بعد أن تحولت بوصلة السيطرة السياسية في 1954 لمصلحة جناح الرئيس جمال عبد الناصر ، و بدأت ثورة 1952 خطواتها الأخيرة للخلاص من الرموز التي ارتبطت بالأحزاب، ومن السطوة المعنوية لأصحاب الفكر أو الماضي المعروف في العمل الوطني.
فإنها قررت التخلص من رئاسة العالم الجليل الدكتور أحمد زكي لجامعة القاهرة، فقد كان عالما معروفا معتدا برأيه وكان رئيسا لتحرير مجلة الهلال، ومؤسسا لما عرف على أنه المركز القومي للبحوث ، و من كتاب مجلتي الرسالة والثقافة، وعضوا في مجمع اللغة العربية .
وهذا كله أكثر مما تتطلبه الثورة من مدير لجامعة القاهرة ، و وجدت الحكومة أن أنسب حل لشغل هذا المنصب هو العودة إلى واحد من الرؤساء السابقين للجامعة على الرغم من تقاعده.
وهكذا أعادت الحكومة تعيين رئيس الجامعة الرابع الدكتور محمد كامل مرسي (1889 ــ 1957) ليخلف الرئيسين الخامس والسادس اللذين كانا يصغرانه في السن وهما علمان من أعلام العلم والفكر والوطنية الدكتور مورو ١٨٩٢ – ١٩٧٩ والدكتور احمد زكي ١٨٩٤ – ١٩٧٥ .
ثم مارست حكومات 23 يوليو هذه السياسات أربع مرات بعد ذلك في 1958 و 1961 و 1964 و1967 .
ففي خطوة ثانية ولما توفي الدكتور محمد كامل مرسي في 1957 رأت حكومة الثورة بمنطق لا يخلو من الفكر العسكري في صياغة الأقدميات أن تنقل مدير جامعة الإسكندرية الدكتور السعيد مصطفى السعيد ليكون مديرا لجامعة القاهرة ١٩٥٨ بعد أن شغل رئاسة جامعة الإسكندرية أربع سنوات (1954 ــ 1958)، وكان قد عين في منصبه مديراً لجامعة الإسكندرية بالموازاة لتعيين الدكتور محمد كامل مرسي مديرا لجامعة القاهرة .
وقد برر الجامعيون لأنفسهم هذه الخطوة وتقبلوها بطريقة تلقائية باعتبار أن مدير جامعة القاهرة بحكم منصبه هذا سيترأس المجلس الأعلى للجامعات ، ومن ثم فلابد أن يكون أقدم من غيره من المديرين.
ولما وصل الدكتور السعيد مصطفى السعيد (1908 -1985) إلى مرحلة كان لابد له فيها أن يترك منصب مدير جامعة القاهرة (لسبب من أسباب الشمولية الفكرية ) ورشح لمنصب السفير في البرتغال رأت الحكومة (مرة ثالثة) أن تأتي بمدير جامعة عين شمس الدكتور أحمد بدوي (1805 ــ 19٨٠) ليكون مديرا لجامعة القاهرة بعد أن قضى ثلاث سنوات في منصب مدير جامعة عين شمس من 1958 حتى 1961 ومن الطريف كما رأينا أن هذا الخلف كان أكبر في السن من السلف.
وفي يوليو ١٩٦٤ رأت الحكومة أن تقدم مخرجا ممتازا للخلاص من مدير الجامعة فقالت إن الدكتور أحمد بدوي الذي أوشك على بلوغ سن التقاعد ينبغي أن يتفرغ لمهمة إدارة مركز تسجيل الآثار الذي كان يمثل أهمية حضارية و سياسية كبرى في ذلك الوقت؛ فأصدر الرئيس جمال عبد الناصر قراراً جمهوريا بتعيينه مديرا لذلك المركز لمدة 3 سنوات على أن ينال عن ذلك راتباً كبيراً ويجمع معه معاشه الجامعي.
وفي القرار الجمهوري التالي لذلك القرار مباشرة تم نقل مدير جامعة الإسكندرية الجديد الذي لم يكن قد قضى فيها إلا عدة أشهر بعد أن تولاه عقب خروجه من الوزارة في مارس 1964 وهو الدكتور محمد نجيب حشاد ١٩٠٦- ١٩٦٧ ليكون مديراً لجامعة القاهرة يوليو 1964 وكانت القاعدة قد ترسخت بحيث تلجأ الدولة إلى تعيين مدير لجامعة القاهرة من منصب مدير جامعة أخرى بحيث لا يبدأ بتولي جامعة القاهرة.
