إبراهيم أدهم باشا (المتوفى 1869) عسكري تقليدي عهد إليه بأن يكون واحدا من رواد الإدارة التربوية السلطوية في عهد محمد علي وخلفائه المباشرين. كان تنفيذيا تقليديا من القلائل الذين تولوا أمور المعارف في مستواها الأعلى، حيث كان رئيسا لديوان المدارس ثلاث مرات.
أبدأ بأن أذكر ما أكرره من أن إبراهيم أدهم باشا هو المسئول الأول عن التعليم المصري في العهد الذي سبق على مبارك باشا الملقب بأبو التعليم ١٨٢٤- ١٨٩٣، ولا سبيل إلى مقارنته بعلي مبارك باشا في تكوينه الفكري ولا في توجهاته ولا في إنجازاته لكن عمله التقليدي لم يخل من إنجازات تعتبر ضخمة في عصر الانحطاط الذي أدى فيه مسئوليته عن التعليم في دولة خلفاء محمد على الأولين حين كانت الآمال التوسعية قد تقلصت ومن ثم تضاءل الاهتمام بالتعليم إلى اقصى حد ومع هذا فقد نجح هذا الرجل الطيب المسالم في أكثر من مهمة بدءا من عهد محمد علي باشا نفسه فهو الذي تولى انشاء مدرسة الفنون والصنائع (1839)، وكانت تسمي «مدرسة العمليات»، كذلك فإنه هو الذي أنشأ (بعد هذا) في أواخر سنة 1847.
كذلك فإنه هو الذي أنشأ مدرسة تجهيزية بالإسكندرية (1844)، وينصرف معني التجهيزية هنا إلى أنها مدرسة تهيئ لدخول المدارس العليا على نحو جيد، وبالمعنى الاصطلاحي المعاصر فإنها تعني مدرسة ما بين الإعدادية والثانوية، وهو ما كان يوازي ما يعرف بالمدارس الابتدائية القديم، وقد أسهمت هذه المدرسة مع المدرسة التجهيزية الملحقة بمدرسة الألسن في تزويد المدارس العالية بالطلاب، وقد حددت مدة الدراسة بها بثلاث سنوات. وفي 1849 أقيمت مدرسة حربية في القلعة سميت «مدرسة الصبية العسكرية». كما افتتحت (سبتمبر 1849) مدرسة حربية مفردة كبيرة على مستوى مصر كلها وسميت «مدرسة المفروزة»، وكان مقرها العباسية، ونقل إليها خيرة تلاميذ وأساتذة مدارس المدفعية والمنشاة والبحرية والفرسان التي كان الخديو عباس قد أغلقها، وكانت بهذه المدرسة حربية الوطنية «مدرسة المفروزة»، ثلاث مراحل: مرحلة ابتدائية وإعدادية أو تجهيزية وعسكرية.
كذلك كان لهذا الرجل دور كبير في محو الأمية من المنبع حيث أنشأ مكتبا ملحقا بمدرسة المبتديان بالقاهرة (1843) بالتعاون مع رفاعة الطهطاوي، وكان الغرض من هذا المكتب تجربة طريقة لانكستر التعليمية، وهي الطريقة التي اعتمدت عليها فرنسا وإنجلترا وقتئذ في نشر التعليم الأولي بين أفراد الشعب، ثم عمم التجربة (1847) بإنشاء مكتب في كل قسم من أقسام القاهرة الثمانية (حين كانت العاصمة مقسمة إلى ثمانية أقسام يعرف كل منها بالثمن)، وسميت «مكاتب الملة»، أي الأهالي، وتحدد الهدف الأساسي من إنشائها في محو أمية السواد الأعظم من السكان، وقد أغلقت في عهد عباس باشا، وكانت هذه المدارس تسير على النسق الأوروبي في التنظيم و الفكر التربوي الغربي، وكان الغرض من مكاتب الملة نشر التعليم بين سكان القاهرة. من الطريف كذلك أنه أنشأ قسما لدراسة العلوم الفقهية بمدرسة الألسن ويذكر لإبراهيم أدهم أنه هو الذي قرر منح خريجي مدرسة الطب لقب دكتور وشهادة الدبلوم في الطب أسوة بما كان متبعا في أوروبا. وفي عهده سمح للتبشيريين بإنشاء أنشئت مدرسة راهبات الراعي الصالح (يناير 1846) في حي الموسكي، وكانت مدرسة ابتدائية للبنات.
يعود أصل عائلة إلى الآستانة، وقد قدم إلى مصر في عصر محمد علي باشا فاستوطنها، وكان ملما باللغات الفرنسية، والتركية، كما كان على معرفة جيدة بأمور التشكيلات العسكرية، وتنظيم المهمات، وقد عينه محمد علي ضابطا في المدفعية، ثم اختاره ناظرا للمهمات الحربية، وهو ما يناظر في زمننا هذا المسؤولية عن اختصاصات تتولاها إدارات الإمداد والتموين والتسليح والإنتاج الحربي، فبذل جهده في هذا المجال، وظهر تفوقه، ثم ترقي إلى رتبة أميرالاي، لكنه سرعان ما عاني من محنة وظيفية قاسية في ذلك الوقت حيث وشى الواشون في حقه وأوغروا عليه صدور رؤسائه ففصل، واتهم في قضية استمرت نحو ثمانية أشهر حتى ظهرت براءته منها. وعندما عاد إبراهيم باشا من الحرب السورية أثني عليه وزكاه عند محمد علي، مشيدا باجتهاده فأنعم عليه محمد علي باشا برتبة أمير لواء، وأعيد إلى وظيفته. وبعد وفاة مصطفي مختار بك أضيفت إليه شئون المدارس فصار مدير ديوان المدارس (وهو ما يعادل منصب وزير المعارف العمومية فيما بعد)، وقد تولي هذا المنصب نحو عشر سنوات (1839 ـ 1849).
أما في بداية عهد الخديو عباس فقد تولي ما يوازي وزارة المعارف بضعة أشهر (أكتوبر 1849 ـ مايو 1950)، ثم نقل إلى مجاله الأصلي مديرا للمهمات الحربية، وعهد إليه بالإشراف على أوقاف الحرمين الشريفين، وأنعمت عليه الحكومة تقديراً خدماته بقطعة من الأرض بلغت مساحتها 850 فدانا في قرية سبرباي بمديرية الغربية. وفي عهد الخديو سعيد أسند إليه منصب محافظ العاصمة وكان هذا المنصب يسمى محافظ مصر (أي القاهرة، وكانت العاصمة لا تزال تسمي باسمها الحبيب والمعروف عند الناس حتى الآن)، وأنعم عليه برتبة الباشوية وصار يعرف منذ ذلك الحين بالاسم المختصر الشهير أدهم باشا، وأضيفت إليه المسؤولية عن قلم الهندسة مع المسؤولية عن المهمات الحربية.
وقد عاد أدهم باشا إلى تصدر المسئولية عن التعليم لفترة قصيرة في بداية عهد الخديو إسماعيل حيث أعيد «ديوان المدارس» (يناير 1863) بعد أن ألغاه سعيد باشا، واستدعي أدهم باشا فقام بفتح المدارس من جديد وإصدار اللوائح التي تنظم التعليم، وكانت أولاها لائحة تنظم المدارس وديوانها (فبراير 1863)، وظل يمارس أعماله حتى ضعفت قواه لكبر سنه، فخلفه شريف باشا في منصبه في 26 يوليو (1863). وهكذا فإن إبراهيم أدهم عاد في عهد الخديو إسماعيل لتولي رياسة ديوان المدارس (ما يقابل وزارة المعارف العمومية فيما بعد) عدة أشهر (يناير ـ يوليو 1863). وهكذا فإنه تولي رياسة ديوان المدارس ثلاث مرات:
15 مايو 1839 ـ 24 مارس 1849
18 أكتوبر 1849 ـ 8 مايو 1850
26 يناير 1863 ـ 26 يوليو 1863
وصفته ادبيات التراجم في عصره فقالت إنه كان رقيق القلب، رحيما، كثير الصدقة، يباشر المصالح بنفسه بلا تعاظم، ولا تكبر، ويلاطف أصحاب الحاجات حتى يقف على حقيقة شكواهم، ويقوم بنصرة المظلوم. لكن المراجع المؤرخة للتربية والتعليم في مصر الحديثة تذهب إلى القول بأن النظام التعليمي انتكس في عهده، وأغلقت معظم المدارس حتى أصبح عددها قبيل وفاته ثمانية معاهد بعد أن كانت 63 معهدا، والواقع أنه لم يكن صاحب هذا التوجه ولا صاحب القرارات المنفذة، وإنما كانت هذه هي القرارات التي أوصت بها لجنة تنظيم المدارس الثانية (حتى وإن عقدت برئاسته ـ 1841)، وهي التوصيات التي اتجهت سياستها عن اضطرار إلى ضرورة الاقتصاد في نفقات التعليم بجميع مراحله. من ناحية أخرى فقد عُرف عن أدهم باشا شغفه بالحياة الاجتماعية في أوروبا، فكان كثير التردد على إنجلترا حتى في أثناء توليه المسئولية الوزارية، مما اضطر الحكومة إلى تعيين أحمد يكن وكيلا لديوان المدارس في عهده، وهو أول مَنْ تولي هذا المنصب في تاريخ الديوان.
كان من تلاميذه في الهندسة إبراهيم بك رأفت وكيل ديوان المدرس، ومصطفي راسم مدرس الهندسة بمدرسة قصر العيني، وحسن الغوري مدرس الهندسة بمدرسة المدفعية بطرة.
اعتزل إبراهيم أدهم خدمة الحكومة كما ذكرنا في 1863، وكانت وفاته سنة 1869.