في الدور التشريعي الخامس (1943 ـ 1947) والسابع ثم استمر عضوا في البرلمان باتصال من الدور العاشر في 1960 وحتى ١٩٩٢.
 تولى ابنه تمام (مولود 1945) رئاسة الحكومة اللبنانية الثالثة والسبعين (2014 ـ 2018) في عهد الرئيس ميشيل سليمان بعد وفاة والده؛ توفي صائب سلام في جنيف في 21 يناير 2000 عن 95 عاماً.

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com