الرئيسية / المكتبة الصحفية / العلامة الشيخ #محمد_علي_النجار الذي أعاد للنحو مجده في الأزهر الشريف

العلامة الشيخ #محمد_علي_النجار الذي أعاد للنحو مجده في الأزهر الشريف

الأستاذ محمد علي النجار (1895 ـ 1965) محقق متميز، وعالم لغة جهبذ، ورمز من رموز المعجمية العربية الحديثة، وقد اجتمع له من الفضل في هذه الميادين الثلاثة ما لم يجتمع لغيره. هو أبرز علماء اللغة الأزهريين في جيله، وقد تمتع بحضور قوي في المجتمع العلمي الأزهري، وفي المجمع اللغوي، وفي المجتمع الثقافي أيضًا. وعرف عنه نشاطه الدائب واللامع والذي وصل إلى حد الاشتراك مع ثلاثة مجمعيين بارزين في وضع المعجم الوسيط (الأساتذة أحمد حسن الزيات، وإبراهيم مصطفى، وحامد عبد القادر).

 

وبفضل هذا الحضور استعادت الدراسات النحوية في الأزهر الشريف مكانها المرموق بعد أن كادت تتوارى بسبب تضييق النظرة إلى الأزهر من ناحية، وبسبب نمو مدرسة النحو في الجامعة المصرية بعد إدماج دار العلوم في الجامعة وبروز قسم مستقل للنحو وقسم مستقل آخر لعلم اللغة ولمعان أسماء إبراهيم مصطفى وابراهيم أنيس وعباس حسن وعطية الصوالحي وعلى السباعي وعلى النجدي ناصف وصولا إلى عبد السلام هارون وتمام حسان، وفي مقابل هذا فقد ظهر أثر الأستاذ النجار في الأزهر فيمن ساروا على منواله من الأساتذة الأزهريين الذين امتد بهم العمر حتى القرن الحادي والعشرين: محمد عبد الخالق عضيمة (١٩١٠- ١٩٨٤) وإبراهيم عبد الرازق البسيوني (1911 ـ 1995) وعبد العظيم الشناوي (1911 ـ 1991)، ومحمد رفعت فتح الله (1912 ـ 1984)، وإبراهيم محمد نجا (1913 ـ 1987) وتتمثل قيمة الأستاذ النجار في أنه بدأ التفرغ للنحو بعد أن كان يجمع بينه وبين غيره من العلوم وذلك على نحو ما كان زميل دفعته في. العالمية المحقق الأشهر الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد (1900 ـ 1972) الذي لحق به في عضوية مجمع اللغة العربية بعد ثماني سنوات وتوفي بعده بسبع سنوات، وقد كان أصغر منه في السن بخمس سنوات.

 

ومن الجدير بالذكر أن مكانة الشيخ النجار قد ظهرت في وجود أكثر أساتذة النحو الأزهريين لمعانا واشتباكا مع قضايا اللغة وهو الأستاذ الشيخ محمد عرفة (1890 – 1973)، ومن الجدير بالذكر أيضا أن الامام الأكبر الشيخ محمد محمد الفحام (1894 ـ 1980) الذي حصل على العالمية النظامية قبل الشيخ النجار بثلاث سنوات كان أستاذا للنحو وحاصلا على الدكتوراه من السربون بيد أن نجم الشيخ محمد على النجار كان لا يقل سطوعا عن نجمه مع أنه تولى عمادة كلية اللغة العربية، وقد وصل الشيخ الفحام إلى المشيخة وإلى عضوية مجمع اللغة العربية بعد وفاة الشيخ محمد على النجار بسنوات. وقد شارك كل هؤلاء العلماء الأزهريون جميعًا بأساليب مختلفة وهادئة في تطوير تدريس النحو في الازهر الشريف بما واكب العصر.

