كان الدكتور عبد المعطي بيومي ( ١٩٤٠- ٢٠١٢ ) صديقا كريما تزاملنا في أكثر من عمل، وكان يتمتع بكثير من السجايا الحميدة ، فقد كان حريصا على الدقة العلمية و التحريرية إلى أبعد ما يكون الحرص.
وكان يقرن هذا الحرص بحرص آخر لا يقل حمداً ولا استحقاقا للتقدير والذكر ، وهو حرصه على مشاعر الآخرين فكان في مناقشاته وأسئلته وتعقيباته في الاجتماعات، وعلى هوامشها، رفيقاً رقيقاً بما لا يتناسب مع تعقد الخلافات و حالة السيولة القيمية التي كانت المجتمعات الثقافية قد وصلت إليها، وبقدر ما كان قادراً على التسامح والترفع فقد كان قادرا على العمل والإنتاج، وهي معادلة نادرة .
أستطيع أن أقول باطمئنان و يقين إن عمر الدكتور عبد المعطي بيومي قد قصر عن أن يفي له بآماله العلمية و الإنسانية فقد كانت له آمال عريضة لا تقف عند حدود مشيخة الأزهر.
وكان في تكوينه لثقافته العامة في هذا السن الذي عرفته فيه حريصا على أن يؤهل نفسه لمثل هذه المهمة الكبرى بالفهم القادر على المحاورة مع كافة أطياف المثقفين من الذين كانوا يهوون التشدق بالحداثة، وبما يتطلبه المجتمع المدني،والعصر الحاضر .
وحين أصدر كتابه عن الدولة المدنية في الإسلام استقبلته بعض الأقلام لا بالترحيب فحسب ولكن بالطمع في أن يؤلف لهم ما يوظف لهم كل قيم الإسلام وكل شيء في التاريخ الإسلامي بحيث يمارسون ما يمكن تسميته استنزاف التاريخ الإسلامي وعصره .
من أجل أهداف خادعة و لامعة تريد أن تنقض الإسلام نفسه، وتنهي وجوده ، وحين أدرك الدكتور عبد المعطي بيومي هذه الحقيقة بدأ ينقبض ويتراجع عن ميله لتصديق ما يدعيه من يزعمون تنورهم أو تنويرهم ، وبدأ يدرك الأمور في حقيقتها التي لا تحتمل العبث الفكري الذي استساغ الانسياق فيه كثير من المثقفين العرب المحبين لهشاشة الهوية ، لا لشيء إلا للبحث العبثي عن هوية ضائعة بضياع أكثر.
ولد الدكتور عبد المعطي بيومي في كفر الشيخ في 21 يوليو 1940 وتلقى تعليما دينيا متميّزاً بدأ بحفظ القرآن الكريم في الكتاب ثم التحق بالأزهر وواصل دراسته فيه حتى تخرج في السن التي تمثل الحد الأدنى لعمر المتخرج في الأزهر في جيله ، وهي سن الخامسة والعشرين .
إذ لم يكن يدخل معاهد الأزهر من هم دون الثانية عشرة ويدرسون ثلاث عشرة سنة فيتخرجون في الخامسة والعشرين ، وهكذا تخرج الدكتور عبد المعطي بيومي عام 1965 وسرعان ما حصل على درجة الماجستير برسالة عن فلسفة العلوم بين اليونان والمسلمين عام 1968.
فقد كان من هذا الجيل من الأزهريين الذين يمثلون طلائع المحظوظين في إتمام دراستهم العليا عقب التخرج مباشرة ، ومن دون أن يمروا بوظائف التدريس في معاهد الأزهر المختلفة في الأقاليم ، ثم نال الدكتوراه برسالة عن تجديد الفكر الإسلامي في العصر الحديث.
كان الدكتور عبد المعطي البيومي من الذين عملوا بالصجافة الإسلامية ، وقد أهله هذا للتفوق في الكتابة و التاليف، وقد عمل في بداية حياته في مجلة الوعي الإسلامي التي تصدرها الكويت.
هكذا أصبح بحكم دراسته مهيئاً للاتصال القوي و الفاعل بالمجتمع الفلسفي والثقافي في مصر، وقد ساعده على ذلك أنه اتصل في مرحلة طلب العلم والدراسات العليا بأعلام أزهريين تولوا العمادة والريادة و المناصب العليا كالدكتور محمد عبد الرحمن بيصار شيخ الجامع الأزهر والدكتور عبد المنعم النمر وكيل الأزهر ووزير الأوقاف وكلاهما ينتمي مثله إلى إقليم كفر الشيخ
كان الدكتور عبد المعطي بيومي هو العالم الوحيد الذي أفتي بجواز ترجيم الارحام، وهي فتوى ذكية الطابع والحكم، وذلك على الرغم من كون بعض قوانين الدول العلمانية (مثل فرنسا) لا تجيزه.
شارك الدكتور عبد المعطي بيومي في كثير من المواقع المتقدمة في الإدارة الجامعية لكنه كان معاصراً للدكتور محمود حمدي زقزوق السابق عليه (المولود 1933) والذي سبقه الى تولى عمادة كلية أصول الدين بالقاهرة ثلاث مرات والدكتور أحمد عمر هاشم اللاحق به (المولود1941 ) والذي كان يتولى عمادة كلية أصول الدين بالزقازيق.
وقد توليا منصب نائب رئيس الجامعة. ومع هذا فان الدكتور عبد المعطي بيومي تولى عمادة كلية اصوال الدين بالقاهرة ثلاث مرات كان آخرها في ٢٠٠٣ وذلك في العهد الذي تولى فيه الدكتور زقزوق وزارة الأوقاف لفترة طويلة كما تولى الدكتور أحمد عمر هاشم رياسة الجامعة لفترة طويلة.
تولى الدكتور عبد المعطي بيومي رئاسة تحرير مجلة منبر الإسلام التي يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
كان الدكتور عبد المعطي بيومي واحدا من الأعضاء العشرة المعينين في مجلس الشعب في دورة 2000- 2005.
اختير الدكتور عبد المعطي بيومي عضوا في مجمع البحوث الإسلامية كما كان الدكتور عبد المعطي بيومي عضوا بارزاً في لجان المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وفي اللجان الاستشارية لمكتبة الإسكندرية وفي هيئة موسوعة أعلام مصر في القرنين التاسع عشر والعشرين.
- الدولة المدنية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
- الفلسفة الإسلامية من المشرق والمغرب.
- جذور الفكر المادي.
- ابن طفيل وفلسفته.
- الماركسية في مواجهة الدين.
توفي الدكتور عبد المعطي بيومي في 31 يوليو 2012 بعد أن جاوز الثانية والسبعين بأيام قليلة.
تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر
لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا