الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات الجزيرة / الجزيرة مباشر / قصة الرجل الذي رفض أن يكون وزيرًا.. لأسباب مادية

قصة الرجل الذي رفض أن يكون وزيرًا.. لأسباب مادية

في عهد الرئيس حسني مبارك 1981-2011 الذي طال حتي اختلفت الآليات الحاكمة في آخره عن الآليات الحاكمة في بداياته كان الموقف من تولي الوزارة مختلفا تمام الاختلاف بل متناقضا مع ما سبق.

فقبول الوزارة في أول ذلك العهد يتطلب التفكير مرة واثنتين فقد أصبح السعي إليها في نهاية ذلك العهد يمثل أملاً عزيز المنال عند عدد لا يستهان به من وجوه المجتمع سواء من كان منهم قادراً علي أداء حقوق العمل العام أم من كانوا يريدون أن يتربحوا من المنصب (ماديا و أدبيا ) بأقصي ما يستطيعون.

ومع هذا فقد ظلت هناك حالات كثيرة من الامتناع أو التردد عن قبول الوزارة بسبب العوامل المادية.

وهو سبب معروف في العالم كله وفي كثير من  الأوقات ، وإن كان الناس لا يصدقون حدوثه ، ذلك أن بعض المترشحين لهذا المنصب يكونون قد رتبوا أوضاعهم المعيشية على دخل معين سيفقدونه بالتأكيد عند تولي الوزارة، وربما لا يعود لهم هذا الدخل في ظل تقلبات السياسة.

أبرز هذه الحالات ما يرتبط بعضوية مجالس إدارات البنوك والشركات الكبرى، وفي مقدمة هذه الحالات عضوية مجلس إدارة شركة قناة السويس (قبل تأميمها في 1956)

فقد كانت هذه العضوية التي لم تكن متاحة للتداول و التغيير إلا في كرسي واحد أو اثنين سبيلا إلى ترضية السياسيين الذين تضطرهم الخلافات السياسية أو الظروف السياسية إلى الخروج من المنصب الوزاري.

 
 

وقد كان هذا بالضبط هو ما حدث في ١٩٣٧ عندما وصلت الأمور بين النقراشي باشا وزعامة الوفد إلى طريق مسدود مع احتدام الخلاف بين مكرم عبيد باشا سكرتير عام الوفد والنقراشي باشا..

في عهد الرئيس حسني مبارك 1981-2011 الذي طال حتي اختلفت الآليات الحاكمة في آخره عن الآليات الحاكمة في بداياته كان الموقف من تولي الوزارة مختلفا تمام الاختلاف بل متناقضا.

وقد عرف في أوساط عديدة أن النحاس باشا زعيم الوفد ورئيس الوزراء عرض هذا المنصب على النقراشي باشا الذي كان في أمسّ الحاجة إليه لأنه يتكفل بنفقاته وبخاصة أنه لم يكن محاميا من الذين سيعوضهم دخلهم المهني إذا ما تركوا الوزارة.

لكن النقراشي في ذلك الخلاف لم يكن منشغلاً بالمادة وإنما كان منشغلاً في المقام الأول بتحقيق الذات والانتصار علي خصمه مكرم باشا.

وفي الوقت ذاته فقد قبل وزير الخارجية الوفدي الشهير واصف بطرس غالي (1878 ــ 1958) هذا العرض من النحاس باشا وبعد ان كان هو نفسه قد دخل الوزارة كوزير مع النحاس باشا  حيث أصبح الرجلان وزيرين في اليوم نفسه في يناير 1924 عند تشكيل وزارة الشعب. 

وظل واصف باشا يشغل هذا المنصب في وزارات النحاس الأربع الأول في 1928 و1930 و1936 و1937 لكنه تفرغ لعضوية هيئة قناة السويس بعد ذلك.

في 1952 قبل قيام الثورة ومع قيامها وتقلبات بداية عهدها كانت هناك فرصة أكبر لوجوه جديدة في الوزارة الجديدة والتعديلات الوزارية التي حدثت في ٢٦ يناير 1952 ثم في 7 فبراير ثم في أول مارس ثم في أول يوليو ثم في 22 يوليو ثم في 24  يوليو ثم في 7 سبتمبر ثم في 9 سبتمبر و في 9  ديسمبر.

