الرئيسية / المكتبة الصحفية / الشيخ #أحمد_الحملاوي وأشعاره السنوية في الإمام الشافعي

الشيخ #أحمد_الحملاوي وأشعاره السنوية في الإمام الشافعي

كان العالم اللغوي الكبير الشيخ أحمد الحملاوي (1856 – 1932) شاعرًا مجيدا مكثرًا من الشعر الاحتفالي الذي ينظمه كبار الشعراء من أمثاله في المناسبات العامة والخاصة، ينوبون فيه عن أمتهم في التعبير عن انفعالها بالزمن كما كان كذلك شاعرا ذاتيا يعبر بشعره عما يعرض لحياته الخاصة من شئون، وما يتطلع إليه من آمال.، وما يضطرم في نفسه من آلام. ومن الانصاف ان نشير إلى أن أشعار الشيخ احمد الحملاوي الاحتفالية تنبئ عن صفاء روحه وقوّة نفسه وشفافية وجدانه المتدين المتصوف، فضلا عما تدل على ه من تمسكه بآداب الدين وفضائله، حتى لقبه بعضهم «الشاعر الصوفي». وللشيخ أحمد الحملاوي قصائد عديدة في الالتجاء إلى الله وطلب المغفرة، وقد ملك حبّ النبي ﷺ على ه نفسه، فقال في مدحه قصائد كثيرة مطوّلة تبلغ المئين، عارض في أكثرها القدماء من أمثال كعب بن زهير والبوصيري. وبالإضافة إلى قصائد المديح النبوي، فإن للحملاوي قصائد كثيرة في مديح آل بيت النبي ﷺ، وخاصة أبناء السيدة فاطمة الزهراء الذين يتصل نسبه بنسبهم.

رثاء مصطفى كامل

وقد نظم الحملاوي كثيرًا من القصائد في مديح ورثاء رجال عصره، وفي مقدمة هؤلاء الزعيم الوطني مصطفى كامل باشا، وقد كان من أنصار هذا الزعيم ومن المتيمين به وبوطنيته، ونظم في رثائه قصيدة مؤثرة، نشرت بصحيفة اللواء في 25 مارس 1908:

تبكيك أعواد المنابر خشّعًا                       وعليك ذابت حسرةً وتأسّف

يأيها المنطيق ما لك ساكتًا                       حتّى متى هذا السكوت أما كفى

قم وارق منبرك الّذي عوّدته                   حسن الخطابة فالنّفوس على شفا

واصدع بأمرك يا همام فكلنا                    مرضى وأنت لنا من المرض الشّف

يتحدث باسم الزعيم مصطفى كامل

وينظم الشيخ أحمد الحملاوي على لسان الزعيم مصطفى كامل شعرا جميلا ناصحًا بني وطنه:

قد كنت فردًا واحدًا فحججت من                في الحكم جار على البلاد وأجحفا

واليوم كلكم رجالٌ فاقتفوا أثري                 وجدّوا فالهمام من اقتفى

إن ما منكم مصطفى فجميعكم                   من بعد موتي يا أفاضل مصطفى

فثقوا بمولاكم ولا تتفرّقوا                        إنّ التّفرّق كم أذلّ وأضعف

حسن توفيق العدل

ومن رثاء الشيخ الحملاوي لصديقه وزميله العظيم الأستاذ المرحوم الأستاذ حسن توفيق العدل ١٨٦٢- ١٩٠٤، أستاذ الأدب العربي الأشهر في جامعة برلين، ومرثيّتاه فيهما من محاسن شعره:

ما كلّ رزءٍ مثل رزئك يا حسن                 رزءٌ جسيم للمعارف والوطن

كنّا على ثقةٍ بعودك سالمًا                        عالي الذّرا متزوّدًا من كلّ فنّ

 

ويتأسى الشيخ أحمد الحملاوي في هذه القصيدة مغالبا آلامه ومخاطبًا صديقه الذي توفي في سن مبكرة:

ماذا جري حتى تركت أحبّةً                     حفظوك في سرّ الفؤاد وفي العلن

كانت لمنعاك البيوت مآتمًا               والنّاس قد ضجّوا ومدمعهم هتن

نبكي شمائلك التي فاقت على                    من في الحواضر والبوادي قد قطن

شعره السياسي

وللشيخ أحمد الحملاوي كثير من الشعر الذي تناول قضايا عصره بروح مثالية وأمل في الإصلاح والنمو والارتقاء.. ومن شعره السياسي هذه الأبيات الحافلة بالأمل بعد المعاناة:

يا أزمة انفرجي فالظلم قد زادا                  والبغي عم وقد صار الأذى زادا

والعدل ولى وحل الجور موضعه                      والغدر بعد اشتداد الضعف قد سادا

أما النفاق فقد راجت تجارته                     والحق أصبح في الأحداث أو كادا

والحقد والحسد الممقوت صاحبه                عم الأنام جماعات وآحادا

ختل وخدع وعدوان وتفرقة                     بين القلوب فصار الكل أضدادا

أغراض كل إذا فكرت سافلة                    حتى غدوا بعد لم الشمل أفرادا

أيها الخل لا يلوك معذرة                         إن كنت للنفس والأهواء منقادا

فالناس قد أصبحوا في سعيهم شيعا             والكل عن منهج الانصاف قد حادا

يلقاك بالبشر مسرورا ومبتسما                  ولكن الصدر منه فاض أحقادا

حتى تولت وماتت كل عاطفة                   منهم فمنهم رصين الطود قد ماد

تلاميذه

كان من أشهر تلاميذ الشيخ الحملاوي ذلك الجيل من التربويين المؤثرين في حياة الأمة، الأساتذة: الزعيم الوطني الشيخ عبد العزيز جاويش بك ١٨٧٤- ١٩٢٩، ومحمد عاطف بركات باشا ناظر مدرسة القضاء الشرعي ١٨٧٢- ١٩٢٤، والشيخ محمد الخضري بك أستاذ التاريخ الإسلامي ١٨٧٢- ١٩٢٧،، والشيخ أحمد إبراهيم ١٨٧٤- ١٩٤٥ والشيخ أحمد الإسكندري عضو مجمع اللغة العربية ١٨٧٥- ١٩٣٨، وممن أدركوه وتلقوا العلم على ه في مدرسة المرحوم عثمان ماهر باشا الأساتذة: الإمام الأكبر الشيخ حسن مأمون ١٨٩٤-١٩٧٣ الشيخ أمين الخولي ١٨٩٥-١٩٦٦ الأستاذ مصطفى السقا ١٨٩٥- ١٩٦٩ والدكتور محمد مهدي علام ١٩٠٠-١٩٩٢ .

قصائد الحملاوي في الامام الشافعي والامام الدردير

من بين علماء الإسلام، فقد خصّ الشيخ الحملاوي الإمام الشافعي بنصيب موفور من مدائحه، ونحن نعرف أنه كان شافعي المذهب، شأنه في هذا شأن العلماء المتأدبين، وكان لا يعدل أحدًا من الأئمة بالإمام الشافعي، وفضلًا عن هذا فإنه ـ كما ذكرنا ـ كان يحضر مولد الإمام الشافعي في كل عام، يبتدئ الاحتفال بقصيدة، ويختمه بأخرى.

 

ومن قصائده العديدة في مدح الإمام الشافعي هذه القصيدة الحافلة بالحب والتبجيل الذي يلامس مناطق من التقديس المنضبط المعبر عن إيمان بنورانية العلم ومن يحمله وينقله ويفيض به على الناس:

رحــاب الشافعي ظــل ظليل             ومــــورده فــــرات سلسبيـــل

وساحته بها الإحسان يهمــي             وفيهــا الجـــود منهمــل يسيـل

وروض حمــــاه للـــزوار        أمسى به الإسعاد والخير الجزيل

زيــارته إلى الخيــرات بــاب            وفيها العــز والمجـد الأثيـل

فقم نحو الحمى واقصد جنابا             على أمـــداده قـام الدليــل

وقــل يا شافعي بحسن قصد              على أعتابكـم عبــد ذليــل

فــــلا والله لا تـؤذى بسوء        ويغبطك المحقر والجليــل

وتبقى في المهابة مثل أســد              لها هذا الحمى غاب وغيــل

حماه للورى حصــن منيـع                فحاشى أن يضـام بــه نزيـل

ومن يكن الإمـــام له كفيلا        بحــاجته فيــا نعم الكفيــل

الاعتقاد في بركات الإمام الشافعي

ويتحدث الشيخ أحمد الحملاوي عن مناقب الإمام الشافعي حديثًا جميلًا يكرر فيه ما شاع عن علم ذلك الإمام العظيم وفقهه وفهمه، مرتبًا على هذه المناقب ما أحاط بشخصية الإمام الشافعي من تقديس وتبجيل واعتقاد في بركاته:

إمـام قـد حوى علمـا وفضلا              له احتاج المفضل والفضيل

فـذا حبـر الأئمـة من قـريش             قــليـل مـن يمـاثلـه قـليـل

به نــــور الشريعـة قد تلالا              ومن تأليفـه وضـح السبيـل

سفينته ببحر العلم تجـــرى               بشـرع الله ملأى لا تميـل

لقد جاب البسيطـة في صباه              لإدراك المعـارف ذا النبيـل

فنال من السعـادة كل عـــز               وطرف الدهر أرمد او كليل

معارفه طباق الأرض عمـت            كخصب جـاده غيث ونيـل

به افتخرت على الآفاق مصر            وسار بفخرها المثل الجميل

فما في الفخر بين الناس فرق            فسيــان النزيل أو الصيـل

بـه وبــآل أحمد أرض مصر             علت قدرا وحاشاه يـزول

فيــا حبرا به الدنيــا تباهـت              ويا بحرا به يشفى الغليـل

وصف وفود الزائرين

ويصف الأستاذ الحملاوي قدوم الجماهير إلى مقام الإمام الشافعي وصفًا رومانسيًا جميلًا يشع بالحب ويعبر عنه، كما يعبر عن ولاء التلميذ المحب للأستاذ الذي لم يره في صورة بديعة:

وفود الزائرين إليك وافت                تؤمّ حمى به حل القبول

يرجون العطايا من يمين                 ساب عطاؤها أبدا هطول

فوجّه نظرة من فيض فضل              ففيض نداك مولانا جزيل

ولا حظ من يزور بحسن قصد           فحسن القصد غايته الوصول

وكن عضدا لأهل العلم طرا               فباعك في الورى باع طويل

ومن أحيا لمولدكم شعارا                جميل الوضع ليس له مثيل

وكن لي بالعناية خير راع        فإنى في المحبة لا أحول

فأنت لنا إلى المختار باب                وباب الخير يفتحه الرسول

عليه الله صلى ما قرأنا                   رحاب الشافعي ظل ظليل

قصيدته: الفخر بالعمل لا بالجاه

في مطلع قصيدة شهيرة أخرى مدح بها الإمام الشافعي عند بدء الاحتفال بمولده سنة 1912، يقول الشيخ الحملاوي في القصيدة المسماة بالشطر الأول منها «الفخر بالعمل لا بالجاه والمال»:

