رمز للرئيس المدني المظلوم
يظل اسم الدكتور نور الدين الأتاسي 1929 1992 ,قابلاً لأن يوضع مع صورته في شبابه حين كان رئيسا لسوريا، و من دون نص مصاحب للصورة في لوحة مذهبة ذات خلفية سوداء وشريط أسود مائل مع تعليق الصورة في اطارها علي الحائط القائم في مواجهة مكتب أي رئيس مدني يأمن لحكم العسكر ويترك لهم الحرية في التآمر والعمل على الانقلاب ظنا منه أن الحق يمكن أن ينتصر بالحق وحده و بدون قوة.
تولى هذا السياسي السوري القدير رئاسة سوريا قرابة خمس سنوات من فبراير شباط 1966 وحتى نوفمبر تشرين الثاني 1970، و من الغريب أنه في عهد ما بعد الانفصال و قبل الأسد (١٩٦١- ١٩٧١) كان هو صاحب أطول مدة في الرئاسة قبل أن يحطمها الأسد الأب والأسد الابن بطول بقائهما .
و قد جمع نور الدين الأتاسي مع الرئاسة أكبر منصبين سياسيين وتنفيذيين وهما منصب رئيس الوزراء ، والأمين العام للحزب الحاكم.
لكنه مع كل هذه السلطة والنفوذ لم يكن يملك السلاح إذ كان السلاح في يد حافظ الأسد ومصطفى طلاس، وهما اللذان قاما بالانقلاب العسكري عليه وعلى النظام كله عقب وفاة الرئيس عبد الناصر مباشرة ، وبسبب معركة أيلول الأسود مباشرة ، وأودعا هذا الرئيس العظيم ذا الماضي الفدائي والصمود المستمر والبطولة المساندة لثورة الجزائر والتاريخ السياسي و الحزبي الحافل، السجنَ قرابة 22 عاما متصلة فلما شارف على الموت بسبب انتشار السرطان في جسده أفرج عنه ليعالج في باريس فتوفي بعد أسبوع واحد .
وعلى الرغم من سطوة نظام الرئيس الأسد في ذلك الوقت 1992التي كانت قد بلغت أوجها فقد خرجت للرئيس نور الدين الأتاسي جنازة مهيبة في مسقط رأسه ذكّرت الرأي العام بجنازة النحاس باشا. وكانت سببا مباشرا في نُصح أجهزة المخابرات العالمية منذ ذلك الحين بمنع جنازات الرموز السياسية من قبيل جنازة الرئيس محمد مرسي على سبيل المثال
أسرة الأتاسي:-
ينتمي الدكتور نور الدين الأتاسي لأسرة من مدينة حمص يرجع نسبهم إلى الأشراف، وكانت عائلته جديرة بأن تتولى المُلك على أفضل وجه بل إنها العائلة السورية الوحيدة التي جاء منها ثلاثة رؤساء للجمهورية السورية، وهي كذلك العائلة العربية الوحيدة التي تميزت بهذه الميزة حيث توالى هاشم الأتاسي، ولؤي الأتاسي ونورالدين الأتاسي مع اختلاف مُددهم وخلفياتهم ومصائرهم ، و اسمه الكامل : أحمد نور الدين بن محمد على بن فؤاد الأتاسي الحسيني.
على الرغم من سطوة نظام الرئيس الأسد في ذلك الوقت 1992 التي كانت قد بلغت أوجها فقد خرجت للرئيس نور الدين الأتاسي جنازة مهيبة في مسقط رأسه ذكّرت الرأي العام بجنازة النحاس باشا، وكانت سببا مباشرا في نُصح أجهزة المخابرات العالمية منذ ذلك الحين بمنع جنازات الرموز السياسية
دراسته ونشاطه الطلابي
ولد الدكتور نور الدين الأتاسي في 2 يناير 1929 ودرس الطب في جامعة دمشق حتى تخرج فيها في العام 1955 وبهذا فإنه بسبب كفايته السياسية و صل الى رياسة الدولة السورية بعد عشر سنوات من تخرجه كطبيب .
وقد كان اسمه ونشاطه معروفين في مرحلة طلب العلم ، حيث انتمى منذ شبابه إلى حزب البعث العربي ، وكان على رأس تنظيم الحزب في جامعة دمشق خلال الخمسينيات، وقاد العديد من التحركات الطلابية والمظاهرات خلال فترة الانقلابات.
تعرض الدكتور نور الدين الأتاسي للسجن ١٩٥٢ في عهد العقيد أديب الشيشكلي حيث أمضى فيه عاماً كاملاً نُفي خلالها إلى سجن تدمر الصحراوي وتعرض لتعذيب شديد.
وبعد انتهاء عهد الشيشكلي عاد لممارسة السياسة على نطاق واسع ومن خلال مواقع متقدمة أهلته لها ثقافته وقدراته. وفضلا عن نشاطه في سوريا فقد شارك متطوعا في الثورة الجزائرية خلال العام 1958 على رأس مجموعة من الأطباء السوريين. بعد ذلك عاد إلى مدينته حمص ليزاول مهنته طبيبا جراحا في المستشفى الوطني.
عُيِّنَ وزيراً للداخلية بعد وصول حزب البعث إلى السلطة فيما عرف بالحركة التصحيحية في مارس1963، التي أنهت الأمل في عودة الوحدة مع النظام الناصري. ثم أصبح نائباً لرئيس الوزراء عام 1964، ثم عضواً في مجلس رئاسة الدولة عام 1965.
