الشيخ حسنين محمد مخلوف (1890 ـ 1990) عالم من علماء الدين الإسلامي البارزين الذين رزقوا طول العمر والتفوق والالمعية كما رزقوا حظا كبيرا من استمرار التوفيق، وهو عالم ابن عالم، كما أنه من عائلة علماء مبرزين ومشهورين، بل إنه من قرية علماء مشهورين أو بالأحرى قرية عائلات علمية كبيرة وهي بني عدي.، وقد كان من أوائل الذين التحقوا بمدرسة القضاء الشرعي، على الرغم من مكانة والده في المجتمع الأزهري في ذلك الوقت، وهو واحد من أبرز خريجي هذه المدرسة إن لم يكن أبرزهم، وهو أول من وصل منهم إلى منصب الإفتاء. بولد الشيخ حسنين مخلوف بباب الفتوح بالقاهرة، وكان والده العلامة محمد حسنين مخلوف عضوا في مجلس إدارة الأزهر، ثم وكيلا للجامع الأزهر، وقد تلقي حسنين مخلوف العلم على والده وعلى أفراد عائلته المشتغلين بالتعليم وعلي غيرهم من الأساتذة الكبار، ودرس الحساب والجبر في مسجد المؤيد، وحصل على الشهادة العالمية من مدرسة القضاء الشرعي (1914).
لجنة امتحان العالمية
تكونت اللجنة التي أدى الشيخ حسنين محمد مخلوف أمامها امتحان العالمية (1914) من الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر في ذلك الوقت، والشيخ بكري الصدفي مفتي الديار السابق، والشيخ عبد الرحمن قراعة مفتي الديار في ذلك الوقت، والشيخ السيد أحمد شيخ الحنابلة، والشيخ عبد الكريم سلمان عضو المحكمة العليا الشرعية، والشيخ أحمد هارون عضو المحكمة الشرعية العليا.
حبه المبكر للتدريس
تمتع الشيخ حسنين مخلوف بنزعة طبيعية إلى التدريس، وهي نزعة يجدها الانسان في نفسه فيشبعها ويغذيها بممارسة الاستاذية كلما أتيح له السبيل، وقد تطوع الشيخ حسنين مخلوف بعد تخرجه بإلقاء الدروس في الأزهر (بدون أجر) حيث درس المنطق وآداب البحث وعلم الفلسفة وعلم الأخلاق طيلة عامين، أي حتى عين قاضيا بالمحاكم الشرعية (يونيو 1916) وظل الشيخ حسنين مخلوف يمارس الأستاذية، وقد تولي تدريس الشريعة الإسلامية في قسم التخصص بمدرسة القضاء الشرعي، كما واظب بعد تقاعده وحتى وفاته على إلقاء دروس علمية بالمشهد الحسيني.
وظائفه في القضاء الشرعي
تدرج الشيخ حسنين محمد مخلوف في وظائف القضاء الشرعي، ورأس محكمة طنطا الابتدائية الشرعية، ومنح أثناء شغله ذلك المنصب كسوة التشريفة العلمية من الدرجة الثانية، وتولي (1941) رئاسة محكمة الإسكندرية الشرعية، كما عين نائبًا لرئيس المحكمة الشرعية العليا (1944).
عاد الشيخ حسنين مخلوف لتولي الإفتاء في أثناء رئاسة صديقه على ماهر للوزارة في مارس 195٢ وبقي حتى ١٩ ديسمبر 1954 حين كان قد بلغ الرابعة والستين وكان مرشحا للاستمرار في منصبه أو لتولي مشيخة الأزهر
توليه الإفتاء
اختير الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتيا للدار المصرية مرتين كانت المرة الأولي في 5 يناير 1946، وقد خلف في هذا المنصب الشيخ عبد المجيد سليم لما استقال الشيخ عبد المجيد سليم من منصب الإفتاء احتجاجاً على تعيين الشيخ مصطفي عبد الرزاق شيخاً للأزهر لأنه لم يكن مُستوفيا للشروط، وبهذا خلا المنصب وكان أبرز المرشحين لهذا المنصب هو الشيخ حسنين مخلوف فتولاّه منذ يناير 1946 وحتي 7 مايو 1950 حين بلغ سن التقاعد، ومن الجدير بالذكر أنه كان حتى ذلك الوقت أول من احتفظ بمثل هذا المنصب حتى يوم بلوغه الستين، ولا شك في أن تقاليد الوزارات الوفدية في احترام القانون كانت سببا في هذا، وإن كان على ماهر باشا بما عرف عنه من دهاء قد زايد على الوفد فأعاد تكليف الشيخ حسنين مخلوف بمنصب المفتي مستدعيا له من المعاش [على حسب التعبير العسكري] وذلك في مواكبة لإعادة الشيخ عبد المجيد سليم لمنصب مشيخة الأزهر، نال الشيخ حسنين مخلوف عضوية هيئة كبار العلماء (1948) وهو مفت، كما نال كسوة التشريفة العلمية من الدرجة الأولى بحكم هذا النصب .
توليه الإفتاء للمرة الثانية
عاد الشيخ حسنين مخلوف لتولي الإفتاء في أثناء رئاسة صديقه على ماهر للوزارة في مارس 195٢ وبقي حتى ١٩ ديسمبر 1954 حين كان قد بلغ الرابعة والستين وكان مرشحا للاستمرار في منصبه أو لتولي مشيخة الأزهر لكنه أبدي اعتراضات مسموعة على ما بدأت ثورة يوليو ١٩٥٢ تأخذ به من مصادرة حقوق الملكية. وبهذا وعلى طريقتنا في تذكير القراء بوقائع التاريخ التي تضطرب الكتب في روايتها فان الشيخ عبد المجيد سليم تولى المشيخة مرتين فصلتهما المرة التي تولى الشيخ إبراهيم حمروش فيها المنصب وكذلك تولى خلفه في الإفتاء الشيخ حسنين مخلوف مسند الإفتاء مرتين فصلتهما المرة التي تولى فيها الشيخ علام نصار مسند الإفتاء، ومن المفهوم أن الشيخ حسنين مخلوف كان مرشحا طبيعيا لمشيخة الأزهر في بداية عهد ١٩٥٢، بيد أن حضوره المجتمعي كان أكبر مما يتحمله اختيار الساسة وترشيحهم لشخصه، ومع هذا فإن اسمه تردد أكثر من مرة، وقد روى هو نفسه في أخريات حياته وحين تحررت الذاكرة من قيود اللياقة الاجتماعية أنه كان يسير في جنازة أحمد خشبة باشا (توفي في بداية ١٩٥٤) بالقرب من الرئيس جمال عبد الناصر لكنه آثر أن يتجاهله ويبدو من روايته أن الرئيس عبد الناصر هو الآخر بادله الشعور نفسه .
وقد اجتاز الشيخ مخلوف فترة الناصرية في هدوء متفرغا للعلم، ومع أنه كان عضوا في جماعة كبار العلماء، فقد ابتعد عن ممارسة السياسة، ولاذ بالعلم وتفسير القرآن. لكنه لأسباب كثيرة متعددة ومتنوعة أيضا عاد الى الحضور بل سلك سبيل اللمعان والتألق في عهد الرئيس السادات واستمر كذلك بقوة الدفع في عهد الرئيس مبارك، وفي كل الأحوال فقد ظل الشيخ حسنين مخلوف بمثابة رمز للشموخ والسمو طيلة عهد الثورة وهو الذي كان قد وصل إلى الستين من عمره قبل أن تقوم ثورة يوليو، وقُدّر له أن يشهد عهود عبد الناصر والسادات ومبارك بينما هو في كل هذه العهود صاحب أقدمية متميزة فقد كان طيلة أكثر من ثلث قرن من الزمان هو المفتي السابق أو الأقدم الذي لا ينافسه غيره على اللقب (الذي يشيع خطأ تسميته بالأسبق) فلم يكن ممن هم على قيد الحياة من يسبقه في تولي منصب المفتي. وكان هو سابقا على كبار علماء الشريعة الذين تولوا الأستاذية في كلية الحقوق (مثل الشيخ على الخفيف والشيح محمد أبو زهرة والشيخ عبد الرحمن تاج التالين له في المولد والتخرّج) وكذلك كان سابقا على من خلفه في منصب المفتي في المرة الأولي وهو الشيخ علام نصار، وكذلك كان سابقا على من خلفه في منصب المفتي في المرة الثانية وهو الشيخ حسن مأمون الذي صار بعد ذلك شيخا للأزهر. كان حسنين مخلوف سابقاً على هؤلاء جميعاً وقُدر له أن يعيش بعدهم حتى تخطى المائة من عمره حين توفي سنة 1990.
مجمع البحوث الإسلامية
وبعد تقاعده اختير الشيخ حسنين مخلوف ليرأس لجنة الفتوي بالأزهر الشريف، وهكذا ظل اسمه كمفتي ملقيا بظله على هذا المنصب، وعلى هذه المهمة من 1946 وحتي وفاته 1990. وقد اختير الشيخ حسنين مخلوف عضوا في مجمع البحوث الإسلامية، وترأس جمعية النهوض بالدعوة الإسلامية
الجامعة الإسلامية
علي المستوي العربي شارك الشيخ حسنين مخلوف في تأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، واختير عضوا مؤسسا في مجلس القضاء الأعلى بالسعودية.
طبع تفسير الشيخ حسنين مخلوف للقرآن العظيم، طبعات كثيرة في مصر والسعودية وأبو ظبي والكويت، وله مختصر في تفسير آيات القرآن الكريم
صداقته لعلي ماهر
كانت للشيخ حسنين مخلوف صلات سياسية ومجتمعية واسعة، وكان زعماء الحقبة الليبرالية جميعا يجلونه، ويقدمونه، ويستمعون إلى رأيه، وقد توثقت العلاقة بينه وبين وزير الحقانية على ماهر باشا (1928) حيث كان في ذلك الوقت يشغل منصب مفتش المحاكم الشرعية واشترك في ذلك الوقت في إعداد مشروع إصلاح قانون المحاكم الشرعية، وقانون المجالس الحسبية، ومن الطريف أن هذه الفترة هي التي شهدت أيضا بدء صداقته للمرشد الثاني لجماعة الاخوان المسلمين المستشار حسن الهضيبي الذي كان يرأس التفتش القضائي وهي الصداقة التي توجت بعلاقة النسب بينهما ..
قصة أول فتوى
روى الشيخ حسنين مخلوف أن أول فتوى له كانت وهو لا يزال طالبًا في مدرسة القضاء الشرعي حين دفع إليه أبوه برسالة وصلت إليه، يطلب مرسلها حكم الإسلام في الرفق بالحيوان، وطلب منه أن يكتب الرد بعد الرجوع إلى المصادر الشرعية، فعكف الشيخ – وهو بعد لا يزال طالبًا – أسبوعين حتى أخرج رسالة مستوفاة، سُرَّ بها والده الشيخ، وبادر إلى طباعتها من فرط سعادته بابنه النابغ، وفي ذلك يقول الشيخ في مقدمة تلك الرسالة: «وبعد.. فقد أمرني والدي صاحب الفضيلة الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوي المالكي مدير الأزهر والمعاهد الدينية بجمع ما تيسر من النصوص الشرعية في (الرفق بالحيوان) لحاجة كثير من الناس إلى معرفة حكمه في الشريعة الإسلامية، فصدعت بالأمر متوخيًا سبيل الإيجاز ومستعينًا بالله». وكان هذا التوفيق في الإجابة والفتوى إرهاصًا لما سيكون عليه في قابل الأيام من كونه مفتيًا فذًّا وعالـمًا كبيرًا.
التأليف العلمي
تمتع الشيخ مخلوف بنزعة إلى التأليف العلمي، ويذكر له أنه كان أول مفتٍ في العصر الحديث يحرص على جمع فتاويه ونشرها في كتاب مطبوع صدر في أكثر من جزء: ومن الطريف أن أشهر مؤلفاته ليس كتاب الفتاوي، ولا كتابا في الأحكام الشرعية، وإنما هو تفسيره للقرآن الكريم. ومن الطريف الذي سيجده القارئ في قائمة مؤلفاته أن له عمل أدبي طريف هو شرحه للقصيدة المنفرجة، وقد سماه «شفاء الصدور الحرجة بشرح القصيدة المنفرجة» لابن النحوي.
تفسيره للقرآن العظيم
طبع تفسير الشيخ حسنين مخلوف للقرآن العظيم، طبعات كثيرة في مصر والسعودية وأبو ظبي والكويت، وله مختصر في تفسير آيات القرآن الكريم: «كلمات القرآن تفسير وبيان» طبعات متعددة لم تتح لغيره من نظائره، وقد شرح هو نفسه منهجه فيه في إيجاز فقال إنه وضع فيه الكلمات على ترتيب الآيات في السور، وعن يمين كل كلمة رقم آيتها، وعن يسارها تفسيرها، في دقة وإيجاز، مع سهولة ووضوح، ليكون رفيقا للمقيم، وزادا للمسافر، خفيف المحمل، سهل المأخذ، داني القطوف، يسارع إليه التالي والسامع فيسعفه بطلبته، ويعينه على بلوغ غايته، دون تجشم وعناء.
على الرغم من تقديرنا العميق لقيمة الشيخ حسنين مخلوف العلمية والفقهية والوطنية فإننا لا نستطيع أن ننكر حقيقة مهمة وهي أن تصريحاته العفوية أو المتحمسة كانت نموذجا بارزا لما يمكن أن يخّرب العلاقات الخارجية والدبلوماسية
وقد حرص الشيخ حسنين مخلوف على ألا يفسر الحروف المقطعة في فواتح بعض السور نحو الـم، والمـر، وحـم، وق، اختيارا للقول بأنها من أسرار التنزيل والله أعلم بمراده. وقد فسر كلمات القرآن بالمعاني المراد منها في الآيات، وقد تكون المعاني حقيقة، وقد تكون مجازية، أو كنائية. واتبع في ضبط الكلمات ما أصبح هو نفسه قدوة فيه حيث اتبع ما نسميه اختصارا رواية حفص عن عاصم أي رواية الإمام أبي عمر حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي (المتوفي سنة 180 هـ) لقراءة الإمام أبي بكر عاصم بن أبي النجود الكوفي التابعي (المتوفي سنة 127 هـ) عن الإمام أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي (المتوفي سنة 74 هـ) عن حفاظ القرآن من الصحابة رضي الله عنهم عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب رضي الله عنهم عن النبي صلي الله عليه وسلم، عن الروح الأمين جبريل عليه السلام، عن رب العالمين جل جلاله، وهي رواية متواترة تلاوة، وحفظا، وضبطا، وتدوينا وبهذا أتيح لكتابه أن ينال أوسع قدر من الاقبال والانتشار.
تكريمه
وقد نال الشيخ حسنين مخلوف كثيرا من التكريم ونال جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية (1982) في بداية عصر بدء التسامح مع علماء الدين والسماح بتكريمهم على هذا المستوي، وهو عصر لم يستمر طويلا. وقد نال الجائزة معه في ذلك العام الدكاترة على الجريتلي وحامد سلطان وعبد العزيز حجازي، وهو ثالث من نال هذه الجائزة من علماء الدين بعد الشيخ على الخفيف ١٩٧٨ والشيخ عبد الجليل عيسى ١٩٨٠، وفيما قبل هذا حاز الشيخ حسنين مخلوف في عهد الملكية كسوة التشريفة العلمية من الدرجة الثانية، ثم من الدرجة الأولي. كما نال جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام (1983) وكان اول مصري ينال الجائزة في هذا الفرع، ومن الجدير بالذكر انه بعد ٦ سنوات أخرى نالها الشيخ محمد الغزالي ١٩٨٩، وبعد ٦ سنوات أخرى نال الشيخ جاد الحق على جاد الحق الجائزة نفسها ١٩٩٥
تصريحاته المربكة لعمل الدبلوماسية المصرية
على الرغم من تقديرنا العميق لقيمة الشيخ حسنين مخلوف العلمية والفقهية والوطنية فإننا لا نستطيع أن ننكر حقيقة مهمة وهي أن تصريحاته العفوية أو المتحمسة كانت نموذجا بارزا لما يمكن أن يخّرب العلاقات الخارجية والدبلوماسية بل وما يمكن ان يعرقل خطوات النجاح في السياسة الخارجية، ولم يكن الشيخ يختلف في هذا عن سلفه العظيم في الإفتاء الشيخ عبد المجيد سليم صاحب العبارة الشهيرة التي وظفت في غير موقعها بسبب جاذبيتها الشديدة والآسرة، ونحن لا تلوم الشيخين ولا نؤاخذهما، ولا ننتقص من قدرهما، ولكننا ننبه احبابنا ممن يحبون الحق والإسلام والوطن الى الفارق بين أدائهما وأداء الشيخ الأكبر المراغي الذي كان على الرغم من تورطه العنيف في السياسة يتمتع بحصافة لا متناهية وبكياسة لا نظير لها .
