كان الدكتور محمد مهدي علام (1900 – 1992) أبرز خريجي دار العلوم في جيله، والجيلين التاليين لجيله وذلك على الرغم من أن عددًا منهم ( لا يجاوز أصابع اليد) قد سبقوه إلى بعض صور المجد، لكنه بقي بمثابة الدرعمي المتملك للدرعمية، ذلك أن المجالات والميادين الأخرى التي ارتادها الآخرون كانت بعيدة نوعًا ما عن ميدان إبداع الكلية التي تخرجوا فيها، وعن مجال تفوق المدرسة التي ينتمون إليها، وعلى سبيل المثال السريع فإن صنوه من أساتذة الأدب وهو الأستاذ محمد خلف الله أحمد قد سبقه للأستاذية ولعضوية مجمع اللغة العربية ولجائزة الدولة التقديرية لكن السبب في هذا كله هو أن الدكتور مهدي علام كان قد شغل في الثلاثينيات والأربعينيات بممارسة ما كان له من نفوذ واسع في وزارة المعارف وهو نفوذ كان يفوق أستاذية الجامعة في قوته.
وعلى الرغم من أن الدكتور محمد مهدي علام لم يتولَ الوزارة ولم يتوج بزعامة شعبية، فقد ظل اسمه متقدمًا على الجميع طيلة ستين عامًا، على الأقل منذ أن عاد من بعثته وظل كذلك إلى أن توفي، وقد جمع ما لم يجتمع لغيره من الكفاءة والقدرة والمرجعية، وذلك فضلا عن أنه مارس من النفوذ المعرفي والتربوي والثقافي والإعلامي ما لم يتح لغيره. وقل مثل هذا في مناصبه الجامعية حيث جمع رئاسة قسمي اللغة العربية والإنجليزية وآدابهما معا فضلا عن عمادة كلية الآداب.
ولو أن الدكتور مهدي علام كان من المغرمين بالقنص لوصل إلى منصب وكيل وزارة المعارف قبل أن يبلغ الأربعين من عمره، لكنه كان بريطانيًا جدًّا وتربويًا جدًّا، فآثر أن يعيش حياته درجة بدرجة. كان الأستاذ محمد مهدي علام واحدا من الذين شرفوني بمنحي جائزة مجمع اللغة العربية في الأدب 1978، وكان لتقديره لي ولبحثي مذاق خاص لا أزال أحس بمجده الباعث على النشوة، رغم مضي أكثر من أربعين عاما، وقد اتصلت علاقتي به بعدها فما رأيت منه إلا أكثر مما يحلم به الانسان من التقدير الصادق.
كان مثلا أعلى للأستاذية
كان الأستاذ محمد مهدي علام في أستاذيته نموذجا لا يتكرر: كان مثلا أعلى في الانضباط، وخفة الروح والظل، وكان قادرا على التقاط الجواهر، وعلى رعاية الزهور أيضًا، وكان يفعل هذا بتلقائية شديدة، ومن دون أن يصنع لنفسه جماعة أو حزبا أو أتباعا، وإنما كان يفعله لوجه الحق والخير والجمال. وما من أحد من تلاميذه من ذوي الموهبة إلا يدين له بفضل ما في مرحلة ما من مراحل نموه وتألقه، وقد عاش حياته كلها سعيدا بدوره التوجيهي التعليمي وصناعة النجوم، وليس أدل على هذا من أنه هو الذي اكتشف الأستاذ سيد قطب (1906-١٩٦٦)، كما أنه هو الذي اكتشف الشاعر محمود حسن إسماعيل (1910-١٩٧٧) ورعاه، كذلك فقد كان هو الذي اكتشف الدكتور أحمد الحوفي ١٩١٠-١٩٨٣ فكتب له مقدمة لكتابه عن النسيب في شعر شوقي، الذي ألفه الحوفي وهو طالب. وقد أشار هو نفسه إلى هذا في كتابه عن المجمعيين في موضعين. هكذا تحققت له أبوة من طراز فريد رغم أن فارق السن بينه وبين هؤلاء الاعلام كان ضئيلا.