 

صورته الذهنية

تمثلت لي في شخصية الأستاذ محمد علي النجار سمات علماء العصور الوسطى القادرين على الجدل العلمي المؤسس للقاعدة، فقد كنت أعرف العلماء المؤلفين والعلماء الملخصين لجهد أسلافهم، لكني لم أكن قد رأيت رأي العين هؤلاء العلماء الذين تضطرب الحياة العلمية بهم وهم يتناقشون في الأسلوب الأمثل للبناء اللغوي أو المعرفي، ولم أكن قد رأيت المناظرات النافية أو المناقضة أو حتى المناهضة للمسلّمات التي يؤمن بها أصحاب الآراء المخالفة فينقضها من يناظرونهم.. إلى أن عشت هذه التجربة في الشهور الأولى من عام 1978 مع محاضر جلسات مجمع اللغة العربية المحفوظة في نسخ مطبوعة بالرونيو أو نسخ مكتوبة بالآلة الكاتبة وأفرخ ورق الكربون في مكتبة المجمع، في البدروم الخاص بالفيلا الكبيرة التي كانت قائمة في ذلك الوقت في 26 شارع مراد بالجيزة، قبل أن تهدم ويحل محلها مبنى عمر أفندي.

 

وفي تلك المكتبة عشت مع تراث الأستاذ محمد علي النجار ومناقشاته وأسانيده، ولخصت كل ما أمكنني الوصول إليه من آرائه التي حاجج بها الدكتور محمد كامل حسين، حتى إن الأستاذ النجار يحظى في كتابي عن محمد كامل حسين بأهم موضع من مواضع الدرس العلمي والتحليل الفكري لآرائه المختلفة مع من ألفت عنه الكتاب. وفي حديثنا هنا عن الأستاذ محمد علي النجار بعض ما أؤدي به حق هذا العالم العظيم الذي آلت إليه عمادة علوم العربية في الأزهر حقبة من الزمان.

 

اعتزازه بالنمط المحافظ

عاش الأستاذ محمد علي النجار حياته عالما محافظا معتزا بمحافظته، وكان في فكره اللغوي تقليديا حريصا على الأصول، وكان قادرًا على اكتشاف مكامن الخطر في الأفكار الحديثة أو البراقة وتشخيصها، بحيث يصعب تجاهلها، وكان قوي الحجة، ساطع البرهان، بليغا حصيفا، وكان متفوقا في الفلسفة والمنطق تفوقه في العلم واللغة. رزق الأستاذ محمد علي النجار القدرة على التعبير عما رزق به من الجمع بين الرواية والدراية والإحاطة بالمراجع في كتب السابقين، كما رزق القدرة على صياغة أفكاره بطريقة جذابة وقادرة على التوافق مع المنهج العلمي الحديث، والأسلوب الجامعي.

 

وقد عرف الأستاذ محمد علي النجار طيلة حياته الأكاديمية بحرصه المخلص على سلامة اللغة، وقد داوم على كتابة مقالات متعددة في نقد الأساليب الجارية على أقلام الكتاب، والشائعة في الصحف، نشرها في بعض المجلات ثم جمعها في كتاب بعنوان «لغويات»، ونشر كذلك كتاب «الأخطاء الشائعة» (في جزأين)، وهو محاضرات كان قد انتدب لإلقائها بمعهد الدراسات العربية العالية التابع لجامعة الدول العربية.

 

نشأته وتكوينه

ولد الأستاذ الشيخ محمد علي النجار في قرية «معينا» بإيتاي البارود بمحافظة البحيرة في سنة 1895، وفي الكتّاب تعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالأزهر سنة 1908 وانتظم في دراسته، وبعد حصوله على شهادة العالمية النظامية سنة 1925 اختير مدرسًا للتاريخ الإسلامي. ولما أنشئت الكليات الأزهرية واستحدث نظام تخصص المادة (المعادل للدكتوراه) في الدراسات العليا، اختير الأستاذ محمد علي النجار لتدريس مواد النحو والصرف وفقه اللغة، وظل الأستاذ يعمل بكلية اللغة العربية، حتى أحيل للمعاش سنة 1960.

 

فضله في تحقيق التراث

كان للأستاذ محمد على النجار فضل كبير في إحياء التراث اللغوي، فقد حقق بعض أمهات الكتب، منها:

  معاني القرآن وإعرابه للفراء (الجزء الأول) بالاشتراك.

 ● الخصائص لابن جني (الأجزاء الثلاثة).

 ● بصائر ذوي التمييز لمجد الدين الفيروز أبادي (بعض الأجزاء).

 

كما راجع:

  الفاخر تأليف المفضل بن سلمة بن عاصم وتحقيق الأستاذ عبد العليم الطحاوي.

  بعض أجزاء من تهذيب اللغة للأزهري.

 

عضويته في المجمع اللغوي

نال الأستاذ محمد علي النجار عضوية مجمع اللغة العربية في وقت مبكر وبعد انتخابات ومنافسات عنيفة، وقد فاز بالعضوية في سنة 1956 ليشغل الكرسي المجمعي الثالث الذي خلا بوفاة الأستاذ أحمد العوامري، فكان ثاني من شغل هذا الكرسي، وقد تزامل معه في الفوز في هذه الانتخابات في ذلك اليوم الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف بكل جاهه وحضوره.

 

وفي مجمع اللغة العربية كان الأستاذ محمد علي النجار من أبرز أعضاء لجنة المعجم الوسيط، وكان أحد الأعضاء الأربعة الذين تولوا إخراجه على نحو ما ذكرنا في مطلع حديثنا (مع الأساتذة إبراهيم مصطفى وأحمد حسن الزيات، وحامد عبد القادر). كما كان من أبرز أعضاء لجنة المعجم الكبير، وقد وكل إليه هو والأستاذ أحمد حسن الزيات مراجعة الجزء الذي أقره المجمع من ذلك المعجم في الدورة السابعة والعشرين وما سبقها، وتنسيقه حسب المنهج الذي أقره في الدورة الثامنة والعشرين، كما كان من أبرز أعضاء لجنة معجم ألفاظ القرآن الكريم، وقد أسند إليه أيضًا جزء من أجزائه لإنجازه فأنجزه على خير وجه. ولم يتح لأحد غيره أن يجمع بين كل هذه المشاركات الجادة الفاعلة في المعاجم الثلاثة. كذلك أسهم الأستاذ محمد علي النجار بنشاطه الدائب في عدد من لجان جمع اللغة العربية:

  لجنة تيسير الكتابة.

  لجنة الأصول.

 ● المصطلحات الطبية.

  لجنة نشر التراث القديم.

 

ألقى الشيخ محمد علي النجار بالمجمع ونشر في مجلته عدة بحوث وكلمات:

  لغويات.

  الوصف وفعله.

  اللفظ عند الفقهاء.

 

كما قدم بحثين في اسم الآلة:

  السين والتاء للجعل.

  التوهم وآثاره في العربية.

 

قدم بحثين هما:

  سكرانة وسكران.

  فعلان فعلانة.

وفي المجمع تولى استقبال زميله الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد (ومن الجدير بالذكر أن الأستاذ محيي الدين عبد الحميد هو الذي قام فيما بعد بواجب تأبينه). وقد تولى تأبين اثنين من كبار أعضاء المجمع المؤسسين، هما شيخا الأزهر: الشيخ محمد الخضر حسين (1958)، والشيخ إبراهيم حمروش (1960).

 

جنس العدد

وقد اشتهر الأستاذ محمد علي النجار في الأدبيات المجمعية المتداولة بثلاثة بحوث قدمها في «جنس العدد» عارض بها مقترح الدكتور محمد كامل حسين في جنس العدد، منتصرًا للفكرة النحوية القديمة التي لا ترى فائدة في مقترح كمقترح الدكتور محمد كامل حسين.. وهذه البحوث هي:

● العدد في العربية.

● اقتراح تيسير العدد.

 ● جنس العدد.

وفي كتابنا محمد كامل حسين عالما ومفكرا وأديبا دراسة موسعة لهذه القضية تنطق بفضل الأستاذ النجار.

 

وفاته

توفي الأستاذ النجار عام 1965، وهو في السبعين من عمره، بعد نشاط حافل وصيت ذائع.

 

 

 

 

 
 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

 
 

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

 
 

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com