لنقرأ هذه الروايات على نحو ما وردت في كتاب ذكريات كبير الأمناء صلاح الشاهد ولنتأمل أثر الشيخ مخلوف في تخريب جهود الدبلوماسية والقانون الدولي بحسن نيته وسلامة منطقه، يقول صلاح الشاهد: من المعروف أن الهلالي باشا (الحديث عن الفترة التي أصبح الهلالي باشا رئيسا للوزراء فيها بدءا من أول مارس ١٩٥٢) كان قد استقدم وفدا من رجال السيد عبد الرحمن المهدي باشا وكان عبد الرحمن باشا للحقيقة والتاريخ من أشد الناس عداوة للإنجليز وانتصارا لوحدة القطرين: مصر والسودان ولكن لما كان السيد على الميرغني مناوئا للمهدي فقد اعتبر المهدي من أنصار الإنجليز وكان الإنجليز يشترون القطن قبل زراعته من جزيرة آبا التي يزرعها المهدي. وقد حاول عبد الرحمن باشا المهدي أن يتقرب إلى مصر ولكن الإنجليز كانوا قد أبلغوا المغفور له الملك فؤاد ثم من بعده الملك فاروق بأن المهدي يطمع في أن يكون ملكا على السودان وبذلك استطاع الإنجليز أن يكونوا أسيادا في كلا البلدين.
“ولكن الهلالي باشا كان مقتنعا بضرورة تحسين العلاقات مع عبد الرحمن باشا المهدي وأمكنة أن يجعل الطيب حسين سفير الباكستان في مصر يطالب حكومته بالاعتراف بأن فاروق ملك مصر والسودان وفقا للقانون الذي أصدرته حكومة المرحوم النحاس باشا مع قانون إلغاء المعاهدة. ولما كانت دولة الباكستان عضوا في الكومنولث فكان من المتعين أن توقع الاعتراف ملكة بريطانيا ومن ثم تكون بريطانيا قد اعترفت بأن فاروق ملك مصر والسودان.
“ولكن حدث أن خرج فضيلة الشيخ حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية وبدون مناسبة إلى الحديث عن القاديانية وهو المذهب الذي تعتنقه الباكستان، وأن القاديانية من المذاهب التي يكفرها الإسلام، وقد احتجت وزارة الهلالي على هذه الفتوى وطلبت إخراج مفتى الديار المصرية.”
“وفعلا ساءت العلاقة بين مصر وباكستان وساءت العلاقات بين القصر والوزارة. ولما جاء وفد السودان برئاسة عبد الله الفاضل المهدي رحمه الله للمفاوضة و[كان من أعضائه] الأستاذ محمد أحمد المحجوب دعاه رئيس الوزراء إلى مأدبة إفطار بقصر أنطونيادس ثم إلى حضور الدرس الديني الذي أعتاد القصر إقامته بمناسبة شهر رمضان المبارك يوميا برأس التين.
“وكان صاحب الفضيلة الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية (أطال الله بقاءه) يلقي الدرس بعد صلاة العشاء وكان يرتاد هذه الدروس أفراد الشعب حيث كانت تقدم القرفة والشاي. وفي أثناء إلقاء فضيلة الشيخ مخلوف درس الديني حضر أحد تشريفاتية القصر وسلم الشيخ رسالة قيل إنها بخط الملك فاروق. وما لبث الشيخ أن قال: إنه كان يرجو لو أنه كان يلقي درسه في الخرطوم وبدأ من قرب يهاجم رجال المهدي وقال: كيف نشرب من نيل واحد ونحن يجمعنا دين واحد ولا يكون مليكنا ملك مصر والسودان كان يجيب أن تأتوا إلى مليككم وتعلنون الولاء”.
“وساد الوجوم وارتسم على وجوه أعضاء الوفد وامتنعوا عن تناول القرفة وانصرفوا غاضبين. وتعثرت بسبب ذلك المفاوضات لمدة أربعة أو خمسة أيام بذل فيها الهلالي باشا كل من الجهد لإعادة المباحثات وأخبرني الهلالي باشا في حديث معه أن هذه الأزمة الدافع إليها الرغبة في إقصائه عن الوزارة لأنه عندما قابل الملك أخبره بأنه سيلغي الاستثناءات ويبدأ بالتطهير وبتطهير رجال القصر أولا وأصبحت العلاقات بين الملك والهلالي باشا غاية في السوء.
