العلامة عبد الرحمن محمود قراعة ١٨٦٣- ١٩٣٩ واحد من علماء الأزهر الكبار الذين وصلوا إلى اعلي المناصب الازهرية، وبرزوا قبل ذلك في اكثر من ميدان، حيث عمل بالإفتاء والقضاء والتدريس والإدارة، وبالإضافة إلى استاذيته في علوم الشريعة وتوليه الإفتاء فقد درسّ علم الحديث كما درس علوم الأدب. بل إنه كان أول أساتذة الأدب في الأزهر حين أصبح للأدب أساتذة متخصصون، وقد تولي تدريس مقامات الحريري، وتتلمذ عليه كثر من نوابغ الأدب كان ابرزهم الاديب العظيم مصطفي لطفي المنفلوطي ١٨٧٦- ١٩٢٤.
يعد الشيخ عبد الرحمن قراعة من أبرز علماء الجيل التالي للشيخ محمد عبده، والسابق على جيل الشيخ المراغي وأنداد الذين تعاقبوا على المشيخة ما بين ١٩٢٨ و١٩٥٤. وقد شهد هو نفسه في حياته صعود هذا الجيل حيث امتد به العمر إلى عام ١٩٣٩ اما جيله هو فيضم ممن وصلوا إلى منصب وكيل الازهر الشيخ محمد شاكر (1866 ـ 1939)، والشيخ محمد حسنين مخلوف (1861 ـ 1936) وقد سبقاه على التوالي إلى تقلد وكالة الأزهر، بل كان الشيخ شاكر شيخا للأزهر بالنيابة، كما يضم جيله المشايخ محمد رشيد رضا (1865 ـ 1935)، وطنطاوي جوهري (1870 – 1940) وعبد المجيد اللبان (1871 ـ 1942).
نشأته وتكوينه
ينتمي الشيخ عبد الرحمن قراعة إلى أسرة من العلماء، وجده الأكبر هو ولي الله محمود أبو قراعة صاحب مسجد وضريح بدرنكة، وأصل أسرته من عرب الحمراء ببلاد الحجاز، وكان جده ولي الله أول مَنْ لقب منها بلقب قراعة، أما جده المباشر الشيخ محمد فقد كان قاضي محكمة أسيوط الشرعية، وأما والده الشيخ أحمد فكان مفتي المالكية في أسيوط، ولد الشيخ عبد الرحمن قراعة في مدينة أسيوط في ٣١ يناير ١٨٦٣ وهذا هو التاريخ الذي اعتمدته الحكومة وبناء عليه فانه بقي في منصب الإفتاء حتى بلغ الخامسة والستين فأحيل للتقاعد في ٣٠ يناير ١٩٢٨ وبذلك خلا المفتي حتى عين له الشيخ عبد المجيد سليم ١٨٨٢- ١٩٥٤ بناء على اختيار النحاس باشا وبهذا انتقل منصب الإفتاء من مفت إلى مفت تال يصغره في السن بعشرين عاما كما الفارق بين الزعيمين سعد زغلول والنحاس .
ومع هذا فان الشائع في الموسوعات والادبيات ان الشيخ عبد الرحمن قراعة ولد عام ١٨٦٢، وهذا مفهوم في ظل التقريب في تحويل التواريخ الهجرية إلى ميلادية، ومع هذا فقد ذكر زكي مجاهد في الاعلام الشرقية نقلا عن مجلة «الإسلام» أنه ولد سنة 1274 هـ أي أن تاريخ ميلاده يسبق المتداول بخمس سنوات وهو أمر وارد وإن كان مرجوحا .
نشأته
نشأ الشيخ عبد الرحمن قراعة في أسرة من العلماء، وحفظ القرآن الكريم، ودرس على والده الفقه والنحو والعروض، وظهرت ميوله الأدبية، وتجلت فيه ملكة الإنشاء، كما عرف بنظم الشعر في فجر نشأته العلمية. التحق الشيخ عبد الرحمن قراعة بالأزهر، وكان واحدا من العلماء الذين حضروا على الشيخ محمد عبده وأخذوا عنه وعن الشيخ جمال الدين الأفغاني. وتلقي العلم على مشايخ عصره: الشيخ محمد المهدي العباسي والشيخ شمس الدين الانبابي والشيخ إبراهيم السقا المشهور بأبي المعالي، والشيخ محمد عليش، والشيخ محمد الأشموني، والشيخ عبد القادر الرافعي المفتي .
وظائفه المتتالية
بعد أن نال الشيخ عبد الرحمن قراعة شهادة العالمية عين في وظائف القضاء الشرعي، وعمل مفتيا لمديرية جرجا سنة 1897 ثم نقل قاضيا لأسوان ١٩٠٦ فالدقهلية (1908). فلما أعيد تنظيم المحاكم الشرعية ١٩١١ اختير رئيسا لمحكمة بني سويف الشرعية في ذلك العام. وفيما بعد فقد عين الشيخ عبد الرحمن قراعة عضوا بالمحكمة الشرعية العليا، ثم نائبا لرئيسها .
في عهد الشيخ سليم البشري
اختير الشيخ عبد الرحمن قراعة مديرا للجامع الأزهر 1914، ثم وكيلا له بعد الشيخين محمد شاكر ومحمد حسنين مخلوف. عين الشيخ عبد الرحمن قراعة مفتيا للديار المصرية في يناير 1921 وكما ذكرنا فقد بقي في هذا المنصب حتى 30 يناير سنة 1928 حيث أحيل إلى المعاش. نال الشيخ قراعة عضوية جماعة كبار العلماء، بعد تقاعده واظب الشيخ عبد الرحمن قراعة على تدريس الأحاديث في جامع إبراهيم أغا. وكانت داره بحارة صائمة بالتبانة منتدي لكثير من العلماء والوجهاء.
مديحه للأستاذ الامام
ظل الشيخ عبد الرحمن قراعة طيلة حياته العلمية من المشهورين بالعلم والأدب والكتابة الفنية، ونظم الشعر والمكثرين في ذلك، ومن قصيدة يهنئ فيها الإمام محمد عبده عند توليه منصب الإفتاء:
بهديك في الفتوي إلى الحق نهتدي ومن فيض الفضل نجدي ونجتدي
سمت بك للعلياء نفس أبية وعزمة ماض كالحسام المجرد
ورأي رشيد في الخطوب وحنكة وتجربة في مشهد بعد مشهد
آثاره
له رسالة بحث في النذور وأحكامها.
وفاته
توفي الشيخ عبد الرحمن قراعة في (شهر شوال سنة 1358) نوفمبر 1939 وهو العام الذي توفي فيه الشيخ محمد شاكر سلفه في وكالة الازهر الأصغر منه سنا.