الدكتور بدوي أحمد طبانة 1914- 1999 واحد من أبرز أساتذة الأدب العربي الذين تولوا أستاذية البلاغة والنقد على الطراز القديم مع قدر معقول من امتأثر بالنظريات الحديثة، وبالمدارس المعاصرة من دون أن يتبنوا مناهجها تماما، وهكذا فإنهم أعطوا مذاقا متميزا لدراسات نقدية عربية تجمع بين الذائقة والمنهج في مزيج متزن، وبالطبع فإنه ظل متفوقا ومجيداً في دراسة البلاغة القديمة وتقديمها على نحو منهجي، على أن الاسهام الثالث والاهم في نظري أنه وظف دراساته ومعارفه البلاغية في تناول كثير من الأعمال الأدبية المعاصرة، وأعلام الأدب المعاصر في مصر والعراق والسعودية، وقدم دراسات متميزة في هذا المجال.
نشأته وتكوينه العلمي المتكامل
ولد الدكتور بدوي طبانة بمدينة الشهداء بمحافظة المنوفية في 8 سبتمبر 1914، وتلقي تعليماً دينياً تقليدياً في الكتاب، ثم في الأزهر، ثم في دار العلوم وتخرج فيها (1938)، وعمل عقب تخرجه مدرسا بوزارة المعارف المصرية، ثم كان واحداً من أساتذة التعليم العام الذين اختيروا لمقاعد التدريس في دار العلوم، على عادة ذلك الزمان، وكان قريبا في هذا الإنجاز من الأستاذ السابق عليه في التخرج والاستاذية الدكتور احمد الحوفي ١٩٨١٠- ١٩٨٣ وقد نهج نهجه فأتم دراساته العليا في مطلع الخمسينيات في فترة قصيرة حيث حصل على درجة الماجستير في النقد الأدبي والبلاغة بتقدير ممتاز من جامعة القاهرة (1951)، ثم على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف (1953)، وكان حصوله على هاتين الدرجتين المتعاقبتين بأعلى درجات التقدير. وقد تدرج الدكتور بدوي طبانة في وظائف السلك الجامعي مدرسا، فأستاذا مساعدا، فأستاذ كرسي، ورئيسا لقسم النقد الأدبي والبلاغة والأدب المقارن بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.
طه حسين فضله على الدكتور محمد غنيمي هلال
من الطريف أن لجنة علمية برياسة الدكتور طه حسين هي التي اختارته لهذا الكرسي الذي تنافس معه عليه أستاذ النقد المنهجي الشهير الدكتور محمد غنيمي هلال ١٩١٦- ١٩٦٣، وقد أورد الدكتور محمد الدسوقي القصة في مذكراته عن طه حسين.
أستاذيته في بغداد وطرابلس والريا
وقد ظل الدكتور بدوي طبانة أستاذاً في دار العلوم، واختير أستاذاً متفرغاً بها حتى وفاته. كما عمل أستاذا بجامعات بغداد وطرابلس، وعمل في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية رئيسا لقسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي. كما اختير عضواً بالمجلس العلمي لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وفي كل هذه الجامعات كان صاحب مدارس علمية تخرج فيها عدد كبير من حملة الدكتوراه والماجستير المتخصصين في النقد الأدبي والبلاغة في مصر والبلاد العربية. كما تولي فحص وتقييم الإنتاج العلمي لعدد كبير من أعضاء هيئات التدريس في الجامعات وللمرشحين للترقيات العلمية وللجوائز الكبرى.
قدم الدكتور بدوي طبانة ترجمتين مهمتين لاثنين من كبار النقاد العرب وهما العسكري وقدامة بن جعفر، وذلك في كتابيه «قدامة بن جعفر والنقد الأدبي» وهو تحقيق لحياته وآثاره
انتخابه عضواً بمجمع اللغة العربية
فاز الدكتور بدوي طبانة بعضوية مجمع اللغة العربية (199٢) في الكرسي الثالث والثلاثين خلفا للمستشار عبد العزيز محمد رئيس محكمة النقض، وقد سبقه الى عضوية المجمع من الدرعميين اللاحقين به في التخرج الأساتذة الدكاترة تمام حسان وكمال بشر وأمين على السيد وعبد الكريم العزباوي وإبراهيم الترزي بينما فاز معه الاستاذان مصطفى حجازي وعبد السميع محمد .
أبرز مؤلفاته العلمية
«معجم البلاغة العربية» وهو موسوعة منسقة ومبوبة في فنون البلاغة وأدواتها ومصطلحاتها.
«التيارات المعاصرة في النقد الأدبي» وهو دراسة وتقويم للنقد الأدبي الحديث من وجهة نظر أستاذ مبرز في البلاغة
القديمة
«دراسات في نقد الأدب العربي» وفيه تناول نشأة النقد في الأدبي العربي، وآثار النقاد العرب الأوائل، ومناهجهم حتى القرن الرابع،
«قضايا النقد الأدبي» وفيه تناول قضايا الوحدة، والالتزام، والوضوح، والإطار والمضمون،
«نظريات في أصول الأدب والنقد» وهو دراسات في بنية الأدب واتجاهات النقد،
«البيان العربي» وهو دراسة في تطور الفكرة البلاغية عند العرب، ومناهجها، ومصادرها الكبرى،
«علم البيان» وهو دراسة تاريخية فنية في أصول البلاغة العربية»،
«النقد الأدبي عند اليونان» وتكلم فيه عن النقد قبل أرسطو، وآراء في الشعر والخطابة، وأثر الفكرة اليونانية في النقد الأدبي والبلاغة العربة،
«السرقات الأدبية» وهو دراسة في ابتكار الأعمال الأدبية وتقليدها
«معلقات العرب» وهو دراسة نقدية تاريخية في عيون الشعر الجاهلي.
«دراسات نقدية» في مصنفات وبحوث أدبية حديثة،
«سوائح وآراء» في الأدب والأدباء.
ترجماته للنقاد القدامى وللشعراء الاندلسيين والمحدثين
قدم الدكتور بدوي طبانة ترجمتين مهمتين لاثنين من كبار النقاد العرب وهما العسكري وقدامة بن جعفر، وذلك في كتابيه «قدامة بن جعفر والنقد الأدبي» وهو تحقيق لحياته وآثاره، ودراسة لما اعتبره الدكتور طبانة منهجاً في النقد الأدبي، و«أبو هلال العسكري ومقاييسه البلاغية والنقدية» وفيه تحدث عن منابع بلاغته ونقده، ومنهجه، ومقاييسه، وأثره في البلاغة والنقد.
شارك الدكتور بدوي طبانة باتصال في كثير من الأنشطة الثقافية والأدبية من المؤتمرات العلمية، ومؤتمرات الأدباء العرب، ولجان تطوير المناهج الجامعية، وخصصت له إذاعة المملكة العربية السعودية برنامجا أسبوعيا باسم: «أضواء على الحياة الأدبية المعاصرة»
قدم الدكتور بدوي طبانة ترجمتين متميزتين لاثنين من أعلام الأدب الأندلسي والمعاصر في كتابيه: «الصاحب بن عباد» الوزير العالم الأديب، و«شاعرية أحمد محرم» حياته وشعره الإسلامي والوطني والاجتماعي، وقد تناول الشاعر أحمد محرم أيضاً في كتابه كوكبة من شعراء العصر، كذلك قدم الدكتور بدوي طبانة دراسات تعريفية ونقدية بمجموعة من أعلام الحديث والمعاصر في عدد من الأقطار العربية في مصر والسعودية والعراق في مجموعة من الكتب: «كوكبة من شعراء العصر» وهو دراسة لطائفة من أعلام الشعراء العرب المعاصرين، و«فرسان الحلبة في الشعر العراقي » وهو دراسة تحليلية نقدية لخمسة من فحول شعرائه المعاصرين، و« من أعلام الشعر السعودي الحديث» ويتضمن دراسة تحليلية نقدية لطائفة من شعرائه» ،و«أدب المرأة العراقية» وهو دراسة مطولة في الأدب النسوي، وتعريف بشواعر العراق.
في مجال التحقيق
يذكر للدكتور طبانة تقديم وشرح وتحقيق كتابين هما كتاب:
«المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» لضياء الدين بن الأثير،
«الفلك الدائر على المثل السائر» لابن أبي الحديد.
في مجال الدراسات الإسلامية:
«مقدمة في التصوف الإسلامي»، وتضمن دراسة تحليلية لشخصية الغزالي، وفلسفته في «الإحياء».
بحوثه
للدكتور بدوي طبانة بحوث علمية كثيرة كان أبرزها ما نشر في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة: «معاني الكلام»، و«تجربتي في صنعة معجم البلاغة العربية، و«الترجمات والمترجمون في كتاب «الفهرست».
إسهاماته الثقافية والإعلامية
شارك الدكتور بدوي طبانة باتصال في كثير من الأنشطة الثقافية والأدبية من المؤتمرات العلمية، ومؤتمرات الأدباء العرب، ولجان تطوير المناهج الجامعية، وخصصت له إذاعة المملكة العربية السعودية برنامجا أسبوعيا باسم: «أضواء على الحياة الأدبية المعاصرة»، ثم خصص له تليفزيون السعودية برنامجا أسبوعيا موضوعه «من قضايا الفكر والأدب»، وألقي عددا كبيرا من المحاضرات العامة في الأندية والمحافل العلمية في مصر والعالم العربي. كما نشر بحوثا ومقالات علمية وأدبية ونقدية في المجلات والصحف العربية، ومن تلك المجلات: الهلال، والرسالة، والثقافة وأبوللو، والوعي الإسلامي في الكويت، والثقافة العربية في طرابلس، والفيصل في السعودية، والمجلة العربية في السعودية، والحرس الوطني في السعودية، والكلية الحربية في السعودية، والتضامن الإسلامي في السعودية، والأديب في بيروت، ومجلة مجمع اللغة العربية، وصحيفة دار العلوم.
تكريمه
نال الدكتور بدوي طبانة كثيراً من التكريم والتقدير طيلة حياته، وتوج هذا بنواله جائزة الدولة التقديرية في الآداب (1995)، ومما أذكره لهذا العالم الجليل أنه لم يجد حرجا في ان يرشح لنيل هذه الجائزة بعد ان سبقه اليها زملاء له تالون في التخرج أو الاستاذية، ومن هؤلاء التالين له الذين سبقوه اليها من أساتذة دار العلوم، الدكاترة احمد هيكل وكمال بشر والطاهر مكي ومن أساتذة الأدب العربي في كليات الآداب: الدكاترة حسين نصار وعزالدين إسماعيل وشكري عياد ومحمد زكي العشماوي ومحمود على مكي ويوسف خليف.
وفاته
توفي الدكتور بدوي طبانة