كان الدكتور أحمد شلبي (1915 ـ 2000) واحدا من أكثر أساتذة التاريخ الإسلامي الأكاديميين اهتماما بدراسة الحضارة الإسلامية وعطائها الحضاري، وقد رزق قدرة فائقة علي استقراء التاريخ الإسلامي واستحضاره وتبويبه وإعادة كتابته بأسلوب عصري، وكان من أساتذة التاريخ القادرين علي التأريخ أي علي كتابة ما لم يكتب من التاريخ من قبل، كان الدكتور أحمد شلبي أيضا رائدا من رواد الثقافة الإسلامية العامة، وقد رزق بالقدرة علي التناول المبسط لقضايا الفكر الإسلامي، وكان ذا قدرة متميزة علي مخاطبة الجموع من خلال الإعلام، وحظيت أحاديثه التليفزيونية القصيرة بقبول كبير، وقد كان واحداً من أشهر وأحب مقدمي برنامج «حديث الروح» وغيره من برامج التليفزيون المصري في عصر انفراد التليفزيون المصري بالشاشة والمشاهدين قبل بزوغ عصر الفضائيات، ومن الطريف الذي لا ينبغي إغفال ذكره أن المذيعة اللامعة السيدة سهير شلبي ابنته وكانت زوجا لكبير المذيعين أحمد سمير .
كان للدكتور أحمد شلبي موقف واضح من قضايا الحرية والديمقراطية، وكان ممن جاهروا مبكراً بعدائهم الصريح وغير المتحفظ للسياسات الشمولية والناصرية، وكان ذا حضور مجتمعي ساطع وملتزم، وقد ربطته صداقات متينة وتعاون علمي مع كثير من أعلام الأزهر وعلمائه، وأعلام الجامعة وأساتذتها، وأذكر أني في إحدى زياراتي له في بيته العامر التقيت علي غير موعد مع الشيخ محمد خاطر مفتي الديار المصرية، ظلت مؤلفات الدكتور أحمد شلبي الأكاديمية والعامة تتمتع بقبول واسع، وطبعات متعددة، وقد امتد بمؤلفاته علي معظم مناطق معظم فترات التاريخ الإسلامي، ومعظم مجالات الحضارة الإسلامية، فيما عدا ما كان صعباً عليه أن يؤرخه من إنجازات المسلمين في العلوم الطبيعية، وكان يتميز عن أقرانه بأنه كان حجة في شئون البلاد الإندونيسية وشعوب الملايو وغيرها، وقد ربطته بهذه البلاد صلات علمية متصلة، توطدت منذ عمله مديرا للمركز الثقافي المصري في جاكرتا.
نشأته وتكوينه وووظائفه
ولد الدكتور أحمد شلبي (واسمه بالكامل أحمد جاد الله شلبي) بإحدي قري محافظة الشرقية، وتلقي تعليمه الأولي في كتاب القرية حيث حفظ القرآن الكريم، ثم درس بالأزهر، والتحق بكلية دار العلوم وحصل علي درجة الليسانس بدرجة امتياز (1945)، ثم نال درجة دبلوم التربية وعلم النفس علي عادة الأغلبية الذين كانوا يتأهلون لوظائف التدريس، ابتعث الدكتور أحمد شلبي إلى إنجلترا حيث حصل علي درجة الماجستير من جامعة لندن، والدكتوراه من جامعة كامبريدج في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ومقارنة الأديان، ثم عاد إلى مصر فعين مبكرا مدرسا بكلية دار العلوم (1951)، لكنه فصل من الجامعة بسبب معارضته لسياسات عهد الرئيس عبد الناصر، فدفعه هذا إلى السفر إلى إندونيسيا للتدريس في جامعتها، ثم توفقت أوضاعه في ظل التقارب بين مصر ونظام الرئيس احمد سوكارنو الذي كان محبا للدكتور شلبي .
ترجمت معظم كتب الدكتور أحمد شلبي للإندونيسية والماليزية والأوردية والإنجليزية والفرنسية. وذلك لسهولة مقارباتها وجودة عرضها، وتوسط حجمها
عمل الدكتور أحمد شلبي مديراً للمركز الثقافي المصري بإندونيسيا لمدة ست سنوات، وترقي كذلك في وظائف هيئة التدريس أستاذاً مساعداً (1956)، وأستاذاً (1961)، ورئيساً لقسم التاريخ والحضارة الإسلامية، وعمل بعد تقاعده أستاذاً متفرغاً بكلية دار العلوم، وقد قام في أثناء خدمته الطويلة بالتدريس في جامعات باكستان بالإضافة إلى نشاطه في ماليزيا وإندونيسيا، كانت للدكتور شلبي مكانة مرموقة في المجتمع المصري، وقد اختير عضواً في عدد من لجان المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والمجلس الأعلى للثقافة، كما اختير عضواً في المركز العالمي للسيرة والسنّة، وفي كثير من الجمعيات العلمية.
آثاره العلمية
كان الدكتور أحمد شلبي قد نظم بنفسه مجموعة مؤلفاته في ثلاث موسوعات كبيرة [موسوعة التاريخ الإسلامي، وموسوعة مقارنة الأديان، وموسوعة الحضارة الإسلامية].. وهذه هي الموسوعات والكتب التي تكونها:
«موسوعة التاريخ الإسلامي» التي تضم عشرة كتب (أجزاء)”
ـ الجزء الأول: مقدمة الموسوعة.
ـ الجزء الثاني: الدولة الأموية والحركات الفكرية والثورية في عهدها.
ـ الجزء الثالث: الخلافة العباسية.
ـ الجزء الرابع: الأندلس الإسلامية.
ـ الجزء الخامس: مصر وسوريا من مطلع الإسلام حتي العهد الحاضر.
ـ الجزء السادس: الإسلام والدول الإسلامية في جنوب صحراء إفريقية.
ـ الجزء السابع: الإسلام والدول الإسلامية في الجزيرة العربية والعراق.
ـ الجزء الثامن: الإسلام في الدول الإسلامية غير العربية بآسيا.
ـ الجزء التاسع: ثورة 23 يوليو من يوم إلى يوم.
ـ الجزء العاشر مصر في حربين 1967 و1973.
وأما «موسوعة النظم والحضارة الإسلامية» فتضم ثمانية كتب (أجزاء):
ـ الجزء الأول: الفكر الإسلامي منابعه وآثاره.
ـ الجزء الثاني: السياسة والاقتصاد في التفكير الإسلامي.
ـ الجزء الثالث: المجتمع الإسلامي.
ـ الجزء الرابع: تاريخ التربية الإسلامية.
ـ الجزء الخامس: الحياة الاجتماعية في التفكير الإسلامي.
ـ الجزء السادس: الجهاد والنظم العسكرية في التفكير الإسلامي.
ـ الجزء السابع: تاريخ التشريع الإسلامي وتاريخ النظم القضائية في الإسلام.
ـ الجزء الثامن: النظم الاقتصادية في العالم عبر العصور وأثر الفكر الإسلامي فيها.
وأما موسوعة «مقارنة الأديان» فتضم أربعة كتب (أجزاء)
ـ الجزء الأول: اليهودية.
ـ الجزء الثاني: المسيحية.
ـ الجزء الثالث: الإسلام.
ـ الجزء الرابع أديان الهند الكبري (الهندوسية ـ الجينية ـ البوذية).
كتبه التي لا تنتظمها موسوعاته الثلاث
بالإضافة إلى هذه الكتب التي ضمتها موسوعاته فقد ألف الدكتور أحمد شلبي مجموعة أخري من الكتب التي تعكس روح الأستاذ الجامعي الحريص علي تكوين مدرسة علمية، وعلي إبداء رأيه في الموضوعات المعاصرة، ومن هذه الكتب:
ـ «كيف تكتب بحثا أو رسالة».
ـ «رحلة حياة».
ـ «تعليم اللغة العربية لغير العرب».
ـ «قواعد اللغة العربية والتطبيق عليها».
ـ «في قصور الخلفاء العباسيين».
ـ «الحكومة والدولة في الإسلام».
ـ «الاشتراكية: دراسة علمية نقدية يدعمها اليقين الروحي».
حظه في الانتشار
ترجمت معظم كتب الدكتور أحمد شلبي للإندونيسية والماليزية والأوردية والإنجليزية والفرنسية. وذلك لسهولة مقارباتها وجودة عرضها، وتوسط حجمها، وقد وصف هو نفسه منهجه في هذه الكتب بأنه تعمد فيه أن تكون كتاباته نقطة البدء لمن أراد التوسع من الباحثين في أية قضية من قضايا التاريخ الإسلامي والحضارة.
تكريمه ووفاته
نال الدكتور أحمد شلبي كثيراً من التقدير ومنح وسام الجمهورية (1983)، ووسام العلوم والفنون (1988)، ووساما إندونيسيا رفيعا (1984).
توفي الدكتور أحمد شلبي في 12 أغسطس سنة 2000
تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا