الرئيسية / المكتبة الصحفية / الأستاذ #مصطفى_حجازي الهرم الأكبر في إنجاز معجم اللغة العربية الكبير

الأستاذ #مصطفى_حجازي الهرم الأكبر في إنجاز معجم اللغة العربية الكبير

كان الأستاذ مصطفى حجازي (1923 – 2015) رجلا فاضلا أوتي مجامع الحكمة واللغة والتهذيب، ولم تجتمع هذه الثلاث لأحد من معاصريه كما اجتمعت له، وقد كانت حكمته تتجلى في كلامه وحديثه وصوته، كما تجلت أيضًا في نقاشه وقراره وعمقه، وفي وتيرة حديثة ونبره. أما معارفه اللغوية فقد نمت إلى الحد الذي أصبح فيه أعلم أهل زمانه بالعربية متنًا وفقها وتراثا، وقد كان، على سبيل المثال، من المستحيل أن تفتقد ذاكرته نصًا شعريًا إذا هي تفقدته في تلافيفها. ساعده على ذلك علم أصيل نجا من الادعاءات والشكليات، كما ساعده على ذلك فقه رفيع مكنه من معرفة النصوص ومضاربها ومواردها، وقد نمت معه هاتان الملكتان يدعم بعضهما البعض منذ شبابه الباكر. وهكذا استقام له متن اللغة على نحو نادر، وخضع لاستشهاده ولاستدعائه إن جاز هذا التعبير، وما أظن المعنى يستحق لفظًا أقل إيحاء من لفظ الخضوع في الدلالة على سيطرته على متن اللغة الذي خضع له أستاذنا، وما كان يخضع هكذا لأحد غيره من معاصريه العرب أجمعين.

 

أما تهذيبه المتنامي فقد دفعه دفعًا إلى أن يتسامى على المطالب، ويتعالى على الصغائر، ويتناءى عن مواقع التحزب مع حفاظه على الأصول والقواعد ومقتضيات السلوك إلى أبعد حد، ومع حرص دائب على المجاملة في وقتها، والتألق فيها والوفاء بها في زمن كانت قسوته قد أخذتنا بعيدًا بعيدًا عما كان يمثله سلوك هذا الأستاذ الجليل.

 

صحب الأستاذ مصطفى حجازي المعجم الكبير منذ ١٩٦١، أي منذ رسم خطته، فكان المحرر الأول له، ثم صار رئيسا للتحرير، فمديرا عاما للمعجمات وإحياء التراث. وقد وضع دراسة بعنوان «المعجم الكبير.. المنهج والتطبيق» بسط فيه منهج المعجم في إيراد مادته اللغوية، وترتيب مداخلها الفعلية والاسمية، وأسلوبه في الاستشهاد على المعاني والاستعمالات، ومنهجه في إيراد مادته الموسوعية من: المصطلحات، وأعلام الأشخاص، وأسماء المواضع والبلدان، والحيوانات… إلخ، وأورد نماذج لتحرير كل منه. مطبوعات مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1981). اضطلع بإخراج الجزء الثاني من المعجم الكبير، فضبط أصوله، ورقمها، وراجع تجاربه كلها. مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1981). وهو الذي خلف المرحوم الأستاذ عبد السلام هارون في الإشراف على مراجعة وإخراج «معجم ألفاظ القرآن الكريم (1989).

