تقول القاعدة إننا إذا أردنا النسب في اللغة العربية ننسب إلى المفرد وليس إلى الجمع، ومع هذا ومع كل الاحترام لكل الموجبات والمبررات والأصول التي تجعل القاعدة القائلة بالنسبة إلى المفرد لا إلى الجمع، هي الأصل الواجب الالتزام فإن الانفجار المعرفي يجعلنا في غاية الاضطرار إلى إقرار مبدأ النسب إلى الجمع في كثير من الحالات، وقبل أن أعدد هذه الحالات التي أعتقد في استدعائها لتطوير القاعدة الأصلية أحب أن أذكر مثلاً واضحاً من لجوء العرب إلى النسب إلى الجمع الذي صار في حكم المفرد، وذلك من قبيل أسماء البلاد التي سًميت باسم هو في الأصل جمع لا مفرد وذلك كالظواهر التي تعني ضواحي مكة والتي تُنسب إليها عائلة الشيخ الظواهري، وكالعوامر التي تُنسب إليها عائلة الأستاذ العوامري، وقل مثل هذا في الجنسيات نفسها حين يكون اسم كيان الدولة المنسوب إليها مواطنها مأخوذاً من صيغة الجمع كما هو الحال في الجزائر وفي دولة الإمارات التي تكون النسبة إليها جزائري وجزائرية، إماراتي وإماراتية. وقل مثل هذا في ألقاب عدد من العلماء والشعراء القاياتي والغاياتي والصوالحي والقللي.
فإذا كنا (أو بالأصح كان أسلافنا) نسبنا إلى الجمع حين أصبح يستعمل استعمال المفرد كاسم علم فمن باب أولى (ولا أقول من باب القياس) نستطيع أن نفهم أن النسبة إلى كل جمع صار علما أو صار يستعمل في محل استعمال اسم المفرد، هي شيء مبرر أو مسوغ أو جائز، ومع أني لست ميالا إلى وضع قواعد جديدة أو استحداثها، فإني بطبعي ميّال إلى اكتشاف أصول القواعد التي تُمكّنُني من وضع تعديلات منطقية تبدو وكأنها قواعد جديدة بينما هي امتدادات أو اكتشافات أو تطبيقات فحسب، هل أظنني بحاجة إلى هذا التحفظ في مطلع هذه المدونة التي تتحدث عن الأسباب التي اراها موجبة للجوء إلى النسبة إلى الجمع؟ على كلّ الأحوال فإن الأمثلة التي سنوردها كفيلة بالتدليل على مدى التعنّت الذي سنوصف به إذا نحن لم ننتبه إلى هذه الموجبات
1. أن يكون الاسم المنسوب إليه جمعاً، فإذا أنت أردت النسبة إلى صحفي يعمل في جريدة الأهرام فإنك تقول أهرامي ولا يليق بأي حال أن تقول هرمي. هذا هو تبسيط القاعدة لكن هذا الحكم ينسحب إلى ما هو أهم مما هو مقصود بعينه في بعض الأحوال في الرياضيات والفيزيقا حين يتطلب الأمر النسب إلى مفرد في بعض الحالات بينما يتطلب النسب إلى الجمع في حالات أخرى، والمثل واضح جدا فالشكل الأهرامي غير الشكل الهرمي، والشكل الدوائري غير الشكل الدائري.
2. أن تكون المهنة المنسوب إليها متعلقة بجمع لا بمفرد فبائع الكتب يبيع كتبا وليس كتاباً واحداً وبهذا تكون النسبة: كتبي، وليست كتابي التي تستخدم في عدة معاني مختلفة فهي تعني تحريري كما أنها تطلق على كل من ينتمي إلى أصحاب الكتب المنزلة.
3. أن يكون المنسوب إليه نفسه جمعا وليس مُفردا وذلك على نحو ما يقول علماء اللغة أنفسهم: النحت الأوائلي، لأنه يأخذ أوائل الكلمات وليس أول كلمة واحدة، فإذا قُلت عنه إنه نحت أولي جاوزت الصواب تماماً.
4. أن تقصد التفريق بين مدلولين زمنين مُختلفين، فالستّيني منسوب إلى سن الستين فحسب، ولكن الستينياتي تعني النسبة إلى عقد الستينيات.
5. أن يكون اسم العلم نفسه جمعاً مثل أنور السادات فالنسبة إليه ساداتي، وقل مثل هذا في العادات والعويدات.. الخ وبخاصة في الأسماء الأردنية والفلسطينية.
6. أن يكون المقصود هو التكثير وليس الحالة مثل النسبة إلى الاتصالات فإنها في جوهرها عملية اتصالية لكن المقصود بالاتصالات هي تعدُّد شبكة الاتصال وآلياته وزمنه.. الخ
7. ونأتي الآن إلى استعمال جديد لم يشع بعد، وهو أن يكون المقصود بالنسب مجتمعاً ذا تكوين (أو هيئة أو اتحادا أو جمعية) وليس حالة من ذلك الحديث عن المنظمات الدولية فهي تعني منظمات مرتبطة بهيئة الأمم المتحدة أو ما يُشابهها من الاتحادات الدولية، ولا تعني مجرد الحديث عن حالة دولية بين دولة وأخرى، والمثل الواضح على هذا أن نقول إن تلك الجمهورية تتمتع بعلاقات دَولية مضطربة، لكنها تتمتع بعلاقات دُولية ممتازة، فالأولى تعني العلاقات الخارجية المضطربة بينها وبين عدد من دول العالم، والثانية تعني علاقاتها المتميزة بهيئة الأمم المتحدة نفسها، وهكذا نستطيع أن نفهم عبارة من قبيل إن الولايات المتحدة الأمريكية قطعت علاقتها الدُولية باليونسكو وإن احتفظت بعلاقاتها الثقافية الدَولية مع دول اليونيسكو، أي أنها قطعت علاقاتها المنتظمة في الإطار المؤسسي بتلك المنظمة الدولية وأبقت العلاقات الطبيعية (الثنائية) مع كثير من الدول المشاركة في هذه المنظمة .