الرئيسية / المكتبة الصحفية / هكذا كان مديرو الجامعة يشاركون الطلاب في مقاومة الإنجليز في معارك القنال

هكذا كان مديرو الجامعة يشاركون الطلاب في مقاومة الإنجليز في معارك القنال

في أعقاب ثورة ٢٥ يناير وفي حوار صحفي أجراه الصحفي الأستاذ أحمد سبيع مع الأستاذ محمد مهدي عاكف [نشر الحوار في ٢٠١٢] في فترة وجود الإخوان في السلطة، دار الحديث ضمن ما دار عن المقاومة الشعبية التي اندلعت عقب قيام زعيم الأمة النحاس باشا رئيس وزراء مصر بإلغاء معاهدة ١٩٣٦، وإن كان الأستاذ مهدي عاكف والأستاذ أحمد سبيع لم يلقيا الضوء بما فيه الكفاية على السياق التاريخي للأحداث التي شهدت تلاحم الشعب في مقاومة مسلحة للمحتل أدت في النهاية إلى تسريع جلاء البريطانيين عن قواعدهم العسكرية في منطقة قناة السويس.

يشير النص التلقائي الذي حكاه الأستاذ مهدي عاكف إلى أدوار مجيدة ومشرفة لستة علماء من قيادات الجامعة ثلاثة منهم تولوا منصب مدير جامعة عين شمس وهم مديرها الأول والمؤسس الدكتور محمد كامل حسين، ومديرها الثاني الذي كان في ذلك الوقت وكيلا للجامعة وهو العلامة الأستاذ مصطفى نظيف، ومديرها في ١٩٦٧ وهو الدكتور محمد حلمي مراد وزير التربية والتعليم في ١٩٦٨ الذي كان في ذلك الوقت عضو هيئة تدريس شابا عائدا من البعثة، ومع هؤلاء عميد كلية حقوق عين شمس الأشهر والمؤسس الدكتور عثمان خليل عثمان، أما الأستاذان اللذان كانا يتابعان الطلاب بحدبهما وإخلاصهما فقد توليا المناصب الوزارية وهما الدكتور حسن مرعي وزير التجارة والصناعة، والدكتور مصطفى كمال حلمي نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم.

فلنطالع في صمت خاشع واحترام مهيب هذا الذي رواه الأستاذ مهدي عاكف بعد ستين عاما من هذه الأحداث المجيدة، ولنتأمل في هذا الولاء الوطني والنضج الذي كان مع الاحترام والأبوة الحقيقية بمثابة سمات بارزة في أداء قيادات الجامعة. يقول الأستاذ مهدي عاكف ضمن ما يقول: “كان الإخوان ينظمون المظاهرات والمؤتمرات، واستطاع الشعب وفي مقدمته طلاب الجامعات والمدارس أن يخرج الإنجليز من القاهرة والإسكندرية والمدن الكبرى إلى منطقة القناة، وظللنا في ذلك الوقت في عزيمة وإصرار على إخراجهم من مصر؛ فبدأنا نُفكِّر في عمل معسكرات تدريب في الجامعات ونكون رجال حرب عصابات نقاتل بهم الإنجليز في القناة”.

“كنت وقتها وبعد أن أنهيت دراستي بمعهد التربية الرياضية قد التحقت كطالب منتسب بكلية الحقوق بجامعة إبراهيم (عين شمس حاليًّا)، وكان الدكتور محمد حلمي مراد رئيس اتحاد الطلبة في جامعة إبراهيم لا يزال شابًا صغيرًا جاء لتوه من فرنسا، فوجئت به يرسل إليَّ هو وبعض الطلبة بأنهم يريدون أن نعمل معسكرات في الجامعة، ونتدرب على السلاح لكي نحارب الإنجليز، واختارني الاتحاد لأكون رئيس معسكرات جامعة إبراهيم، فأخذتُ الإذن والتوجيه من الإخوان”.

“وضعت خطة وبرنامج المعسكر بنفسي. وقام برنامج التدريب على هدفين أساسيين؛ الأول: محو الأمية العسكرية لدى الشعب المصري وطلبة الجامعات، والثاني: أن يسير التدريب في برنامج جاد، بحيث لا يمسك سلاحًا إلا الشخص الجاد الذي ينجح في كل الاختبارات الرياضية العنيفة والمصارعة مع الصبر والالتزام الكامل بشروط الجندية من حيث الأخلاق والتزام القيم، وقد نصبت خيمة في قلب الجامعة ووضعنا فيها بعض الأسلحة وبدأنا التدريب وفق البرنامج الموضوع”.

