الرئيسية / المكتبة الصحفية / #إبراهيم_الدسوقي العلامة الأزهري الذي طوع العربية للهندسة والطب

#إبراهيم_الدسوقي العلامة الأزهري الذي طوع العربية للهندسة والطب

 

أبدأ بأن أكرر رأيي القائل بأن الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي هو أول علماء اللغة العربية في عصر المطبعة حين اتسعت آفاق اللغة العربية في ثلاثة مجالات: المصطلحات العلمية والكتابة العلمية، وتصحيح النصوص وما تطور إليه من التحقيق والتصدير والتعريف، وقواعد الإملاء والرسم، وقد كان هو قبل غيره بمثابة الفارس المجلى في المجالين الأولين قبل أن تنشأ الحاجة الملحة إلى وضع القواعد في المجال الثالث، ولهذا السبب فقد جعلت حديثي عنه ليكون بمثابة الفصل الأول من الباب الخاص بعلماء العربية في عصر المطبعة من كتابي المحجوب عن النشر: القامات العالية في اللغة والأدب.

اسمه بالكامل مع لقبه: الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي (1811 – 1883) وقد رأينا أن يكون اسمه فيما أنجزناه من الموسوعات ومشروعاتها وفهارسها: الشيخ إبراهيم الدسوقي (المحقق)، تمييزًا له عن الوزير إبراهيم الدسوقي مرعي (وزير الأوقاف في مطلع عهد الرئيس حسني مبارك). ولد الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي سنة 1811 في دسوق وإليها ينسب، وإن لم يكن من جيل رفاعة رافع الطهطاوي فإنه لاحق به مباشرة، إذ يصغره بعشر سنوات فقط، كما أنه توفي بعده بعشر سنوات أيضا، وفضله العلمي لا يقل عن فضل رفاعة لكن رفاعة يتفوق عليه في أثره الحضاري والتنويري، ولهذا فإنه من جيل علماء الأزهر السابق على جيل الشيخ محمد عبده، وهو بحكم السن سابق على المشايخ: محمد مصطفى الطنطاوي (1825 ـ 1889)، وسليم البشري (1832 ـ 1917)، وحسن الطويل (1834 ـ 1899).

تكوينه الثقافي ووظائفه

نال الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي شهرة واسعة في دوائر الاستشراق نظرا لاشتراكه مع المستر إدوارد لين في شرح القاموس، قبل أن يقوم ذلك المستشرق العظيم بترجمته إلى الإنجليزية

تخرج الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي في الأزهر في عهد محمد علي باشا، واختير ليتولى مراجعة النصوص وتصحيحها ومساعدة وإعانة المترجمين على إتمام وظيفتهم تبعًا للقواعد العربية. وقد عمل أولا في مدرسة الطب التي اشتهر اسمه وعلمه فيها، ثم في مدرسة المهندسخانة، ويروي أنه كان هو وحده الذي تولى تصحيح جميع الكتب الرياضية والهندسية التي ترجمت في مدرسة الهندسة إلى أن أغلقت، ونقل بعد إغلاقها إلى المطبعة الأميرية. ويبدو بوضوح للمطلع على أثار تلك الفترة أن فضل الشيخ الدسوقي على علوم الهندسة ومصطلحاتها يوازي فضل الشيخ محمد عمر التونسي على مصطلحات الطب وعلومه.

 

تلقى الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي علوم الدين واللغة في الأزهر الشريف، لكنه كان كما وصفه الدكتور محمد رجب البيومي ذا ميل للأدب والشعر، حيث تتلمذ على شيوخ يهتمون بهما، وقد قرأ دروس البلاغة واستوعبها، فلما التحق بمدرسة الطب مصححا للكتب، ساعد بعلمه وموهبته على دقة الترجمة، واتصل ببيئة ساعدته على التطلع إلى آفاق أخرى. ولما علا صيت الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي وانتقل إلى مدرسة المهندسخانة، أشرف على تصحيح مؤلفات الأساتذة في علوم الجبر والحساب والطبيعة والمعادن والهندسة، ثم عين مدرسا للعربية بها، إذ رأي أولو الأمر ألا يحرموا الطلاب من دراسة لغة الوطن، ليستطيعوا الترجمة بأنفسهم دون وسيط أزهري.

أضاف إلى التصحيح خاصتي التعريف والتقديم والتحقيق

طور الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي مهمة الإشراف على التصحيح المطبعي لإثراء الثقافة واللغة على حد سواء، فقد تعود ألا يترك عمله من دون تجويد، وهكذا جعل من عادته أن يكتب في آخر كل كتاب يتولى تحقيقه كلمة مسجوعة يثني فيها على المؤلف، ويشير إلى مزايا الكتاب.

 

 

 

نشاطه الصحفي المبكر

شارك الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي في تحرير مجلة «الوقائع المصرية»، وفي تحرير مجلة «اليعسوب» الطبية وكان بمثابة رجلها الثاني بعد مؤسسها.

اشتراكه مع المستشرق لين في شرح القاموس

نال الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي شهرة واسعة في دوائر الاستشراق نظرا لاشتراكه مع المستر إدوارد لين في شرح القاموس، قبل أن يقوم ذلك المستشرق العظيم بترجمته إلى الإنجليزية.