الحكومات في عهد مبارك
الحكومات في عهد الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك

ومن هذه الحالات حالة طريفة رواها صلاح الشاهد عن حسن كامل الشيشيني الذي شغل منصب وزير الزراعة في وزارة الهلالي باشا الثانية في 22 يوليو 1952 فقد كان رئيسا لبنك التسليف الزراعي.

واقترح صلاح الشاهد اسمه علي نجيب الهلالي باشا الذي لم يكن راغبا في الاستعانة بمحمود غزالي باشا في موقع وزير الزراعة في يوليو 1952 ، وكان الهلالي قد رسم اختياراته على أن تكون استمراراً لمن تعاونوا معه من قبل.

ويروي صلاح الشاهد كبير الأمناء (الذي كانت قرابته لكل من حماة الملك فاروق الجديدة  أي أصيلة هانم والدة الملكة ناريمان من ناحية وللرئيس نجيب نفسه من ناحية أخري تعطيانه  مساحة متزايدة من الدور الذي لعبه في تلك المناسبة ) أنه هو الذي اقترح على الهلالي باشا الاستعانة بالشيشيني باشا وزيرا للزراعة 

وبحث عنه حتى وجده لكنه اعتذر فلما ألح الشاهد عليه في القبول ذكر له السبب، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك، حيث فقد الرجل مصدر دخله لمجرد عمله وزيرا لبضع ساعات لا تزيد عن يوم واحد. 

وإن كان حسن الحظ قد مكّن الشاهد من أن يعيد للرجل حقه بفضل طيبة وتفاهم الرئيس محمد نجيب، وهذه هي القصة كما يرويها صلاح الشاهد في مذكراته:

“رجعت لأسماء الوزراء السابقين في الدليل المصري ووقع نظري على اسم المرحوم الشيشيني باشا رئيس مجلس إدارة بنك التسليف الزراعي، وعرضت اسمه على الهلالي باشا فوافق عليه فورا وطلب مني الاتصال به وعرض منصب الوزارة عليه، فاتصلت بمنزله بالدقي، ولكنني علمت أنه رحل إلى الإسكندرية بقطار الظهر…

 عرضت قصة حسن كامل الشيشيني باشا علي اللواء محمد نجيب بعد قيام الثورة بكافة تفاصيلها وظروفها ، وأخبرته بأنني مسئول عما لحق به من أضرار ، وتفضل سيادته ورد إليه المكافأة

وسألت عن عنوانه ، فلم أستدل عليه،  فكلفت ضابطا من حرس الوزراء بالمرور على جميع سماسرة الرمل وسؤالهم عن الذين استأجروا شققا أو فيلات حديثا، و أمكن لنا بعد طول البحث العثور على الشيشني باشا، وقابلته في منزله بلوران ، وعرضت له الرغبة في تعيينه وزيرا للزراعة ، ولكنه اعتذر وكررت عليه العرض قائلا: إن دولة الهلالي باشا عرض اسمك علي السراي ووافقتْ . واعتذر مرة أخري”.

“وبعد إلحاح صرح لي بعدم قبول هذا المنصب بسبب أنه عضو مجلس إدارة البنك الأهلي، ويتقاضي مكافأة ألف جنيه سنويا، ويخشي أن تضيع هذه المكافأة وخاصة في عهد اتسم بعدم الاستقرار ، وتوالي الوزارات على الحكم، وهو في حاجة إلى هذه المكافأة، كما أنه لا تتوافر لديه بدلة الرد نجوت الرمادية للمثول أمام جلالة الملك عند حلف اليمين، ولكنني ذللت هذه الصعوبة عندما عرضت عليه جاكتي الذي يناسبه تماما.

وقلت له: سوف أرسل لك البدلة فورا ، وقد أرسلت له البدلة وارتداها ، وحلف اليمين،  ودخل الوزارة وخرج منها بعد ساعات بعد أن خسر مكافأة البنك الأهلي”.

ثم نأتي إلي النهاية السعيدة كما هي العادة في الأفلام العربية:

“وقد عرضت قصة حسن كامل الشيشيني باشا علي اللواء محمد نجيب بعد قيام الثورة بكافة تفاصيلها وظروفها ، وأخبرته بأنني مسئول عما لحق به من أضرار ، وتفضل سيادته ورد إليه المكافأة ، وبقي يتقاضاها إلى أن توفاه الله”.

 

تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر

لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com