أوفد الدكتور محمد مهدي علام في بعثة علمية إلى إنجلترا فاستكمل دراسته العليا في جامعات إكستر، ولندن، ومانشستر، وقد شملت دراسته العليا الأدب الإنجليزي، واللغة العبرية، واللغة الفارسية
عاش الدكتور محمد مهدي علام حياته أستاذا نادرا، هادئ النفس، ذكي الفؤاد، قادرا على الإنجاز الجيد، وقد شغله الإنجاز المتميز والرئاسات والمهام الحاكمة والمحكمة التي كانت تسعي إليه عن أن يعني بآثاره هو نفسه، أو بالتأليف المنسوب إلى قلمه دون غيره، وقد ظل المسؤول الأول والحقيقي عن اللغة العربية قرابة أربعين عاما، فقد كان كبيرا لمفتشي اللغة العربية في التعليم العام والجامعي أيضًا، وكان عميدا لكلية الآداب، ثم رئيسا للجان المعنية باللغة العربية في وزارة التربية والتعليم وفي غيرها من الوزارات.
كان هو السلطة العليا
بدأت معرفة جيلنا بالدكتور محمد مهدي علام على أنه صاحب اسم كبير جدًّا، وكان يمثل بالنسبة لنا ـ معشر هواة الأدب والدراسات الأدبية ـ الشيخ الذي لا شيخ بعده، والسلطة التي لا سلطة فوقها، والنهاية التي لا يمكن أن يكون معها لا نهاية. كانت قدراته مبعث شحذ للذهن والعزيمة، وكانت نفوسنا تحدثنا بأننا إذا أردنا أن نكون شيئًا مذكورًا لابد أن نصل إلى مستواه في إجادته للغتين العربية والإنجليزية وتمكنه من علومهما ورئاسته لقسميهما، فلما رزقنا النضوج مع الزمن أدركنا أن هذا لم يكن إلا أقل جوانب عظمة أستاذيته الحقة التي لم تقف عند هذه الحدود.
كان الدكتور محمد مهدي علام ذكيا دقيقًا محبًا مرحًا عطوفًا حكيمًا، وإذا كان من العلماء مَنْ يوصف بأنه فاتن فأظنه هو الذي يستحق هذا الوصف في جيله وربما بين الأجيال المتعددة التي عاشرها وعاشرته. لم يكن من قبيل الصدفة أنه اختير معلمًا للملك فاروق، ولا أنه كان بمثابة أنشط من اعتمد عليهم الهلالي باشا منذ توليه لوزارة المعارف ١٩٣٤-١٩٣٦، ولا أنه كان بمثابة المستشار المفضل لكمال الدين حسين أكثر رجال الثورة علاقة بالتربية والتعليم والثقافة، ولا أن كان بمثابة صاحب القول الفصل في ترقيات الأساتذة واختيار المذيعين والمذيعات والمحررين وما إلى ذلك كله.. إلخ.
نشأته وشبابه
ولد الدكتور محمد مهدي علام في 3 أكتوبر سنة 1900 بالقاهرة، وتلقى تعليما مدنيا متميزا في عصره فأتم المرحلة الابتدائية في مدرسة جوهر اللاله، والدراسة الثانوية في مدرسة عثمان باشا ماهر، وكانت بمثابة مدرسة نموذجية في وقتها، وكان ناظرها هو الأستاذ الكبير أحمد الحملاوي، ثم تقدم لامتحان المسابقة للقبول بدار العلوم في نوفمبر 1916، فكان أول الناجحين. وبدأ الدراسة بدار العلوم في يناير 1917 وتخرج في يونيو سنة 1922، وقد تأخر تخرجه هو وزملاؤه بسبب أحداث ثورة 1919، ومع هذا فإنهم تخرجوا في سن صغيرة نسبيا إذا ما قورن بالسن التي أصبح الأزهريون يتخرجون فيها بعد التحاقهم بدار العلوم.
دور قيادي في ثورة ١٩١٩
أسهم الدكتور مهدي علام في شبابه بدور بارز مع طلبة المدارس العليا (الكليات الجامعية حاليا) في مقاومة الاحتلال البريطاني، وكانت له مكانة متقدمة بين أقرانه، حيث كان العضو الممثل لدار العلوم في لجنة المدارس العليا التي كانت تعمل في سرية تامة على تأجيج الروح الوطنية في الشعب طيلة أحداث ثورة 1919. وهكذا كان الدكتور محمد مهدي علام في شبابه ثائرًا مع الثوار على نحو ما كان في كهولته مديرا فاعلًا مع كبار التنفيذيين (في الحكومة والجهاز التنفيذي)، وكان في شيخوخته أحكم الحكماء في المجامع والمجالس واللجان.
وقد عاش كل مرحلة من حياته على النحو المتوائم معها، ولهذا عاش سعيدا طيلة حياته، التي كانت حياة طويلة مباركة بفضل الله سبحانه وتعالى. أحب أن أعترف بشيء طريف، وهو أني لما سعدت بمعرفته آثرت أن يعرفه شقيقي الدكتور أحمد أيضًا، رغم عزوفه عن معرفة المشاهير والكبراء، ولا يزال شقيقي حتى يومنا هذا يتمثل سلوك الدكتور محمد مهدي علام المهذب الهادئ، وحفاوته البالغة في استقباله، وحرصه على أداء كل حقوق الضيافة والكرم بقدر لا يعتمد فيه على غيره ولا يعول فيه على نظام دائم أو غير دائم، وكأنما وصلت به الحكمة أن يعود، وهو في القمة أ فردًا كما بدأ وهو في الشباب فردًا.
ابتعاثه
عقب تخرجه في دار العلوم، وهو في الثانية والعشرين من عمره، أوفد الدكتور محمد مهدي علام في بعثة علمية إلى إنجلترا فاستكمل دراسته العليا في جامعات إكستر، ولندن، ومانشستر، وقد شملت دراسته العليا الأدب الإنجليزي، واللغة العبرية، واللغة الفارسية، واللغة الألمانية، وعلم النفس، وحصل في هذه الدراسات على دبلومات عالية، ثم حصل على درجة الدكتوراه، وكانت العادة أن يكتفي المبعوثون من طبقته بالحصول على الدبلومات، وكانت النظم المصرية والبريطانية متوافقة على هذا الاكتفاء حفاظًا لمؤسسة التعليم العام على رجاله من أن ينخرطوا في سلك التدريس الجامعي (حتى إن لم يوجد في ذلك الحين في مصر)، وحتى يحتفظ التعليم العام في مستوياته التوجيهية والرقابية بأمثاله على نحو ما كان معروفًا في هذه الأجيال.
قدراته النفسية
كان الدكتور محمد مهدي علام دقيق العبارة، رائع الوصف وكانت قدرته على تلمس الإيجابيات هائلة. وكان يجمع إلى الخصال المتميزة التي تنميها التربية الإنجليزية المتكاملة حرارة شرقية تعبر عن نفسها بدفء محبب إلى النفس، وكان يجمع إلى الخصال العلمية الفائقة روح التأثر الذي يقدر طبيعة كل شاب ثائر يريد من العلم أن يكون له لا أن يكون هو للعلم، وكان يجمع إلى هدوء النفس طلاقة في التعبير عن السعادة. وكان أسعد الناس بأبنائه وأحفاده وكان فخورًا بتقدمهم في السن والخبرات والقدرات، وكأنه يرى فيهم صورة من صور الأجيال التي رعاها حتى صارت إلى ما صارت إليه.
لم يكن الدكتور محمد مهدي علام من الذين يجيدون التحزب أو يمارسونه، ولم يكن من الذين يفرطون في تقدير المعاونين، وإنما كان تعادليًا في رؤيته وفي نظرته وفي أحكامه، ولكنه مع هذا كان يدرك أنه لابد أن يكون هناك أول، ولابد أن يكون هناك فائز بالوظيفة ولابد أن يكون هناك عميد، ولابد أن يكون هناك رئيس.. وهكذا فإنه طيلة حياته لم يحاول للحظة واحدة أن يوقف عجلة الزمن حتى لو دفعته اعتقاداته إلى الظن بأن كل من يراهم مرشحين أقل من أن يشغلوا الموقع الذي يصبون إليه. وهكذا فإنه فيما عهد إليه من أمور التحكيم كان حكما ممتازا متفردا مضت أحكامه في سلاسة لتقدم للوطن ما هو بحاجة إليه في المكان والزمان المناسبين، وقد فعل هذا في كثير من الوظائف دون أن يدري أحد، فهو الذي اختار كثيرًا من المستشارين الثقافيين ورؤساء الأقسام والأساتذة والعمداء والمذيعين… وغيرهم.
كان الدكتور محمد مهدي علام بمثابة أكبر شخصية أدبية حظيت بعضوية أكبر عدد من المجالس العليا في عهد الثورة
لا يزال مكان الدكتور محمد مهدي علام شاغرًا لا عن قلة في الكفايات، ولكن عن قلة في الرغبة في العطاء المستمر على نحو ما أعطى، فقد تسارع العصر الذي نعيشه، حتى جعل كل من توكل إليه المهمات التي كانت توكل إلى الدكتور محمد مهدي علام يسارع في التخلص منها، لا بالاعتذار، ولكن بسلوك المسلك الذي يجعله يظهر رافضا لأن يكون حكما، ولأن يستمر حكما، وذلك بأن يحرص بكل وضوح على أن يظهر انحيازه، حتى لو أعلن عدم الانحياز. كان الدكتور محمد مهدي علام في قيادته (بالفعل قبل القول) طيلة ما يقرب من نصف قرن حكما حكيمًا قادرًا على الحكمة، وكان محايدا حقيقيا قادرا على الحياد الإيجابي بكل ما تعنيه هذه الكلمات.
إفادته من العقلية الإنجليزية
كان حديث الدكتور محمد مهدي علام طليقا لطيفا، وكانت رواياته حافلة بكل ما تحفل به روايات أمثاله من المفارقات والمصادفات والطرائف واللطائف، ولكنه كان شأنه شأن كثيرين أكبر من أن يجلس ليسجلها، وأعقل من أن يجعلها تحسب عليه، وأعف من أن يندفع إلى توثيقها. ومع أنه سوف يظل محل تقدير لهذه الأخلاق الثلاثة، فإنه سيظل بمثابة من يستحق العتب المهذب (الذي لن يسمعه) مني ومن أمثالي على مثل هذا الترفع غير المطلوب، أو بالأحرى عكس المطلوب.
لا أظن أحدًا من أساتذة الأدب أفاد في أستاذيته من التعلم في بريطانيا كما أفاد الدكتور محمد مهدي علام، فقد صُنع في بعثته ليكون أستاذا شاملا، لا هو أستاذ مؤلف فحسب، ولا هو أستاذ امتحانات فحسب، ولا هو أستاذ للدراسات العليا فحسب، ولا هو أستاذ ممارس لا مهنة فحسب، ولا هو أستاذ معلم فحسب، ولكنه كان يتفرد بالقدرة على أن يتولى رياسة هذه الأنماط جميعا بما يقدر عليه من توجيه لكل المتطلبات المأمولة في كل هذه الطرز من الأساتذة. وقد شغل هذا الموقع من الأستاذية طيلة فترة طويلة، وانفرد بموضع القمة (بين أساتذة الآداب)، وإن سبقه زميله الأستاذ محمد خلف الله لبعض الوقت، لكنه ظل معه في المكانة الأولى قرابة عشرين عامًا منذ وفاة الدكتور طه حسين وحتى وفاته هو.
سلطاته المبكرة
أصبح الدكتور مهدي علام منذ عودته، ومنذ مرحلة مبكرة من أستاذيته، نموذجا للأستاذ القادر على إفادة جموع كبيرة من الطلاب بعلمه، وقد عرفت كثير من معاهد العلم طريقها إليه وعرف طريقه إلى التعاون معها، ويندر أن نجد أستاذا امتدت مظلة علمه إلى هذا العدد الكبير من معاهد العلم، فقد قام بالتدريس في كلية دار العلوم، وفي كليات الآداب، وفي قسم التخصص بجامعة الأزهر 1928 – 1936.
كما قام بالتدريس في بريطانيا في جامعة مانشستر (1936 ـ 1948)، وفي قسم الدراسات العليا بشعبة اللغة الإنجليزية بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر (1962 ـ 1983)، كما كان أستاذا للنقد الأدبي بالمعهد العالي للتمثيل (1952 ـ 1957)، كذلك كان رئيسا منتدبا لقسم اللغة الإنجليزية بمدرسة الألسن عند إعادة افتتاحها وحتى عام 1963، وفضلا عن هذا فقد كان يرأس لجان اختبار المذيعين والمذيعات للإذاعة والتليفزيون وتدريبهم.
وقد تولى الدكتور مهدي علام سلسلة من الوظائف المرموقة والمتعاقبة طيلة حياته، فكان واحدا من المسئولين الذين عاونوا وزير المعارف أحمد نجيب الهلالي باشا على إعداد تقريره الشهير عن تطوير التعليم الثانوي، ثم كان من الذين عاونوه على رسم الخطوات التنفيذية في هذا التقرير، وكان محل ثقة نجيب الهلالي باشا في ذلك الوقت حين كان لا يزال بمثابة المستشار للمعارف ووزيرها المتوقع، وفيما بعد عودته من استاذيته في بريطانيا أصبح الدكتور محمد مهدي علام عميدا لمفتشي اللغة العربية بوزارة المعارف 1948- 1950. ومن الطريف أن خلفه في هذا المنصب كان زميله الأقدم منه في التخرج وفي عضوية المجمع اللغوي الأستاذ حامد عبد القادر ١٨٩٥-١٩٦٦.
ومع تأسيس جامعة إبراهيم (عين شمس حاليا) اختير الدكتور محمد مهدي علام ليسهم في إنشاء كلية الآداب جامعة عين شمس (1950)، وشغل فيها كرسي الأستاذية للغة العربية وآدابها، وكرسي الأستاذية للغة الإنجليزية وآدابها، وسرعان ما اختير عميدًا للكلية، وظل عميدًا لها سبع سنوات (1954 – 1961)، أي حتى بلغ ما بعد سن التقاعد، وكان، كما أشرنا، من أقرب الناس إلى قلب كمال الدين حسين وزير التربية والتعليم الأشهر في الحقبة الناصرية وعقله.
عين الدكتور محمد مهدي علام بعد تقاعده أستاذا غير متفرغ بكلية الآداب، وظل يمارس عمله في محاضراته عن اللغة العربية لليسانس، وفي محاضراته عن اللغة الإنجليزية والترجمة للدراسات العليا حتى عام 1990، وقد أشرف على عديد من رسائل الدراسات العليا في الأدب العربي، والأدب الإنجليزي للماجستير، والدكتوراه.
في مجال النشر
كان للدكتور محمد مهدي علام نشاط ممتد في النشر العلمي والأكاديمي، حيث عمل رئيسا لتحرير مجلة حوليات كلية الآداب لجامعة عين شمس (1950 ـ 1961)، كما كان نائبا لرئيس التحرير لصحيفة دار العلوم (1934 ـ 1937). وبعد بلوغه الستين عين الدكتور محمد مهدي علام رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر (1962 ـ 1964)، ثم عين مستشارا لوزارة الإرشاد القومي والثقافة 1964ـ 1969.
عضويته في الهيئات العليا
كان الدكتور محمد مهدي علام بمثابة أكبر شخصية أدبية حظيت بعضوية أكبر عدد من المجالس العليا في عهد الثورة، وعلى سبيل المثال فقد كان عضوًا مؤسسا للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب (ثم لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية) منذ إنشائه (1956)، ثم كان عضوًا في المجلس الأعلى للثقافة، ومقررا لشعبة الآداب فيه، كما كان مقررا للجنة الدراسات الأدبية. واختير عضوًا في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. كما اختير عضوًا في المجالس القومية المتخصصة، للتعليم / وللثقافة والإعلام.
نال الدكتور محمد مهدي علام كثيرا من التكريم وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب (1976)، وهو ثالث أساتذة الأدب العربي الأكاديميين الذين حصلوا عليها بعد طه حسين
كذلك عين الدكتور محمد مهدي علام مستشارا للمؤتمر الإسلامي (1956 ـ 1962)، وكان عضوًا في المجلس الأعلى لدار الكتب دار الوثائق القومية من سنة 1949 ولأكثر من عشرين عاما. ظل الدكتور مهدي علام عضوًا في لجان الفحص للإنتاج العلمي لترقية الأساتذة المساعدين والأساتذة في لجان اللغة العربية، واللغة الإنجليزية لمدة عشرين عاما، وكان كذلك عضوًا في لجنة ترقية الأساتذة للغة الإنجليزية بكليات جامعة الأزهر.
عضويته في المجامع الثلاثة
اختير الدكتور محمد مهدي علام عضوًا في المجمع العلمي المصري. وكان عضوًا مؤسسا في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر منذ تأسيسه سنة 1961، ومقررا للجنة إحياء التراث الإسلامي فيه. كما توجت حياته العلمية باختياره عضوًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة في أبريل سنة 1961 ضمن العشرة الذين عينوا في سنة 1961 بمناسبة زيادة عدد الأعضاء، وتعديل قانون المجمع.
وتبعًا للترتيب الأبجدي، فقد كان اسم الدكتور محمد مهدي علام هو الاسم قبل الأخير بين هؤلاء العشرة، وبذلك كان الشاغل الأول للكرسي التاسع والثلاثين من كراسي مجمع اللغة العربية، وهو الكرسي الذي خلفه فيه الدكتور حسن الشافعي رئيس المجمع. وقد أصبح الدكتور محمد مهدي علام من أبرز نجوم المجمع اللغوي منذ أصبح عضوًا فيه وحتى وفاته وهو نائب لرئيسه، وقد انتخب أمينا عاما للمجمع (1977)، ثم انتخب نائبا لرئيس المجمع في ديسمبر (1983)، وظل حتى وفاته يشغل هذا المنصب. وقد أشرف على تحرير مجلة المجمع فترة طويلة، وكان مقررا للجنة المعجم الكبير، ومقررا للجنة الأدب، ومقررا للجنة التراث، ومقررا للجنة الأصول، وعضوًا في لجنة الطب، وعضوًا في لجنة الهندسة.
اختياره معلما للملك فاروق
وبالإضافة إلى هذا التاريخ العلمي المتصل، فقد شاءت الأقدار للدكتور محمد مهدي علام أكثر من مرة أن يكون قريبا من السياسة ومن السلطة دون أن يكتوي بنارها، أو أن يفيد من توهج هذه النار من حوله. وقد أشرنا إلى أنه هو الذي وقع عليه الاختيار ليكون معلما خاصا للملك فاروق الأول عندما كان وليا للعهد، ولعل هذا كان أحد الأسباب التي جعلت الملك فاروق يتمتع بالقدرة على الخطابة المنضبطة، والنطق العربي الفصيح الخالي من اللحن.