 

كان يعرف قدر نفسه

حين أتيح لي أن أتقدم بالشكر لأساتذتي المجمعيين الذين أولوني ثقتهم، كان الأستاذ مصطفى حجازي بالطبع في مقدمتهم واختنق صوتي وأنا أقول إنه جمع الدراية والرواية، حتى وصلت إلى قولي: إنني أرى صورة والدي الحبيب عليه رحمة الله في وجهه، ولم أكن مبالغًا ولا مبتعدًا عن الحقيقة ولا عن التصوير القائم على الحقيقة. كان الأستاذ مصطفى حجازي رحمه الله أكبر من كل تقدير، وكان يعرف هذا من نفسه شأنه شأن العلماء الذين يعرفون المعرفة، ويعرفون ما يعرفه غيرهم، ويعرفون ما لا يعرفه غيرهم، ولم يكن معنيًا من قريب أو بعيد بأن يصور موضع نفسه بين أقرانه ولا يعد أقرانه ولا قبل أقرانه، وكان إذا سألته عن أحد يكتفى بقوله المهذب: «إن شهادة الأقران في حق بعضهم لا يعتمد عليها ولا يعُول».

 

وكان مع هذا يعتز بما أنجز حتى لو كان الناس لا يعرفون كل ما أنجز، فقد كان، على سبيل المثال، بجهده المتصل هو العمود الأوسط والأقوى الذي استند إليه المعجم الكبير الذي بدأ مشروعه مع بدايات المجمع، لكنه لم ينتج ولم يثمر إلا مع مشاركاته الفاعلة والدائبة محررًا، ورئيسا للتحرير، وخبيرا وعضوًا في لجنته، ورئيسًا لها. كان الأستاذ مصطفى حجازي في أثناء المداولات العلمية ينصت للخطأ الخفي حتى لا يكاد يبتسم، لكنه كان يجد نفسه مدفوعا إلى أن يبتسم للخطأ إذا ما وجد أنه على وشك أن يضلنا. وكان يرى طغيان التدهور يسير من ميدان إلى ميدان فيدرك الحقيقة، ويشير بكل وضوح إلى ما آمن به من أن حقائق الحياة لا تحتمل المجاملة، وأن أجيالنا القادمة هي التي ستدفع من حياتها ثمن التهاون بعد التهويل، وثمن التكاسل بعد الكسل، وثمن التزييف بعد الزور، وثمن التهريج بعد الهرج.

 

كان مشفقا على وطنه قبل رحيله

وقد وصل في سنواته الأخيرة في حزنه على وطنه وعلى شعبه إلى أقصى ما يمكن للإنسان السوي أن يصل إليه من حالات الألم النفسي ثم الاحتقان ثم التباعد بنفسه بل بوجوده عن البحر اللجي الحافل بالزور والتزييف والتهاون والهرج والتهريج. كان رحمه الله لأبنائه ولتلاميذه وللاحقين به أبا عطوفًا كريمًا قدر له أن يمارس الأبوة مع الأبناء والأحفاد ومع أجيالهم من ذويه وأقاربه، فكان كل هؤلاء يقدرون فيه عظمة الخلق وإخلاص الحب والمودة، وقد نهلوا من علمه وأدبه، ونالوا من روحه وقلبه كثيرًا من العطاء الذي تشربوه والاقتداء الذي يستهدونه.

 

كان مجلسه العلمي مثابة أمن وراحة لمن افتقد الراحة، وكان حديثه بمثابة علم وتعلم لمن أرادهما، كان ملمًا بالتاريخ الذي عاشه إلمام المثقف الذكي الناقد الذي كان يستطيع التفريق بين الحق والباطل، بضمير نقي ونفس سوية. كما كان واحدًا من الذين أفادوا من ثقافة الصحافة وانتشارها ومداها ودراساتها واستقصاءاتها، الملمة بكثير من الحقائق والاختلافات. وقد وفرت له المتابعة العميقة والدربة الذكية إحساسًا بالزمن وبالتاريخ وبالعالم من حوله على نحو جميل وصادق ومعبر، وتمكن هو من أن يحول هذا النمو بخبرته وحنكته إلى ارتقاء معرفي مفيد ودقيق ومحقق، ثم إلى فن متبلور معبر، وهكذا كانت معرفته بالأعلام المعاصرين والأحداث نموذجًا فذا لإلمام المثقف الواعي.

 

نشأته وتعليمه

ولد الأستاذ مصطفى حجازي في يناير 1923 بقرية برمبّال الجديدة، بالقرب من مدينة دكرنس في الإقليم المسمى بالبحر الصغير في مديرية الدقهلية. وتلقى تعليمًا دينيًا متميزًا في معهد دمياط الابتدائي ثم في معهد الزقازيق الثانوي ثم في جامعة القاهرة، وتخرج في كلية دار العلوم (1950)، ونال دبلوم معهد التربية العالي للمعلمين (1951)، وعمل بالتدريس في بعض مدارس القاهرة الثانوية، وتدرج في الوظائف الفنية في مجمع اللغة العربية حتى أصبح مديرا عاما للمعجمات وإحياء التراث (1978). واختير في أثناء خدمته الطويلة عضوًا في لجنة إحياء التراث بالمجلس الأعلى للثقافة (1980).

 

امتد نشاط الأستاذ مصطفى حجازي إلى البلاد العربية، فشارك في إنشاء مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بكلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة في العام الجامعي 1978. كما عمل رئيسا لقسم التراث العربي بوزارة الإعلام في دولة الكويت (1982 ـ 1988). وفي مصر اختير خبيرا بلجنة المعجم الكبير في مجمع اللغة العربية (1988 ـ 1992). وتوج حياته العلمية بانتخابه عضوًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة (مايو 1992)، في الكرسي السادس والعشرين الذي خلا بوفاة الدكتور أحمد السعيد سليمان. كما اختير عضوًا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق (أغسطس 1993).

 

تحقيقاته القيمة

حقق الأستاذ مصطفى حجازي عددًا من أمهات الكتب:

– «تاريخ اليمن المسمى بهجة الزمن» لعبد الباقي بن عبد المجيد اليماني (1965).

– «المنازل والديار» لأسامة بن منقذ. صدر عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية (1968)، وأعيد طبعه مرارا.

–  عشرة أجزاء من «تاج العروس شرح القاموس المحيط»، هي الأجزاء (5 و12 و17 و22 و24 و25 و27 و30 و35 و37)، والجزء الـ15 بالاشتراك.  وزارة الإعلام بدولة الكويت، وصدرت تباعا فيما بين سنتي 1969 و2001.

– الجزء العاشر من «المحكم في اللغة» لابن سيده. صدر عن معهد المخطوطات العربية (1997).

– الأجزاء: التاسع، والحادي عشر، والثاني عشر من «المحكم في اللغة» بالاشتراك. صدر عن معهد المخطوطات العربية (1996 و1998 و1999).

– الجزء الثالث والثلاثون من كتاب «نهاية الأَرِب في فنون الأدب» للنويري. صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب (1997).

 

الكتب التي قدمها بدراسات علمية بعد تحقيقها

حقق الأستاذ مصطفى حجازي عددًا من الكتب وتولى تقديمها بدراسات علمية:

– كتاب «التنبيه والإيضاح» المعروف بحواشي ابن بري على الصحاح، الجزء الأول، وصدّره بترجمة لابن بري ودراسة للكتاب. صدر في مطبوعات مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1980).

– كتاب «الشوارد» أو «ما تفرد به بعض أئمة اللغة»، وقدم له بترجمة لمؤلفه الصاغاني، ودراسة للكتاب في 43 صفحة. صدر في مطبوعات مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1983).

– كتاب «التكملة والذيل والصلة لما فات صاحب القاموس من اللغة» للزبيدي، الأجزاء: الأول والثاني والخامس والسادس، وصدّر الجزء الأول بترجمة للمؤلف، ودراسة للكتاب في 68 صفحة. صدر في مطبوعات مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1986 و1987 و1988).

 

أما الكتب التي راجع الأستاذ مصطفى حجازي تحقيقها فتشمل:

– «منال الطالب في طوال الغرائب» لابن الأثير، تحقيق الدكتور محمود الطناحي. صدر (1982) عن مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بمكة المكرمة.