” ولم تصل المفاوضات مع الحكومة البريطانية إلى نتيجة يستطيع الهلالي باشا أن يواجه بها الشعب. وبدأ مستر جيفرسون كافري سفير الولايات المتحدة الأمريكية يزيد من اتصالاته وتدخله في الشئون المصرية سواء لدى الملك أو الوفد أو غيرهما.”
دفاعه عن الأزهر
في خضم إحدى الحملات المتكررة على الازهر الشريف أصدر الشيخ حسنين مخلوف بيانا قويا نشره في الصحافة بصفته الشخصية: “إن مهمة الأزهر الشريف منذ قرون متطاولة نشر الإسلام وعلومه بأسرها في سائر الأقطار، والدعوة إلى مجد الإسلام وعزته، وصيانة حرماته وأوطانه من عدوان أعدائه بعزم وإخلاص وقوة وكفاية. وأبناء الأزهر وعلماؤه منبثون في جميع الأقطار الإسلامية يؤدون رسالته العظمى خير أداء، ويستنكرون بشدة كل ما يضار بالإسلام من مبادئ وأفكار ونحل مهما اختلف أسماؤها، فكلها فتن وضلال، ومنها ما هو كفر يوجب الإسلام على أمته – وخاصة العلماء – إعداد القوى لمجاهدته والقضاء عليه ونستكر هذه الحملة الظالمة التي يقوم بها بعض المنتمين إلى تلك النحل والمذاهب على فضيلة الإمام الأكبر شيخ شيوخ الجامع الأزهر، وله الأيادي البيضاء في الدفاع عن الإسلام وتعاليمه، ورفع منار الأزهر الشريف ونشر رسالته، وله المكانة الرفيعة بين علمائه وفي سائر أقطار الإسلام ونسأل الله تعالى له دوام التوفيق، ولأعدائه وحاسديه الرشد والهداية إلى أقوم الطريق “
إشادته بالإمام الشهيد حسن البنا ودعوة الإخوان
يقول رحمه الله: “إن ذكرياتي عن قادة الجماعة ولا سيما الشهيد حسن البنا وخليفته المرحوم حسن الهضيبي لا تزال حية في نفسي، كأنها جزء من حياة أصحابها، رحمهم الله وأفسح لهم في جناته . لقد كنت أقيم في حلوان وكان الإمام الشهيد حسن البنا يقدم إلى حلوان كل أسبوع، فكان يبدأ عمله بالحضور إلى منزلي، ثم يجتمع مع الإخوان في مكانهم إلى أن يصلوا الظهر، ثم يعود للاستراحة في بيتي، ويستمر معي في اجتماع مثمر وحديث شهي إلى آخر النهار ثم يعود إلى القاهرة رحمه الله رحمة واسعة.
ونتيجة هذا القرب أستطيع أن أحكم على الإمام البنا بأنه كان مسلمًا حقًّا متخلقًا بأخلاق الإسلام.. لقد كان جادًّا في عمله في الدعوة الإسلامية، حريصًا على إحياء التراث الإسلامي بكلِّ سبيل. “وبإيجاز أستطيع أن أقول إنه كان علما من أعلام الإسلام في دينه وخلقه ومعاملاته مع الخلق، وفي حكمه على الأشياء، وفي معرفة أحوال الوقت، وما يجري فيه من أحداث، وكان صبورًا جدًّا متمكنًا من نفسه، لا يقدم على شيء إلا بتمهل عظيم، وبإخلاص قوي، وهذا خلاصة رأيي فيه. الله يعلم أن البلاد المسلمة قد خسرت بموته خسارة عظيمة، ولكنه القضاء الذي يجب على المسلمين الرضا به، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا”
شجاعته في إيواء أحد الإخوان الهاربين
تحتفل أدبيات الاخوان المسلمين بقصة إيواء الشيخ وهو مفت لأحد شباب الإخوان المسلمين: طرق بابه وهو يومئذ مفتي الديار المصرية واحد من كرام شباب الإخوان المسلمين يدعى “محمد الصوابي الديب” من زملائي في كلية الشريعة، وكان مطاردًا من الشرطة التي كانت تبحث عنه في كل مكان، وكانت جريمته الكبرى أنه من الدعاة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وطلب من الشيخ مخلوف أن يحميه ويخفيه من عيون الشرطة، وكان الطلب مفاجأة وتلبيته محفوفة بالمخاطر، ولم تكن بين محمد الصوابي والشيخ مخلوف معرفة سابقة، وفوق ذلك كانت جماعة الإخوان المسلمين تعيش محنة قاسية بعد صدام حركة الجيش معها عام 1954م، وتمتلئ بهم السجون، ويعاني أعضاؤها العذاب الأليم، وكان مجرد الانتساب إليها يكلف صاحبها الاعتقال والتنكيل، كما أن تقديم العون لأحد أفرادها يجلب للمعين السجن والتعذيب “غير أن الشيخ الجليل لم يكن ممن يقيد الخوف مروءتهم فلا يقدمون عليها خشية سوء العاقبة، وكما كان يخضع بالحق غير هياب ولا وجل، كان يقدم على فعل المكرمات ولو كان ثمنها حريته، وهذا ما فعله الشيخ الكبير.. لقد آوى الشاب المطارد ثمانية أشهر في بيته، ودبر له وظيفة يعمل بها كسكرتير خاص عنده، وهو يعلم أن ما قام به لو علمته السلطات الحاكمة لتعرض إلى ما لا تحمد عقباه بعد أن تجاوز عمره الستين، ولحل به ما يحتمله جسمه الواهن من العذاب والتنكيل، ولكن الله سلَّم، ومرت عملية اختفاء هذا الشاب في هدوء دون أن يعلم بها زبانية النظام، ولم يلحق الشيخ ولا أي فرد من أسرته أي مكروه أو أذى”.
كتبه في التفسير
– صفوة البيان لمعاني القرآن
– كلمات القرآن تفسير وبيان
آثاره الأخرى مرتبة أبجديا
– آداب تلاوة القرآن وسماعه
– أخطار المعاصي والآثام ووجوب التوبة منها إلى الملك العلام.
– أدعية من وحي القرآن الكريم والسنة النبوية.
– أسماء الله الحسنى والآيات القرآنية الواردة فيها. دار المعارف بالقاهرة ١٩٧٤
– أضواء من القرآن الكريم في فضل الطاعات وثمراتها وخطر المعاصي وعقوباتها. مؤسسة مكة للطباعة ١٩٧٣
– أضواء من القرآن والسنة في وجوب مجاهدة جميع الأعداء. مطبعة المدني بالقاهرة ١٩٧٤
– الأخلاق الإسلامية
– الحديقة الأنيقة في شرح العروة الوثقى في علم الشريعة والطريقة والحقيقة لمحمد بن عمر الحريري. مطبعة المدني بالقاهرة (تحقيق) ١٩٦٠
-الدعوة التامة والتذكرة العامة لعبد الله بن علوي الحداد (تحقيق) مطبعة المدني بالقاهرة ١٩٦٣
-الرفق بالحيوان في الشريعة الإسلامية، يوليو 1912 .
– المواريث في الشريعة الإسلامية. طبع دار المدني بجدة.
– النصائح الدينية والوصايا الإيمانية لعبد الله بن علوي الحدَّاد(تحقيق ). مطبعة المدني بالقاهرة ١٩٦١.
– بلوغ السول في مدخل علم الأصول. (تحقيق) طبع مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة ١٩٦٦
– تفسير آية الكرسي وسورة الإخلاص وسورة الضحى.
– تفسير سورة القدر
– تفسير سورة يس. مطبعة الكيلاني بالقاهرة ١٩٨٢
-حكم الشريعة الإسلامية في مأتم ليلة الأربعين وفيما يعمله الأحياء للأموات من الطاعات. مطبعة مصطفى الحلبي بالقاهرة ١٩٤٦
– ختم القرن ووجوب بر الوالدين
– دعاء يوم عرفة.
– شرح أسماء الله الحسنى
– شرح البيقونية في مصطلح الحديث
– شرح الحكم للإمام عبدالله بن علوى الحداد
– شرح الشفا في شمائل صاحب الاصطفا للملا على القاري. (تحقيق) مطبعة المدني بالقاهرة ١٩٧٨
– شرح المدحة النبوية للشيخ ابو الوفا الشرقاوي
– شرح الوصايا النبوية من النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
– شرح تشطير البردة للشرقاوي.
– شرح جالية الكدر بنظم أسماء أهل بدر.
– شرح لمعة الاسرار للشيخ ابو الوفا الشرقاوي
– شرح نصيحة الاخوان للإمام ابن طاهر الحداد
– شرح وصايا الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه.
– ـشفاء الصدور الحرجة بشرح القصيدة المنفرجة.
– فتاوى شرعية وبحوث إسلامية. مطبعة دار الكتاب العربي بالقاهرة ١٩٥١
– ـفضائل القرآن العظيم وتلاوته.
– فضائل نصف شعبان.
– مجموعة فتاوى
– نفحات زكية من السيرة النبوية
– هداية الراغب بشرح عمدة الطالب لعثمان بن أحمد النجدي. مطبعة المدني بالقاهرة 1379هـ.
ذريته
رزق الشيخ حسنين مخلوف من الذرية الصالحة بسبعة أبناء وثلاث بنات وقد كان لأبنائه شأن مجتمعي كبير، ومن الجدير بالذكر أن ابنه السابع عبد الحميد قد توفي في أثناء دراسته الجامعية. أما ابنه السادس السفير عبد الهادي مخلوف كان صاحب الدور السياسي والاستراتيجي المتقدم في أثناء حرب أكتوبر والتحضير لها فقد كان هو اليد اليمنى لمستشار الأمن القومي محمد حافظ إسماعيل ورئيس مكتب الأمن القومي الذي كانت له الكلمة العليا في مُجريات الأمور في هذه الحرب. وقد عاد بعد هذا إلى العمل في الخارجية وأصبح مساعداً لوزير الخارجية، فإن أما ابنه الخامس عبد الرحمن مخلوف فهو بلغة عصرنا الحاضر صاحب الفضل في أعظم ما حقّقته دولة الامارات العربية المتحدة، ويكفي أن نقول إن من الصور التي تمثل أشرف أيقونات التاريخ الخليجي العربي المعاصر صورته الشهيرة وهو يستعرض مع الشيخ زايد بن سلطان المخطط العمراني لمدينة أبو ظبي في لوحة هندسية تفصيلية فردها الرجلان على الأرض ليتتبّعا تفصيلاتها.
وعلى مستوي الوطن وعلاقاته السياسية فإن ابنه الرابع الدكتور على مرعي مخلوف كان أكبر أساتذة أمراض النساء والتوليد في جامعة عيش شمس وقد تزوج ابنة المستشار حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان المسلمين أما ابنه الثالث المهندس أبو الوفا (مهدي) فكان رئيس مجلس إدارة شركة مصر للأعمال الاسمنت المسلح، أما ابنه الأكبر محمد (توفي 1968) واخوه محمود فكانا من أبرز رجال الأعمال صلة بمجالات الاستثمار الجديدة التي برزت بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها سرعان ما خبت بسبب الانكماش الاقتصادي لعصر الثورة، ويصل الأمر ببعض اليساريين ممن يُحبون مشاكسة علماء الدين إلى القول بأن مصر كانت ستتّجه إلى تحريم البيبسي كولا ومُنتجات الكوكاكولا لولا أن الأمريكان انتبهوا إلى أن يكون شريكهم في تسويق مشروبات الكوكا كولا هو ابن الشيخ حسنين مخلوف، ومن ثم مضت المشروبات المستخرجة من الكوكاكولا في أمان من القول بأنها من معدة الخنزير وعُصارة هذه المعدة، وهو ما كان من الممكن أن يسود في ظل الدعاوى الساخنة التي تخلق سياسات الاستيراد في المجتمعات النامية . وممن كانوا على صلة قرابة بالشيخ حسنين مخلوف: السيدة كوثر مخلوف زوجة الوزير فوزي عبد الحافظ سكرتير الرئيس السادات والدكتور أحمد كمال أبو المجد (وهو خال طارق شوقي وزير التربية والتعليم الحالي)
مكتبته
أهدت أسرته مكتبته إلى المكتبة الأزهرية، كرمت أسرته ذكراه أيضا ببناء مكتبة باسمه في بني عدي.
وفاته
توفي الشيخ حسنين مخلوف في ١٥ ابريل ١٩٩٠
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا