الرئيسية / المكتبة الصحفية / الأستاذ #محمد_فؤاد_عبد_الباقي العالم الذي لا يستقيم علمٌ من دون الاستعانة بجهده

الأستاذ #محمد_فؤاد_عبد_الباقي العالم الذي لا يستقيم علمٌ من دون الاستعانة بجهده

 

الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي (1882 ـ 1968) هو أول وأبرز مسلم وضع الفهارس الدقيقة لألفاظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وأصدق ما يقال في وصف حياته وإنتاجه القيم والرائع إنه النموذج الأمثل للمجاهد في سبيل العلم، فقد قام وحده بما تقوم به المؤسسات، وتمكن بدأبه وصبره من أن ينفذ بدقة شديدة ما تعجز نظم المعلومات الحديثة وتكنولوجيا المعلومات عن تنفيذه إلا بمعونة نخبة كبيرة من القادرين على الفهم والإعداد والبرمجة والتصنيف، وهو عند القراء والمثقفين والمتدينين وطلاب العلم كما هو عند العلماء المنصفين (بلا جدال وبعيدا عن التصنيفات العلمية والفنية والأكاديمية) سيد المحققين في جيله بسبب ما أتمه من عمل يتصل اتصالا وثيقا بنصوص العقيدة من القرآن الكريم والحديث الشريف.

ولا تخلو مكتبة مثقف مسلم من واحد من آثاره التي أفنى حياته في سبيلها، وقل مثل هذا عن المكتبات العامة إذ لا تخلو مكتبة علمية من عدد من مؤلفاته التي تحتل المكانة البارزة في قسم المراجع من أي مكتبة علمية، وهو باختصار شديد العالم الذي لا يستقيم العلم من دون الاستعانة بجهده، وصاحب المؤلفات التي لا تزال تحتل المكان الأول فيما يسميه العلماء مراجع منضدة الكتابة حيث يستحيل على أي باحث مجتهد أن يتم مقالا علميا في اللغة أو الأدب من دون الاستعانة بمرجع مما أتمه هذا العالم الجليل الدؤوب على نحو ما نعرف من خبرتنا مع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم أو مع المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف. أو مع فهارس اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم) أو مع تيسير المنفعة بكتابي مفتاح كنوز السنة.

 

نشأته وتكوينه ووظائفه

اسمه بالكامل محمد فؤاد عبد الباقي صالح محمد ، ولد في قرية ميت حلفا بمحافظة القليوبية في مارس 1882، لوالدين مصريين، وعقب ولادته مباشرة ترقي والده في عمله وانتقل إلي القاهرة حيث نشأ محمد فؤاد عبد الباقي في حي السيدة زينب، ثم اضطرته ظروف عمل والده إلى السفر مع الأسرة إلى وادي حلفا بالسودان، وسرعان ما غادر السودان مع الأسرة عائداً إلى مصر، واستقر في أسوان، حيث درس بمدرسة أسوان الابتدائية، وفي أثناء طفولته توفيت أمه، وبعد عام ونصف عام في أسوان انتقلت الأسرة إلى القاهرة، حيث تنقل مع والده وأخته من سكن إلى سكن بين أحياء العباسية وبولاق والبغالة، والتحق بمدرس عباس الابتدائية وعرف طريقه مبكرا إلى المكتبة يطالع أسرار كتبها ويستعين بالاطلاع على دراسته وتنمية فكره، ثم التحق بمدرسة الأمريكان في حي الأزبكية (1897) وعمره آنذاك 15 عاما، ولم يقدر له أن ينتظم في دراسة رسمية مألوفة، بل كان يدرس دراسة حرة حسب هواه ورغبته واستعداده.

 

أصبح الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي مؤهلاً للعمل الجاد في سن مبكرة، وقد ظهرت قدراته العلمية والتنظيمية الفذة بصورة واضحة، وهكذا عمل بالتدريس في بعض المدارس الحرة والمدارس الحكومية، وأهلته شخصيته القوية والتزامه لأن يصبح ناظراً لمدرسة بإحدى قري الوجه البحري (1900)، ولمع نجمه في هذه الوظائف وهو لا يزال في بداية الشباب، وقد ساعدته على ذلك الظهور المتميز ثقافته الواسعة، وتكوينه البدني، وكان ذا طول فارع، وبنيان شديد، وظل شاغلا لمنصب النظارة سنتين ونصف سنة، ثم عمل مدرسا لمادة الرياضة في مدرسة أخري لعام واحد (1903 ـ 1904)، ثم عمل في المدرسة التحضيرية الكبرى بدرب الجماميز (1904).

 

اختير الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ليشغل وظيفة مترجم عن الفرنسية بالبنك الزراعي (وعمره آنذاك 23 عاما)، وهي الوظيفة التي بقي فيها ردحاً من الزمن (1905 ـ 1933)، وبعد أن صفي ذلك البنك الزراعي أعماله تفرغ للإنتاج العلمي، وعمل محرراً في مجمع اللغة العربية، وافتتح دارا للنشر الإسلامي مكث يديرها طويلا، إضافة إلى عضويته في اللجنة الاستشارية للمجامع العلمية للمستشرقين، وانقطع إلى التأليف. كان الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي يقول الشعر في صباه بيد أن جهوده في التحقيق.

 

علاقته بالعلماء

تزوج الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في حياة والده (1910) ورزقه الله ثلاثة بنين وابنتين، ومن الطريف أن والده تزوج في أخريات عمره فرزقه الله بابنة كانت هي الأخت غير الشقيقة له، وقد قام برعايتها بعد وفاة والده (1921) وعمرها لم يتجاوز عامين. تعرف الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي على الشيخ محمد رشيد رضا (صاحب المنار) ١٨٦٥-١٩٣٥ في العام التالي لوفاة والده (1922) ولازمه ملازمة المريد لشيخه، كما التقي بالشيخ أحمد محمد شاكر ١٨٩٢- ١٩٥٨ فاستفاد من علمه ومنهجيته رغم أنه كان يصغره في السن، وقد كان الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي يعد رشيد رضا التلميذ الأول للشيخ محمد عبده، وكان من أوائل من سجلوا فضله في معرفة الناس بالشيخ محمد عبده، لأن «مجلة المنار» هي التي نشرت تفسير الإمام وعرفت به، وكان الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي يري ما لا نوافق عليه من أن عالم الشام الشيخ بهجت البيطار هو أشبه الناس بالأستاذ محمد عبده، وقد دحض ما أذيع عن صلة محمد رشيد رضا بالإنجليز، مبينا أنه كانت له صلة بالوهابيين والحجازيين.

 

اعتزازه بجهده وثقافته وتوجهاته

كان الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي شديد الثقة بجهده الدائب، وبدقته، وبحرصه على الصواب، و قد صور هذا المعني ما ورد في مقدمته للمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم حيث وصف عمله بأنه أدق عمل بعد كتاب الله سبحانه وتعالى. كان الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي واسع القراءة والاطلاع في الأدب الفرنسي، خاصة لفيكتور هوجو، ولامارتين، كما أقبل على أمهات الكتب في الأدب العربي، وكانت وظيفته معينا له على الاتساع والتأصيل في العلم، كما توسع في دراسة الإنجليزية فالتحق بمدرسة «برلتز». ومع هذا فإنه كان من المخلصين في حب الخلافة الإسلامية في بدء شبابه حيث عاصرها، ونظم فيها شعرا، كما كان عاشقا للتأنق، وراغبا الكمال في كل شيء، وكان لا يكتب التوقيت ولا التاريخ إلا وفقا للتوقيت العربي تأسيا بالنظام العربي الإسلامي، وتنظيما ليومه وفق الفرائض الإسلامية، والسنن الكونية، وكان أكثر ما يثير غضبه الخطأ في الدين، وعدم الأمانة في العلم، كما كانت سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم هي أكثر ما يهز وجدانه، ويثير مشاعره رقة وحنانا.

 

بدأ الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في أخريات حياته يسير وفق نظام نباتي صارم، مع الصيام شبه الدائم، وكأنه يحشد نفسه بذلك لأعماله الدينية العلمية، حتى أسماه تلامذته «صائم الدهر»، وقد وصفه أستاذنا الزركلي بأنه كان صائم الدهر، قوي العزيمة. وقد أصيب الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في عينيه بالمياه البيضاء والزرقاء، ففقد بصره تماما في أخريات عمره، وقد أثرت فيه نكسة سنة 1967 وأصابته بأزمة نفسية شديدة حتى توفي. لم ينل الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي من التكريم ما يستحقه، وسطا كثيرون على أعماله مع إعادة إنتاج هذه الأعمال، لكن القراء والباحثين يعرفون فضله وسطوهم، ويعرفون أن كل الجهود في المجالات التي ارتادها ليست إلا عالة عليه، وعلى دأبه وصبره وفهمه ووقته.

 

آثاره:

– «المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم».

– «اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان» أي: البخاري ومسلم، ثلاثة أجزاء.

– «تيسير المنفعة بكتابي مفتاح كنوز السنة».

– «المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف».

– «معجم غريب القرآن».

– «فهرس موطأ الإمام مالك».

– «سنن ابن ماجة».

– «صحيح مسلم»، وأضاف إليها شروحا.

– «شواهد التوضيح والتصريح لابن مالك»، وقد خرج الأحاديث والشواهد الشعرية به.

– «الأدب المفرد» للبخاري، وقد خرج الأحاديث الموجودة به.

– «جامع الصحيحين».

– «أطراف الصحيحين».

– «جامع مسانيد صحيح البخاري».

– «المسلمات المؤمنات: ما لهن وما عليهن من كتاب الله والحكمة».

 

ترجم:

– «مفتاح كنوز السنة» عن الإنجليزية خلال دراسته لها.

– «تفصيل آيات القرآن الحكيم» عن الفرنسية.

 

أشرف على تصحيح:

– «محاسن التأويل» سبعة عشر جزءا لجمال الدين القاسمي.

– «شواهد التوضيح والتصريح لمشكلات الجامع الصحيح» لابن مالك.

– «تصحيح وترقيم الجزء الثالث من جامع الترمذي.

 

وفاته وتأبينه

توفي الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في القاهرة في 22 فبراير سنة 1968. وفي موسوعة أعلام الفكر الإسلامي التي تشرفت بتحريرها بإشراف أستاذنا الدكتور محمود زقزوق مادة جميلة عنه كتبها الدكتور موسي شاهين لاشين جزئية مهمة، وضمنها تحقيقه لجزئية مهمة وهي أن الدكتورة نعمات أحمد فؤاد لزمته طالبة ومتعلمة، وكان لقربها الشديد منه تعلما ومدارسة وشبها في اسم الأب ما أوقع بعض مَنْ ترجم له في وهم خاطئ بأنها ابنة أخيه، ولعل ما زاد من وهمهم أن الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي كان معجبا بذكائها وحسن تعلمها حتى كان يعدها ابنته المجتباة، ومن الجدير بالذكر أن الدكتورة نعمات أحمد فؤاد كتبت مقالا عنه بعد وفاته في مجلة العربي الكويتية، 1968، وكذلك كتب عنه الدكتور أحمد الشرباصي في مجلة الأديب اللبنانية، 1968.

 

 

 

 

 

 

 
 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

 
 

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

 
 

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com