برر الجامعيون لأنفسهم هذه الخطوة وتقبلوها بطريقة تلقائية باعتبار أن مدير جامعة القاهرة بحكم منصبه هذا سيرأس المجلس الأعلى للجامعات ، ومن ثم فلابد أن يكون أقدم من غيره من المديرين .
وفي 1967 جاءت المرة الخامسة (على التوالي) حين أسندت الدولة هذا المنصب إلى الدكتور محمد مرسي أحمد (1908 ــ 1985) الذي كان يشغل منصب مدير جامعة عين شمس منذ 1961 خلفا للدكتور أحمد بدوي الذي كان قد نقل مديرا لجامعة القاهرة.
وفي 1969 توقفت الدولة عن هذا التقليد مؤقتا، مع تعيين الدكتور جابر جاد عبد الرحمن مديرا لجامعة القاهرة (1910 ــ 1973) وهو الذي كان قد وصل للاستاذية في ١٩٤٨ و للعمادة في ١٩٦٢ ، و تكرر هذا مع تعيين الدكتور حسن محمد اسماعيل ١٩١٧- ١٩٩٤ وهو الذي كان قد وصل للاستاذية في ١٩٥٦ و للعمادة في ١٩٦٨ ثم الدكتور صوفي أبو طالب ١٩٢٥- ٢٠٠٨ وهو الذي كان قد وصل للاستاذية في ١٩٦٤ ولم يتول العمادة وإنما عين نائبًا لرئيس الجامعة مباشرة.
من الجدير بالذكر أن قانون تنظيم الجامعات صدر في ١٩٧٢ وأصبح المديرون رؤساء للجامعة كما أصبح وزير التعليم العالي رئيسا للمجلس الأعلى للجامعات.
ومن الجدير بالذكر أيضًا، أن الدولة عادت إلى هذا التقليد في 1980 حين أسندت رئاسة جامعة القاهرة إلى الدكتور حسن حمدي إبراهيم الذي كان قد شغل رئاسة جامعة أسيوط عاماً دراسيا (1979 ــ 1980).
أطلْت بعض الشيء في استيعاب هذا النموذج الذي كان رجاله من كليات الحقوق والآداب والزراعة و العلوم والطب لأني أعتقد أننا أصبحنا الآن في شبه حاجة إليه؛ حتى لا تظل الجامعات الحكومية أو العامة جزراً منعزلة، وحتى تكتسب القيادة الجامعية بعداً آخر، بالإضافة إلى فكرة الكفاءة وهي فكرة التتويج وما يحيط بها من تراكم الخبرات.
ومن الطريف في هذا المقام أن اشير إشارة سريعة إلى أن الدكتور محمد مرسي أحمد الذي لم يتول رئاسة جامعة القاهرة إلا في 1967 كان بمقتضى القوانين الجامعية الحالية (على سبيل المثال) مستوفيا لشروط منصب رئاسة الجامعة منذ 1948.
فقد حصل على درجة الأستاذية في 1943، وقد سار في الطريق الذي كان يؤهله لهذا المنصب مبكرا فقد كان عميداً لكلية العلوم في 1953 واصبح وكيلا لجامعة القاهرة في 1958 ،لكنه شهد تعاقب هؤلاء الرؤساء الذين وفدوا على هذا المنصب ممن شغلوا مناصب مدير الجامعة قبله في جامعات أخرى على نحو ما رأينا.
ومع هذا فإنه أخذ فرصته في رئاسة جامعة عين شمس منذ 1961 وحتى 1967 وبينما أنه كان الرابع بين رؤساء جامعة عين شمس فإنه أصبح العاشر بين رؤساء جامعة القاهرة على نحو ما كان سلفه الدكتور أحمد بدوي ثالث رؤساء جامعة عين شمس وثامن رؤساء جامعة القاهرة..
وهكذا … فإنه منذ ترك الدكتور أحمد زكي (1894 ــ 1975) رئاسة جامعة القاهرة في 1954 لم يتولها إلا مدير سابق للجامعة ولمدة ١٥ عاما حتى 1969 حين تولاها الدكتور جابر جاد عبد الرحمن (1910 ــ 1973) على حين كان الدكتور محمد مرسي أحمد نفسه بمنطق القانون الحالي صالحا لهذا المنصب منذ ١٩٤٨.
تم النشر نقلا عن موقع الجزيرة مباشر
لقراءة المقال من موقع الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا