مكانته
الشيخ مصطفي مجاهد عبد الرحمن (1905 ـ 1970) واحد من أبرز علماء الأزهر العاملين الذين ظلوا على ولائهم للمناهج الأزهرية القديمة من دون أن يتأثروا بشكلانيات المناهج الحديثة في البحث أو التأليف، ومع هذا فإنه مثّل حالة نادرة إذ أرتاد آفاق المناهج الحديثة في مقارباتها للفقه الإسلامي من خلال مقارنة المذاهب الفقهية والتزاماتها العقلية التي دفعتها إلى الاختلاف والتباين مع تأصيل أسباب هذه الممارسة التطبيقية التي انتهجها علماء الفقه الإسلامي على مدي العصور من دون حاجة إلى التنظير لكل حكم وكل جزئية اكتفاء بما دربوا عليه وهضموه من أصول المقاربة الأصولية والقراءة المتفحصة للواقع.
وقد كان من حسن حظي، الذي لم أدرك قيمة التفرد فيه إلا متأخرا، أنه هو قبل غيره كان الأستاذ المباشر والحبيب لوالدي عليهما رحمة الله، فقد درس عليه كل سنوات الدرس في كلية الشريعة كما ارتبط به في بيته وحلقته وغدواته إلى المساجد ومعاهد العلم، ومع أنه ينتمي إلى مدينتنا فارسكور فإنه كان قد تركها مبكرا إلى الإسكندرية، ومن ثم فإن صلته كانت انقطعت بمدينته، حتى إن والدي لم يلقه إلا في الكلية، وإن كان قد عرف فضله ومكانته من حديث أقرانه عنه في أثناء تأديته أحد الامتحانات في المعهد الثانوي، وقد ظل والدي رحمه الله مرتبطا بهذا العالم الجليل وتوجيهه حتى وفاته، وكان ظل هذا العالم الجليل حاضرا بشدة في كل مناقشاتي الساخنة مع والدي رحمه الله إذ كان يستشهد (وله كل الحق) بقدرة هذا العالم على الوصول إلى الصواب من دون اللجوء إلى الأسلوب المعاصر في تناول القضايا الفقهية، ومع أن والدي وأستاذه من قبله رحمهما الله كانا على حق فإن العصر الذي نعيشه وهو عصر الجماهير الغفيرة والهندسة العكسية والتواصل الاجتماعي لم يعد ليتحمل وجود هذا المنهج الأصيل الذي كان الأستاذ الشيخ مصطفي مجاهد من أخر رموزه، كان والدي عليه رحمة الله مشتركا في مجلة الاعتصام ليتواصل مع ما يكتبه أستاذه فيها، وكان يحتفظ في مكتبته بمؤلفات الشيخ في مكانة رفيعة، وأذكر بكل اعتزاز أن النسخة التي صورت عنها مجلة الأزهر كتابه “من سجل الخالدين” حين أعادت طباعته كانت هي نسخة والدي رحمه الله التي احتفظ بها طيلة عمره.
اتصاله بالجماهير والصحافة
كان الشيخ مصطفي مجاهد عبد الرحمن بالإضافة إلى فقهه وعلمه خطيبا مؤثرا مسموعا متبوعا، وكان يجمع مع هاتين الموهبتين أنه كان أستاذا محبوبا اجتمعت حوله حلقة من المريدين، في بيته، على نحو ما تمتع بإقبال الأعداد الغفيرة في المسجد أيضا، وقد عرف على نطاق واسع بتفرغه للعلم وإقباله على تلاميذه، والحرص على إتاحة نفسه لهم، ومناقشتهم، وكان حريصا على أن يوجههم إلى القدرات الخاصة في الاستنباط من النصوص، والأسلوب الملائم للعرض والتفسير والتخريج، وعلي ما فهمته فقد كانت له بين تلاميذه مكانة شبيهة بمكانة الشيخ أمين الخولي في كلية الآداب، مع الفارق، وكانت له فتاوي شرعية عديدة استند فيها إلى علمه الواسع بالفقه المقارن. ومن ناحية ثالثة فقد كان الشيخ مصطفي مجاهد عبد الرحمن كما أشرنا، صاحب مقال شهري في مجلة «الاعتصام»، وهي المجلة الإسلامية الوحيدة التي واظبت على الظهور في عهد الرئيس عبد الناصر.
عين الشيخ مصطفي مجاهد عبد الرحمن في بداية حياته الوظيفية إماما وخطيبا لمسجد الخواجة بالإسكندرية (1935)، ثم نقل مدرسا بالمعهد الديني إلى افتتح في مدينة شبين الكوم
نشأته
ولد الشيخ مصطفي مجاهد عبد الرحمن في مدينة فارسكور بمحافظة دمياط سنة 1905، وقضي بعض سنوات نشأته في مدينة الإسكندرية، وتلقي تعليما دينيا حتى حصل على الشهادة العالمية الأزهرية من النظام القديم (1930)، وذلك قبل إنشاء الكليات الأزهرية الجديدة، وتخصص بعدها على مدي ثلاث سنوات (1933) في الفقه والأصول طبقا لنظام التخصص، وبهذا حصل على أعلي الدرجات العلمية المتاحة في الازهر في هذا الوقت، وهو يناظر في حصوله على هذه الدرجات العليا صديقه الحميم المولود قبله بعامين الدكتور محمود حب الله ١٩٠٣- ١٩٧٤ الذي حصل على الدرجتين معه. وهما معاصران للدكتورين محمد البهي ومحمد عبد الله ماضي، أما الشيخ القريب من هؤلاء في السن والذي امتد به العمر حتى التسعينيات فهو الشيخ عبد الله المشد 1903-1990 الذي راس لجنة الفتوي في الازهر الشريف.
عين الشيخ مصطفي مجاهد عبد الرحمن في بداية حياته الوظيفية إماما وخطيبا لمسجد الخواجة بالإسكندرية (1935)، ثم نقل مدرسا بالمعهد الديني إلى افتتح في مدينة شبين الكوم. وفي عام 1948 اختير ليعمل مدرسا بكلية الشريعة بالأزهر الشريف، وبقي بها منذ ذلك الحين وحتى وفاته، وكلف بتدريس علم الفقه المقارن، وصار رئيسا للقسم (1955) حين كان لايزال أستاذا مساعدا. وفي أخريات حياته أعير الشيخ مصطفي مجاهد عبد الرحمن إلى السعودية فقام بالتدريس فيها حتى أحيل إلى التقاعد، وواصل العمل في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية.
آثاره:
ـ في الفقه المقارن، وهو مجموعة من البحوث العلمية في الفقه المقارن.
ـ من سجل الخالدين، طبعات متعددة.
ـ رمضانيات: أدب، فن، نوادر، القاهرة، دار المعارف، 1986.
وفاته
توفي الشيخ مصطفي مجاهد عبد الرحمن في ٢ يوليو ١٩٧٠ ودفن في البقيع.