“وكانت تقام معسكرات تربوية للطلاب بالتنسيق بين قسم التربية الرياضية وقسم الطلاب في الإخوان، ويتم إعداده للطلاب بما يتناسب معهم، وظللنا نعمل حتى خرجنا أفواجًا كثيرة دون أن يشعر بنا أحد غير بعض الأساتذة ومنهم الدكتور مصطفى كمال حلمي، وكان مدرس كيمياء في كلية الهندسة، والدكتور حسن مرعي، وكان نعم الرجل، والدكتور عثمان خليل عميد كلية الحقوق، وكثير من الأساتذة كانوا يشجعوننا، وعلى رأس هؤلاء جميعًا الدكتور سعيد النجار، وكان مدرسًا بكلية الطب ويكاد يكون معي خطوة بخطوة”.

الواقعة الحاسمة المشرفة

ثم نأتي إلى الواقعة الحاسمة المشرفة التي لا يكاد أحد يتصور أن يقوم بها أبطالها على هذا النحو: “في أحد الأيام فوجئتُ بالدكتور عثمان خليل، عميد كلية الحقوق، يأتيني ويقول لي إن مدير الجامعة الدكتور محمد كامل حسين يريد أن يقوم بافتتاح المعسكر على شاكلة معسكر جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة)، فقلت له: يا عثمان بك نحن خارجون عن القانون، ونعمل في حمى حرم الجامعة، ولا نستطيع أن نقوم بذلك خارج الحرم الجامعي، وأنتم لكم صفة رسمية، فهل تشاركوننا هذه المسؤولية؟ فصمت ولم يرد عليَّ بكلمة”.

“وجاءني الدكتور حسن مرعي، وقال لي نفس الكلام فرددت عليه بنفس الرد”، “وجاءني قائد الحرس أيضًا، وكان برتبة عقيد فقلت له نفس الكلام السابق ولم يستطع أن يرد عليَّ”. “إلى أن أرسل لي الدكتور محمد كامل حسين مدير الجامعة- وكان رجلاً عالمًا ومهذبًا، فذهبت إليه في مكتبه واستقبلني منذ دخلت من الباب حتى أجلسني بجانبه، وكان الدكتور نظيف وكيل الجامعة موجودًا بنفس المكتب فكرر عليَّ نفس الطلب السابق بأن يقوم بافتتاح المعسكر بنفسه ورددت عليه بنفس ردي على السابقين: فلست أنسى هذه الكلمة أبدًا، قال لي: شرف عظيم يا بني أن أشارككم جهادكم”.

“عندما سمعت منه هذه الكلمة خرجت من عنده، وأعددت حفلاً لافتتاح المعسكر بالذخيرة الحية لم تشهد الجامعة مثله من قبل”، “كنا شبابًا متحمسين وليس لنا ثقة في أهل الحكم والإدارة فأحببت أن أؤمن نفسي، فأحضرت مدفعًا وقبل أن أقدم لكلمة الدكتور محمد كامل حسين قلت: قبل أن نستمع إلى كلمة الدكتور محمد كامل حسين فلنستمع إليه وهو يفتتح المعسكر بطلقات الرصاص، وكنت قد دعوت صحفيين فالتقطوا له الصور، وهو يمسك بالمدفع ونشرت الصور في الصفحات الأولى في الصحف في اليوم التالي”.

استطراد يسير

كان الدكتور محمد كامل حسين العلم والمفكر والأديب كما نعرف أستاذا لجراحة العظام في كلية طب قصر العيني قبل أن يكون مديرا لجامعة عين شمس أما مدير جامعة القاهرة فكان هو أستاذ الجراحة الأشهر الدكتور محمد عبد الوهاب مورو باشا الذي يذكر له التاريخ أنه كان في ذلك الوقت لا يكتفي بتشجيع المقاومة بل كان يمول كفاح الطلبة ومقاومة الشعب من جيبه الخاص.

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة اضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال اضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com