تمثيله السعودية في تأسيس اليونسكو
ومن الطريف أنه كان هو الذي مثل الحكومة السعودية منتدبا من الحكومة المصرية (1945) في أول اجتماع للأمم المتحدة في لندن لتأليف هيئة اليونسكو.
المؤتمرات
مثل الدكتور محمد مهدي علام مصر في عدة مؤتمرات، حين كانت المؤتمرات قليلة العدد وكبيرة المردود، فكان رئيسا لوفد مصر في جميع المؤتمرات التي عقدت لحركة التضامن الإفريقي الآسيوي، وحركة عدم الانحياز والحياد الإيجابي في مختلف بلاد العالم (1957 ـ 1963)، ولوفد مصر لمؤتمر حقوق التأليف المنعقد في تونس (1976)، ولمؤتمر الأدباء العرب في الكويت والعراق، وفي الندوة الإسلامية العالمية التي عقدت في لاهور في باكستان (1958)؛ حيث كان المتحدث الرسمي باسم مصر. كما أنه اشترك في تمثيل مصر في أول مؤتمر في الخارج دعيت إليه حكومة الثورة بعد قيامها، وهو مؤتمر الخريجين في القدس 1954.
التكريم
نال الدكتور محمد مهدي علام كثيرا من التكريم وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب (1976)، وهو ثالث أساتذة الأدب العربي الأكاديميين الذين حصلوا عليها بعد طه حسين، ومحمد خلف الله أحمد. كذلك نال الدكتور محمد مهدي علام على مدى حياته كثيرًا من التكريم الرسمي، فمنح وسام الجمهورية من الطبقة الثالثة (1956)، ووسام الجمهورية من الطبقة الثانية (1977). ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى (1983)، ووسام العلوم والفنون (1991) عند الاحتفال بمئوية دار العلوم. وكان هو الذي ألقى كلمة الخريجين في الحفل الذي حضره الرئيس مبارك، بمناسبة الاحتفال الكبير بتأسيس دار العلوم، وقد كرمه الرئيس مبارك في هذا الحفل بنفسه بما يليق بمكانته. لم يكتب محمد الدكتور مهدي علام كتابا لمذكراته، ومع هذا فقد سجل الأستاذ أبو بكر عبد الرازق بعض ذكريات الدكتور محمد مهدي علام في كتاب جميل نشرته مكتبة مصر.
مقاله المبكر عن سيد قطب
قلنا إن الأستاذ محمد مهدي علام هو الذي اكتشف عبقرية سيد قطب حين كان لا يزال طالبًا في دار العلوم، وقد نشر الدكتور محمد عمارة نص المقدمة التي كتبها الدكتور محمد مهدي علام لمحاضرة تلميذه سيد قطب عن مهمة الشاعر في الحياة وشعر الجيل الحاضر في 28 فبراير 1932م، وفيها قال الدكتور محمد مهدي علام: “ولئن كنت قد قدمت المحاضر سيد قطب بأنه طالب، يسرني أن يكون أحد تلاميذي، فإني أقول اليوم ـ وقد سمعت محاضرته ـ إنه لو لم يكن لي تلميذ سواه لكفاني ذلك سرورا، وقناعة واطمئنانا إلى أنني سأحمّل أمانة العلم والأدب إلى من لا أشك في حسن قيامه عليها”.
وقد كان الدكتور محمد مهدي علام من الإنصاف لدرجة أنه أشاد بالجرأة الرشيدة التي دعت سيد قطب إلى الاستقلال بالرأي في بحثه حتى ” لو خالفنا في بعض ما نعتقده من الآراء الأدبية”، وهي جرأة ستجعله أحب إلى قلوبنا، إن سيد قطب باحث ناشئ تعجبني عصبيته البصيرة، وإشادته بذكر الشعراء الناشئين من أمثاله، وهو جد موفق في اختياره لهم، وليس أقل توفيقا في اختياره من شعر نفسه، وإن ستره تواضعه وراء ستار: لشاعر ناشئ. إنني أعد سيد قطب مفخرة من مفاخر دار العلوم وإذا قلت دار العلوم فقد عنيت دار الحكمة والأدب. وقد زاد الدكتور محمد عمارة هذه الجزئية إيضاحا حين عبر عن إعجابه بموقف الدكتور محمد مهدي علام من الأستاذ سيد قطب، على الرغم من انتقاد سيد قطب لطه حسين:
“وفي هذه المحاضرة سلط سيد قطب الأضواء على جيل الشعراء الشباب، الذين يتجاهلهم الكبار، ووجه النقد للدكتور طه حسين، الذي يتجاهل الأدباء الشباب، والذي يقول: إنك لتبحث عن الشاعر الشاب الذي نشأ في هذه الأعوام فصرف جماعة من الشباب عن شوقي وحافظ ومطران فلا تجده، وعن الكاتب الشاب الذي ظهر فاستحدث مذهبا في النثر صرف بعض الناس عن هيكل والمازني والعقاد فلا تظفر به. انتقد سيد قطب قول طه حسين هذا، مرجعا تفرد هؤلاء الكبار بطول الزمن، وعمل هؤلاء المشهورين على تشجيع بعضهم البعض، وعمل بعضهم على محاربة الناشئة ثم تحدى عميد الأدب العربي فقال: إن هذا الشباب الناشئ لن يقنع بقسمته تلك، ولن يهن أمام العقبات وسيعمل لنفسه كما عملوا لأنفسهم، ويخلص لمجهوده كما أخلصوا لمجهودهم من قبل، والمستقبل كفيل!
آثاره:
– فلسفة العقوبة.
– فلسفة الكذب.
– فلسفة المتنبي.
– المتنبي بين نفسيته وشاعريته.
– نظرية في نشأة فن المقصورة في الأدب العربي.
– تربية الشباب في الإسلام (بالعربية والإنجليزية).
– نظرية الوسط بين فلاسفة اليونان وفلاسفة المسلمين.
– مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاما.
– دراسات أدبية.
في التراجم:
– عائشة أم المؤمنين.
– رفاعة الطهطاوي.
– أحمد حسن الزيات.
– جوزف لندن سميث: الرجل والفنان (بالعربية والإنجليزية).
– بين اليراع والقرطاس، الروح الثورية لبرنارد شو (بالإنجليزية).
– المجمعيون: المائة الكرام (وهو الطبعة الأولى من كتاب المجمعيين).
– المجمعيون في خمسين عاما (وهو الطبعة الثانية من كتاب المجمعيين).
في التحقيق:
– نثر حفني ناصف (بالاشتراك مع الأستاذ محمد خلف الله.
وله من الكتب المدرسية:
– المطالعة الوافية للمدارس الثانوية، جزءان (بالاشتراك.
– النقد والبلاغة، جزءان (بالاشتراك.
– قواعد اللغة العربية: النحو، والصرف، المعاني، البيان، البديع، 7 أجزاء (بالاشتراك.
وراجع ترجمة الكتب الآتية:
– علم الاجتماع، تأليف الدكتور موريس جنزبرج، ترجمة الدكتور فؤاد زكريا.
– فرعون والنسر، أو عودة المجد، ملحمة بالشعر العربي، ترجمة للملحمة الإنجليزية من شعر السيدة ثريا مهدي علام، نشر مكتبة لبنان.
– السلام الذي أعرفه، ترجمة بالشعر الإنجليزي لهذه القصيدة الطويلة لمحمود حسن إسماعيل.
كذلك فقد تولى الدكتور محمد مهدي علام مراجعة دائرة المعارف الإسلامية والتعليق على آراء المستشرقين في الأجزاء التي صدرت ما بين 1949 – 1961. كما تولى مراجعة التحقيق والتقديم بمقدمات علمية للكتب التي صدرت من مطبوعات مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
وفاته
توفي الدكتور محمد مهدي علام في 19 مارس 1992.