إبراهيم عامر (1922 ـ 1976) صحفى مصرى متميز، ومفكر يساري مطلع، مارس الصحافة قبل ١٩٥٢ وبعدها وكان من ابرز الشيوعيين الذين اعتقلهم الرئيس عبد الناصر خمس سنوات، كما كان احد مؤسسي صحيفة «السفير» وقد عرف بتفوقه الساطع في الصحافة منهجاً وأسلوبا وتمكناً في أصول المهنة. ثم كان أبرز وأهم ضحايا الصحفيين المصريين في الحرب الأهلية اللبنانية.
نشأته ونبوغه المبكر
ولد الاستاذ إبراهيم سعد عامر في مدينة الإسكندرية في أغسطس 1922، وحصل على شهادة الثانوية العامة من مدرسة النيل الثانوية بالإسكندرية في نهاية الثلاثينيات، فآثر العمل بها وانكب على الإنجليزية حتى ملك زمامها بفضل عشقه لمهنته، وولعه بالعمل الصامت الدائم، وقد ذاع الحديث عن تفوقه بين الوسط الصحفي ووصف مبكرا بأنه من اكفأ مديري التحرير العرب على الاطلاق.
في مدرستي السياسة والمصري
بدأ إبراهيم عامر حياته الصحفية بالعمل في القسم الخارجي في جريدة «السياسة»، ثم انتقل إلى جريدة «المصرى» كبرى الصحف الوفدية حيث عمل أيضاً بالقسم الدبلوماسى، وبهذا كان واحدا من الصحفيين الذين تخصصوا في التحرير الدبلوماسي، والتعليقات السياسية الخارجية، وبعد إغلاق «المصرى» انتقل إلى جريدة «الجمهورية» (1953)، وهى الجريدة التى أنشأتها الثورة لتكون لسان حالها، وظل يعمل بها حتى اعتقل مع مجموعات المفكرين اليساريين الذين اعتقلهم النظام في ليلة رأس السنة ١٩٥٨/ ١٩٥٩، وظل إبراهيم عامر في المعتقل حتى 1964.
السادات يرحب به في الجمهورية
بعد الافراج عن الشيوعيين نتيجة تعاظم العلاقات الناصرية مع السوفييت عاد إبراهيم عامر إلى العمل في «الجمهورية» واستقبله الرئيس السادات استقبالاً حاراً ونقل إليه رغبة الرئيس عبد الناصر في التعاون مع الشيوعيين بشرط تخليهم عن التنظيم. وقد تعاون إبراهيم عامر مع النظام، وسرعان ما انتقل إبراهيم عامر إلى «دار الهلال» للعمل في مجلة «المصور» (1964)، حيث تولى إدارة تحريرها، واشتهر تفوقه في هذه الفترة ووصف بأنه كان من أمهر وأقدر مديرى التحرير الذين عرفهم الوسط الصحفى، كما عرفه قراء «المصور» بتحليلاته الخارجية التى عكست ثقافته العالية وإلمامه بالمجتمع الدولى، وذلك نتيجة لحرصه الشديد على متابعة الكتب السياسية التى كان يكثر من قراءتها، بالإضافة إلى مداومته على متابعة الصحف العالمية التى لم تكن يده تخلو من أعدادها، وهيأ له هذا أن يكون أول صحفى مصرى يتولى رئاسة تحرير مجلة «إيماج»، وهى النسخة الفرنسية من مجلة «المصور».
قضى إبراهيم عامر السنوات الأربع الأخيرة من عمره في بيروت حيث عمل في تأسيس مجلة «بيروت المساء» حتى صدر العدد الأول منها، ثم انتقل بعدها إلى جريدة «السفير»
قيمته الفكرية
أشهر أعماله الفكرية «ثورة مصر القومية» (1919 ـ 1952)، القاهرة، دار النديم، 1957. وقد وصف هو نفسه هذا الكتاب بأنه استهدف الإطار العام لفترة الثورة من دون التفاصيل، وأنه اختار هذا الأسلوب الذي اقتدى فيه بشهدى عطية الشافعى في كتاب «تطور الحركة الوطنية (من 1882 ـ إلى 1956)»، ذاكرا أن المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعى تعرض لهذه الفترة ككل مع إغفال بعض جوانبها، وعدم إخضاعها لمقاييس الدراسة العلمية التاريخية، وعلى حين أن محمد شفيق غربال تناول جانبا واحدا من جوانبها في كتابه «تاريخ المفاوضات المصرية البريطانية». وقد كان إبراهيم عامر في هذا الإطار أول مَنْ أشاد بكتاب عبد العظيم رمضان «الحركة الوطنية» ووصفه بأنه كتاب جاء يعالج فترة من تاريخ الحركة الوطنية لم تعالج من قبل بمثل هذه الطريقة الأكاديمية، بل إنه دعا إلى أن يتقرر تدريس كتاب عبد العظيم رمضان في المدارس الثانوية والجامعات كجزء من منهج تدريس تاريخ حركتنا الوطنية، أو على اعتباره كتابا رئيسيا ضمن مناهج التوعية القومية.
تجربته اللبنانية
قضى إبراهيم عامر السنوات الأربع الأخيرة من عمره في بيروت حيث عمل في تأسيس مجلة «بيروت المساء» حتى صدر العدد الأول منها، ثم انتقل بعدها إلى جريدة «السفير» التى كانت قد نشأت بدون مطبعة أو مكاتب، لكن جهد إبراهيم عامر وأقرانه ساعد «السفير» على التفوق السريع حتى أصبحت من كبريات الصحف اللبنانية.
إشادة الأستاذ طلال سلمان بدوره العظيم في جريدة السفير
كتب الأستاذ طلال سليمان رئيس تحرير السفير في ٢٠١٧ بعض ذكرياته عن الأستاذ إبراهيم عامر فكان مما قاله: ” ابراهيم عامر مناضل مصري بدأ حياته عاملاً في بعض مصانع الغزل والنسيج، وهناك سمع عن النقابات فانتسب إلى بعضها، والى الحزب الشيوعي فقاربه مأخوذاً بشعاراته… وفيه بدأت رحلته مع الثقافة والمعرفة وصولاً إلى الصحافة، مزوداً بلغتين يتقنهما جيداً قراءة وكتابة: العربية ومعها الانكليزية. ولقد تعرض للملاحقة والمحاكمة، وسجن مرات، وظل صامداً يتابع تثقيف نفسه مقترباً من الصحافة التي وجد نفسه فيها، فعمل في مؤسسات كبرى واكتسب خبرة مهنية ممتازة، وان ظل الكتاب رفيقه.
“ذات يوم، ونحن في غمار الإعداد لإصدار «السفير» جاء الزميل المصري الراحل مصطفى نبيل في زيارة تفقدية وانتبه إلى اضطرابنا في مواجهة المهمة الخطيرة. قال: ألا تعرف ابراهيم عامر؟ إنه صحافي ممتاز ومثقف خطير، وقد ترك القاهرة بعدما عينته صحيفة يوغوسلافيا الأولى مراسلاً لها في بيروت، مكلفاً بتغطية المنطقة.ثم جاء الفنان الكبير حلمي التوني عشية الصدور حاملاً معه شعار «السفير» ـ الحمامة ـ ومعه ماكيت الصفحة الأولى. وحين وجدني أتخبط في حيرتي، سألني: ألا تعرف ابراهيم عامر؟ سأتصل به وألتقيه فأساله، ثم آتيك به، إذا لمست حماسته”. ” وجاء ابراهيم عامر إلى «السفير»، فتحولت الورشة إلى خلية نحل بعد ما تم تركيز الأسس: الثوابت، تحديد هوية الصفحات، أصول العنوان، كيفية استخدام الصور ومساحاتها، الكاريكاتير ومكانه، المقالات وكيف توزع.
توفى الأستاذ إبراهيم عامر في التاسع عشر من فبراير عام 1976. حيث أصيب في أثناء الاعتداء الذي وقع على صحيفتى المحرر وبيروت في بدايات الحرب اللبنانية الأهلية
” يوما بعد يوم صار ابراهيم عامر مرجعنا، في أصول كتابة الأخبار، في مقارنة تناول الوكالات الدولية المختلفة للحدث الواحد، في أهمية التدقيق بالمعلومة وضرورة إسنادها لأكثر من مرجع، مع شيء من التحفظ الضروري توخياً للدقة. ” أما في أيام [العطلات] فإبراهيم عامر هو منظم رحلات الترفيه، ينتشي بالطرب، ويرقص بالعصا… وهو راعي القلوب الشابة، يأتيه الأحبة ـ والأسرة كلها تقريباً من الشباب والصبايا ـ فينصح ويمسح الدموع ويصالح المتخاصمين بالغضب، ويسهم في حل الإشكالات ليعيش الحب. ولقد «تسبب» ابراهيم عامر في حوالي عشر زيجات بين الزملاء والزميلات من شباب «السفير»… وكان يزداد سعادة كلما نجح في إقناع حبيبين ببناء عش لحياة الهناء.
آثاره:
– «ثورة مصر القومية» (1919 ـ 1952)، القاهرة، دار النديم، 1957
– «قناة السويس ملكية وطنية للشعب المصرى» وهو كتاب مترجم.
– «قصة ستة جنود».
– «المسألة الزراعية في مصر».
– عشرات المقالات والدراسات الصحفية،
وفاته
توفى الأستاذ إبراهيم عامر في التاسع عشر من فبراير عام 1976. حيث أصيب في أثناء الاعتداء الذي وقع على صحيفتى المحرر وبيروت في بدايات الحرب اللبنانية الأهلية، وظل يعالج على مدى ثلاثة أسابيع بين الأمل والرجاء، وعندما ظهرت بوادر الشفاء وبدأت الابتسامة على قسمات وجهه بطيئة وعسيرة، نقل إلى غرفة الإنعاش بمستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت، وهناك ظل حتى آخر لحظة، وحيداً، فاقد الحس والحركة. وقد وصف طلال سليمان مأساة وفاته فقال : ” وبينما ابراهيم عامر في زيارة تفقدية مع الزميل نايف شبلاق لمطبعة جريدة «بيروت» انهالت القذائف فأحرقت المبنى بكامله، واحترق الزميلان عاشقا الصحافة في المطبعة… وكان مفجعاً أن يعود ابراهيم عامر إلى القاهرة التي نعشقها مثله في صندوق صغير مقفل. لكن آثار «الأستاذ» ابراهيم عامر على جيل كامل من الصحافيين في لبنان، بعضهم من بقي في «السفير» وبينهم من غادرها، كانت بين عوامل نجاح هؤلاء الزملاء في كل مكان عملوا فيه.
تكريم فلسطين لذكراه
هذا وقد اعتبرته منظمة التحرير الفلسطينية شهيداً من شهداء الثورة الفلسطينية