سئلت أكثر من مرة عن أفضل رئيس لبناني منذ الاستقلال، فقلت إنه هو الرئيس الذي بلغ لبنان في عهده أوج مجده و أروع صوره، وأصبحت عاصمته بيروت، رمزا دالا على الثقافة والحرية، والتسامح و الرقي والأزياء وكذلك الاقتصاد .
كما كانت بمثابة ملاذ أمن و أمان و لجوء من هجير الخلافات العربية.
و هو نفسه الرئيس الذي كانت رئاسته كالنسيم المنعش، و هو نفسه الرئيس الذي عاصر رئيسا فرنسيا كبيرا بنفس اسمه هو الزعيم شارل ديغول.
و هو نفسه الرئيس الذي عاصر الرئيس جمال عبد الناصر وتصادف أن انتهت مدته في بداية الأسبوع الذي توفي فيه الرئيس عبد الناصر.
إنه هو الرئيس شارل حلو (1913 ـ 2001) ومن العجيب أنه مع إخلاصه الشديد للبنان، فقد كان من كبار المخلصين للقضايا العربية وللقضية الفلسطينية أيضا، مع أنه لم يكن رئيسا تقليديا في ظرف تقليدي، وإنما كان رئيسا في ذروة عهد الاستقطاب الدولي والحرب الباردة وعهد الخلافات العربية والصراع الناصري البعثي ، كما أنه لم يكن رئيسا غير تقليدي في ظروف غير تقليدية، وإنما كان صاحب وجود هادئ راق كما كان ذا مترفع مخلص
وشهد عهده وعهد سلفه الرئيس فؤاد شهاب (1902- 1973) ازدهار لبنان الستينيات الذي ملأ الوجود سرورا وحبورا مع ضمور مراكز النهضة الفكرية والثقافية في القاهرة ودمشق وبغداد (بحكم العسكر) .
مكانته بين رؤساء لبنان
شارل حلو هو رابع رؤساء لبنان عاش ثمانية وثمانين عاما ، وكان منذ 1987 ولمدة 14 عاما بعد وفاة كميل شمعون- الذي عاش سبعة وثمانين عاما (1900-1987) بمثابة عميد الرؤساء اللبنانيين على قيد الحياة .
فقد توفي الرئيس الثالث فؤاد شهاب في 1973 أما الرئيس الأول بشارة الخوري المولود 1890 فكان قد توفي 1964 في عهد الرئيس الثالث فؤاد شهاب.
ومع هذا فإن الرئيس شارل حلو منذ ترك الرئاسة في 1970 قبل وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بستة أيام (في 22 سبتمبر 1970) ظل بعيدا تماما عن الحياة السياسية إلا في 1979 حيث قبل العمل وزيرا للدولة في وزارة الرئيس سليم الحص لمدة عشرين يوما.
وقد عاش الرئيس شارل حلو حياته بعد اعتزال الرئاسة، هادئا لا تستثيره الأحداث ولا تدفعه إلى القول برأي من الآراء التي يظن أصحابها أن حكمتهم أو خبرتهم تؤهلهم للإدلاء بها.
التاريخ المنحاز لا يعطيه حقه، فعلى الرغم من أن التاريخ العربي لا يذكر الرئيس شارل حلو بما يستحق من تكريم فإن واجب المؤرخ المنصف يلزمه أن يذكر له مدى عروبته وشهامته ونخوته وإخلاصه في توقيع لبنان لاتفاقية القاهرة 1969 التي مكّنت المقاومة الفلسطينية من العمل من أرض لبنان.
وأتاحت للبنان القوة و المنعة في وجه المطامع الإسرائيلية التي لم تكف عن التحرش بلبنان لولا هذه الاتفاقية التي حمت السيادة اللبنانية والأراضي اللبنانية من مطامع إسرائيل وإن كان الظاهر صوابا أيضا وهو أنها أتاحت للمقاومة الفلسطينية وجودا مشروعا على الأرض اللبنانية.
ومن الإنصاف أن نذكر أن الرئيس شارل حلو كان في توجهه أصدق عروبة من دولتين عربيتين أخريين لم تعطيا المقاومة الفلسطينية هذا الحق الشرعي العظيم.
في عهد الرئيس شارل حلو ظل الاقتصاد اللبناني حيا وعفيا طيلة فترة حكمة التي ازدهرت فيها بيروت بكل مقومات السياسة والاقتصاد والرياضة والحياة الاجتماعية، وذلك على الرغم من أحداث طارئة كإفلاس بنك إنترا.
كان الرئيس شارل حلو سياسيا تقليديا متزنا على نحو ما كان رئيسا تنفيذيا منجزا، وكان قد تولى مناصب وزارية في عهد أسلافه الثلاثة فتولى وزارات الخارجية والعدل والتربية الوطنية والفنون الجميلة والاقتصاد الوطني والأنباء والصحة العامة.
في عهد الرئيس شارل حلو ظل الاقتصاد اللبناني حيا وعفيا طيلة فترة حكمة التي ازدهرت فيها بيروت بكل مقومات السياسة والاقتصاد والرياضة والحياة الاجتماعي
تاريخه مع السياسة
ولد الرئيس شارل حلو في بيروت في 25 سبتمبر 1913 ، أي في مطلع برج الميزان، كما أنه تولى الرئاسة اللبنانية في مطلع برج الميزان 23 سبتمبر 1964 وتلقى تعليما مدنيا متميزا تُوّج بالتخرج بليسانس الحقوق في جامعة القديس يوسف اليسوعية 1934 وعمل بالمحاماة.
ومن المصادفات أنه بدأ عمله المهني مع مكتب الرئيس اللبناني السابق مباشرة على الاستقلال، وهو الرئيس بيترو طراد (1886 ـ 1947) الذي تولى الرئاسة لمدة شهرين قبل بشارة الخوري مباشرة (1943) وقد تزوج الرئيس شارل حلو من أسرة هذا الرئيس .
فيما بين 1946 و1949 عمل حلو-سفيرا في الفاتيكان في وقت مواكب لعمل سلفه غير المباشر الرئيس كميل شمعون سفيرا في لندن.
كذلك فقد عمل الرئيس شارل حلو بالصحافة،و لم تخلُ حياته من لمحات العمل الوطني فقد شارك في تأسيس حركة الكتائب اللبنانية في 1936 لكنه انسحب منها مبكرا .
فوزه الساحق بالرئاسة
ومن الجدير بالذكر هنا أن منافسه على الرئاسة في 1964 كان هو بيار الجميل الذي حصل على خمسة أصوات فقط مقابل حصول الرئيس شارل حلو على 96 صوتا وحصوله على تأييد سلفه الرئيس فؤاد شهاب.
وكان قد تولى شارل حلو – المنصب الوزاري خمس مرات قبل الرئاسة، في عهود الرؤساء الثلاثة الذين سبقوه ، و تولى الوزارة مرة سادسة بعد أن ترك الرئاسة بسنوات وذلك في عهد الرئيس إلياس سركيس حيث عمل وزير دولة مع الرئيس سليم الحص ( 16/7/1979 ـ 4/8/1979) وقد تولي حقائب وزارات (العدل-والصحة العامة والاقتصاد الوطني والأنباء ووزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة.
تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر
لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا