الرئيسية / المكتبة الصحفية / العلامة عبد العزيز عيسى أقوى الأعمدة الحاملة لقبة الأزهر على مدى سبعين عاما

العلامة عبد العزيز عيسى أقوى الأعمدة الحاملة لقبة الأزهر على مدى سبعين عاما

أبدأ بطرفة دالة وهي أن هذا الشيخ الجليل الذي لا يحظى اسمه بالنجومية الجماهيرية الموازية لمكانته هو مؤلف أكثر الكتيبات انتشارا في مصر العالم الإسلامي، وهو كتيب بسيط موجز، لكنه رزق القبول والذيوع وتكرار الطبع حتى الآن، وقد وهبه للمسلمين دون مقابل، هذا الكتاب أو الكتيب هو كيف تعتمر وتحج الذي لم يخل منه بيت ولا حقيبة معتمر أو حاج، الشيخ عبد العزيز محمد عيسى (1908 ـ 1994) رمز من رموز الأزهر في جيله، وواحد من رجال الدولة المتميزين، وهو عالم متميز، وإدارى ناجح، وصاحب رأى وقدرة على التوفيق والصياغة والتنسيق، وهو الوزير المصرى الوحيد الذي تولى وزارة شئون الأزهر بمفردها دون أن يجمع معها الأوقاف أو غيرها من المسئوليات الوزارية.

 

عرف الجمهور الشيخ عبد العزيز عيسى مبكرا عن كل أقرانه، فقد كان واحداً من العلماء الخمسة الأوائل الذين اختارهم الإمام المراغى شيخ الجامع الأزهر لإلقاء الأحاديث الدينية بالإذاعة المصرية في أول الأربعينيات وبهذا كان رائدأ في هذا المجال الذي أصبح بمثابة ميدان خصب من ميادين الدعوة التي تحقق لعلماء الأزهر فرصا رائعة لأداء واجباتهم التوجيهية والدعوية واصلاح المجتمع، وهو ثاني علماء الأزهر السبعة الذين عملوا وزراء في عهد الرئيس السادات، وهم الأساتذة والدكاترة عبد الحليم محمود، عبد العزيز عيسى، ومحمد السيد الذهبي، ومحمد متولى الشعراوي، ومحمد عبد الرحمن بيصار، وعبد المنعم النمر، وزكريا البري (ستة منهم كانوا من الذين حافظوا على ارتداء العمامة بينما كان سابعهم بحكم استاذيته في كلية الحقوق قد تحول الى الزي الافرنجي ).

نشأته وتكوينه العلمي

ولد الشيخ عبد العزيز محمد عيسى في 24 أغسطس 1908 (وفي بعض المصادر أنه ولد في 8 أغسطس) في مدينة شبراخيت محافظة البحيرة. كان والده الشيخ محمد عيسى عالما من علماء القراءات المشهود لهم في عصره، وكان أحد المشهورين في حفظ القرآن الكريم وأدائه، ومعرفة رواياته. وقد نشأ ابنه عبد العزيز محباً للعلم، مستزيداً من القراءة والمعرفة، طموحاً إلى مكانة العلماء وفهمهم، وحفظ القرآن صغيراً، وانتظم في حلقات العلم بالأزهر الشريف منذ كان في العاشرة من عمره، فلما التحق بالازهر كان من الذين اسعدهم الحظ فحصلوا على الشهادة الثانوية الأزهرية ١٩٢٨ بعد خمس سنوات فقط (بدلا من تسع) من الدراسة النظامية في القسم العام، ثم تابع دراسته بالقسم العالى للأزهر وحصل على الشهادة العالمية (القديمة) بعد أربع سنوات دراسية في القسم العالي، وكان أول الناجحين فيها (1932)، وهكذا تخرج في سن الرابعة والعشرين، ولم تكن الكليات الأزهرية قد بدأت في تخريج دفعاتها بعد. ومع أنه اول الدفعة فإنه كان الثالث بين الوزراء الثلاثة الذين تخرجوا في تلك الدفعة، أي أنه كان آخرهم وصولا الى الوزارة: أحمد حسن الباقوري (1907 ــ 1985) في ١٩٥٢ وعبد الحليم محمود (1910 ــ 1978) في ١٩٧٢ وعبد العزيز عيسى (1908 ــ 1994) في ١٩٧٣ وقد تخرج ثلاثتهم مبكرين عن أقرانهم .

كان من الواضح أن الشيخ عبد العزيز عيسى قد أصبح أبرز أبناء جيله في حيازة ثقة أساتذته من الجيل السابق، وانهم يعدونه لتولي القيادة في جيله

شهادة التخصص

واصل الشيخ عبد العزيز عيسى الدراسة في قسم التخصص، متخصصا في البلاغة والأدب والتربية وعلم النفس لمدة ثلاث سنوات، وهكذا أصبح في 1935 مؤهلاً بأعلى درجات التأهيل العلمي في الأزهر، وكان قسم التخصص يمثل في ذلك الوقت مرحلة الدراسات العليا في الأزهر على نحو ما قضى به التطوير المبكر الذي تم قبل عهدي الشيخين المراغي والظواهري، وقد نال في نهاية دراسته ما كان يسمى في ذلك الوقت بشهادة التخصص التي نصت قواعد التطوير على أنها تمنح صاحبها الاحقية في التلقب بلقب «علامة» (1935)، وكان أيضا الأول على الناجحين في دراسات التخصص، وكان من القلائل الذين وصلوا إلى هذه الدرجة من التأهيل طبقاً لهذا النظام الذي كان يضمن الوصول إلى التخصص بعد الثانوية الأزهرية بسبع سنوات فقط: أربع سنوات دراسة عالية وثلاث عليا.

وظائفه

عين الشيخ عبد العزيز عيسى مدرساً في المعهد الأزهري الثانوي في القاهرة، وكلن هذا أقصى ما يمكن من تكريم لخريج حديث، وأتيح له أن يكون أستاذا لكثيرين من أعلام العلماء في الأجيال التالية، وربما انه اكثر من نال الحظ من الاستاذية، ثم اختير للعمل مدرساً في كلية اللغة العربية حيث عمل بالقرب من شيوخه الكبار الذين تتلمذ عليهم، من قبل. لكن الشيخ عبد العزيز عيسى على الرغم من حصوله على شهادة التخصص في البلاغة والأدب والتربية وعلم النفس طالب بنقله إلى كلية الشريعة ليثبت تفوقه العلمي، وقد وافق مجلس الأزهر الأعلى على تعيينه مدرساً في كلية الشريعة للفقه الإسلامي، وأصول الفقه وآيات الأحكام، في أغسطس 1948 في عهد مشيخة الإمام الأكبر محمد مأمون الشناوي، وفيها صار الشيخ عبد العزيز عيسى زميلاً لصفوة من شيوخ الأزهر الكبار، من أمثال الامام الأكبر عبد المجيد سليم المفتى الاكبر والامام الأكبر محمود شلتوت.  وفيما قبل هذا كان هذان الشيخان الجليلان شيخ الإسلام الشيخ عبد المجيد سليم والشيخ محمود شلتوت قد اختاراه مديراً لمجلة «رسالة الإسلام» التى كانت تصدرها جماعة التقريب يبن المذاهب الإسلامية بالقاهرة، واستمر مديراً لها إلى أن توقف إصدارها بعد أن أدت واجبها على مدى خمسة وعشرين عاما.

 

كان من الواضح أن الشيخ عبد العزيز عيسى قد أصبح أبرز أبناء جيله في حيازة ثقة أساتذته من الجيل السابق، وانهم يعدونه لتولي القيادة في جيله، وهو ما حدث بالفعل على نحو متواتر ومتصل، فبالإضافة إلى عمله بالتدريس الجامعى فقد عهد إليه (1950) أي قبل ربع قرن منوصوله للوزارة بالإشراف على طلبة البعوث الإسلامية الوافدين في دراستهم وإقامتهم، وبالطبع فقد كان كثير منهم لا يعرف العربية، فعنى بهم وحرص على تمكينهم من الوسائل الكفيلة بإجادتهم اللغة العربية، ونظم شئونهم، اختير الشيخ عبد العزيز عيسى مراقباً مساعداً للبحوث والثقافة الإسلامية،حين كان مراقبها العام هو الشيخ محمود شلتوت، ثم اختير هو والشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد 1900-1972 مفتشين للعلوم الدينية والعربية بالمعاهد الدينية في عهد شيخ الأزهر الشيخ عبد المجيد سليم، وتنقل بين درجات التفتيش على اختلاف مستوياتها ومسمياتها. ثم ندب شيخاً لمعهد البعوث الإسلامية (معهد القاهرة الأزهرى)، ومديراً للتعليم الإعدادى بالأزهر، ثم نقل مديراً عاماً لتفتيش العلوم الدينية والعربية.

وصوله لأعلى المناصب الأزهرية

واصل الشيخ عبد العزيز عيسى تفوقه في أداء الوظائف الإدارية والمالية على نحو ما نرى من تاريخه الوظيفي حتى إنه وصل إلى منصب وكيل الأزهر ١٩٧٢ في العام الذي وصل فيه الدكتور عبد الحليم محمود إلى منصب الوزارة، وهكذا فإنه أصبح وزيراً ١٩٧٣ في الوقت الذي أصبح فيه الشيخ عبد الحليم محمود شيخا للأزهر بعد خروجه من الوزارة. في مارس 1966 انتدب الشيخ عبد العزيز عيسى وكيلاً للمدير العام للمعاهد الأزهرية، ثم عين في هذه الوظيفة في 7 مارس 1968، وبعد عامين (مايو 1969) عين مديراً عاماً للمعاهد الأزهرية بدرجة وكيل وزارة (وهى الوظيفة الأزهرية التى توازى في صلاحياتها ومسئولياتها مسئولية وزير التربية والتعليم)، وبالإضافة إلى عمله في هذه الإدارة ندب أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأزهر فترة من الوقت، كما ندب أميناً عاماً لمجمع البحوث الإسلامية فترة أخرى، وبالاختصار فقد أصبح بمثابة الأزهري الذي تلقى على عاتقة المسؤوليات الإدارية المهمة. وفى تلك الفترة اختير عضواً بمجمع البحوث الإسلامية كما اختير عضواً بالمجلس الأعلى للأزهر ممثلاً لمجمع البحوث الإسلامية، ثم اختير وكيلاً للأزهر في 13 أغسطس 1972، ليخلف في هذا المنصب زميل دفعته الدكتور عبد الحليم محمود الذي عين وزيرا للأوقاف في يناير 1972، حين كان الشيخ محمد محمد الفحام لايزال شيخاً للأزهر.

اختير الشيخ عبد العزيز عيسى عضواً معيناً في مجلس الشورى المصري الذي أنشئ عام 1980، مع الشيخين احمد حسن الباقوري ومحمد متولي الشعراوي .

توليه الوزارة

لما تشكلت وزارة الرئيس السادات الاولى وهى الوزارة المعروفة بوزارة الحرب في مارس 1973 ترك الشيخ عبد الحليم محمود الوزارة وأصبح من المفترض أنه سيعين شيخاً للأزهر، وعاد سلفه الدكتور عبد العزيز كامل وزير الأوقاف وشئون الازهر ليكون وزيراً للأوقاف [فقط ] واختير الشيخ عبد العزيز عيسى وزيرا لشئون الأزهر، وقد ظل عبد العزيز عيسى يحتفظ بهذا المنصب أيضاً طيلة وزارتي الرئيس الثانية (ابريل 1974 – سبتمبر 1974) والدكتور عبد العزيز حجازي (سبتمبر 1974 – ابريل 1975) وقد خلفه الشيخ محمد السيد حسين الذهبي الذي جمع الأوقاف مع شئون الأزهر (ابريل 1975).

المجالس القومية المتخصصة

بعد خروجه من الوزارة مباشرة عين الشيخ عبد العزيز عيسى عضواً في المجالس القومية المتخصصة ضمن عدد من الوزراء السابقين المتفرغين لعضوية هذه المجالس، وقد كان عضواً في ثلاثة مجالس من المجالس القومية المتخصصة: القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا، والقومي للخدمات، والقومي للثقافة والإعلام، وقد اختير رئيساً لشعبة جديدة أنشئت في هذه المجالس للإفادة من خبراته وفكره، وهى شعبة التعليم الأزهرى، وكان يعتقد أن عمله في هذه الشعبة يمكنه من أداء واجبه نحو معهده العريق، ومن اقتراح ما يراه كفيلاً بإصلاح التعليم الأزهرى إصلاحاً كاملاً وشاملاً

عضوية مجلس الشورى

اختير الشيخ عبد العزيز عيسى عضواً معيناً في مجلس الشورى المصري الذي أنشئ عام 1980، مع الشيخين احمد حسن الباقوري ومحمد متولي الشعراوي .

مكانته في المجتمع الرسمي

كان الشيخ عبد العزيز عيسى مرشحا لمشيخة الأزهر لكنه فيما روي كان يقول أسأل الله ألا أكون.. ومع هذا فقد كان بحكم أستاذيته هو المرجع لشيوخ الأزهر التالين لجيله بدءاً من الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار الذي يصغره بعامين. اختير عضواً في المجلس الأعلى لاتحاد الإذاعة والتليفزيون في مصر، ومما يذكر له أنه عضواً في لجنة اختيار القراء على مدى سبعة وعشرين عاما.

تأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

كان الشيخ عبد العزيز عيسى واحدا من علماء الأزهر الذين اختارهم الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية لعضوية المجلس الاستشارى الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد شارك في أعمال مؤتمر توجيه الدعوة وإعداد الدعاة الذي نظمته هذه الجامعة سنة 1976، وقد زار أكثر إمارات الخليج العربي.

دوره في نشر تفسير الطبرسي

أشرف الشيخ عبد العزيز عيسى على إخراج التفسير الشهير المسمى «مجمع البيان لعلوم القرآن» الذي ألفه الإمام الطبرسى، وكان الشيخ عبد المجيد سليم قد أشار بطبعه، وقدم له الشيخ محمود شلتوت، وقد قام الشيخ عبد العزيز عيسى بالإشراف على إخراج أجزائه العشرة التى بلغت صفحات كل جزء منها 600 صفحة تقريبا من القطع الكبير، وأشرف على تصحيحه وضبطه ومراجعته وضبط شواهداه وشرحها بجهد استمر عشرين عاماً متوالية منذ بدء طبعه في ربيع الأول سنة 1378 هـ إلى الانتهاء منه في ربيع الأول سنة 1398 هـ.

آثاره:

– «كيف تعتمر وتحج» وهي أشهر رسالة موجزة في التعريف بأحكام العمرة والحج، والإجابة على ما يتصور من الأسئلة التى يظن طرحها ممن يؤديهما، كتبها الشيخ في منصف الخمسينيات ـ، وطبعت مرات كثيرة، في مصر وفى غير مصر وترجمت إلى الإنجليزية وطبعت ترجمتها الإنجليزية مرات عديدة، وقامت كثير من الدول بطبعها لأبنائها الحجاج وتوزيعها، وهى توزع بالمجان منذ طبعت حتى اليوم.

– «على طريق النصر» مجموعة أحاديث إذاعية بمناسبة معركة رمضان المجيدة (أكتوبر 1973).

– «الأدب العربى في الأندلس» وهو البحث الذي نال عليه درجة الأستاذية في قسم التخصص في البلاغة والأدب (1935).

– مجموعة كبيرة من المقالات والبحوث العلمية والاجتماعية، والأحاديث الإذاعية، والفتاوى التى قدمها طريق الإذاعة على مدى 40 عاما.

تكريمه

نال الشيخ عبد العزيز عيسى كثيراً من التكريم والتقدير ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى (1984)، كما منح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في مناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر.

وفاته وذريته

توفى ودفن في القاهرة في مساء الأربعاء الثانى من نوفمبر سنة 1994. كان الشيخ معروفا في المجتمع المصري بأبنائه فابنه السفير محمد كان هو المسئول الأول عن السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية، وابنه المستشار أسامة من كبار رجال القضاء .

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com