الدكتور إبراهيم رزقانة (1912 ـ 1997) أحد رواد علوم الجغرافيا في العالم العربي، انفرد بتفوقه في البحث الأثري والحفائر طيلة خمسين عاما مواصلا جهود أستاذه مصطفى عامر الذي لم يرزق عمره الطويل. وهو أول جيل أساتذة الجغرافيا الأكاديميين الذين وظفوا علوم الجغرافيا في مجالات التأليف المتعددة، وهو أستاذ لمجموعة بارزة من الجغرافيين العرب لذين تولوا مهنة التدريس الجامعي والبحوث، وخلال رئاسته لقسم الجغرافيا تخرجت أول دفعة في شعبة الخرائط.
ولد الدكتور إبراهيم أحمد رزقانة في مدينة ههيا بمحافظة الشرقية في 25 أبريل (1912)، وتخرج في قسم الجغرافيا بكلية الآداب جامعة القاهرة (1934) في سادس دفعات كلية الآداب، وهي الدفعة التي تخرج فيها معه زميله الدكتور حسان عوض، وتخرج فيها الدكتوران حسسن مؤنس وعبد العزيز الشناوي في قسم التاريخ، والأستاذ نجيب محفوظ وأساتذة الفلسفة الثلاثة أبوريدة والطويل وعلى عيسى في قسم الفلسفة، وتخرج الأستاذ الناقد عزيز فهمي في قسم اللغة العربية. وحصل الدكتور إبراهيم رزقانة على دبلوم في الآثار (1938)، وعين معيدا بقسم الجغرافيا بجامعة القاهرة (1938)، ثم عين مدرسا بقسم الجغرافيا بجامعة الإسكندرية عند افتتاحها (1942) ولم يكن قد حصل بعد على درجة الدكتوراه، وكانت الجامعة الجديدة شأنها شأن الجامعة القديمة تسمح بمثل هذا الاختيار، أي بالتعيين في وظيفة مدرس لمن لم يحصلوا على الدكتوراه بعد.
نال الدكتور إبراهيم رزقانة (1947) درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة عن «الجغرافيا التاريخية لشرق الدلتا» من واقع النصوص المصرية القديمة»، وقد نُقل أستاذا مساعدا بقسم الجغرافيا بجامعة القاهرة (1949)، ثم نال درجة أستاذ كرسي الجغرافيا التاريخية بجامعة القاهرة (1955)، وأعير أستاذا للجامعة الليبية (1957 ـ 1960)، ثم أصبح رئيسا لقسم الجغرافيا بجامعة القاهرة (1960 ـ 1970)، ثم أعير أستاذا لجامعة الرياض بالسعودية (1971 ـ 1977) وشغل منصب رئيس قسم الجغرافيا بها طوال تلك المدة.
شارك الدكتور إبراهيم رزقانة في عدد كبير من المؤتمرات العلمية، وأسهم في تنظيم بعض المتاحف مثل متحف الحضارة بأرض الجزيرة، ومتحف معهد الصحراء بمصر الجديدة، ومتحف المعادي بموقع الحفائر، وقد اختير نائبا لرئيس الجمعية الجغرافية، وعضوا في المجمع العلمي المصري، ولجنة الجغرافيا بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضوا في معهد الآثار الألماني ببرلين. نال الدكتور إبراهيم رزقانة كثيرا من التقدير، توجه بالحصول على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية (1992). وقد رشحته لها الجمعية الجغرافية المصرية.
بالموازاة لهذا كله عمل الدكتور إبراهيم رزقانة مساعدا لمدير حفائر ما قبل التاريخ بالمعادي (1935)، وظل يمارس عمله كحفار وباحث إلى أن أصبح مديرا للحفائر ابتداء من 1953، وكان عمله في حفائر المعادي موازيا لعمله كعضو هيئة تدريس بالجامعة، وسار إنتاجه العلمي في مجال التأليف الجامعي محاذيا لإنتاجه في مجال التنقيب عن آثار ما قبل التاريخ، كما سار عمله في التدريس الجامعي جنبا إلى جنب مع عمله في نشر البحوث الأثرية، وكانت رسالته للدكتوراه ومن قبلها دراسته لدبلوم الآثار قد عمقت تكوينه العلمي القوي في الجغرافيا التاريخية خاصة في مجال الايكيولوجيا (الحضارات المادية للإنسان القديم)، وقد كتب عن الحضارات المصرية في فجر التاريخ، والآلات الحجرية صناعتها وأشكالها، وعن المعابر الأرضية في عصر البلايستوسين.
وتعد مشاركات الدكتور إبراهيم رزقانة المتصلة في حفائر المعادي (ابتداء من 1935) أبرز أعماله، وكما أشرنا فقد قد ظل يعمل في هذا المجال إلى جانب عمله في التدريس أكثر من نصف قرن بلا انقطاع في أي من الجانبين حتي تهيأ له أن يظهر نتائج الحفر المتتالية ويخرجها إخراجا علميا موفقا في كتاب «المعادي» أربعة مجلدات ضخمة كان آخرها المجلد الرابع (1989)، وتكتسب حفائر المعادي التي قام بها عند علماء ما قبل التاريخ أهمية، إذ تكشف عن حضارة الاستقرار في وادي النيل الأدنى فيما يعرف بالعصر الحجري الحديث (وما بعده)، كما أنها تمتد وتشمل عصر ما قبل الأسرات الذي مهد لظهور المدنية المصرية، وهي المدنية الرائدة في تاريخ البشرية.
ويعد كتاب «المعادي» الضخم الذي نشر في أربعة مجلدات من القطع الكبير باللغة الإنجليزية أهم إنجازات الدكتور إبراهيم رزقانة العلمية، وقد طبع هذا الكتاب على نفقة المعهد الألماني للآثار المصرية (بالقاهرة). وفيه يقدم للعالم الخارجي تعريفا بإحدى حضارات مصر الأساسية في عصر ما قبل التاريخ المصري، من خلال معايشة هذا الموقع الحضاري العريق (في صحراء المعادي بجوار القاهرة) خلال الخمسين عاما التي أنفق نصفها في الحفائر العملية معاونا للأستاذ مصطفي عامر والأستاذ آزوالد منجين (الأستاذ النمساوي الزائر)، ثم منفردا بالعمل بعد وفاة مصطفي عامر واضطلاعه بإنشاء متحف المعادي (في الموقع) والدراسة التفصيلية للقطع الأثرية.
للدكتور إبراهيم رزقانة من المؤلفات والمحاضرات: «تغير قمة دلتا النيل» (1948)، و«العائلة البشرية» (1950)، «نهر النيل كما ورد في مخطوط معزو إلى سيربيون» (1950)، و«المعابر الأرضية في البلايستوسين» (1951)، و«الحضارات المصرية في فجر التاريخ» (1953)، و«الآلات الحجرية وصناعتها وأشكالها» (1953)، و«محاضرة عن تصنيف العلوم الجغرافية» (1956)، و«الري وإمكان التوسع الزراعي في مصر» (1962)، وألقي محاضرة عن «الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي» (1962)، و«بعض مشكلات الجغرافيا السياسية» (1962)، و«الجغرافيا البشرية» (1962)، و«الأنثروبولوجيا» (1963)، و«محاضرات في جغرافية المملكة الليبية»، و«الجغرافيا البشرية لحوض النيل»، و«الجغرافيا التاريخية» (1966)، و«الجغرافيا العلمية» (1969)، و«تطور علم الجغرافيا التاريخية» (1988)، و«مصر المعاصرة.. الأرض والناس» (1990).
كما اشترك الدكتور إبراهيم رزقانة في تأليف: «الجغرافيا الطبيعية» ثلاثة أجزاء (1954 ـ 1956)، و«الجغرافيا الطبيعية» (1967)، و«الجغرافيا الحيوية» (1954). واشترك الدكتور إبراهيم رزقانة في ترجمة الكتب الآتية: «علم المناخ» لأوستن ميللر، و«تقويم العالم الإسلامي» (1969)، و«الجغرافيا الاجتماعية لإفريقيا» (1969). وقد تنوعت الرسائل التي أشرف عليها ما بين الجغرافيا الإقليمية والاقتصادية والأنثروبولوجيا والجغرافيا التاريخية، وقد غطت هذه الرسائل موضوعات مصرية وغير مصرية في فروع الجغرافيا التاريخية والمدن، والجغرافيا الاقتصادية والإقليمية.