أصبح الدكتور نور الدين الأتاسي رئيساً للدولة وانتُخب أميناً عامّاً لـحزب البعث بعد الانقلاب البعثي الذي أطاح بالرئيس أمين الحافظ. في مارس 1966 وقد تولى الرئاسة ما بين 23 فبراير 1966 ( و يقال من 25 ) وحتى 16 نوفمبر 1970 وجمع معها رئاسة الوزارة ما بين 29اكتوبر 1968 وحتى 16 نوفمبر 1970 و كانت سلطته هي السلطة الرسمية الظاهرة أما السلطة الفعلية فكانت في يد مساعد الأمين العام لحزب البعث صلاح جديد.
كان الدكتور نور الدين الأتاسي شأنه شأن الرؤساء والزعماء السوريين الذين جاءوا بعد نجاح حركة البعث في 1963 يصغر الرئيس عبد الناصر. فأمين الحافظ من مواليد 1921 ولؤي الأتاسي وكذلك صلاح جديد من مواليد 1926 أما هو فكان من مواليد 1929.
اختلف الأتاسي والأمين العام المساعد لحزب البعث صلاح جديد مع وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد، و بلغ الخلاف ذروته في أثناء أحداث أيلول الأسود في الأردن ،1969 حيث قرر الأتاسي إرسال قوات سوريّة لمساندة الفلسطينيين في الأردن، ونشأ خلاف حول إرسال هذه القوات. وتطور هذا الخلاف في ظل المعادلة السياسية الجديدة التي نشأت بالوفاة المفاجئة للرئيس عبد الناصىر.
نشاطه البارز في عامه الأخير
كان هذا الرئيس هو الذي شهد الاحتفالات الليبية عقب قيام القذافي بانقلابه العسكري في 1969 ، وقد حضر كل هذه الاحتفالات جنبا الى جنب مع الرئيس عبد الناصر والرئيس هواري بومدين. و لا تزال صور هذه الاحتفالات موجودة بغزارة في أفلام سينمائية يتجدد عرضها في وسائل التواصل الاجتماعي .
وتم في عهده توقيع اتفاق إنشاء سد الفرات مع الحكومة الروسية وبوشر في تنفيذه في ذلك العهد أيضاً
أمضى الأتاسي أكثر من 21 عاماً في السجن في زنزانة ضيقة ومن دون محاكمة وأصيب في النهاية بـمرض السرطان، ولم تُقدِّم له السلطة العلاج المناسب، وأُدخل إلى مستشفى تشرين العسكري لمدة 4 أشهر قبل أن يُطلق سراحه بعد أن تفشى المرض في جسده حيث لم يعد هناك أمل في شفائه.
خلافه القاتل مع حافظ الأسد
اختلف الدكتور نور الدين الأتاسي والأمين العام المساعد لحزب البعث صلاح جديد مع وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد، و بلغ الخلاف ذروته في أثناء أحداث أيلول الأسود في الأردن سبتمبر 1969 حيث قرر الدكتور نور الدين الأتاسي إرسال قوات سوريّة لمساندة الفلسطينيين في الأردن، ونشأ خلاف حول إرسال هذه القوات. وتطور هذا الخلاف في ظل المعادلة السياسية الجديدة التي نشأت بالوفاة المفاجئة للرئيس عبد الناصىر.
انقلاب الأسد
استقال الدكتور نور الدين الأتاسي من كافة مناصبه في أكتوبر 1970 احتجاجاً على تدخل الجيش في السياسية وعلى ممارسات رفعت الأسد شقيق وزير الدفاع حافظ الأسد، وعلى أثر هذه الاستقالة التي نشأ عنها خلو المناصب الثلاث الرئيسية في الدولة تم توجيه الدعوة لعقد المؤتمر العاشر الاستثنائي للحزب .
و قرر هذا المؤتمر فصل كل من وزير الدفاع حافظ الأسد ورئيس الأركان مصطفى طلاس من منصبيهما، لكنهما كانا جاهزين بانقلاب عسكري سُـــمِّيَ بـالحركة التصحيحية في 16 أكتوبر 1970 حيث وضعها الدكتور نور الدين الأتاسي والزعيم صلاح جديد في سجن المزة العسكري.
أمضى الدكتور نور الدين الأتاسي أكثر من 21 عاماً في السجن في زنزانة ضيقة ومن دون محاكمة وأصيب في النهاية بـمرض السرطان، ولم تُقدِّم له السلطة العلاج المناسب، وأُدخل إلى مستشفى تشرين العسكري لمدة 4 أشهر قبل أن يُطلق سراحه بعد أن تفشى المرض في جسده حيث لم يعد هناك من أمل في شفائه.
وفاته
سافر ب الدكتور نور الدين الأتاسي عد إطلاق سراحه فوراً للعلاج في باريس ولكنه توفي بعد أسبوع من وصوله في 2 ديسمبر كانون أول 1992. ودُفن في مدينته حمص .
عائلته
كان الدكتور نور الدين الأتاسي متزوجا من السيدة سلمى الحسيبي وله ولدان: بنت هي آية الأتاسي ، والكاتب المعارض محمد على الأتاسي.