آثاره:

للشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي رسالة في فضائل الخيل مخطوطة في دار الكتب أرجو الله أن يوفقني لنشرها في مشروع كنوز القرن التاسع عشر.

تحقيق ديوان المتنبي

وقد تولى الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي الإشراف على طبع ديوان المتنبي بشرح الكعبري، وعلى طبع «تزيين الأسواق».. وحقق مجموعة أخرى من كتب الأدب، وهكذا أصبح من الأدباء المحققين.. على نحو ما كان ذا صلة وثيقة بكتب الطب والرياضة والهندسة والفقه والحديث والأدب والبلاغة والتفسير، وكان يرى نفسه أهلا للقيام بأعباء تحقيق الكتب التي تخرجها المطبعة في كل اتجاه!

 

شعره

له كتاب صغير مطبوع [في هيئة ملزمة] ضمنها ما أبدعه نظماَ ونثراً في مديح الخديو إسماعيل، بعنوان: «مقالة شكرية للحضرة الإسماعيلية، على إنشاء دار الوراقة ذات البهجة والطلاقة»، ومن الطريف أن تتضمن قصيدته في «دار الوراقة» مفردات ومصطلحات علمية، أما شعره فيعبر عن ثقافته التقليدية والدينية والخلقية. وقد حصر الأستاذ أحمد موسى الخطيب قصائده في كتابه “الشعر في الدوريات المصرية”، دار المأمون 1987.

 

حقق وصدّر كتبا مهمة كثيرة، منها:

– «شرح التنوير على سقط الزند» للتبريزي.

 – الطبعة الثانية من تفسير الزمخشري المعروف بـ«الكشاف».

 – صحيح الترمذي في الحديث النبوي.

– «منار الهدى في الوقف والابتدا» للأشموني.

 – «قانون ابن سينا في الطب».

– «المثل السائر» لابن الأثير.

 

من قصيدته في مديح الخديو إسماعيل

وهذه بعض أبيات رقيقة للشيخ في مديح الخديو إسماعيل من قصيدته دار الوراقة:

دارُ الوراقةِ وهي أبدعُ فائدَهْ            بمحاسن المولى الخديوي شاهدَهْ

 الشّهمِ إسمعيلَ من أضحتْ بهِ          ذكرى سواه في المعالي خامده

شمسِ العدالةِ والتحلّم والندى          بدرِ المحاسنِ والسجايا الماجده

مولى أهالي قُطره من عدلهِ             في جنّةٍ يتناوبون محامده

أنساهمُ حالَيْ عدالته بهم                 ما مرَّ من جور السّنينَ البائده

 بطلٌ به بطلتْ أراجيفُ العِدا          وتَبوَّءوا خزيَ الحياةِ البارده

شهمٌ له عزمٌ كسهمٍ نافذٍ                  لو صارع الزّمنَ الأبيَّ لوى يده   

سيفٌ صقالُ المجد هذّبه كما            قد هذّبَ المجدُ المؤثّل والده

طَرِبٌ لصوت المجتدي وكأنه          شوقاً إليه يكاد يحمد قاصده

مشكورُ توفيقٍ لنشر مآثرٍ         وكذا لمن يبغي المحامدَ خالده

 منصورُ تدبيرٍ إذا حُسّادُه         مكروا به تركَ المكيدةَ كائده

وشريفُ إعزازٍ لحافظ عهدهِ أ         وراغبٍ فيما يُسدّد ساعده

 يستدرك الخالي مفتّشُ جُوده         بلذائد الحالي ليُكثرَ حامده

 خيريُّ أعمالٍ بطلعة رأيهِ        ورياضُ فطنته يسوس مقاصده

قامت على إفراده في جُوده       آياتُ إحسانٍ تُكذّب جاحده

لو حاول الشّعراءُ راتبَ فضلهِ         لحووا من القول البديعِ فرائده

أو حلَّ راسمُ جوده ببلاقعٍ              لغدتْ لأنواع المحاسنِ حاشده   

أو لامسَ الصخرَ الأصمَّ                تفجّرتْ       منه ينابيعُ الغنى مُتطارده

أو مسَّ تُربَ الأرضِ عاد أديمُها      تِبراً يروق صفاؤه مَنْ شاهده  

للهِ ناديه البديعُ جمالُه              بكواكبٍ مصريّةٍ مُتعاضده

فلكٌ به شمسُ الخديو أشرقتْ           ما بين أنجمِ دولةٍ مُتصاعده

يتعطّرون بطيب عَرْفِ ثنائهِ           مُتمتّعين بمَسمعٍ ومُشاهده

ما منهمُ إلا أخو فضلٍ وذو كرمٍ        وذو بأسٍ يُعضّد رائده

عزّتْ مآثرُ ذا المليكِ فكلما       حاولتَها عَدّاً غدتْ مُتزايده

حاكى بتلك الدارِ جامعَ جَدّهِ            فاستحكمتْ وحوتْ محاسنَ زائده

وفاته

 توفي الشيخ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي عام ١٨٨٣

 

 

 

 

 

 

 
 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

 
 

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

 
 

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com