كان الأستاذ الشاعر أحمد محمد النعمان (1909- 1996) من رجال الدولة اليمنية البارزين قبل ثورة1962 وبعدها، ولم يمكن من صنع السياسة الناصرية أو اختراعاتها، وإنما كان من أبرز الساسة التكنوقراطيين البارزين الذين جمعوا الكفاءة المهنية مع الحس السياسي والممارسة الوطنية واستوفوا مقومات الزعامة المبكرة والزعامة الراسخة على حد سواء،
نشأته
ولد الأستاذ الشاعر أحمد محمد النعمان في 26 أبريل 1909 في قرية ذو لقيان عزلة ذبحان قضاء الحجرية لواء تعز، وتلقى تعليما متميّزا، وعمل بالتعليم وأصبح في 1941 مديرا للتعليم في تعز، وبالطبع فإنه أيد ثورة اليمن التي قادها عبد الله الوزير 1948 في اليمن وأصبح وزيرا للزراعة في الوزارة التي تشكلت عقب انقلاب 1948، ثم أصبح مستشارا لولي العهد محمد البدر في 1955 ومستشارا عاما للمعارف 1955 .
اختمار الثورة في القاهرة
انتقل الأستاذ أحمد محمد النعمان إلى القاهرة مشاركا القاضي محمد محمود الزبيري في نشاطه الدائب واستأنفا نشاطهما فيها وأصبحا ملاذا ومثابة ومرجعا لأهل اليمن الذين يخططون للثورة. وقد أسسا الاتحاد اليمني 1953- 1962 وأصبح الأستاذ النعمان رئيسا للاتحاد اليمني (1955 ـ 1962) فلما قامت الثورة فاختير الأستاذ النعمان وزيرا للحكم المحلي (1962) . لكنه اختلف مع القيادة المصرية وليس من الغريب أن نعرف أن الرئيس جمال عبد الناصر الذي ساند ثورة المشير عبد الله السلال في اليمن (1962) سرعان ما أساء معاملة قادة هذه الثورة على نحو ما كان يُسيء معاملة السياسيين المصريين الذين عملوا معه أو عملوا فيما قبل ثورة 1952، فقد كان يتلذذ بهذه القسوة في معاملة الزعماء متى وجد إليها طريقا.
عصر المشير السلال
و من ناحية أخرى فقد كان نظام الرئيس عبد الناصر وليس الرئيس وحده يعتبر أن المشير السلال ورفاقه موظفون فحسب في النظام الناصري ليس لهم ولا عليهم إلا الطاعة، بل ليس لهم ولا عليهم إلا الانقياد، فإذا أرادوا أن يعبّروا عن رأي أو عن شكوى أو عن طلب فإن عليهم أن يتلطُفوا وأن يسعوا في كل سبيل ليجدوا من يكفل التوصية عليهم، وإقناع النظام الناصري أن هذا الطلب يصُبّ في مصلحة الزعامة الناصرية، أما أن يكون هذا الطلب مُعبّرا عن رغبة يمنية أو إرادة شعبية أو منطق عقلي أو طبيعة إنسانية، فذلك ما لا حق لهم فيه ألبتة . وهكذا أصبح الأستاذ النعمان من الساسة اليمنيين الذين غررت بهم السلطة الناصرية فدعتهم للقاء الرئيس عبد الناصر في القاهرة، فلما انتهى اللقاء ذهبت بهم سيارات الضيافة المصرية الرسمية إلى السجن الحربي ليقضوا فترة لا يعرفون نهايتها كمعتقلين بأمر الرئيس . أصبح الأستاذ النعمان رئيسا لمجلس الشورى 1964 ورئيسا للوزراء في أبريل 1965 خلفا لمحسن العمري.، أما الذي خلفه في رئاسة الوزراء فهو المشير عبد الله السلال نفسه حين جمع المنصبيْن معا في 6 يوليو1965.
فيما بعد السلال
وفيما بعد خروج المشير السلال من الحكم وتولّي القاضي عبد الرحمن الأرياني رياسة الجمهورية عُهد إلى الأستاذ أحمد محمد النعمان برئاسة الوزراء مرة أخرى فتولاها من 3 مايو وحتى 24 أغسطس 1971.
تولى الأستاذ النعمان مسئولية مندوب اليمن الدائم لدى الجامعة العربية 1964- 1967، كما كان عضوا في المجلس الجمهوري (1965، 1967، 1970، 1973) ومستشارا للمجلس الجمهوري 1972 – 1973وعضوا في المكتب السياسي للاتحاد اليمني 1973 – 1974. قُدّر للأستاذ النعمان أن يعيش بعد ذلك حتى 27 سبتمبر 1996 حيث توفى في جنيف. صدرت مذكرات أحمد محمد نعمان عن المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية بصنعاء ومركز الدراسات العربية والشرق أوسطية ببيروت 2003 (على صيغة حوار أجراه باحثون بالجامعة الأميركية ببيروت عام 1969م، صدر بعد رحيله بسبع سنين وتولى مراجعته وتحريره علي محمد زيد )
ترك الأستاذ النعمان آثارا فكرية مهمة
· الأنة الأولى 1937.
· اليمن الخضراء 1939.
· فقيد اليمن أحمد بن عبد الملك 1952.
· مآل القضية اليمنية 1955.
· أهداف الأحرار 1956.
· مطالب الشعب 1956.
· كيف نفهم قضية اليمن 1957.
· انهيار الرجعية في اليمن 1957.
· إلى المناضلين في اليمن 1958.
· فلنثبت وجودنا أولاً 1958.
· إلى أبناء اليمن في الوطن والمهجر 1960.
· كلية بلقيس قلعة تقدمية 1960.
· بلقيس منار المستقبل 1962.
· لهذا استقلنا 1964.
· أين العهود والمواثيق وأين ذهبت لجان التحقيق؟ 1965.
· لنعتمد على أنفسنا 1971.
وله أيضا:
· مجموعة خطب إذاعية مسجلة.
· مقالات وأحاديث وتصريحات عن الشأن اليمني والأحداث العربية المهمة منشورة في عدد من الصحف والمجلات اليمنية والدولية (الثورة، الوحدة، النهار، الصياد، الأهرام، أكتوبر، الحوادث، الشرق الأوسط، المدينة المنورة وغيرها).
أما قصيدة الأستاذ أحمد محمد نعمان التي وصف بها حاله وحال أقرانه مع سجن عبد الناصر، فقد بلغت الذروة في التعبير الدقيق عن حالة إنسانية مزرية وجد الزعماء فيها أنفسهم وهم مقيّدو الحرية على نحو لا علاقة له بالأمن ولا بالمنطق ولا بالسياسة ولا بالإنسانية، فالسجين على حد تعبيره يُرمى في حجرة (زنزانة) مزرية تمنع عنه كل شيء لأنها منيعة بل أمنع من العقاب، الباب مغلق، ويُراقبه من الخلف مُراقب رابض لا يتحرك من خلف الباب لكنه يلهو ويعبث على حين أن السجين في زنزانته كالقرد أو كالطفل الرضيع. وهذا السجّان ندل لا يسمع رجاء السجين وإنما يتجاهل كل رجاء وكأنه أصم، فإذا أراد السُجناء تنبيهه بالقرع على الباب ثار عليهم وأخد يوبّخهم، وباب الزنزانة لا يُفتح إلا لإلقاء الطعام لهم كأنهم القردة حين يُلقى إليها الطعام، أو للاستدعاء إلى المحقق الذي يتوعّدهم ويزيد في توعّدهم كأنه يرتوي بهذا الوعيد ويشبع به. وحين يُخرجُ السجّان السّجين من غرفته يُمسكه من أذنه ويجرّه بإحدى يديه، بينما يصفعه باليد الأخرى. وحين يأتي وقت الذهاب إلى المرحاض يجرّهُ السجان على هذا النحو جريا إلى المرحاض دون أن ينطق أو يرى أو يسمع، ويُلقي بسجينه في المرحاض ليقضي حاجته بينما السجّان يتسمع عليه فليس للسجين حق في أن يأخذ نفسه، فقد حظر الرئيس (عبد الناصر) الأنين والبكاء والشكوى والتوجّع والقراءة والكتابة وهكذا أصبح السجين ممنوعا من كل هذا ولم يُسمح له إلاّ بالبقاء في الظلمات يُعاني لوعتها.
ومع هذا فإن المسجونين يُصلّون ويركعون ويدعون الله، ويقرأون القرآن لا من المصاحف وإنما من الأذهان مُحاولين تذكر النص القرآني بكل وسائل التذكر، وهم يُحاولون أن يتذكروا شيئا من الشعر والنثر الذي بقي في ذاكرتهم وأصبح يظهر على هيئة شوارد يُردّدها اللسان، ويشدو بها، لكن شاعرنا مع كل هذا يُدرك أن النفس تستطيع أن تحتفظ بألق النور ساطعا كنور الشمس، فخفايا النفس التي في أعماقها تظهر في مثل تلك اللحظات لتُعبر عن رصيدها من الإيمان واليقين والثراء النفسي والقدرة على التحمل والتوافق مع هذه المحنة. على هذا النحو عبّر النعمان بقصيدته التلقائية التي ألّفها من وحي لحظة تجلّت فيها الإشكالية الكبرى حين كان يطلب الحرية لشعبه فإذا بحرّيته هو نفسه تُسلب، لا على يد العدو، وإنما على يد الحليف الذي ينتظر نُصرته أو الذي دفعه إلى الأمام في سبيل نيل هذه الحرية بالثورة والحرب والجهاد من أجل الحرية. كان النعمان يتأمل في السبب الذي يجعله وهو الزعيم والوزير (بل رئيس الوزراء في قادم الأيام) فيأسى لمدى ما أصاب قيادة الثورة المتمثلة في الرئيس جمال عبد الناصر من تصلّب في الرأي والفكر جعلاها تلجأ إلى خداع أنصارها فتستقبل قادتهم في قصر الرئيس نفسه ثم يخرجون من مقابلة الرئيس إلى السجن مباشرة لأن الرئيس رأى أنه لا بد له من إبعادهم عن ساحة الثورة إلى حين.
وهكذا بلور النعمان القضية في قوله الساخر المشهور: كنّا في عهد الإمام نُجاهد من أجل حرية القول (أي حرية التعبير بلغة العصر) فأصبحنا في ظل الرئيس عبد الناصر نُطالب بحرية البول! من الحق أن نقول إن هذه القصيدة المُفعمة بالأسى والسُخرية معا تُعبّرُ عن حالة سوداوية فريدة تستمد فُرادتها من رعونة النظام الناصري في معاملة حُلفائه وأصدقائه بل وفي إفادة أعدائه وتمكينه لهم من نفسه هو ومن نفس حلفائه.
وهذه هي قصيدة الأستاذ أحمد محمد النعمان :
ماكنت أشكو منه أصبح غاية / نسعى لها سعياً وفيها نطمع
يرمى السجين لوحده في غرفة/ هي من عقاب الجو حقاً أمنع
الباب يغلق دونه ومراقبٌ/ من خلف هذا الباب لايتزعزع
يلهو ويعبث والسجين كأنه / قرد يقهقه أو صغير يرضع
يتصامم النذل اللعين نداءنا/ وإذا قرعنا الباب هاج ينقرع
لايفتحن الباب إلا عندما/ يرمي الطعام لقرده ويودع
أو حين يدعوه المحقق فجأة/ يرويه من ماء الوعيد ويشبع
أو حين يخرجه ويمسك أذنه/ ويجره بيدٍ وأخرى تصفع
يجري به جرياً إلى مرحاضه /لاينطقن ولايرى أو يسمع
يلقيه في المرحاض يفرغ مابه /ويظل ينصت للسعال ويقرع
نفسُ السجين كصوته وأنينه/ الكل يحظره الرئيس ويمنع
حظروا عليه أنينه وبكاءه/ لايشتكي شيئاً ولايتوجع
حظروا عليه قراءة وكتابة/ ليظل في ظلماته يتلوع
أما الصلاة مع الدعاء فإننا/ ندعو الإله على الدوام ونركع
وقراءة القرآن من أذهاننا/ نجترها ونلمها ونرقع
وشوارد نظماً ونثراً في الحجى/ ماتت وأشتات نيام هجع
ثارت من الأعماق دون إثارة/ ولساننا يشدو بها ويرجع
فالنفس حيث صفت تألق نورها/فكأنها الشمس المنيرة تسطع
وإذا الخفايا في عميق بحارها/ متصاعدات سابحات شرع
جادت بما خزنت وفاض معينها/فبحارها أغنى البحار وأوسع
ما كتب عنه
· الأستاذ: كتاب الأربعين بعد وفاته، صدر في طبعتين بصنعاء وبيروت).
· نعمان الصانع الأول لقضية الأحرار: للقاضي محمد محمود الزبيري .
· ثمانون عاماً من حياة النعمان: للأستاذ عبد الرحمن طيب بعكر.
أبناؤه
أصبح ابنه محمد نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية واغتيل في بيروت في 28 يونيو 1974 كما اختير ابنه الثاني عبد الرحمن نائبا في البرلمان اليمني (توفي في مارس 2004).كما عمل ابنه الرابع عبد الوهاب طيارا وثلاثة آخرون من أبنائه فؤاد وعبد الله ومصطفى عملوا بالسلك الدبلوماسي وله ابنتان: هناء وفوزية (وكيلة وزارة التربية والتعليم، توفيت2010).