الفخر بالعلم لا بالجاه والمال                    والمجد بالجدّ لا بالجدّ والخال

كم من مليء وضيء الوجه                      تحسبه للعلم خلًاّ ولكن فكره خالي

في المال والجاه أسباب الغرور                 ومن يعتزّ بالأهل كالمغترّ بالآل

تلك الأمور سحابات تغيّرها                     حوادث الدّهر من حال إلى حال

ولكن العلم لا ينفكّ صاحبه                      معظّم القدر في حلّ وترحال

أفق السّماكين بل أعلاه مقعده                   في كلّ حالٍ تراه ناعم البال

إن عاش عاش أجلّ الناس منـزلة                       أو مات مات بإعظام وإجلال

تعلقه بالشيخ الدردير

وللشيخ الحملاوي قصيدة رائعة في تبجيل سيرة الفقيه المالكي الشيخ أحمد الدردير ١٧١٥- ١٧٨٦، الذي هو كما نعرف أشهر شراح متن خليل، أشهر متون الفقه المالكي:

للسيد الدردير قطب الدائره                      عين لمن حلوا حماه ناظره

وله رحاب الأكرمين وساحة                   بالجود والإحسان أمست عامره

هذا أبو البركات والعلم الذي                     حاز المعالى والمعانى الفاخره

هذا هو الدردير وارث مالك                    في علمه الورى النفوس الطاهر

هذا أبو المدد المديد من إذا                       ناداه ذو كسر رآه جابره

للخلوتية في الطريق موارد                     لكنها عن ورد هذا صادره

إن نام عن ورد الطريقة نائم                    فعيون هذا القطب باتت ساهرة

حتى ارتوى من أنهر السبع                      التي بالروح والريحان ظلت عاطره

فروى وأروى ثم أمتع من أتى                 بشراب أسرار وأرضى خاطره

من بعد آل المصطفى والشافعي                 تلقاه بدرا في سماء القاهره

من ذا الذي لا يستمد هباته               وهباته السحب الهوامى الهامره

ثم يتحدث الشيخ أحمد الحملاوي حديثًا تلقائيًا بسيطًا يشبه حديث العوام عن بركات الشيخ الدردير، وهي بركات مشهورة في ذلك الجيل والأجيال التي تلته:

من جاء للدردير محتميا به                      خرّت له هام الأكابر صاغره

تبت يداه من لم يزر هذا الحمى                وبه العطايا الوافيات الوافره

وبه ثوى الأقطاب واحتاطوا به                 كالبدر في وسط النجوم الزاهره

فانظره تجد حول الضريح               أئمة كانت وجوههم الوجوه الناضره

هذا السباعي وابنه بحياله                        أو ما ترى تلك البحور الزاخره

فبهم إلى المولى الكريم توسلوا                  فلهم بفيض الفضل روح حاضره

في القبر أحيك وتلك عقيدتي                     وأرى قلوبكم بذلك شاعره

فدعوا مقال المبطلين فسوقهم                    كسدت وصارت في التجارة خاسره

بينا تراهم يعمهون بغيهم                         وضلالهم فإذا هم بالساهره

الفوائد الروحية

ويعود الشيخ أحمد الحملاوي ليؤكد على يقينه في تعدد الفوائد الروحية التي تترتب على زيارة أمثاله من محبي العلماء لمقامات هؤلاء العلماء الكبار، مستحضرين عظمتهم ومناقبهم، منتفعين ببركاتهم:

من زار أعتاب الكرام فإنه        لاشك يكرم والأدلة ظاهره

وإذا اعتدى يوما على كم معتد                  فسيوف أرباب البرازخ باتره

فخذوا السيوف من البرازخ وانحروا           نحر البغاة بل الفئات الفاجره

يستبشرون بنعمة من ربهم                      فيهم أتت وكفى بذاك مفاخره

يا أحمد الدردير إنا في الحمى                   وإليك جئنا والمدامع ماطره

جئنا إلى المدد بمولد                              أحيت لديك يد الكرام شعائره

فانظر إلى وللحضور وقل لنا                   لكم القبول ودمتم في الذاكره

واستبشروا منى بحسن عناية                    في هذه الدنيا ودار الآخره

لا زلت للزوار كعبة مقصد                      وعليك أزهار الرضا متناثره

صلى الإله على النبي وآله والصحب أرباب الأيادي الباهره

 

 

 

 

 

 
 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

 
 

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

 
 

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com