– «أدب الطبيب» لإسحاق بن علي الرّهاوي، تحقيق الدكتور مريزن سعيد عسيري، صدر (1989) عن مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بمكة المكرمة. 

– «خلق الإنسان في اللغة» لأبي محمد الحسن بن أحمد بن عبد الرحمن، تحقيق الدكتور أحمد خان، الأستاذ بالجامعة الإسلامية بباكستان. صدر (1986) عن معهد المخطوطات العربية بالكويت. 

– خمسة أجزاء (21 و23 و26 و33 و34) من «تاج العروس» الذي صدر عن وزارة الإعلام الكويتية. 

– الجزء الرابع والجزء الخامس من كتاب «غريب الحديث» لأبي عبيد. مطبوعات مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1993 و1994).

– الجزء الرابع من كتاب «ما يعول عليه للمحبي».

 

إسهاماته في مجال المعاجم اللغوية:

راجع الأستاذ مصطفى حجازي تحقيق الجزء السابع من «تكملة القاموس» للزبيدي، صدر 1996.  وأشرف على وضع ومراجعة فهارس «ديوان الأدب» للفارابي. مطبوعات مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1979). وأشرف على وضع ومراجعة فهارس كتاب «الجيم» لأبي عمرو الشيباني. مطبوعات مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1983). وكتب بحثه الطريف «مادة في القاموس سقط شرحها من تاج العروس»، مجلة مجمع اللغة العربية الجزء الثامن والثلاثون. أما إسهامات الأستاذ مصطفى حجازي في مجال المعاجم اللغوية العربية الحديثة فلعل أبرزها ما تحدثنا عنه في البداية من ارتباط حياته بالمعجم الكبير.  

 

جهوده في الدراسات اللغوية

شارك في إعداد وإخراج الجزئيين الثاني والثالث من كتاب «في أصول اللغة» وقد صدرا سنة 1975 و1984. شارك في إعداد وإخراج الجزء الأول من كتاب «الألفاظ والأساليب». وصدر سنة 1977.  وقد مر نشاط الأستاذ مصطفى حجازي في مجمع اللغة العربية بمراحل متعددة بعد انتخابه لعضوية المجمع (1992) فعمل عضوًا في لجنتي المعجم الكبير العامة والتنسيق (1992 ـ 2001)، ثم صار مقررا لهما خلفا للمرحوم الأستاذ إبراهيم الترزي (منذ سبتمبر 2001). عمل عضوًا في لجنة إحياء التراث (1992 ـ 1998)، ثم صار مقررا لها خلفا للمرحوم الشيخ محمود شاكر (1998) وعمل عضوًا في لجنة مراجعة الوسيط لإعداد الطبعة الرابعة (1995 ـ 1999). وللأستاذ مصطفى حجازي ثلاث كلمات في تأبين ثلاث من الشخصيات المجمعية: في تأبين المرحوم الأستاذ إبراهيم الترزي وفي تأبين الأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي. وفي تأبين المرحوم أحمد مختار عمر.  كما كانت له كلمة في استقبال الدكتور محمد حسن عبد العزيز.

 

تقديره العلمي فاق الرسمي

حظي الأستاذ مصطفى حجازي بتقدير علمي فاق التقدير الرسمي، وكان الإجماع على فضله وتفوقه ونبوغه نموذجًا للإجماع الذي يبتغي وجه الحق، وقد فات الدولة أن تكرمه بما يستحقه، لكنه كان راضيًا قانعًا مترفعًا. ومن الجوائز التي نالها الأستاذ مصطفى حجازي جائزة الدولة التشجيعية في تحقيق التراث (وكان أول من نال هذه الجائزة).

 

 

 

 

 
 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

 
 

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

 
 

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماس على طريق النصر

لما ظهرت حركة حماس إلى الوجود دارت مناقشات متعددة حول جدواها ومستقبلها، ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com